خطبة عيد الأضحى 1435هـ ( الإسلام خير دين )

إبراهيم بن سلطان العريفان
1435/12/10 - 2014/10/04 02:03AM
الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد
الحمد لله رب العالمين ، الملك الحق المبين ، رب السموات والأرض وما بينهما ورب الأولين والآخرين ، سبحانه وتعالى ، عز جاره وجل ثناؤه وتقدست أسماؤه ولا إله غيره. خلق خلقه بقول كن لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون . أشهد أنه الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الرحمن الرحيم رحمة للعلمين ، ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين . فاللهم صل عليه وعلى آل بيته الطيبين ، وصحابته الكرام والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .
فالله أكبر .. زينة مواسم الطاعات والأعياد. والله أكبر .. لرفع رايات الجهــاد والاستشهاد. والله أكبر .. في الأذان والإقامة والركوع والسجود. والله أكبر .. على الجنائز والذبائح وفي إذن كل مولود .
إن تهافت الناس على الدنيا ومتاعها الأوفر، فالله أكبر. وإن تعلقت النفوس بمحبوبات الأنداد الكثار، فالله أكبر. وإن تفاضلت الحقوق في كل شيء، فحق الله أكبر. وإن طغى كل جبار وعلا واستكبر، فالله أكبر. سبحانه وتعالى هو الواحد القهار، الباقي بعد كل الأنـام (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ).
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .
لله الحمد بهذا اليوم المبارك الأبهى، يوم عيد الأضحى ، واحد من أعيادنا الإسلامية النقية الزكية ، أعياد فرح وسعادة ، وطاعة وعبادة ، وأخوة وتواصل، وتعاون وتكافل . زينتها التكبير والذكر والشكر الكثير . فانظروا رحمكم الله إلى هذا الجمع المبارك المهيب ، وتأملوا فيه حكمة هذا الدين الذي يجمع ويؤلف ، ويصل ويؤاخي، وينظم ويهذب ، ويطهر ويزكي ، ويرفع ويرقي .
فهل نلتقي اليوم على هذه الصورة الوحدوية الإيمانية ، خاشعين مستبشرين، إلا بنعمة الإسلام وأخوة الإيمان ، لا فرق بين غني وفقير ولا بين قوي وضعيف ولا بين أبيض وأسود ( وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ).
هاهي ذي أيام العشر الأوائل الفاضلة تختتم وتتوج بأحب الأعمال إلى الله تعالى: صلاة العيد ونحر الأضحية . منسكان عبادتان عظيمان ، يقترنان في الفضل والثواب، كما يقترنان في قوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) فهنيئا لمن أقاموا الصلاة مخلصين وهي عمود الدين ، وتقربوا إلى الله بالأضحية صادقين محتسبين ،وهي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين ، فقد دخلوا رحاب العبودية التامة لرب العالمين ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).
ذلك برهان الإيمان والطاعة والانقياد، وشاهد الاستجابة والتسليم لرب العباد، تأسياً بسيرة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ،يوم جاءهما الابتلاء الشديد بما لا تطيقه نفس إنسان، حيث أمر الأب الشيخ الكريم ،بوحي في المنام، أن يذبح وليده البر الحليم .وكانت الاستجابة منهما معاً بمطلق الطاعة والتسليم لرب العالمين . وحين لم يبق بعد العزم الأكيد إلا أن يراق الدم الزكي ،جاء الجزاء والفداء من رب حليم كريم بذبح عظيم . فاستمعوا وتدبروا الوصف القرآني المبين لهذا المشهد المثير ، في قمة البيان والإقناع والتأثير ( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ.رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ.فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ.فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ.وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ.قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ.وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ).
فقربوا - معشر المؤمنين - أضحياتكم لله تعالى بهذه المعاني من التضحية والفداء، وعظموا فيها شعائر الله جل وعلا ، فإنها منسك توحيد وطاعة، وشكر وعبادة ، وما هي تقليد ولا فعل عادة .
واعلموا أن الله تعالى جميل يحب الجمال، طيب لا يقبل إلا طيبا ، فانظروا ماذا تقربون إلى ربكم ، وهو صاحب الفضل العظيم عليكم، واصدقوه مخلصين ( فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
وكونوا من أهل الإحسان ، فإن الله يحب المحسنين ، والإسلام دين الإحسان والإتقان في كل شيء ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) .
عباد الله ... اذبحوا أضحياتكم لربكم راضين مطمئنين ، وكلوا منها حامدين شاكرين ، وتصدقوا محتسبين ، فإنما هي من الله تعالى نعمة وفضل واختبــار ، وهي إلى الله شاهـد تقــوى وشكر واعتذار ( فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ).
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .
لله الحمد على نعمة الإسلام ، وقد خصنا فيه بخير كتاب أنزل ، قرآنا عربياً مبينا ، وأكرمنا بخير نبي أرسل ، بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا ، وجعلنا من خير امة أخرجت للناس ، بالهـدى ودين الحق ، دين الرحمة للعالمين.
فالإسلام عقيــدة ، جوهرها التوحيـــد الخالص الذي لا شرك فيه. فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ).
والإسلام عبــادة ، جوهرها الإخلاص ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) فأخلصوا دينكم لله حنفاء ولا تبطلوا أعمالكم بالرياء والكبر والعجب والغرور.
والإسلام أخــلاق، جوهرها الرحمة ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) فارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، فالراحمون يرحمهم الرحمن.
والإسلام عمــل، جوهره الإحسان والإتقان ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) فأحسنوا أعمالكم مع الله ومع العباد لخير دنياكم وآخرتكم ، واحذروا الغش والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل.
والإسلام علاقـات ومعاملات جوهرها الأخوة والصــدق ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) فكونوا عباد الله إخوانا ،صادقين في الأقوال والأفعال ، فالمسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه .والمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا.
فلنجتمع - أيها المسلمون - على التدين الصحيح ، إيماناً وتوحيداً وعبادة وأخلاقا وعملا ومعاملات ؛ فإننا أمة التوحيد والوحدة ، والجسد الواحد الذي روحه القرآن ، به وجدنا ، وبه نحيا، وبه نهتدي ، وبه نسمو ونرقى ونسود ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِمَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) تلك حقيقة القرآن اليقينية المنطوقة، كلما تمسك المسلمون بهدي القرآن والسنة، أنجزهم الله وعده بالاستخلاف والتمكين والعزة . وتلك شهادة عمر بن الخطاب المشهورة وقد ذاق عزة الإسلام بعد هوان الجاهلية فقال : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، ومتى ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد .
جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب .


الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، دائما بدوام عزته وجلال وجهه وعظيم سلطانه ومجده. نحمده تعالى وهو أهل الحمد والثناء ، لا نحصي نعمه ولا نحصي ثناءً عليه ، هو سبحانه كما أثنى على نفسه. ونصلي ونسلم على خير خلقه ، محمد وآله وصحبه.
معاشر المؤمنين .. احذروا فتنة الدنيا الفانية ، واعلموا أنها مزرعة الآخرة ، فتزودوا من دنياكم لآخرتكم بالأعمال الصالحة ، فاليوم عمل ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل.
أيها المؤمنون .. اهنأوا بعيدكم ، واذكروا نعمة الله عليكم بالإيمان وأخوة الإسلام، فإنما المؤمنون إخوة ، وارعوا بينكم مشاعر هذه الأخوة بالمحبة المتبادلة والتعاون والتآزر، والتراحم والتزاور ، فإنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه .وكونوا كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر .
ولا تنسوا إخواناً لنا في بلدان إسلامية كثيرة ، لا يعيشون فرحة العيد مثلنا بما يعانون من ويلات الحروب ونحن في سلام، ويروعون ويقتلون، ونحن في أمان، ويحاصرون ويجوعون ونحن منعمون . فلنسأل الله تعالى لهم الفرج القريب والنصر على الظالمين، وألا يؤاخذنا بما قصرنا في واجب نصرتهم وإعانتهم ، إنه تعالى حليم كريم. ( رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )
تقبل الله تعالى منا جميعاً مناسك هذا اليوم المبارك الأغر، وأعاده علينا بالخير واليمن والبركات إنه ولي الصالحين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المرفقات

569.doc

570.doc

المشاهدات 2090 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا