خُطبَةْ عِيد الأضْحَى 1444هـ
عبدالعزيز بن محمد
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْن {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وأَشْهَدُ أَنْ لا إِله إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيْر
اللهُ أَكْبَرُ.. اللهُ أَكْبَرُ.. اللهُ أَكْبَرُ.. لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكْبَر
اللهُ أَكْبَرُ.. اللهُ أَكْبَرُ.. االلهُ أَكْبَرُ كبيراً
وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، خَتَمَ اللهُ بِه الرِّسالَةَ وأَكْمَلَ بِه الدِّين {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} صَلَّى اللهُ وسَلَّم وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وأَصْحَابِه وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلى يومِ الدينِ وسلم تسليماً.
أَما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ لعلكم ترحمون.
أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: أَفْواجٌ مِن النِّعَمِ مُتوالِيَة، وسَوابِغُ مِن المِنَنِ مُتَتالِيَة، يَحارُ الفِكْرُ إِنْ أَبْحَرْ. ويُهزَمُ العَقْلُ إِنْ أَنْكَر. نِعَمٌ مِنَ المَلِيكِ لا تُحْصَى، ومِنَنُ مِن الرَّحْمَنِ لا تُنْكَرْ.
نِعَمٌ غامِرَةٌ.. أَنَّى أَطْلَقْتَ البَصَرَ أَبْصَرْتَها، وأَنَّى أَعْمَلْتَ العَقْلَ عَقَلْتَها.
نِعَمٌ غامِرَةٌ.. تَفَضَّلَ بِها الكَرِيْمُ الوَلِيّ، المُحْسِنُ العَلِيْ، البَاسِطُ الغَنِيّ. تَفَضَلَ بِها كَرَماً وجَادْ. وأَفاضَ بِها إِحساناً وزادْ. نِعَمٌ.. أَحاطَتْ بِساحَاتِنا، وعَمَّتْ أَرجاءَنا، وشَمِلَتْ شُؤوننا. {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}
نِعَمٌ.. يُطْرِقُ الطَّرْفُ حِياءً مِنْ مُسْدِيْها، ويَنْثَنِيْ القَلْبُ خَجَلاً مِنْ مُهْدِيْها.. وإذا تَعَاظَمَتِ النِّعَمُ.. فَنِعْمَةُ الإِسْلامِ أَعْظَم، وإِذَا تَسَامَتْ النِّعَمُ.. فَنِعْمَةُ التَّوحِيدِ أَسْمَى وأَكْرَم. الإِسْلامُ نُورٌ، الإسْلامُ طُمأَنِيْنَة، الإسْلام هِدايَةٌ، الإِسْلامُ انْشِراح {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ}. مَا أَعْظَمَها مِنْ مِنَّة.. أَنْ هّدَاكَ للإِسْلامِ.. وأُممٌ في الأَرْضِ لا تُحصَى عَن الإِسْلامِ قَدْ ضَلَّت. مَا أَعْظَمَها مِنْ مِنَّة.. أَنْ هّدَاكَ للإِيمانِ.. وأُممٌ في الأَرْضِ لا تُحصَى عَن الصِراطِ قَدْ زَلَّتْ {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} هَداكَ للإِسْلامِ.. تَفَضُلاً مِنْهُ وإِحْساناً، ولَو وَكَلَك إِلى نَفْسِكَ لهَلَكتَ، وَلَو أَسْلَمَكَ لِـهَواكَ لَضَلَلْتَ. * لَمْ تُدْرِكْ نِعْمَةَ الإِسْلامِ.. لأَنكَ أَنتَ الحَاذِقُ العَارِفُ البَصِيْر، ولَمْ تَنَلْها.. لأَنْكَ أَنتَ بِها جَدِيِر.
