خطبة عيد الأضحى 1444

مقطع من الخطبة:

ويستحب أن يوسع المسلم على أهله وأولاده وأرحامه وأن يظهر سماحة الإسلام وأن يدع الأطفال والصبيان يمرحون ويلعبون في هذا اليوم خاصة؛ ولا أدل على ذلك من نهي النبي الكريم -عليه أزكى الصلاة وأطيب التسليم- للصديق -رضي الله عنه- عن..

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الواحد الديان الذي هدانا للإيمان وشرع لنا من الأعياد ما تجلو بها الأحزان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وعد من أطاعه بنعيم الجنان وتوعد من عصاه بجحيم النيران، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم ما صدح المنادي بالأذان وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى والاتقان وعلى التابعين لهم إلى يوم القيامة بإحسان.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]؛ أما بعد:

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

 الله أكبر ما لبى ملب وكبر، الله أكبر ما حج حاج واعتمر، الله أكبر ما ضحى مضح ونحر، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

 

أيها المسلمون: إنكم في أعظم أيام الدنيا قدرا وأجلها شرفا وفضلا؛ إنكم في يوم النحر يوم عيد الأضحى المبارك؛ روى الأئمة الأعلام عن خير الأنام -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "أَعظمُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ"(صححه الألباني)، وروى عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: "أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال أي يوم هذا قالوا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر".

 

وقد اتفق علماء والسلف والخلف على أن يوم النحر خير الأيام قدرا وأعظمها منزلة؛ والسر في تفضيله على غيره من الأيام اجتماع جل أعمال شعيرة الحج فيه؛ فرمي الحجاج لجمرة العقبة، ونحر الهدي، والتحلل من الحج بالحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، وسعيهم بين الصفا والمروة، إضافة إلى ذبح الأضاحي لغير الحجاج، ولا شك أن هذه الأعمال لا تكون في غيره من الأيام؛ فبذلك حاز الأفضلية.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد

 

والعيد -أيها المؤمنون- فيه تكريم لأهل الإيمان وفيه تسلية لقلوبهم وفسحة لهم ولأهاليهم ولا غرابة فديننا دين السماحة واليسر؛ كما روت أم المؤمنين عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ"(السلسلة الصحيحة).

بل يستحب الفرح بعد إتمام الواجبات العظام والأعمال الجسام لأن النفس ملولة وتحب التجديد والترويح وقد جعل الله لها هذا الأعياد والمناسبات؛ كما روى أبو داود من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أنه قال: "كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر".

 

والمتأمل في أفراح الإسلام المشتملة على السرور والإيناس يدرك فضل الله -تعالى- على عباده ورحمته بهم؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58]؛ يقول السعدي -رحمه الله-: "أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود".

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

عباد الله: حق لكل مؤمن أن يفرح في هذا العيد وأن يلهو بوسائل اللهو المشروعة؛ لكن ينبغي عليه ألا ينسى الأعمال التي أرشدنا إليها الإسلام وحثنا على فعلها في أيام العيد؛ ألا وإن منها:

الفرح وإظهار السرور في هذا اليوم في بيوتنا وزياراتنا وسائر أحوالنا: فالفرح في هذه اليوم عبادة عظيمة فيفرح العبد بالدين الذي شرعه وهداه إليه وحثه على إظهار البشر والأنس فيه؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)[يونس:58].

 

ومما يستحب في العيد: ذبح الأضحية؛ وقد أجمع جمهور الفقهاء أنها سنة مؤكدة من سنن خير البرية وأزكى البشرية، ووقتها بعد صلاة العيد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من ذبح قبل أن يصلي؛ فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح"، ووقت الذبح: أربعة أيام، يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل أيام التشريق ذبح".

ويستحب للمضحي أن يأكل من الأضحية ويطعم أهله بيته منها، وأن يشمل بها الفقراء وأصحاب الحاجة والفاقة والبؤساء؛ كما أرشد إلى ذلك ربنا -جل في عليائه- في الآية الكريمة في قوله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)[الحج:28]؛ ويستحب للمضحي أن يذبح أضحيته بيده إن استطاع على ذلك، وأن يسمي الله ويكبره عند ذبحها، وأن يخفي السكين ويحدها بعيداً عنها، وألا يذبحها أمام أخواتها؛ وهذا من رحمة الإسلام ببهيمة الأنعام؛ فما أعظمه من دين.

 

ويستحب أن يوسع المسلم على أهله وأولاده وأرحامه وأن يظهر سماحة الإسلام وأن يدع الأطفال والصبيان يمرحون ويلعبون في هذا اليوم خاصة؛ ولا أدل على ذلك من نهي النبي الكريم -عليه أزكى الصلاة وأطيب التسليم- للصديق -رضي الله عنه- عن نهر الجواري اللاتي كن يغنين في بيت عائشة -رضي الله عنها-.

 

كما ينبغي للمسلم أن يتفقد أرحامه بالزيارة والعطاء امتثالا لأمر البر الرحيم واقتداء بالنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-؛ وليدرك العبد أن من وصل رحمه وصله الله ومن قطع رحمه قطعه الله؛ كما روى عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وصححه الألباني -رحمه الله- أن الله -تعالى- قال: "أنا الرَّحمنُ، وهي الرَّحِمُ، شَقَقتُ لها اسمًا مِن اسمي، مَن وصَلَها وصَلتُه، ومَن قطَعَها بَتَتُّه"؛ وإكرام الأرحام وصلتهم سبب للبركة في الأرزاق والأعمار، وينبغي ألا يتوقف البذل والعطاء والبشاشة والزيارة على الأرحام فحسب؛ بل ينبغي أن تعم المسلمين من الجيران واليتامى والفقراء والمساكين عامة؛ وهذا حق أوجبه الإسلام على المسلمين نحو بعضهم.

 

طاف البشير بنا مذ أقبل العيد*** فالبشر مرتقب والبذل محمود

يا عيد كل فقير هز راحته *** شوقاً وكل غني هزه الجود

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

 

أيها المؤمنون: ومن الأعمال التي حث عليها الإسلام في أيام العيد: الإكثار من التكبير في أيام التشريق مطلقًا ومقيدًا في أدبار الصلوات وفي سائر الأوقات، إن شاء شفع وإن شاء ثلّث: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ويكثر من لا إله إلا الله، فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ويستحب في العيد: أن يهنئ المسلم إخوانه المسلمين بهذه المناسبة؛ كما كان يفعل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول جبير بن نفير -رحمه الله-: "كان أصحابُ رسولِ اللهِ -صلّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- إذا التقوْا يومَ العيدِ يقولُ بعضُهم لبعضٍ: تقبل اللهُ منّا ومنكَ"(فتح الباري لابن حجر).

 

أيها المسلمون: اشكروا ربكم على نعمة الاهتداء إلى هذا الدين العظيم، وافعلوا ما أرشدكم إليه وأمركم به من توحيده والإيمان به وإقامة فرائض الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحرسوا قيم الإسلام وأخلاقه الفاضلة بتمسككم بها، وقوموا بما يجب عليكم نحو رعيتكم وأبنائكم وأزواجكم، وانشروا التصالح والتسامح والمحبة بين عموم المسلمين، واحذروا من موجبات الفرقة والاختلاف والنعرات الجاهلية والعنصرية المقيتة، وأديموا روابط الدين والأخوة الإسلامية مع عامة المسلمين حتى تنعموا في دنياكم بالخير والصلاح وتفوز بآخرتكم بالربح والفلاح.

 

واحذروا -يا عباد الله- أن تقابلوا آلاء الله ونعمه عليكم بالمعاصي والآثام واللهو الحرام وقطيعة الأرحام؛ فيحل عليكم سخط من ربكم وعقاب لا ينزعه منكم حتى تعودوا إليه وتخضعوا بين يديه.

 

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد

 

اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.

 

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.

 

اللهم أصلح أحوال إخواننا المسلمين فوق كل أرض وتحت كل سماء اللهم وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.

      

وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير؛ كما أمركم بذلك العليم الخبير فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:56].

 

المرفقات

1687688471_خطبة عيد الأضحى 1444هـ.doc

المشاهدات 915 | التعليقات 0