(خطبة: عيد الأضحى 1433هـ..)
نايف بن حمد الحربي
1436/12/08 - 2015/09/21 20:11PM
(خطبة: عيد الأضحى 1433هـ..) جامع العزيزية: 10/12/1433هـ
الحمدُ للهِ أبَانَ سُبُلَ الهُدى, والحمدُ للهِ بِشِرعَتِهِ استَضَأتْ حَالِكاتُ الدُجَى, والحمدُ للهِ عَاوَدَ عِبَادَهُ بالخيرِ بعدَ ما لهُم به ابتدى, لا يَستَوي في ميزَانِهِ مَن غَمَطَ الحقَّ بِتَواطُئِه, ومَن الحقَّ بمُهجَتِهِ افتَدَى, وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَّهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبه, وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أما بعد :
فعَلَيْكم بتقوى اللهِ عبادَ الله، تُهدَونَ بها إلى كُلِّ بِر, وتُوقَونَ بها كُلَّ شَر, وتُنجَونَ بها مِن سُوء عَذَابِ حَرٍ وقَر, فطُوبى لِمَن اتقَى, وإلى مولاَهُ فَر.
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: عِيدُكُم مُبَارَك, وأيَامُكُم تَتَبَارك, وتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنكُم..
فاليومُ يومِ الحجِّ الأكبر, عِيدٌ لنا أهلَ الإسلام, لِفَرَحِنَا فيه مَزِيَّة, وبفَرَحِنَا فيهِ أدرَكنَا الخَيرِية, فَحُقَّ لكم فيهِ أنْ تَفرَحوا, ولفَضلِ اللهِ فيهِ عليكم أنْ تَعرِفُوا, ولِمَن تحتَ أيديكم مِمَّا أَتَاكم اللهُ أنْ تَمنَحوا, ولكن حَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ عن سِيَاجِ الشرعِ أنْ تَبرحوا, فالفَرَحُ بالعيدِ سُنَّة, والحَرَجُ يَستَكِنُّ في مَغَنِّه, واجعَلُوا بينَكُم وبينَ عَذَابِ اللهِ جُنَّة, فالفَرحُ لا يُغويكُم, والإمهَالُ لا يُطغِيكُم, وطُول الأمَلِ على مَسَاخِطِ اللهِ لا يُجَرِيِّكُم, واعرِفُوا لرَبِكُم قَدرَه..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: التَنَازُعُ والاختِلافُ أسَاسُ كُلِّ شَر, ومَادَةُ كُلِّ بَلِيَّة, يُنتِجُ الفَشَل, ويُورِثُ ذَهَابَ الريح, ليسَ في الحَقِّ وحَسْب, وإنِّمَا حتى في البَاطِل, فإذا ما اختلَفَ اللِصَان, ظَهَرَ المَسرُوق, ومَن لَم تُفِدهُ حَوادِثُ الليالي, فهوَ كحَامِلِ الأسفَار, تُثقِلُ ظَهرَهُ, ولا يَرفَعُ مِنها جَهلَه, ومِمَّا حَفِظَ لنا التاريخ, أنَّ بني الإسلامِ في أواخر الدولَةِ العباسية, جَعَلُوا مُلكَهُم عِضِين, فدِمَشقُ إمَارة, وحلبُ إمَارة, وحِمصُ إمَارة, ومِصرُ إمَارة, ومِثْلُهَا في بلادِ الأندَلُسِ حَدَث, وفي كُلٍّ مِنها: إمَامٌ للمسلِمينَ ومِنبَرُ, لم ينكؤوا عَدُوا, ولم يُرهِبُوا عَادِيَا, وإنِّمَا يُوَطِدُ كُلٌّ مِنهُم مُلكَهُ بدَفعِ الجِزيَةِ إلى النَصَارَى, والاستعَانَةِ بهم على المناوئين ولو كانوا مسلمين, حتى هَيَّأ اللهُ لأهلِ المَشرِقِ صَلاحَ الدين, وحَدَّ مَمَالِكَهم, وأعقبَ مَعرَكَةَ حِطين, ولأهلِ المغرِبِ ابنَ تَاشِفِين, لَمـَّ شَعَثَهُم, وأخلَفَ معركةَ الزَلاَّقَة, دَفَعَت سُقُوطَ الأندَلُسِ أربَعَةَ قُرُون, والنَاظِرُ في حَالِ أهلَ الإسلامِ اليوم, يَرى التاريخَ يُعيدُ نَفسَهُ, فهذهِ مَملَكة, وتِلكَ دَولَة, وأُخرَى جُمهُورِية, والهَيبَةُ ضَائِعَة, والحِمَى مُستَبَاح, وأَهلُهَا في حَيرَةٍ مِن أَمرِهِم, أَيُوغِلُونَ في استِجدَاءِ الروم؟! أم يَنهَضُونَ لِدَرءِ خَطَرِ الفُرس, والحَقُّ مُرٌ, وليسَ كُلٌّ يَقبَلُه, واللهُ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حتى يُغَيِّروا ما بأَنفُسِهِم..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: الرَحِمُ وَشِيجةٌ, اشتَقَ الرحمنُ لها مِن اسمِهِ اسمَا, مَن وصَلَهَا وَصَلَهُ الله, ومَن قَطَعَهَا قَطَعَهُ الله, وليسَ عن وجوبِ وصلِهَا سأُحَدِثُكُم, وإنِّمَا إلى تَطَلُعَاتِكُم أُحَاكِمُكُم, فالكُلُّ مِنَّا يَتَطَلَّعُ إلى عَلاقَةِ وُدٍ وصَفَاء, بينَ أولاَدِهِ وذُرِيَتِه, يَأمُرُهُم بذاك, ويَحمَدُ جميلَ عَواقِبِه, وجَميلٌ ما صَنَع, ولكنْ أفلاَ نَظَرَ إلى حَالِه, فإذا كانَ يَتَنَدَّرُ بإخوَتِه, ويَقَعُ في قَرَابَته, ويُحَقِّرُ شَأنَ لُحمَتِه, يُعَيِّرُ هذا, ويَزدَري ذاك, كُلُّ هذا, على مَرأىً مِن أولاَدِهِ ومَسمَع, فمِن أينَ لَهُ أنْ يَمتَثِلَ أولاَدُهُ قولاً خَالَفَهُ بفِعلِه؟ إذْ إلى فِعْلِهِ أقوالَهُ سَيُحَاكِمُون, فإنْ صَدَّقَ الفعلُ القولَ أخذوا به, وإنْ كَذَّبَهُ كانَ أولاَدُهُ أَوَّلَ كَافِرٍ به, وكُلٌّ إلى حَالِهِ يَنظُر..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: السُنَّةُ مَاضِيَة, والحِكمَةُ جَارِية, وإذا مَا أَرَادَ اللهُ أَمراً هَيَّأ أَسبَابَه, فقُريشٌ نَالَتْ شَرعِيَتَهَا مِن سَدَانَتِهَا للبيت, وظَنَّتْ أنَّ هذا الأمرَ وحدَهُ كَفِيلٌ بجَعلِ الحَقِّ إلى جَانِبِهَا ولو قَلَبَتْ المعروفَ مُنكَراً, والمُنكَرَ معرُوفا, فلمَّا أَرَادَ اللهُ إبطَالَ حُجَتِهَا, وإبدَاءَ سَوءتِهَا, ابتَلاَهَا بعُمرَةِ الحُدَيِّبِيَة, فلمَّا صَدَتْ رسولَ اللهِ -صلى اللهُ وسَلَّمَ- وأصحابَهُ عن البيت, وهُم إنِّمَا أَرَدوا زِيَارَتَهُ, سَقَطَتْ مِن النُفُوسِ مَكَانَتُهَا, وأَسقَطَتْ بِذَاكَ شَرعِيَتَهَا, ولَنَا مِن وَاقِعِ ثَورَةِ أهلِ الشامِ مُشَاهَدَات, فكَم سَقَطتْ بسَبَبِهَا أَقنِعَة, وتَكَشَّفَتْ حقائِق, فما مَنزِلَةُ حِزبِ اللهِ قَبلَهَا؟ وما مَنزِلَتَهُ بعدَهَا؟ وكَذا إيران؟ ومَن دارَ في فَلَكِهَا؟ بل: كُلُّ مَن يَقتَاتُ على الثَورَةِ طَمَعاً في تَجييرِهَا لِصَالِحِه, قبلَ أنْ تَبْزُغَ شَمسُهَا, فَتَخْطِفَ أبصَارَهُم؟ إذْ أنَّهُ إذا ما طَلَعَتْ الشمسُ عَمِيَتْ الخَفَافِيش..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أَمَةَ الله, شَقِيقَةَ الرِجَال, ومُرَبِيةَ الأجيال, ومَن عليها بعدَ اللهِ تُعقَدُ الآمال: جَعَلَ اللهُ السِترَ في الكَونِ جَمَالاً لِكُلِّ ما استَكَنَّ به, فلولا غَيَابُ الشَمسِ لَمَا كانَ لِظُهُورِهَا مَزِيدُ مَزِية, والدُرُّ لولا استِكنَانُهُ لَمَا كانَ في الحُسنِ مَضرِبَ مَثَل, وبحُسنِ تَحَجُّبِ المرأةِ تَنقَطِعُ مِنها أهواءُ أُولي الأهواءِ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} والإناءُ المَكشُوف, تَلِغُ فيهِ حتى الكِلاب, وولُوغِ العينِ سَابِقٌ لِولُوغِ ما عَدَاه, فيا أُخَيَّتِي: الرَجُلُ في البيتِ زَائر, وأنتِ رَبَةُ الدَار, تَحضُرِينَ إذا غَاب, ولا يَخفَاكِ أَمرٌ إذا نَاب, أنتِ للخللِ رَافِئ, وللدَخَلِ دَافِع, أنتِ بأولاَدَكِ ألصَق, وإلى نُفُوسِهِم أقرَب, أَقرِئِهِم الكِتِاب, وجَمِّلِهِم بالآداب, وحَاذِرِ أنْ تُورِدِهِم مِن الـمَشَارِب ما لَهُ الكَدَرُ شَاب؛ إذْ الجَاهِلُ عَدُوُ نَفسِه, أنتِ عليهم مُؤتَمَنة, وعنهم مُحَاسَبَة, فليَسعَ كُلٌّ في فِكَاكِ نَفْسِه..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: الإيمانُ بِشَرعِيَّةِ القَضِيَة, والعَمَلُ الدؤوب في سَبِيلِ نُصرَتِهَا, صِنوانِ لا يَنفَصِلانِ في سبيلِ نهضَةِ الأُمَم, وحَياةِ القَضَايا, وشَرعِيَّةُ قَضايانَا أهلَ الإسلامِ ليسَتْ مَجَالاً للجِدَال, إلا في أذهَانِ مَن استَرضَعُوا ظِئرَ أعداءِ المِلَّةِ فهُم بحَمدِهِم يُسَبِّحُون, وإنِّمَا نَشكُوا إلى اللهِ جَلَدَ الفَاجِرِ, وعَجزَ الثِقة, فَأبواقُهُم لَم تَفتَأ تَهتِفُ فِيِّنَا كُلَّ يوم: المرأةَ بحُريَةِ الوصولِ إليها يُطَالِبُون, والإلحادَ في سبيلِ تَبريرهِ يَجهَدُون, ومُجَالَدَةَ أعداءِ الأُمَّةَ في جَدواهَا يُشَكِكُون, والسَعيَّ في فِكَاكِ أسرانَا خَوَرَهُم إِزاءَهُ بالتَشَفِّي يَستُرُون, فهم كالوَرَمِ في الخَاصِرَة, لا تَستَقِيمُ مَعَهُ قَامَة, والمرءُ مِنهُ لا يَهنَأ في مَنَامِه, وإنِّمَا عِلاَجُهُ بَترُه, وبَترُ هؤلاء, إنِّمَا يَكُونُ بجِيلٍ واعٍ, يَتَوَقَدُ عَزيمةً صَادِقَة, تُثمِرُ عَملاً دَؤوباً مُنَظَّما, لا يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِ الأشخَاص, ولا يَعمَلُ في ميدانٍ ويَترُكُ آخَر, وإنِّمَا يَضرِبُ في كُلِّ بابٍ بسَهم, يُنَظِّرُ للخير, ويَجهَدُ في نَشرِه, يُحسِنُ بَذرَه, ولا يَستَعجِلُ ثَمَره, يَتَجَّنَبُ الـمُهَاتَرَات, ويَحذَرُ الاستِدرَاج..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللهُ ضَحَاياكُم, فَكُلوا, وتَصَدَقُوا, وأَهدُوا, واعلَمُوا: أنَّ الأُضحِيَةَ مِن الضأنِ والمَاعِز, تُجزِئُ عن الرَجُلِ وأهلِ بيتِهِ إذا اتَحَدَ مَطعَمُهُم, ومِن البُدُنِ والبقَر تُجزِئُ عن سَبعة, ولِكُلٍّ أنْ يُشْرِكَ في ثَوَابِ أُضحِيَتِهِ مَن شَاءَ مِن الأحياءِ والأموات, أّمَّا الميتُ فإنْ كان لَهُ ثُلُث, وأَوصَى بأنْ يُضَحَّى مِنهُ عَنه, خُصَّ بأُضحِية, وإلا فلا يَجِب.
واعلَمُوا بأنَّ دِمَاءَ أُضحِيَاتِكُم على قِسمين: دِماءٌ تَخرجُ حالَ الذَكاة, فهذهِ دِمَاءٌ نَجِسَة, يَجِبُ التَطَهُّرُ مِنها لأدَاءِ الصلاة, وأخرى تَخرُجُ مِن بقِيَةِ أجزَاءِ الذَبِيحَةِ عندَ سَلخِهَا, فهذهِ دِمَاءٌ طَاهِرَة, لا يُصِيبُكُم مِنهَا حَرَج؛ إذْ العفُو عنها قد أَتى بالفَرَج..
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين, ...
وكتب/ نايف بن حمد الحربي.
الحمدُ للهِ أبَانَ سُبُلَ الهُدى, والحمدُ للهِ بِشِرعَتِهِ استَضَأتْ حَالِكاتُ الدُجَى, والحمدُ للهِ عَاوَدَ عِبَادَهُ بالخيرِ بعدَ ما لهُم به ابتدى, لا يَستَوي في ميزَانِهِ مَن غَمَطَ الحقَّ بِتَواطُئِه, ومَن الحقَّ بمُهجَتِهِ افتَدَى, وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَّهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبه, وتابعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
أما بعد :
فعَلَيْكم بتقوى اللهِ عبادَ الله، تُهدَونَ بها إلى كُلِّ بِر, وتُوقَونَ بها كُلَّ شَر, وتُنجَونَ بها مِن سُوء عَذَابِ حَرٍ وقَر, فطُوبى لِمَن اتقَى, وإلى مولاَهُ فَر.
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: عِيدُكُم مُبَارَك, وأيَامُكُم تَتَبَارك, وتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا ومِنكُم..