أَدْرَكْتَ نِعْمَةَ الإِسْلامِ.. لأَن رَبَكَ بِرَحْمَتِهِ هَدَاك، فَفَتَحَ للحَقِّ قَلْبِكَ، وشَرحَ للنُّورِ صَدْرَكَ، وقَادَ للتَّوْفِيقِ خُطاك. وقَدْ قالَ لِنَبِيِّهِ قَولاً مُبِيْناً {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}
* هَداكَ للإِسْلام.. ولَنْ يَنْجُوَ في الآخِرَةِ إِلا مَن إِلى الإسْلامِ هُدِي. هَداكَ للإِسلام.. ولَنْ يَفوزَ في الآخِرَة إِلا مَنْ بِه اسْتَمْسَك {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} * الإِسْلام.. سُمُوٌّ في المُعْتَقَدِ، ورُقِيٌّ في التَّعَبُّد، وطَهارَةٌ في النَّفْس، وزَكاءٌ في الأَخلاق. بِهِ تُنْتَشَلُ العُقُولُ البَشَرِيَّةُ مِنْ لَوْثَاتِ الخُرافَةِ، وبِهِ يُرْتَقَى بِها إِلى مَعَارِجِ التَوحِيد. * الإِسْلام.. دِيْنٌ.. لَهُ بِالطُهرِ طِيْبٌ، ولَهُ بالطِّيبِ نَقاءَ. يَحْمِيْ الإِنْسانِيةَ مَنْ سُقُوطِ مُدَوٍّ، ويَقِيْها مِن سُفُولٍ فَاضِح {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}
* الإِسْلام.. دِينٌ خَاطَبَ الفِطْرَةَ بِما هِيَ لَهُ أَهْلٌ.. فَحَلَّقَ بِها إِلى فَضَاءٍ الفَضِيْلَة، ومَضَى بِها إِلى مراتِبِ العَزِّ، وعَرجَ بِها إِلى سَماءِ الكَرامة. * الإِسْلام.. خَاطَبَ الفِطْرَةَ بالتَوحِيدِ.. لِتَبْقَى لِخَالِقِها مُوَحِّدَةً، ولِمالِكِها مُتَذلِلَة، ولِبارِئِها مُسْتَسْلِمَة.
خَاطَبَها.. والفِطْرَةُ السَّوِيَّةُ تَسْمَعُ الخِطابَ وَتَعِي، وتُبْصِرُ الحَقِيْقَةَ وَتَعْقِلُ. فَلا تَرْتَكِسُ في الشّرْكِ ولا تَنْتَكِس. ولا تَمِيْلُ عَنْ التَوْحِيدِ ولا تَحِيدُ {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} * عُبُودِيةٌ للهِ خَالِصَةٌ.. لا عُبودِيةَ حَجَرٍ ولا شَجَر، ولا جِنٍّ ولا مَلَكٍ ولا بَشَر، ولا شَمْسٍ ولا كَوكَبٍ ولا قَمَر {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} * عُبُودِيةٌ للهِ خَالِصَةٌ.. لا يُخْضَعُ فيها مَخْلُوقٌ لِمَخْلوقٍ، ولا يُذِلُّ فيها عَبْدٌ لِعَبْد {تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
* عُبُودِيةٌ.. يَتَحَقَّقُ فيها أَصْدَقُ خُضُوعٍ وانْقيادٍ لله، مَعَ أَكْمَلِ محَبَةٍ وتَعْظِيْمٍ لَه
في خَوفٍ ورَجاء.. في طَرِيْقِ العُبُودِيةِ لا يَفْتَرِقان. يَحْمِلانِ عَلى استِقامَةِ القَلْبِ في سَيْرِهِ إِلى الله. خَوفٌ يَردعُ النَّفسَ عَنْ هَواها، ورَجاءٌ يُحَلِقُ بِها في سَماها. باعِثُ الخَوفِ عَن الذُّنوبِ زَاجِر، وَبَاعِثُ الرَّجَاءَ إِلى الطاعاتِ حَادِي {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}
اللهُ أَكْبَرُ.. اللهُ أَكْبَرُ.. اللهُ أَكْبَرُ.. لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكْبَر
اللهُ أَكْبَرُ.. اللهُ أَكْبَرُ.. اللهُ أَكْبَرُ كبيراً
أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: حَدِيْثٌ عَن نِعْمةِ الإِسْلام.. حَدِيْثٌ عَن أَعْظَمِ نِعْمةٍ.. وما شَكَرَ اللهَ مَنْ لَمْ يَعتَرِفْ لَرَبِهِ بالنِّعَم. * الثَّباتُ على الإِسْلام.. غَايَةُ الفَوزِ وأَكْرَمُ المُنَى، دَعَواتُ النَّبِيين {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} وَصِيَّةُ اللهِ لِعِبَادِه: { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} اسْتَمْسِكُوا بالإِسْلامِ، اعتَصِمُوا بِعُراه. احْذَرُوا انْسِلاخَ القَلْبِ، احذَرُوا نَواقِضَ الدِّيْن.
نَوَاقِضُ الإِسْلامِ تُخْشَى، نَواقِضُ الإِسْلامِ تُحذَر. يَنْتَقِضُ إِسْلامُ المرءِ.. بِقَولٍ أَو فِعْلٍ أَو اعْتِقادٍ يُخالِفُ أَصْلَه. وكَمْ انْكَفأ قَلْبٌ عَن الإِسلامِ بِكَلِمَةٍ قالها {وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ} وفي الحَدِيْثِ: (وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري * أَعظَمُ ما يَجِبُ أَنْ يُحْمَى.. إِسْلامٌ لَهُ في القَلْبِ وَطَنْ. يُهَجَّرَ الإِسْلامُ.. مِنَ قُلُوبٍ لَيْسَ لَه فِيْهَا مَقَام. * في زَمَنْ الفِتَنِ، وانْفِتاحِ الفَضاءِ، وغَزوِ التَّقْنِيةِ، وبَريْقِ الحَضارِةِ المادِيةِ، وهَيْمَنَةِ العَوْلَمَةِ الغَربِيَّة. بَاتَتْ حُصُونُ الإِسْلامِ في قُلُوبِ النَّشْءِ في خَطَر. شُبُهاتٌ أَمامَ الجِيلِ تُثار. وشُكُوكٌ إِليهم تَتَسَوَّر. وما تَمَكَّن الأَعداءُ إِلا مَنْ عَقْلٍ عَنْ مَوارِدِ الشريعةِ نَأَى.
* عِلْم الشَّرِيعةِ.. دِرْعٌ تُتَّقَى بِهِ الشُّبُهاتُ، ونُورٌ تُضاءُ بِهِ الظُلُمات، ونَارٌ تْحْرَقُ بِه المكائِد. عِلْم الشَّرِيعةِ.. سَنَدٌ وسُؤْدَدٌ ومَدد. لا غِنِى للجِيْلِ.. عَن عِلْمٍ بالشَّرِيعةِ.. تُنْسَفُ بِهِ شُبَهُ أَهلِ الزَّيْغْ، وتُدْمَغُ بِهِ حُجَجُ أَهلِ الضَلالة. * عِلْمُ الشَّرِيعةِ.. لا يُسْتَغْنى عَنْهُ في وَقْتٍ، ولا يُسْتعاضُ عَنْهُ بِدُون. عِلْمُ الشَّرِيعةِ لازِمٌ في كُل عَهْدٍ. ظَاهِرٌ في كُل حِين. كُلُّ العُلُومِ عَلى عِلْمِ الشريعةِ عالَة. عَالِمٌ تَبَحَّرَ في عِلْمٍ مِنْ عُلُومِ الحياةِ.. ما قَدْرُهُ.. إِنْ كَانَ فيما أَوجَبَهُ اللهُ عليه جاهِلْ، وما قِيْمَتُهُ إِنْ كَانَ أَمامَ نَوافِذِ الشُّبُهاتِ صَغِيْر.
* جِيْلٌ.. يَجِبُ أَن يَنْهَلَ مِنْ هَدي القُرآنِ حتَى يَرْتَوِي، وأَن يُقامَ عَلى هَدْيِّ السُّنةِ حتَّى يَسْتَوي، وَأَن يُعَظَمَّ عِلْمُ الشَّرِيعةِ في قَلْبِهِ حَتَى يَسْتَمْسِكَ بِه.
* عِلْمُ الشَّرِيْعَةِ.. لا يُعْرضَ في مَزادِ أَهلِ الدُّنيا، إِنْ صَلُحَتْ بِه دُنْياهُم أَخذُوه، وإِنْ نَقَصَتْ بِهِ مَراتِبُهُم أَهْمَلُوه. عِلْمُ الشَّرِيْعَةِ.. زادُ المُسْلِمِ إِلى رَبِهِ حَتى يَلْقاهُ.
وعُقُولُ الجِيْلِ.. في أَعناقِ الأَولياءِ والمُرَبينَ والمعلمينَ أَمانَة. تُحْمَى مِنْ الجُنوُحِ، وتُحْفظُ مِن الغِوايَة. وتُمْلأُ اعْتِزازاً بالإِسْلامِ وقِيَمِهِ وتَعالِيْمِه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} بارك الله لي ولكم..
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشهدُ أَن محمداً عبدهُ ورسولُهُ النبي الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه أجمعين. أَما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.
أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ قَالَ: وَرَأَيْتُهُ يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، وَسَمَّى وَكَبَّرَ. رواه مسلم
وفي يوم النحر خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» رواه البخاري
فَذَبْحُ الأَضَاحِيْ لا يَكُوْنُ إِلا بَعْدَ صَلاةِ العِيْدِ، فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَذَبِيْحَتُهُ ذَبِيْحَةُ لَحْمٍ لَيْسَتْ ذَبِيْحَةَ نُسُكْ، وَآخِرُ يَوْمٍ لِذَبْحِ الأُضْحِيَةِ هُوَ غُرُوْبُ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ، وَهُوَ اليومُ الثالثُ عَشَرْ، وَيَجُوْزُ ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ لَيْلاً وَنَهَاراً، والذَّبْحُ في النَّهَارِ أَوْلَى، وَيَوْمُ العِيْدِ بَعْدَ الخُطْبَتَيْنِ أَفْضَلْ، وَكُلُّ يَوْمٍ أَفْضَلَ مِمَّا يَلِيْهِ؛ لِما فِيْهِ مِنَ المبادَرَةِ إِلى فِعْلِ الخَيْر.
والأُضْحِيَةُ لا تَكُوْنُ إِلا مِنْ بَهِيْمَةِ الأَنْعَامِ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعام} وبَهِيْمَةُ الأَنْعَامِ هِيَ الإِبِلُ والبقرُ والغَنَمُ ضَأَنُها وَمَعْزُها. * وَيُشْتَرَطُ لِلأُضْحِيَةِ أَنْ تَبْلُغَ السِّنَّ المحدَّدِ شَرْعَاً.. فَمِنَ الإِبِلِ مَا لَهُ خَمْسُ سَنَوَات، وَمِنَ البَقَرِ مَا لَهُ سَنَتَان، وَمِنَ الماعِزِ مَا لَهُ سَنَةٌ، وَمِنَ الضَّأَنِ مَا لَهُ نِصْفُ سَنَة، ولا يُجْزِئُ ما كانَ أَقَلَّ مِنْ ذلك. * وَيُشْتَرَطُ في الأُضْحِيَةِ أَنْ تَكُوْنَ خَالِيَةً مِنَ العُيُوْبِ، وَهِيَ: العَرَجُ البَيِّنُ، وَالعَوَرُ البَيِّنُ، والمَرَضُ البَيِّنُ، والعَجْفاءُ التي لا تُنْقِي، أَي الهزيلةُ التي لا مُخًّ في عِظامِها. وكُلُّ ما كَانَ في حُكْمِ هَذِهِ العُيُوبِ أَوْ أَشَدّ، فَهُوَ دَاخِلٌ في ذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. * والأَضْحِيَةُ مِنْ أَعظَمِ العِباداتْ.. قَرَنَ اللهُ عِبادَةَ الذَّبْحَ بِعبادَةِ الصلاةِ في آياتٍ مِنَ القُرآن {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}
ولا يُباشِرُ النَّحْرَ والذَّبْحَ.. كافِرٌ لا تَصِحُّ ذَبِيْحَتُه. فَعَلَى المُسْلِمِ أَن يَتَفَطَنَ لذلكَ عِنْدَ اسْتِعَانَتِهِ بِمَنْ يُعِيْنُهُ عَلَى ذَبْحِ الأَضاحِي.
ثُمَّ اعْلَمُوا يَا عِبَادَ الله.. أَنَّ اللهَ إِنَّما شَرَعَ الأُضْحِيَةِ لِيُحَقِقَ العِبادُ لَهُ التَوْحيدَ والتَّقْوى {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} فأَخْلِصْوا للهِ في نُسُكِكُم، وسَلُوا رَبَكُمُ القَبُول.
{فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ} كُلُوا من الأُضْحِيَةِ، واهْدُوا، وَتَصَدَّقوا، وادَّخِرُوا، واهْنَؤُوا بما رَزقَكُمُ اللهُ. وكُونُوا للهِ مِن الشاكِرين. و ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ رَسُوْلِكُمْ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: «إنَّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُم فَأحْسِنُوا القِتْلَة، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه، وَلْيُرِح ذَبِيحَتَهُ». رواه مسلم. ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم..
المرفقات
1687766995_الأضحى 1444هــ.docx
تركي العتيبي
الله يسعدك ياشيخ
اسلوب مؤثر
تعديل التعليق