خطبة عيد الأضحى 1441 (ودائــعُ خُطبةِ الــوداع)
AAlanze AAlanze
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل لعباده المؤمنين مواسمَ يُفيض عليهم فيها مِن جزيل رَحَمَاتِه، وأقام لهم مِن أعلام دينه شعائرَ يَسْتَنْسِمُونَ بها مِن عَلِيلِ نَفَحَاته، وكتب عليهم الحجَّ إلى مشاعرَ يرتقبون فيها مِن جليل عِظاته، الحمد لله علامِ الغيوب، باسطِ اليدين بالرحمة إلى عبده لِيَتوب، جعل تعظيم شعائره من تقوى القلوب، الحمد لله لا رافع لما وَضَع، ولا واضِعَ لما رَفَع، ولا مانع لما أعطى، ولا مُعطيَ لما منع، علا بقهره وقدره وذاته فوقَ جميعِ مخلوقاته وارتفع، وفطَر المصنوعات على ما شاء فأتقنَ ما صَنَع، سبحانك اللهم أنت وليُّنا في الدنيا والآخرة، توفَّنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، وأشهد ألَّا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، يُدبِّر الأمرَ يُفصِّل الآيات لعلَّكم بلقاء ربِّكم توقنون، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله إلى كافَّةِ الناس بشيرًا ونذيرًا ولكن أكثر الناس لا يعلمون، اللهم صلِّ عليه وسلِّم وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلَّا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر ما لاح صباحُ عيدٍ وأسفر، الله أكبر ما هلَّ هلالُ شهرٍ وأسحر، الله أكبر ما أهل مُهِلٌّ وكبَّر، الله أكبر ما أشرقت بَوارق الإسعاد على من قَصَدَ البيت الحرام، الله أكبر ما ذكره الذاكرون عند المشاعر العِظام، الله أكبر ما حَدَتْ بهم مطايا الأشواق إلى عرفات، وما ابتهلوا في تلك العرصات ورُفعتْ عنهم السيئات.
أما بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، واستعدُّوا للقاء الله، إنكم ستُعرضون على الله لا تخفى منكم خافية، ترونه يومَ القيامة كما ترون الشمسَ لا تُضامُّون في رؤيتها، وكما ترون القمرَ لا تُضارُّون في رؤيته، (واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشِّر المؤمنين).
أيها الإخوة في الله: هنيئًا لكم هذا العيد، وبارك الله يومَكم المجيد: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)، أدام اللهُ عليكم السعدَ والسُّرور، وأفاض عليكم بالعيد البهجةَ والحبور، تقبَّل الله منكم الطاعات، وأدام عليكم المسرَّات، غفر الله ذنوبَكم، وأسعد بالخيرات قلوبَكم، وحقَّق لكم صالحَ الآمال، ووفَّقكم لأحسن الأعمال.
معاشر المسلمين: لقد أصبح عليكم يومُكُمْ هذا وهو أعظمُ الأيامِ عند الله وأشرفُها، جعله الله يومَ الحج الأكبر، يومٌ يُوضَعُ فيه الشَّعر، ويُهراق فيه الدم، ويُحِلُّ فيه الحرام، يومٌ أعلن الله جل جلاله فيه بأبلغ إعلامٍ ظهورَ الحق على بِطَاحِ المشاعر وزهوقَ الباطل عن أرجائها: (وأذانٌ من الله ورسوله إلى الناس يومَ الحج الأكبر أن الله بريءٌ من المشركين ورسوله).
