خطبة عيد الأضحى 1436هـ
عبدالله اليابس
1436/12/08 - 2015/09/21 09:46AM
خطبة عيد الأضحى
ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [فاطر:1].
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الحمد لله خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول.
لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، لا إله إلا أنت.
اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر ..
الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الله أكبر كلما لمع نجم ولاح، الله أكبر كلما تضوع مسك وفاح، الله أكبر كلما غرد حمام وناح.
الله أكبر ما وقف الحجيج بصعيد عرفات، وباتوا بمزدلفة أحسن مبات، ورموا بمنى تلك الجمرات.
الله أكبر كلما ارتفع علم الإسلام، الله أكبر كلما طيف بالبيت الحرام، الله أكبر كلما دكدكت دولة الأصنام.
لا إله إلا الله، كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
لا إله إلا الله يفعل ما يريد، لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، لا إله إلا الله رب السموات والأرض وهو على كل شيء شهيد.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.. وعيدكم مبارك .. هنيئًا لكم عيد الأضحى المبارك وقد هبَّ نسيمه مِسكًا عبِقًا، وخيرًا غدِقًا، هنيئًا لكم يوم الحج الأكبر، هنيئًا لكم يوم الجمع الأعظم، يومٌ يُهراق فيه الدم، ويُوضع فيه الشعر، ويُلقَى فيه التَّفَث، وتحِلُّ فيها الحُرَم، الوقوف في ليلته، والرمي والنحر والطواف في صبيحته، فما أعظمه من يوم، وما أكرمه من جمع.
الحجيج في البِقاع المُقدَّسة تبتهل وتتضرع، وتُنادي ربها وتخشع، قد طمِعَت في رحمته وغفرانه، وكرمه ورضوانه، وعطائه ونواله، وهو الرحيم التواب، الكريم الوهاب، يفتح بابًا، ويقبل متابًا، ويُعتِق رقابًا، ويُعطي رِغابًا، فسبحان من خضع له كل شيء، سبحان من دان له كل شيء.
سبحانه ثم سبحانًا يعود له وقبلنا سبَّح الجُودي والجَمَدُ
سبحان من يرفع من تواضع وتذلَّل وتخشَّع، ويضع من تعالى وتكبَّر وترفَّع.
وإذا تذلَّلَت الرقاب تخشُّعًا منَّا إليك فعزُّها في ذُلِّها
فارفعنا اللهم بطاعتك، وأعِزَّنا بقربك وخشيتك، وأدخِلنا في رحمتك، وأنت أرحم الراحمين.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. هاهو إبراهيم عليه السلام, بعد أن طال عليه الزمان ولم يرزق بولد, يبشر بمولود جديد, كم كانت فرحة إبراهيم غامرة وهو يسمع أولى صرخات طفله إسماعيل, مولود جاء بعد انقطاع, وصغير ولد بعد أمد, وها هو إبراهيم عليه السلام يترك إسماعيل وأمه في أرض قفر, في وادٍ غير ذي زرع, ثم يرجع إليهم بعد زمن بعد أن كبر الطفل قليلاً, أصبح الولد إسماعيل مقربًا من والده أكثر, وأصبح يذهب ويجيء مع والده, وفي مساء إحدى الليالي يرى إبراهيم في المنام رؤيًا كأنه يؤمر بذبح حبة فؤاده ــ ابنه إسماعيل ــ, أقلقته هذه الرؤيا, وفي الليلة الثانية تكرر عليه في المنام الأمر بذبح ابنه الحبيب, وكذلك في الليلة الثالثة, لم يكن أمام إبراهيم وهو النبي الصالح المؤيد من ربه والذي يعلم أن رؤيا الأنبياء وحي إلا أن يستسلم لأمر الله, فالله هو الذي وهبه هذا الولد وهو الذي أمره بذبحه, ويظهر أمام إبراهيم تحدٍ وهو كيف يبلغ الخبر إلى ذلك الابن الصالح الذي تمكن حبه في قلبه, يذهب إلى ابنه إسماعيل, ويبلغه الأمر الصاعق بأسلوب لطيف: (قال إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى)؟ لكن إسماعيل الذي ربي على التوحيد وعلى الاستسلام لأمر الله ينزل عليه الخبر بردًا وسلامًا, فلم يجزع ولم يبك, وإنما جاء الرد المباشر بلا تردد: (يا أبت افعل ما تؤمر) ثم يخشى أن يظن أباه أنه خائف فيستدرك قائلاً: (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) الله أكبر على مثل هذا التوحيد, الله أكبر على مثل هذا الانقياد لأمر رب العبيد.
