خطبة عيد الأضحى 1439هـ
عبدالله التميمي
خطبة عيد الأضحى 1439هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ ؛ عَزَّ سُلْطَانُهُ ، وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ. دَائِمٌ لا يَفُوتُ، وَحَيٌّ لا يَمُوتُ، وَالْجِنُّ والإنس يَمُوتُونَ، الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا عَذَّبَهُ (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرض رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ والأرض وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ)، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ خَطَبَ خُطْبَةً بَلِيغَةً فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ، فَعَظَّمَ الْحُرُمَاتِ، وَقَالَ: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ لِمَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ، لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الأيام، وَفِيهِ أَكْثَرُ أَعْمَالِ الْحَاجِّ، وَفِيهِ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ شُكْرًا لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا شَرَعَ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِذَبْحِهَا، وَشُكْرًا لَهُ تَعَالَى عَلَى مَا رَزَقَ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَشُكْرًا لَهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى التَّمَتُّعِ بِلُحُومِهَا (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا ولا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
اللَّهُ أَكْبَرُ؛ وَقَفَ إِخْوَانُكُمُ الْحُجَّاجُ بالإمس فِي عَرَفَاتٍ. اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ رَفَعُوا لِلَّهِ تَعَالَى مِنَ الدَّعَوَاتِ! اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ قَضَى سُبْحَانَهُ لَهُمْ مِنَ الْحَاجَاتِ، اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ مِنْ عَبْدٍ بالإمس مَقْبُولٍ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَمْ مِنْ ذَنْبٍ بالإمس مَغْفُورٍ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَمْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الرَّحَمَاتِ! وَكَمْ أَعْتَقَ مِنَ النِّيرَانِ، فَاللَّهُمَّ اقْبَلْ مِنَّا وَمِنَ الْحُجَّاجِ وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، وَاجْعَلْنَا وَإِيَّاهُمْ مِمَّنْ غَفَرْتَ ذَنْبَهُ، وَشَكَرْتَ سَعْيَهُ، وَقَبِلْتَ عَمَلَهُ، وَأَوْجَبْتَ لَهُ الرَّحْمَةَ وَأَعْتَقْتَهُ مِنَ النَّارِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هِدَايَتُهُمْ لِلإسْلامِ؛ فَإِنَّهُ الدِّينُ الْحَقُّ، (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام)،وَهُوَ الدِّينُ الَّذِي أَكْمَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا)، وهو دينٌ محفوظٌ بِحِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، مَحْفُوظٌ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَالتَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
وَنَزَلَتْ آيَةُ كَمَالِ الإسلام عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنِّي لأعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ".
ومن لَوَازِمِ الإيمَانِ بِكَمَالِ الإسلام، التَّمَسُّكَ بِشَرِيعَتِهِ كُلِّهَا، وَالْحَذَرَ مِنْ تَجْزِئَتِهَا وَقَبُولِ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِذَلِكَ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَيْهِ بِخِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخرة، فَخَاطَبَهُمْ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
عباد الله: وإن من أعظمِ شعائرِِ الدينِ التي تدلُ على كمالهِ في هذا اليومِ العظيم، التقربُ إلى الله تعالى بذبحِ الأضاحي ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾ تلك الأضحيةُ، التي اتفقت عليها دعوةُ الرسلِ وجاءت بها شرائعهم ؛ لتضمُنِها إفرادَ اللهِ بالعبادةِ التي من أبرزِ مظاهرها شعيرةُ النُسك ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنعام، فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ،فَلَهُ أَسْلِمُوا وبشر المخبتين ﴾.
تلك الأضحيةُ، التي تذكرُ العبدَ بأهمِ ما ينبغي أن يراعيَه في عبادته ، وهو الإخلاصُ لله ؛ إذ هو محطُ نظرِ المولى تباركَ وتقدس: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا ولا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾.
فعظموا عبادَ اللهِ تلكِ الشعيرةِ في قلوبِكم، فإنَّ ذلكَ من علاماتِ التقوى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. ((انتهت الخطبة الأولى))
***************
الحمدُ للهِ عددَ خلقه , ورضا نفسه , وزنةَ عرشه , ومدادَ كلماته ، والصلاةُ والسلامُ على رسولهِ وعبده , وعلى آلهِ وصحبهِ ومن استنَ بسنتهِ واهتدى بهديهِ إلى يوم الدين وبعد :
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا يَوْمُ عِيدِ النَّحْرِ، شَرَعَ اللَّهُ -تَعَالَى- لَكُمْ فِيهِ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ، فتقربوا إلى الله بذبح ضحاياكم، وَكُلُوا وَأَهْدُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا؛ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ لِرَبِّكُمْ، وَمِنْ رِزْقِهِ سُبْحَانَهُ لَكُمْ، فَأَكْثِرُوا مِنْ شُكْرِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا رَزَقَكُمْ. وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الَّتِي لا يَجُوزُ صِيَامُهَا؛ لأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَلْتَجْتَمِعْ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ الْقُلُوبُ الْمُتَبَاعِدَةُ، وَلْتُبْسَطْ فِيهِ الأيدي الْمُنْقَبِضَةُ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَأَزِيلُوا مَا فِي قُلُوبِكُمْ عَلَى بَعْضِكُمْ، بَرُّوا وَالِدِيكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَأَحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِكُمْ، وَأَدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَى أَهْلِكُمْ وأولادكم، وَتَمَتَّعُوا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ، من غير سَرِفٍ أو معصية.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَعَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْيُمْنِ والإيمان، والسلامة والإسلام، وَتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الأَعْمَالِ.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).