فاليومُ يومِ الحجِّ الأكبر, عِيدٌ لنا أهلَ الإسلام, لِفَرَحِنَا فيه مَزِيَّة, وبفَرَحِنَا فيهِ أدرَكنَا الخَيرِية, فَحُقَّ لكم فيهِ أنْ تَفرَحوا, ولفَضلِ اللهِ فيهِ عليكم أنْ تَعرِفُوا, ولِمَن تحتَ أيديكم مِمَّا أَتَاكم اللهُ أنْ تَمنَحوا, ولكن حَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ عن سِيَاجِ الشرعِ أنْ تَبرحوا, فالفَرَحُ بالعيدِ سُنَّة, والحَرَجُ يَستَكِنُّ في مَغَنِّه, واجعَلُوا بينَكُم وبينَ عَذَابِ اللهِ جُنَّة, فالفَرحُ لا يُغويكُم, والإمهَالُ لا يُطغِيكُم, وطُول الأمَلِ على مَسَاخِطِ اللهِ لا يُجَرِيِّكُم, واعرِفُوا لرَبِكُم قَدرَه..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: التَنَازُعُ والاختِلافُ أسَاسُ كُلِّ شَر, ومَادَةُ كُلِّ بَلِيَّة, يُنتِجُ الفَشَل, ويُورِثُ ذَهَابَ الريح, ليسَ في الحَقِّ وحَسْب, وإنِّمَا حتى في البَاطِل, فإذا ما اختلَفَ اللِصَان, ظَهَرَ المَسرُوق, ومَن لَم تُفِدهُ حَوادِثُ الليالي, فهوَ كحَامِلِ الأسفَار, تُثقِلُ ظَهرَهُ, ولا يَرفَعُ مِنها جَهلَه, ومِمَّا حَفِظَ لنا التاريخ, أنَّ بني الإسلامِ في أواخر الدولَةِ العباسية, جَعَلُوا مُلكَهُم عِضِين, فدِمَشقُ إمَارة, وحلبُ إمَارة, وحِمصُ إمَارة, ومِصرُ إمَارة, ومِثْلُهَا في بلادِ الأندَلُسِ حَدَث, وفي كُلٍّ مِنها: إمَامٌ للمسلِمينَ ومِنبَرُ, لم ينكؤوا عَدُوا, ولم يُرهِبُوا عَادِيَا, وإنِّمَا يُوَطِدُ كُلٌّ مِنهُم مُلكَهُ بدَفعِ الجِزيَةِ إلى النَصَارَى, والاستعَانَةِ بهم على المناوئين ولو كانوا مسلمين, حتى هَيَّأ اللهُ لأهلِ المَشرِقِ صَلاحَ الدين, وحَدَّ مَمَالِكَهم, وأعقبَ مَعرَكَةَ حِطين, ولأهلِ المغرِبِ ابنَ تَاشِفِين, لَمـَّ شَعَثَهُم, وأخلَفَ معركةَ الزَلاَّقَة, دَفَعَت سُقُوطَ الأندَلُسِ أربَعَةَ قُرُون, والنَاظِرُ في حَالِ أهلَ الإسلامِ اليوم, يَرى التاريخَ يُعيدُ نَفسَهُ, فهذهِ مَملَكة, وتِلكَ دَولَة, وأُخرَى جُمهُورِية, والهَيبَةُ ضَائِعَة, والحِمَى مُستَبَاح, وأَهلُهَا في حَيرَةٍ مِن أَمرِهِم, أَيُوغِلُونَ في استِجدَاءِ الروم؟! أم يَنهَضُونَ لِدَرءِ خَطَرِ الفُرس, والحَقُّ مُرٌ, وليسَ كُلٌّ يَقبَلُه, واللهُ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حتى يُغَيِّروا ما بأَنفُسِهِم..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: الرَحِمُ وَشِيجةٌ, اشتَقَ الرحمنُ لها مِن اسمِهِ اسمَا, مَن وصَلَهَا وَصَلَهُ الله, ومَن قَطَعَهَا قَطَعَهُ الله, وليسَ عن وجوبِ وصلِهَا سأُحَدِثُكُم, وإنِّمَا إلى تَطَلُعَاتِكُم أُحَاكِمُكُم, فالكُلُّ مِنَّا يَتَطَلَّعُ إلى عَلاقَةِ وُدٍ وصَفَاء, بينَ أولاَدِهِ وذُرِيَتِه, يَأمُرُهُم بذاك, ويَحمَدُ جميلَ عَواقِبِه, وجَميلٌ ما صَنَع, ولكنْ أفلاَ نَظَرَ إلى حَالِه, فإذا كانَ يَتَنَدَّرُ بإخوَتِه, ويَقَعُ في قَرَابَته, ويُحَقِّرُ شَأنَ لُحمَتِه, يُعَيِّرُ هذا, ويَزدَري ذاك, كُلُّ هذا, على مَرأىً مِن أولاَدِهِ ومَسمَع, فمِن أينَ لَهُ أنْ يَمتَثِلَ أولاَدُهُ قولاً خَالَفَهُ بفِعلِه؟ إذْ إلى فِعْلِهِ أقوالَهُ سَيُحَاكِمُون, فإنْ صَدَّقَ الفعلُ القولَ أخذوا به, وإنْ كَذَّبَهُ كانَ أولاَدُهُ أَوَّلَ كَافِرٍ به, وكُلٌّ إلى حَالِهِ يَنظُر..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: السُنَّةُ مَاضِيَة, والحِكمَةُ جَارِية, وإذا مَا أَرَادَ اللهُ أَمراً هَيَّأ أَسبَابَه, فقُريشٌ نَالَتْ شَرعِيَتَهَا مِن سَدَانَتِهَا للبيت, وظَنَّتْ أنَّ هذا الأمرَ وحدَهُ كَفِيلٌ بجَعلِ الحَقِّ إلى جَانِبِهَا ولو قَلَبَتْ المعروفَ مُنكَراً, والمُنكَرَ معرُوفا, فلمَّا أَرَادَ اللهُ إبطَالَ حُجَتِهَا, وإبدَاءَ سَوءتِهَا, ابتَلاَهَا بعُمرَةِ الحُدَيِّبِيَة, فلمَّا صَدَتْ رسولَ اللهِ -صلى اللهُ وسَلَّمَ- وأصحابَهُ عن البيت, وهُم إنِّمَا أَرَدوا زِيَارَتَهُ, سَقَطَتْ مِن النُفُوسِ مَكَانَتُهَا, وأَسقَطَتْ بِذَاكَ شَرعِيَتَهَا, ولَنَا مِن وَاقِعِ ثَورَةِ أهلِ الشامِ مُشَاهَدَات, فكَم سَقَطتْ بسَبَبِهَا أَقنِعَة, وتَكَشَّفَتْ حقائِق, فما مَنزِلَةُ حِزبِ اللهِ قَبلَهَا؟ وما مَنزِلَتَهُ بعدَهَا؟ وكَذا إيران؟ ومَن دارَ في فَلَكِهَا؟ بل: كُلُّ مَن يَقتَاتُ على الثَورَةِ طَمَعاً في تَجييرِهَا لِصَالِحِه, قبلَ أنْ تَبْزُغَ شَمسُهَا, فَتَخْطِفَ أبصَارَهُم؟ إذْ أنَّهُ إذا ما طَلَعَتْ الشمسُ عَمِيَتْ الخَفَافِيش..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أَمَةَ الله, شَقِيقَةَ الرِجَال, ومُرَبِيةَ الأجيال, ومَن عليها بعدَ اللهِ تُعقَدُ الآمال: جَعَلَ اللهُ السِترَ في الكَونِ جَمَالاً لِكُلِّ ما استَكَنَّ به, فلولا غَيَابُ الشَمسِ لَمَا كانَ لِظُهُورِهَا مَزِيدُ مَزِية, والدُرُّ لولا استِكنَانُهُ لَمَا كانَ في الحُسنِ مَضرِبَ مَثَل, وبحُسنِ تَحَجُّبِ المرأةِ تَنقَطِعُ مِنها أهواءُ أُولي الأهواءِ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} والإناءُ المَكشُوف, تَلِغُ فيهِ حتى الكِلاب, وولُوغِ العينِ سَابِقٌ لِولُوغِ ما عَدَاه, فيا أُخَيَّتِي: الرَجُلُ في البيتِ زَائر, وأنتِ رَبَةُ الدَار, تَحضُرِينَ إذا غَاب, ولا يَخفَاكِ أَمرٌ إذا نَاب, أنتِ للخللِ رَافِئ, وللدَخَلِ دَافِع, أنتِ بأولاَدَكِ ألصَق, وإلى نُفُوسِهِم أقرَب, أَقرِئِهِم الكِتِاب, وجَمِّلِهِم بالآداب, وحَاذِرِ أنْ تُورِدِهِم مِن الـمَشَارِب ما لَهُ الكَدَرُ شَاب؛ إذْ الجَاهِلُ عَدُوُ نَفسِه, أنتِ عليهم مُؤتَمَنة, وعنهم مُحَاسَبَة, فليَسعَ كُلٌّ في فِكَاكِ نَفْسِه..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: الإيمانُ بِشَرعِيَّةِ القَضِيَة, والعَمَلُ الدؤوب في سَبِيلِ نُصرَتِهَا, صِنوانِ لا يَنفَصِلانِ في سبيلِ نهضَةِ الأُمَم, وحَياةِ القَضَايا, وشَرعِيَّةُ قَضايانَا أهلَ الإسلامِ ليسَتْ مَجَالاً للجِدَال, إلا في أذهَانِ مَن استَرضَعُوا ظِئرَ أعداءِ المِلَّةِ فهُم بحَمدِهِم يُسَبِّحُون, وإنِّمَا نَشكُوا إلى اللهِ جَلَدَ الفَاجِرِ, وعَجزَ الثِقة, فَأبواقُهُم لَم تَفتَأ تَهتِفُ فِيِّنَا كُلَّ يوم: المرأةَ بحُريَةِ الوصولِ إليها يُطَالِبُون, والإلحادَ في سبيلِ تَبريرهِ يَجهَدُون, ومُجَالَدَةَ أعداءِ الأُمَّةَ في جَدواهَا يُشَكِكُون, والسَعيَّ في فِكَاكِ أسرانَا خَوَرَهُم إِزاءَهُ بالتَشَفِّي يَستُرُون, فهم كالوَرَمِ في الخَاصِرَة, لا تَستَقِيمُ مَعَهُ قَامَة, والمرءُ مِنهُ لا يَهنَأ في مَنَامِه, وإنِّمَا عِلاَجُهُ بَترُه, وبَترُ هؤلاء, إنِّمَا يَكُونُ بجِيلٍ واعٍ, يَتَوَقَدُ عَزيمةً صَادِقَة, تُثمِرُ عَملاً دَؤوباً مُنَظَّما, لا يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِ الأشخَاص, ولا يَعمَلُ في ميدانٍ ويَترُكُ آخَر, وإنِّمَا يَضرِبُ في كُلِّ بابٍ بسَهم, يُنَظِّرُ للخير, ويَجهَدُ في نَشرِه, يُحسِنُ بَذرَه, ولا يَستَعجِلُ ثَمَره, يَتَجَّنَبُ الـمُهَاتَرَات, ويَحذَرُ الاستِدرَاج..
اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, لا إلهَ إلا الله, اللهُ أكبر, اللهُ أكبر, وللهِ الحمد..
أهلَ الإسلام: ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللهُ ضَحَاياكُم, فَكُلوا, وتَصَدَقُوا, وأَهدُوا, واعلَمُوا: أنَّ الأُضحِيَةَ مِن الضأنِ والمَاعِز, تُجزِئُ عن الرَجُلِ وأهلِ بيتِهِ إذا اتَحَدَ مَطعَمُهُم, ومِن البُدُنِ والبقَر تُجزِئُ عن سَبعة, ولِكُلٍّ أنْ يُشْرِكَ في ثَوَابِ أُضحِيَتِهِ مَن شَاءَ مِن الأحياءِ والأموات, أّمَّا الميتُ فإنْ كان لَهُ ثُلُث, وأَوصَى بأنْ يُضَحَّى مِنهُ عَنه, خُصَّ بأُضحِية, وإلا فلا يَجِب.
واعلَمُوا بأنَّ دِمَاءَ أُضحِيَاتِكُم على قِسمين: دِماءٌ تَخرجُ حالَ الذَكاة, فهذهِ دِمَاءٌ نَجِسَة, يَجِبُ التَطَهُّرُ مِنها لأدَاءِ الصلاة, وأخرى تَخرُجُ مِن بقِيَةِ أجزَاءِ الذَبِيحَةِ عندَ سَلخِهَا, فهذهِ دِمَاءٌ طَاهِرَة, لا يُصِيبُكُم مِنهَا حَرَج؛ إذْ العفُو عنها قد أَتى بالفَرَج..
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين, ...
وكتب/ نايف بن حمد الحربي.