لما استسلم إبراهيم وإسماعيل لأمر الله تعالى.. ذهب إبراهيم وابنه إلى منى وقيل إلى موضع المقام, تل إبراهيم ابنه للجبين.. فألقى وجهه على الأرض وأراد أن يذبحه من قفاه لكي لا يراه أثناء الذبح فتدركه رحمة الولد, فكيف بأب يشاهد ولده الوحيد يموت أمام عينيه, فما بالك إذا كان هو من يقوم بإمرار السكين على رقبته فيشاهد موته لحظة بلحظة ؟!
يمسك إبراهيم السكين, وينظر إلى ابنه ملقى على الأرض, وليس بينه وبين الموت إلا أن تمر السكين على حلقه, يسمي إبراهيم ويكبر (بسم الله والله أكبر) ثم يهوي بالسكين على حلق ابنه, يمررها بسرعة.. لكن حصلت المفاجأة الكبرى! فالسكين التي من طبعها القطع تسلب منها هذه الخاصية! يمرر إبراهيم السكين مرة وثانية وثالثة على حلق ابنه لكن السكين لا تقطع شيئًا, وبينما هو على هذه الحال إذا يسمع مناديًا في السماء: (يا إبراهيم .. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين) فيلتفت فإذا بكبش أبيض أعين له قرنان, قال ابن عباس رضي الله عنهما (رعى في الجنة أربعين خريفًا), فذبحه عليه السلام.
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..
نعم .. هذا إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ابنه فأجاب .. ونحن اليوم نذبح الأضاحي تأسيًا بسنة أبينا إبراهيم عليه السلام..
أمر بذبح ابنه فأجاب .. والبعض يؤمر بذبح كبش فيبخل. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان له سَعة ولم يُضحِّ فلا يقربنَّ مُصلاَّنا»؛ أخرجه أحمد وابن ماجه.
هذا اليوم هو أفضل أيام العام على الإطلاق .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر).
هذا اليوم أفضل من يوم عاشوراء ومن يوم عرفة وأفضل من أيام رمضان بل أفضل من العشر الأواخر من رمضان, فما بال الناس تضيعه بما لا ينفع.
اجعل كل عمل من أعمالك هذا اليوم عملاً صالحًا, انوِ نية العمل الصالح في كل شأنك, صلاتك العيد عبادة, وسماع الخطبة طاعة, وذبحك الأضحية نسك واقتداء بأبيك إبراهيم, وأكلك من كبد أضحيتك بعد ذبحها سنة, وتهنئتك والديك وأقاربك بالعيد صلة رحم, وراحتك خلال اليوم طاعة تنوي بها التقوي على ما بعدها, مصافحتك إخوانك تحت به ذنوبك, وهكذا من عمل صالح إلى آخر, مع المحافظة على الفرائض والسنن الرواتب والتكبير أدبار الصلوات وأذكار الصباح والمساء, جعلك الله مباركًا أينما كنت, وعمر وقتك بالخير والطاعة.
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..
روى الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا).
اعلموا أنه يشترط في الأضحية شروط منها: الأول: أن يملك المضحي ثمن أضحيته. الثاني: أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم. الثالث: بلوغ السن المعتبر شرعًا وهي الثني في الإبل والبقر والمعز والجذع من الضأن. والرابع: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء وهي كما وردت في الحديث العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكبيرة التي لا تنقي.