عباد الله: لقد وقف نبيُّكم صلى الله عليه وسلم في مِثْلِ هذا اليوم؛ في يوم السَّبتِ من شهر ذيِ الحِجةِ سنةَ عشرٍ مِن الهجرة، وقف خطيبًا في جمعٍ مشهودٍ بين أصحابه الذين زادوا على المئة ألف، وودَّعهم فيها وأشار إلى أنَّ له مقالةً تَسْتَرْعِي الأسماع، فهَفتْ القلوب عَطْشى إلى سماع كلماتِه، وأقبلتِ النفوسُ ظَمْأى وتهيَّأت إلى الاهتداء بنبراس النبيِّ الخاتَم الذي لحن إليهم بعبارات الوداع، إنها عِباراتٌ تستجلِبُ العَبَرَات، قال r: (أيها الناس، اِسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا)، ثم أخبرهم r أنَّ السنةَ قد عادت كهيئتها الأولى، وأنَّ عَبَثَ أهلِ الجاهليةِ في التاريخ قد تولَّى؛ فإنَّهم كانوا يمتنعون من القتال في الأشهر الحرم، فإذا أرادوا الغزوَ فيها أخَّروا الشهر الحرام وقدَّموا الشهرَ الحلال، حتى اختلطت الأشهُرُ ببعضها، واخْتَطَّتْ بعضُ القبائل فيها طريقةً لها دون غيرها، وصارتْ بعضُ السنينِ عندهم اثنَي عشر شهرا، وبعضُها ثلاثةَ عشر شهرا، فأفهمهم r أنَّ استدارةَ الزمانِ في تلك السنة قد صادَفَتْ ما حَكَمَ الله تعالى به يومَ خلق السماواتِ والأرض.
وكان النفرُ من أهل الجاهلية إذا دَخَلَ في مُقاتلةٍ اِستدعى قومَه، فاسْتَنْصَرَتِ العشائرُ بالعشائر، واستغاثتِ البُطُونُ بالبُطُون، حتى كثُرتِ الثَّارات، وأفنى بعضُ العرب بعضا، وهنا وقف النبيُّ r بالناس في خطبته تلك على شأنِ الدماءِ والأموالِ والأعراضِ فعظَّمها وفخَّمها، وقال: (إنَّ الزمانَ قد استدارَ كهيئته يومَ خلق الله السماواتِ والأرض؛ السنةُ اثنا عشر شهرًا منها أربعةٌ حُرُم، ثلاثٌ متوالياتٌ: ذو القَعدة، وذو الِحجة، والمحرَّم، ورجبُ مضرَ الذي بين جمادى وشعبان، أيُّ شهرٍ هذا؟) قلنا: "الله ورسوله أعلم، فَسَكَتَ حتى ظننَّا أنه سيُسمِّيه بغير اسمه" قال: (أليس ذو الحجة؟) "قلنا: بلى"، قال: (فأيُّ بلدٍ هذا؟) "قلنا: الله ورسوله أعلم، فَسَكَتَ حتى ظننَّا أنه سيُسمِّيه بغير اسمه" قال: (أليسَ البلدة؟) "قُلنا: بلى"، قال: (فأيُّ يومٍ هذا؟) قلنا: "الله ورسوله أعلم، فَسَكَتَ حتى ظننَّا أنه سيُسمِّيه بغير اسمه" قال: (أليسَ يومَ النحر؟) "قلنا: بلى"، قال: (فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستَلقون ربَّكم فيسألُكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضُلَّالًا يَضْرِبُ بعضكم رقابَ بعض، ألا ليُبلِّغِ الشاهدُ الغائب، فلعلَّ بعضَ من يُبلِّغه أن يكون أوعى له مِن بعض مَن سمِعه).
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما أحرم في المواقيت الحُجَّاج، الله أكبر عددَ ما فَاضَتْ بالحجيج فِجاج.
أيها المسلمون: وفي تلك الخطبة العظيمة وحين فصَل النبيُّ r في إصلاح الزمان مِن غَبَرَاتِ الجاهلية راح ينتزِع شأنَها ويُحقِّر أمرَها على الناس، وأبطل بَيْعَاتِهَا التي قامت على الربا، وبدأ بنفسِهِ وأهلِ قرابته؛ ليُشهد الناسَ على أنَّ الحقَّ أحقُّ أن يتَّبع، وأنَّه لا يغني عمَّن اتصَّل به مِن الله شيئا، وأنَّه قد انعتق من حبائل الدنيا وترك الناس على المحجَّة الواضحة قبل تمام الأجل، وهنالك عرَّج r على صغارِ الوقائع ليُهدر بها ما فوقها؛ فأبطل دمَ ابنِ ربيعةَ، وهو طفلٌ صغيرٌ كان يحبو بين البيوت، فأصابه حَجرٌ في حربٍ كانت بين بني سعدٍ وهُذَيل، فعفا r عن دمه؛ ليُتحمَّل الضرر الخاصُّ في مدافعة الضرر العام، وَصَدَحَ في أفواج الحجيج قائلا: (ألا كُلُّ شيءٍ مِن أمر الجاهليةِ تحت قدَمَيَّ موضوع، ودِماءُ الجاهلية موضوعة، وإنَّ أوَّل دمٍ أضَعُ مِن دمائنا: دمُ ابنِ ربيعةَ بن الحارث، كان مُسترْضَعًا في بني سَعدٍ فقتلته هُذيل، ورِبا الجاهلية موضوع، وأوَّل ربًا أضعُ رِبانا: رِبا عباسِ بنِ عبد المطَّلب؛ فإنَّه موضوعٌ كُلُّه).
فحكم r بأنَّ الدماء التي فات استيفاؤها في الجاهلية مُهدرةً، وأنَّ الدَّم الحرام لا يُسفك بغير حِلِّه، فإذا كان المسلم مُستمسكًا بذلك كان في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا، قال الله تعالى: (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنَّم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذابًا عظيما).
وقرن النبيُّ r بالذِّكْرِ في هذه الخطبة بين قتلِ النفس المحرمة وبين نهبِ الأموال وغصبِها وأكلِ الربا، وجاء في الحديث عدُّهما جميعًا من مهالك الدنيا والآخرة؛ قال r: (اجتنبوا السبع الموبقات)، وذكر منها: قتلَ النفس التي حرَّم الله إلَّا بالحق، وأكلَ الربا.
والربا اسمٌ جامعٌ لصنفين: الأول: ربا الديون؛ فإذا اقترضَ الإنسان من غيره ألفًا اشترَط عليه أن يردها بعد عامٍ مثلًا ألفين، أو إذا كان عليه دينٌ بألفٍ وحلَّ أجل الوفاء قال له: زِدني وأُمْهِلُك، والثاني: ربا البيوع؛ كأن يشتريَ كيلوَّين من الذهب بكيلوَّين من الفضة ولا يتقابضان في المجلس نفسه، أو يشتريَ مئةَ ريالٍ سعوديةٍ قديمةٍ بمئةٍ وثلاثين ريالًا سعوديًّا جديدًا، كُلُّ ذلك من الربا الملعون آكِلُهُ ومؤكِلُهُ وكاتِبُهُ وشاهِدُه.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
أمَّة الإسلام: ولما حذَّر r في خطبته تلك وأنذر قدَّم فرحَتَهُ وبشَّر حاكيًا واقعَ الأمة التي جمَع الله به شملَها، ووحَّد بين قلوبها، و أخبر أنَّ الشيطان لم يَعُدْ له مَطمَعٌ في أن يُعبد في أرضها، وعاد ليُحذِّر مع تلك البشائر مِن أن ترجع الأمة على أعقابها إلى بلاء التناحر وطاعةِ الشيطان فيما يُوَسْوِسُ به من خطَرات المعصية، وما يُوحِيهِ من دَعَوات الغِواية؛ فإنَّ للشيطانِ خُطوات، وإن الخطايا بريد الكفر، قال r: (أيها الناس، إنَّ الشيطان قد أيِسَ أن يُعبد بأرضكم هذه، ولكنَّه إن يُطَع فيما سوى ذلك فقد رضيَ به مما تُحقِّرون مِن أعمالكم، فاحذروه على دينكم)، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلم كافَّةً ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين)، بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهديِ نبيه الكريم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل المخبتين من عباده آيبين إليه تائبين، وعَمَرَ قلوبَهُمْ بالوَجَلِ مِن ذِكْرِهِ فساروا إليه مُهِلِّين ومكبِّرين، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمدٍ خاتمِ الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وسلَّم وعلى آله وصحبه أجمعين، الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما جاشت نفوسٌ إلى مشاعر الحج وتاقت إلى تلك الربوع، الله أكبر عدد ما فاضت صدورٌ إلى شعائر الله وانسابت على روابيها الجموع.
أما بعد: أيها المسلمون: من تعلَّق بالله كفاه، ومن اعتمد عليه وقاه، ومن لجَئ إليه حَفِظَهُ وتولَّاه، تولَّاني الله وإياكم بوَلاية الصالحين.
عباد الله، يا من صُمْتُمْ يومَ عرفةَ ورفعتم إلى الله الدعوات، يا من تعبَّدتم إلى ربكم وازدلفتم إليه بالصالحات، أيتها المرأة المسلمة، أيتها الأخت الفاضلة: لقد كان مما جاء في خُطْبَتِهِ صلوات الله وسلامه عليه في حجة الوداعِ الوصيةُ بالنساء، والأمرُ بالإحسان إليهنَّ ورعايتِهِنَّ وصيانَتِهِنَّ؛ فإنَّهن الأصولُ الزاكياتُ التي تُثمر الفروعَ الزَّاهيات، وإذا صلَح الأصلُ صحَّ فرعُه: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبُث لا يخرج إلا نكدا)، وجعل r يستنهض الرجالَ بالتقوى في النساء فقال: (واتقوا اللهَ في النساء؛ فإنَّكم أخذتموهُنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنَّ بكلمة الله، وإنَّ لكم عليهنَّ ألَّا يوطئن فُرُشَكُمْ أحدًا تكرهونه، فإنْ فَعَلْنَ فاضربوهن ضرًبا غيرَ مُبرِّح، ولهن عليكم رزقهنَّ وكِسوتهنَّ بالمعروف)، والزوجُ مسؤولٌ عند رَبِّهِ عن زوجته؛ (والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤولٌ عن رعيَّتِه)، والابنُ مأمورٌ بالبرِّ بأمه؛ قال: يا رسول الله مَن أبَرُّ؟ قال: (أُمَّك)، وإذا كان للأب ثلاثُ بناتٍ صبر عليهن وأطعمهُنَّ وكساهُنَّ مِن جِدَتِهِ كُنَّ حجابًا له من النار، وإذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامت شهرَها، وحصَّنت فرجها، وأطاعت زوجَها؛ قيل لها: ادخلي الجنَّةَ من أيِّ أبواب الجنة شئتِ، فاتقوا الله في النساء، وأحسنوا إليهن إنَّ الله يُحب المحسنين.
أيُّها الأب المبارك، أيَّتُها الأمُّ المباركة: إنَّ تنشئة الجيلِ المسلمِ الصالحِ أمانةٌ بأيديكم، تعاهَدوهم بالنصيحة، وأحيطوهم بالتوجيه، ومُرُوهُمْ بالصلاة والصيام والعفاف والصِّلة والبر، وحذِّروهم مواطنَ المنكراتِ والشُّرور: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).
أيَّتُها المرأةُ المسلمة: إنَّ جمالَ المرأةِ في سِترها، وبهاءَها في حَيائها، ورونقَها في عَفَافها، وصونَها في حِجابها، قال الله تعالى: (وإذا سألتموهنَّ متاعًا فاسألوهن مِن وراء حجاب)، وإنَّ للمرأة الحقَّ في التجمُّل متى كان ذلك محفوفًا بآداب الإسلام وواجباته، قال النبي r: (لعن الله النَّامِصَةَ والمتنمِّصة)؛ يعني: التي تَنْتِفُ مِن شَعر حاجبها أو غيرِها، وقال r: (أيُّما امرأةٍ اسْتَعْطَرَتْ فمرَّت على قومٍ فهي زانية).
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما ارتفعت إلى من دعوات، الله أكبر عدد ما قُرئت سورٌ أو تُليت آيات، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون: وحين ترتحل جُمُوعُ الحجيج إلى الرمي بالجمرات يتقدَّم أهل الأمصار إلى قربةٍ مِن أعظم القُرُبَات؛ وهي ذبح الأضاحي، وما عمِلَ ابنُ آدمَ يومَ النحرِ عملًا أحبَّ إلى الله مِن إراقة دم، وإنَّها لَتأتي يومَ القيامة بقرونها وأظلافها وشعرها، وإن الدمَ ليقع من الله بمكانٍ قبل أن يقع على الأرض.
وذَبْحُ الأضاحي يقتصر على الإبلِ أو البقرِ أو الغنم، والإبلُ أفضل، ويُسَنُّ للمضحِّي اختيارُ أطيبِها، وعليه أن يجتنب ذواتِ العيبِ منها؛ وهي العوراءُ البين عَوَرُها، والمريضةُ البيِّن مرضُها، والعرجاءُ التي لا تُطيق مشيًا مع الصحيحة، والهزيلة التي لا مُخَّ فيها.
وأيام الذبح أربعة؛ تبدأ من انقضاء صلاة العيد هذا اليومِ إلى غروب شمس اليوم الثالثِ عشرَ آخرِ أيامِ التشريق، ويجوز الذبح في الليل والنهار، والليل أفضل، والذبحُ يومَ العيد الأولِ أفضلُ مما بعده، ويجب عند مباشرته التسمية، ويُسن فيها استقبالُ القبلةِ، فإنْ نسيَ التسمية أو ترك القبلة صحَّت وأجزأت.
وتُجزئُ الشاةُ الواحدةُ عن الرجل وأهلِ بيته، والسُّنَّةُ أن يأكل المسلم من أُضحيته، ويُهديَ منها، ويتصدَّق.
و(أيام التشريق أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله عز وجل)، وفي هذه الأيام نوعان من التكبير: مُطلَقٌ في كل وقتٍ، ومُقيَّدٌ بأدبار الصلوات المكتوبات.
أيها المسلمون: اهنؤوا بعيدكم، ووسعِّوا على أنفسكم وأهليكم، واحتسبوا عملكم ذلك ذخرًا عند الله وأجرًا، وإن الفرحَ بهذا العيد لا يعني الخروجَ إلى الحرام، ولا يخرمه الالتزام بأسباب الوقاية والاحتراز من البلاء، عجَّل الله برفعه، وأعان على دفعه.
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ما برق بارِقٌ وأُنشئ سحاب، الله أكبر ما خرَّ له راكعٌ وأناب، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر ما رُميت في منًى مِن جمار، الله أكبر ما مُحي ذنبُ حاجٍ وأُقيلت له مِن عِثار، الله أكبر ولله الحمد.
ولقد اجتمع لكم –غفر الله لكم- في يومكم هذا عيدان؛ عيدُ الأضحى، ويومُ الجمعة، فمن شهِد صلاةَ العيد رُخِّص له أن يغيبَ عن صلاة الجمعةِ ويُصلِّيَها في بيته ظهرًا، وصلاتُهُ الجمعةَ مع المسلمين أفضل، وأمَّا من لم يصلِّ العيد فواجبٌ عليه صلاةُ الجمعة مع الإمام.
اللهم أدم هذا السَّعد، أهلَ الثناءِ والمجد، اللهم أعد علينا العيد بالعفو والعافية والأمن والإيمان، اللهم لك الحمد، أكرمتَ الحجيج بالحجِّ، وأفضلت على أهل الديار بالعجِّ والثجِّ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، اللهم أدم على هذه البلاد أمنَها ورخاءها، واحفظ عليها دينَها واستقرارَها، اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأتمَّ عليه العافية والتأييد، وأعنه ووليَّ عهده على كلِّ خير.
اللهم تقبَّل من الحجاج حجَّهم، وأعِدهم سالمين غانمين، اللهم احفظ عبادك المسلمين في كل مكان، واجعل هذا العيد سعيدًا عليهم ومباركًا يا أرحم الراحمين، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا مِن خِزيِ الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، سبحان ربِّك ربِّ العِزَّةِ عمَّا يَصِفون، وسلامٌ على الـمُرسلين، والحمد لله ربِّ العالمين.
المرفقات
عيد-الأضحى-7
عيد-الأضحى-7
AAlanze AAlanze
•تصويب: وقع في الخطبة الثانية: (والليل أفضل)، والصواب: (والنهار أفضل)
تعديل التعليق