خطبة عيد الأَضحَى 1445هــــــــــــــــــــ
عبدالعزيز بن محمد
الحمد لله رب العالمين، تعالى جد ربنا، ما اتخذ صاحبة ولا ولداً، {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وما يعزب عن ربك من شيء في الأرض ولا في السماء. {الله الَّذِي خلق سبع سموات وَمن الأَرْض مِثْلهنَّ يتنزل الْأَمر بَينهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَن الله على كل شيءٍ قديرٌ وَأَن الله قد أحَاط بِكُل شيءٍ علما}
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيراً
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين: {..وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}
عباد الله : الإسلامُ مِنْهاجُ حياةٍ.. وقِوامُ دنيا ودين، وفي الأرض جعل الله للناس أسباب الحياةِ وأمرهم باستثمارها {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} وتتحقق الحياةُ الكريمةُ في الناسِ إذا أحسنوا للأرض استعماراً، وأحسنوا لها استثماراً {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} تُستعمر الأرضُ وتُستَثمَر.. حين يمشي الإنسانُ في فجاج الأرض يُنَقِّب عن خيراتها، ويبحث عن بركاتها، فيزرع زرعاً، ويغرس غرساً، ويبني مَعبَرا،ً ويُشَيِّدُ صرحاً، ويستخرج معدناً، ويصنع آلةً، ويُقِيمُ حضارة. وتتقدمُ الأممُ في الأرضِ.. حين تَنْشَطُ في طريق العاملين، وتبقى الأمم في السَّاقةِ، حين تؤثر الركون إلى الدعةِ، والعيشِ في فناء الخاملين.
* إن هذه الأرضَ وما فيها، والسماواتِ وما فيها، كلَّها مسخرةٌ بأمر لله للإنسانِ لو كان يتفكر {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} هذا في شريعتنا.. وليس في الشريعةِ ما يقف عثرةً في طريق الطامحين، وكُلُّ عملٍ فيه قيامٌ بمصالح العباد في أمر معاشهم ومعادهم فإن الشريعةَ تأمر به، وكلُّ نعمةٍ أوجدها الله للإنسان في الأرض، فإنه لا يحرم على المسلمين استثمارها، بل هم مأمورون بإتقانها {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} * واستثمار هذه الحياةِ.. إن لم يكن مدداً لاستثمار الآخرة، وتسخير عمل الدنيا إن لم يكن طريقاً لنيل فوز الآخرة، فإنما هذه الحياةُ ــ وإن بلغ الإنسان فيها من العلومِ أعلى مبلغ ــ إنما هي حسرةٌ تَعْقُبُهَا حَسَرَات.
غاصَ أقوامٌ في بحرِ عُلُومِ الحياةِ.. فاستخرجوا منهُ دقائقَ المعرفة ، ولكنهم غرقوا بجهلهم حين تاهوا عن اللهِ وغفلوا عن موعود الآخرة، فكانوا في زُمَرِ الهالكين، فجاء الذم لهم صريحاً في القرآن:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}
* إن استثمار هذه الحياةِ لا يكونُ مُربحاً.. إلا حين يُسَخَّرُ في تحقيق العبوديةِ لله، وإقامةِ شريعته في الأرض، وإن التمكين للأمم في الأرض لن يبقى ولن يطول.. إن لم يُشَيَّد بدعائم الإيمان والتقوى، {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}
* وكم من أُمةٍ.. مُكِّنَ لها في الأرضِ، أوتيت أسباب البقاء، وفُتحَ لها باب الرخاء، و مُدَّ لها بساطُ النعيم، فلما لم تُقِمْ لأمر الله وزناً، ولم ترعَ لله قدراً.. خَوَتْ فيها مدائن العزِّ، وعطِلت فيها آبار الثراء، وتهاوت فيها عروش التمكين {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيراً
أيها المسلمون : ومَنْ أَقْصَى الدِّيْنَ عن حياةِ الناسِ وزعم أن الدنيا يجب أن تكونَ في مَعْزِلٍ عن الدين، وأن الدين له طريقٌ لا يستقيم مع طريق الدنيا.. أفسد على الناس دينهم ودنياهم، فما الدِّيْنُ في الدنيا إلا كما الروحُ في الجسد، فإذا ما انتُزِعَتِ الروحُ من الجَسَدِ.. بَلِيَ وتحللْ.. وليس للجسد حينها إلا أن يُرمسَ في التراب.
* تظل دنيا الناسِ محفوظةً ما حميت بسياج الدين، فإذا ما نُحِّيَ الدينُ جنباً.. تواردت على الناس المهالك، ظلمٌ وبَخسٌ وَجَورٌ وطغيان، فسادٌ وجرأةٌ وتمادٍ وعدوان، ضعيفٌ يُقسى عليه، وفقير يُسْلَبُ ما لديه، وحقوقٌ تُسْلَبُ بشتى الحيل.
إذا ما نُحِّيَ الدينُ جنباً.. فلا ورعَ يَثني، ولا تقوى تردع، ولا مراقبةَ لله تُهّذِّب.
* ومَنْ جَعَلَ الدِّيْنَ مُستودعاً للدنيا.. يأخذُ من الدِّيْنِ ما يحمي به دنياه، ويترك من الدِّيْنِ ما يعارض شهوته وهواه.. فإنما هو محادٌ لله مخادع، وعده الله سوءَ العاقبةِ في الدنيا والآخرة {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} * أفْلَحَ من أقام دنياه بدعائم دينه، واتخذ من الدنيا خير زادٍ للآخرة {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}
اللهم أصلح لنا ديننا، وأصلح لنا دنيانا.. ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله.. وتزينوا بخير لباسكم {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}
أيها المسلمون: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} عَنْ أَنَسٍ t ، قَالَ: « ضَحَّى رَسُولُ اللهِ r بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ»، قَالَ: «وَرَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا»، قَالَ: «وَسَمَّى وَكَبَّرَ» رواه مسلم
وفي يوم النحر خطب رسول الله r ، فقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» رواه البخاري
فذبح الأضاحي لا يكون إلا بعد صلاة العيد، فمن ذبح قبل الصلاة فذبيحته ذبيحة لحم ليست ذبيحةَ نسك، وآخر يوم لذبح الأضحية هو غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق وهو اليومُ الثالثُ عشر، ويجوز ذبح الأضحية ليلاً ونهاراً، والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضلَ مما يليه؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير.
والأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام لقول الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } وبهيمة الأنعام وهي الإبلُ والبقرُ والغنمُ ضأنُها ومعزُها.
وتجزي الأضحية من (الغنم) عن الرجل وأهل بيته يشركهم في ثوابها، ولا يصح أن يشترك في ملك الأضحية من الغنم أكثر من واحد.
ويشترط للأضحيةِ أن تبلغ السن المحددِ شرعاً فمن الإبل ما له خمسُ سنوات، من البقرِ ما له سنتان، ومن الماعز ما له سنة، ومن الضأن ما له نصف سنة.
ويشترط في الأضحيةِ أن تكون خاليةً من العيوب، وهي العرجُ البين، والعور البين، والمرض البين، والعجفاء التي لا تنقى، أي الهزيلةُ التي لا مخ فيها، وكلَّ ما كان في حكم هذه العيوب أو أشد، فهو داخل في ذلك من باب أولى.
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله والله أكبر
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر ولله الحمد
معاشر المسلمين: إن ذبح الأضاحي من أعظم القربات التي لا تصرف إلا لله، وقد قرن الله عبادة الذبحِ بعبادة الصلاة في آيات من القرآن {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} فمن صرف شيئاً من الذبح لغير الله فقد أشرك شركاً أكبرَ
*وعلى المسلم أن يخلص لله في أضحيته فإن الله قد شرع هذه الأضاحي لتحقيق التوحيد وبلوغِ التقوى، {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} *ويجب أن لا يباشرَ ذبحَ الأضحيةِ إلا مسلماً أو كتابياً، ولا تحلُ ذبيحةُ غيرهما، فعلى المسلم أن يتفطن لذلك، عند استعانته بمن يعينه على ذبح الأضاحي.
ويسن للمسلم أن يأكل من أضحيته ويهدي منها ويتصدق {فكُلُوا مِنْهَا ، وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ، كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
ثم اعلموا أنه قد صح عن رسولكم rأنه قال: «إنَّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُم فَأحْسِنُوا القِتْلَة، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه، وَلْيُرِح ذَبِيحَتَهُ». رواه مسلم.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.. وجد علينا بعفوك إنك أنت الغفور الرحيم.. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار..
المرفقات
1718106075_خطبة عيد الأضحى 1445هـ.docx