السنة للمضحي أن يأكل من أضحيته ويتصدق ويهدي, لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كلوا وتصدقوا وادخروا), ولو تصدق بها كلها أو أهداها أو أكلها جاز, ويحرم بيع شيء منها من لحم أو شحم أو جلد ونحوه, ولا يعطى الجزار أجرته منها لكن يجوز أن يعطى منها هدية أو صدقة من غير الأجرة, وكلما زاد ثمن الأضحية كلما كانت أفضل كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. هذا يوم عيد, يوم فرح وسرور, وهو يوم فضيل من خير أيام الله, فالسنة إظهار الفرح, وإدخاله على الغير, واجتنبوا عصيانه فبالشكر تدوم النعم, وبالكفران تزول النعم, فأحسنوا إلى أنفسكم, ووسعوا على أولادكم وأزواجكم وخدمكم,
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..
يا نساء المسلمين، اتقين الله تعالى في واجباتكن التي أمركن الله بها، أحسِنَّ إلى أولادكن بالتربية الإسلامية النافعة، واجتهدن في إعداد الأولاد إعدادًا سليمًا ناجحًا، فإن المرأة أشد تأثيرًا على أولادها من الأب، وليكن هو معينًا لها على التربية، والتزمن بآداب الإسلام, قال تعالى: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا* و َقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَءاتِينَ الزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )
أطعن أزواجكن بالمعروف, واحفظن أعراضكن, والتزمن بالحجاب الشرعي بحشمة وعفة، وتصدّقن، وابتعدن عن اللعن والغيبة والنميمة, أحسني ـ أيتها المرأة المسلمة ـ إلى زوجك بالعشرة الطيبة، وبحفظه في عرضه وماله وبيته، وبرعاية حقوق أقاربه وضيفه وجيرانه، ولا تكلفيه ما لا يطيق من المصارف، وكوني مقتصدة لماله غير مسرفة فيه, وكوني طائعة له غير ناشزة, تفوزي برضا ربك والجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)).
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..
أُمتكم يا أهلَ الإيمان ... قَدَرُهَا أنْ يُتَعَاقَبَ عليها الأذى ، ويتمالئَ عليها العِدَاء. قَدَرُها أنْ تكونَ أكثرَ أُمَمِ الأرضِ تعرضاً للظُّلم والبلاء ، سرِّح الفِكْرَ في مَسَاربِ التاريخِ ، أو أرسلِ الطَرْفَ في الواقعِ المعاصرِ لترى أنَّ المصائبَ تُصَبُّ على أهلِ الإسلام صبَّاً ،ورُغْمَ ذلك فهذه الأمَّة لا تَزِيْدُها المِحَنُ إلا عودةً للدِّين ، والتجاءً للهِ ربِّ العالمين ، وها هي شامُ الإسلام تَعودُ لِجُذورِها وأُصُولِها الإسلامية ، وها هي الأرضُ المباركةُ فلسطين تَنْتَفِضُ على شَرِّ خَلْقِ اللهِ كلِّهم ، وها هي يمن العز تطرد أذناب المجوس من أراضيها.
فتحيةُ إكبارٍ وإجلالٍ إلى أولئك الرجال ، الذين ركَّعوا أعداء الله الذين بَلَغَتْ جَرَائِمَهُم كل مبلغ ، فَحُقَّ لنا أنْ نَفْرحَ في عيدِنا بهم ، ونعلنها صريحة : طُوبى لكم ، وطُوبى لنا بكم , ادعوا لهم في يومكم هذا أن يعجل الله بنصرهم ويدحر عدوهم.
أيها الإخوة.. لِنعلمَ أنَّ هذا اليقينَ بِغَلَبَةِ أمرِ اللهِ وإعزازِ دينه ، ليس هو مجردَ شُعورٍ في الضميرِ بلا عمل ، بل هو مُعْتَقَدٌ رَاسِخٌ ، يَزِيْدُ الإيمانَ ، ويُورثُ العَمَلَ ، كما قال سبحانه : (ولمَّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ).
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. ضَحُّوا تقبل اللهُ ضحاياكم ، وكلُوا منها ، وتصدَّقُوا ، وتهادوا ، وأحيوا سنَّة أبيكم إبراهيم، ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب (
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً , اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ , اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ , اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا اللَّهُمَّ أكْرِمنَا ولا تُهنَّا , اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ , وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ , وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ , وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ , وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين .
ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِى أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ [فاطر:1].
الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا .. والحمد لله كثيرًا .. وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الحمد لله خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول.
لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، لا إله إلا أنت.
اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر ..
الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الله أكبر كلما لمع نجم ولاح، الله أكبر كلما تضوع مسك وفاح، الله أكبر كلما غرد حمام وناح.
الله أكبر ما وقف الحجيج بصعيد عرفات، وباتوا بمزدلفة أحسن مبات، ورموا بمنى تلك الجمرات.
الله أكبر كلما ارتفع علم الإسلام، الله أكبر كلما طيف بالبيت الحرام، الله أكبر كلما دكدكت دولة الأصنام.
لا إله إلا الله، كُلُّ شَىْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
لا إله إلا الله يفعل ما يريد، لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، لا إله إلا الله رب السموات والأرض وهو على كل شيء شهيد.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.. وعيدكم مبارك .. هنيئًا لكم عيد الأضحى المبارك وقد هبَّ نسيمه مِسكًا عبِقًا، وخيرًا غدِقًا، هنيئًا لكم يوم الحج الأكبر، هنيئًا لكم يوم الجمع الأعظم، يومٌ يُهراق فيه الدم، ويُوضع فيه الشعر، ويُلقَى فيه التَّفَث، وتحِلُّ فيها الحُرَم، الوقوف في ليلته، والرمي والنحر والطواف في صبيحته، فما أعظمه من يوم، وما أكرمه من جمع.
الحجيج في البِقاع المُقدَّسة تبتهل وتتضرع، وتُنادي ربها وتخشع، قد طمِعَت في رحمته وغفرانه، وكرمه ورضوانه، وعطائه ونواله، وهو الرحيم التواب، الكريم الوهاب، يفتح بابًا، ويقبل متابًا، ويُعتِق رقابًا، ويُعطي رِغابًا، فسبحان من خضع له كل شيء، سبحان من دان له كل شيء.
سبحانه ثم سبحانًا يعود له وقبلنا سبَّح الجُودي والجَمَدُ
سبحان من يرفع من تواضع وتذلَّل وتخشَّع، ويضع من تعالى وتكبَّر وترفَّع.
وإذا تذلَّلَت الرقاب تخشُّعًا منَّا إليك فعزُّها في ذُلِّها
فارفعنا اللهم بطاعتك، وأعِزَّنا بقربك وخشيتك، وأدخِلنا في رحمتك، وأنت أرحم الراحمين.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. هاهو إبراهيم عليه السلام, بعد أن طال عليه الزمان ولم يرزق بولد, يبشر بمولود جديد, كم كانت فرحة إبراهيم غامرة وهو يسمع أولى صرخات طفله إسماعيل, مولود جاء بعد انقطاع, وصغير ولد بعد أمد, وها هو إبراهيم عليه السلام يترك إسماعيل وأمه في أرض قفر, في وادٍ غير ذي زرع, ثم يرجع إليهم بعد زمن بعد أن كبر الطفل قليلاً, أصبح الولد إسماعيل مقربًا من والده أكثر, وأصبح يذهب ويجيء مع والده, وفي مساء إحدى الليالي يرى إبراهيم في المنام رؤيًا كأنه يؤمر بذبح حبة فؤاده ــ ابنه إسماعيل ــ, أقلقته هذه الرؤيا, وفي الليلة الثانية تكرر عليه في المنام الأمر بذبح ابنه الحبيب, وكذلك في الليلة الثالثة, لم يكن أمام إبراهيم وهو النبي الصالح المؤيد من ربه والذي يعلم أن رؤيا الأنبياء وحي إلا أن يستسلم لأمر الله, فالله هو الذي وهبه هذا الولد وهو الذي أمره بذبحه, ويظهر أمام إبراهيم تحدٍ وهو كيف يبلغ الخبر إلى ذلك الابن الصالح الذي تمكن حبه في قلبه, يذهب إلى ابنه إسماعيل, ويبلغه الأمر الصاعق بأسلوب لطيف: (قال إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى)؟ لكن إسماعيل الذي ربي على التوحيد وعلى الاستسلام لأمر الله ينزل عليه الخبر بردًا وسلامًا, فلم يجزع ولم يبك, وإنما جاء الرد المباشر بلا تردد: (يا أبت افعل ما تؤمر) ثم يخشى أن يظن أباه أنه خائف فيستدرك قائلاً: (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) الله أكبر على مثل هذا التوحيد, الله أكبر على مثل هذا الانقياد لأمر رب العبيد.
لما استسلم إبراهيم وإسماعيل لأمر الله تعالى.. ذهب إبراهيم وابنه إلى منى وقيل إلى موضع المقام, تل إبراهيم ابنه للجبين.. فألقى وجهه على الأرض وأراد أن يذبحه من قفاه لكي لا يراه أثناء الذبح فتدركه رحمة الولد, فكيف بأب يشاهد ولده الوحيد يموت أمام عينيه, فما بالك إذا كان هو من يقوم بإمرار السكين على رقبته فيشاهد موته لحظة بلحظة ؟!
يمسك إبراهيم السكين, وينظر إلى ابنه ملقى على الأرض, وليس بينه وبين الموت إلا أن تمر السكين على حلقه, يسمي إبراهيم ويكبر (بسم الله والله أكبر) ثم يهوي بالسكين على حلق ابنه, يمررها بسرعة.. لكن حصلت المفاجأة الكبرى! فالسكين التي من طبعها القطع تسلب منها هذه الخاصية! يمرر إبراهيم السكين مرة وثانية وثالثة على حلق ابنه لكن السكين لا تقطع شيئًا, وبينما هو على هذه الحال إذا يسمع مناديًا في السماء: (يا إبراهيم .. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين) فيلتفت فإذا بكبش أبيض أعين له قرنان, قال ابن عباس رضي الله عنهما (رعى في الجنة أربعين خريفًا), فذبحه عليه السلام.
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..
نعم .. هذا إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ابنه فأجاب .. ونحن اليوم نذبح الأضاحي تأسيًا بسنة أبينا إبراهيم عليه السلام..
أمر بذبح ابنه فأجاب .. والبعض يؤمر بذبح كبش فيبخل. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان له سَعة ولم يُضحِّ فلا يقربنَّ مُصلاَّنا»؛ أخرجه أحمد وابن ماجه.
هذا اليوم هو أفضل أيام العام على الإطلاق .. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر).
هذا اليوم أفضل من يوم عاشوراء ومن يوم عرفة وأفضل من أيام رمضان بل أفضل من العشر الأواخر من رمضان, فما بال الناس تضيعه بما لا ينفع.
اجعل كل عمل من أعمالك هذا اليوم عملاً صالحًا, انوِ نية العمل الصالح في كل شأنك, صلاتك العيد عبادة, وسماع الخطبة طاعة, وذبحك الأضحية نسك واقتداء بأبيك إبراهيم, وأكلك من كبد أضحيتك بعد ذبحها سنة, وتهنئتك والديك وأقاربك بالعيد صلة رحم, وراحتك خلال اليوم طاعة تنوي بها التقوي على ما بعدها, مصافحتك إخوانك تحت به ذنوبك, وهكذا من عمل صالح إلى آخر, مع المحافظة على الفرائض والسنن الرواتب والتكبير أدبار الصلوات وأذكار الصباح والمساء, جعلك الله مباركًا أينما كنت, وعمر وقتك بالخير والطاعة.
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..
روى الترمذي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسا).
اعلموا أنه يشترط في الأضحية شروط منها: الأول: أن يملك المضحي ثمن أضحيته. الثاني: أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم. الثالث: بلوغ السن المعتبر شرعًا وهي الثني في الإبل والبقر والمعز والجذع من الضأن. والرابع: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء وهي كما وردت في الحديث العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكبيرة التي لا تنقي.
السنة للمضحي أن يأكل من أضحيته ويتصدق ويهدي, لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كلوا وتصدقوا وادخروا), ولو تصدق بها كلها أو أهداها أو أكلها جاز, ويحرم بيع شيء منها من لحم أو شحم أو جلد ونحوه, ولا يعطى الجزار أجرته منها لكن يجوز أن يعطى منها هدية أو صدقة من غير الأجرة, وكلما زاد ثمن الأضحية كلما كانت أفضل كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. هذا يوم عيد, يوم فرح وسرور, وهو يوم فضيل من خير أيام الله, فالسنة إظهار الفرح, وإدخاله على الغير, واجتنبوا عصيانه فبالشكر تدوم النعم, وبالكفران تزول النعم, فأحسنوا إلى أنفسكم, ووسعوا على أولادكم وأزواجكم وخدمكم,
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..
يا نساء المسلمين، اتقين الله تعالى في واجباتكن التي أمركن الله بها، أحسِنَّ إلى أولادكن بالتربية الإسلامية النافعة، واجتهدن في إعداد الأولاد إعدادًا سليمًا ناجحًا، فإن المرأة أشد تأثيرًا على أولادها من الأب، وليكن هو معينًا لها على التربية، والتزمن بآداب الإسلام, قال تعالى: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا* و َقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الأولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَءاتِينَ الزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )
أطعن أزواجكن بالمعروف, واحفظن أعراضكن, والتزمن بالحجاب الشرعي بحشمة وعفة، وتصدّقن، وابتعدن عن اللعن والغيبة والنميمة, أحسني ـ أيتها المرأة المسلمة ـ إلى زوجك بالعشرة الطيبة، وبحفظه في عرضه وماله وبيته، وبرعاية حقوق أقاربه وضيفه وجيرانه، ولا تكلفيه ما لا يطيق من المصارف، وكوني مقتصدة لماله غير مسرفة فيه, وكوني طائعة له غير ناشزة, تفوزي برضا ربك والجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت)).
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر كبيرًا ..
أُمتكم يا أهلَ الإيمان ... قَدَرُهَا أنْ يُتَعَاقَبَ عليها الأذى ، ويتمالئَ عليها العِدَاء. قَدَرُها أنْ تكونَ أكثرَ أُمَمِ الأرضِ تعرضاً للظُّلم والبلاء ، سرِّح الفِكْرَ في مَسَاربِ التاريخِ ، أو أرسلِ الطَرْفَ في الواقعِ المعاصرِ لترى أنَّ المصائبَ تُصَبُّ على أهلِ الإسلام صبَّاً ،ورُغْمَ ذلك فهذه الأمَّة لا تَزِيْدُها المِحَنُ إلا عودةً للدِّين ، والتجاءً للهِ ربِّ العالمين ، وها هي شامُ الإسلام تَعودُ لِجُذورِها وأُصُولِها الإسلامية ، وها هي الأرضُ المباركةُ فلسطين تَنْتَفِضُ على شَرِّ خَلْقِ اللهِ كلِّهم ، وها هي يمن العز تطرد أذناب المجوس من أراضيها.
فتحيةُ إكبارٍ وإجلالٍ إلى أولئك الرجال ، الذين ركَّعوا أعداء الله الذين بَلَغَتْ جَرَائِمَهُم كل مبلغ ، فَحُقَّ لنا أنْ نَفْرحَ في عيدِنا بهم ، ونعلنها صريحة : طُوبى لكم ، وطُوبى لنا بكم , ادعوا لهم في يومكم هذا أن يعجل الله بنصرهم ويدحر عدوهم.
أيها الإخوة.. لِنعلمَ أنَّ هذا اليقينَ بِغَلَبَةِ أمرِ اللهِ وإعزازِ دينه ، ليس هو مجردَ شُعورٍ في الضميرِ بلا عمل ، بل هو مُعْتَقَدٌ رَاسِخٌ ، يَزِيْدُ الإيمانَ ، ويُورثُ العَمَلَ ، كما قال سبحانه : (ولمَّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ).
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. ضَحُّوا تقبل اللهُ ضحاياكم ، وكلُوا منها ، وتصدَّقُوا ، وتهادوا ، وأحيوا سنَّة أبيكم إبراهيم، ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب (
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً , اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ , اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والْمُسلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ , اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا اللَّهُمَّ أكْرِمنَا ولا تُهنَّا , اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ , وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ , وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ , وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ , وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين .