خطبة عيد الأضحى 1431

عبدالله البصري
1431/12/09 - 2010/11/15 16:12PM

خطبة عيد الأضحى 1431


اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّكُم في يَومٍ عَظِيمٍ وَعِيدٍ كَرِيمٍ ، خَتَمَ اللهُ بِهِ أَيَّامًا مَعلُومَاتٍ ، وَتَوَّجَ بِهِ لَيَاليَ مُبَارَكَاتٍ ، إِنَّهُ أَفضَلُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ وَأَعظَمُهَا ، إِنَّهُ يَومُ الحَجِّ الأَكبرِ وَيَومُ النَّحرِ ، تَتلُوهُ أَيَّامٌ ثَلاثَةٌ مَعدُودَاتٌ ، هِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَعظَمُ الأَيَّامِ عِندَ اللهِ يَومُ النَّحرِ ثُمَّ يَومُ القَرِّ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " يَومُ عَرَفَةَ وَيَومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وَفي رِوَايَةٍ : " يَومُ الفِطرِ وَيومُ النَّحرِ وَأَيَّامُ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلامِ ... "
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " أَيَّامُ التَّشرِيقِ أَيَّامُ أَكلٍ وَشُربٍ وَذِكرٍ اللهِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

لَقَد شَرَعَ اللهُ لَنَا ـ مَعشَرَ المُسلِمِينَ ـ في سَابِقِ أَيَّامِنَا ولاحِقِهَا عِبَادَاتٍ جَلِيلَةً ، وَجَعَلَ لَنَا شَعَائِرَ عَظِيمَةً ، وَسَنَّ لَنَا نَبِيُّنَا آدَابًا كَرِيمَةً ، نَزدَادُ بها إِلى رَبِّنَا قُربًا ، وَتَتَضَاعَفُ بها حَسَنَاتُنَا عَدَدًا ، وَيُجزِلُ المَولى لَنَا بها ثَوَابًا وَيُعظِمُ لَنَا أَجرًا ، وَلَقَد حَثَّنَا ـ تَعَالى ـ وَحَضَّنَا عَلَى تَعظِيمِ شَعَائِرِهِ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلامَةً عَلى تَقوَى القُلُوبِ فَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "
وَفي إِضَافَةِ التَّقوَى إِلى القُلُوبِ بَيَانُ أَنَّهَا مَحَلُّهَا وَمَنشَأُهَا ، وَكَفَى بِهَذَا حَثًّا عَلى إِصلاحِهَا وَالاهتِمَامِ بها ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " التَّقوَى هَاهُنَا " وَأَشَارَ إِلى صَدرِهِ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ " أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ القَلبُ "
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِذَا صَلَحَ القَلبُ وَخَشَعَ وَاتَّقَى ، صَلَحَت سَائِرُ الجَوَارِحِ وَاستَقَامَت ، وَإِذَا انتَكَسَ القَلبُ وَاعوَجَّ وَفَسَدَ ، فَلا خَيرَ في بَقِيَّةِ الجَوَارِحِ وَلا صَلاحَ لِظَاهِرِ الجَسَدِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَلا أَموَالِكُم ، وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وَأَعمَالِكُم " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَصَلاحُ القُلُوبِ تَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ، وَتَقوَى اللهِ نَابِعَةٌ عَن تَعظِيمِ شَعَائِرِهِ ، أَلا فَمَا أَحرَانَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ أَنَّ نُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ في كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ !
مَا أَحرَانَا أَن نَزدَادَ لَهَا في هَذِهِ الأَيَّامِ تَعظِيمًا فَلا نُحِلَّهَا وَلا نَتَهَاوَنَ بها !
بَل مَا أَحرَانَا أَن نُعَظِّمَهَا كُلَّمَا قَلَّ في النَّاسِ تَعظِيمُهَا وَضَعُفَ لَدَيهِمُ الاهتِمَامُ بها !
فَذَلِكَ خَيرٌ لَنَا عِندَ رَبِّنَا وَأَعظَمُ لأَجِرِنَا ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " بَدَأَ الإِسلامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ ، فَطُوبى لِلغُرَبَاءِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ مِن وَرَائِكُم أَيَّامَ الصَّبرِ ، لِلمُتَمَسِّكِ فِيهِنَّ يَومَئِذٍ بما أَنتُم عَلَيهِ أَجرُ خَمسِينَ مِنكُم " قَالُوا : يَا نَبيَّ اللهِ أَوْ مِنهُم ؟ قَالَ : بَل مِنكُم " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ شَعَائِرَ اللهِ الَّتي أَمَرَنَا ـ تَعَالى ـ بِتَعظِيمِهَا هِيَ كُلُّ مَا شَرَعَهُ ـ سُبحَانَهُ ـ لَنَا ، وَلا سِيَّمَا المَعَالِمُ الظَّاهِرَةُ مِن دِينِهِ ، والَّتي جَعَلَ بَعضَهَا زَمَانِيًّا وَبَعضَهَا مَكَانِيًّا ، كَيَومِ الجُمُعَةِ وَالأَعيَادِ وَشَهرِ رَمَضَانَ ، وَالأَشهُرِ الحُرُمِ وَعَشرِ ذِي الحِجَّةِ وَأَيَّامِ التَّشرِيقِ ، وَكَالمَسَاجِدِ عَامَّةً وَالمَسَاجِدِ الثَّلاثَةِ خَاصَّةً ، وَإِنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ الأَمَّةُ مُعَظِّمَةً لِشَعَائِرِ رَبِّهَا مُستَشعِرَةً عَظَمَةَ خَالِقِهَا ، مُقَدِّرَةً مَولاهَا حَقَّ قَدرِهِ ، كَانَ ذَلِكَ أَدعَى لاستِقَامَتِهَا وَصَلاحِهَا وَفَلاحِهَا ، إِذْ تَعظِيمُهَا لِشَعَائِرِ رَبِّهَا يَدفَعُهَا لِتَنفِيذِ أَوَامِرِهِ وَتَركِ نَوَاهِيهِ ، وَتَجَنُّبِ مَا يُسخِطُهُ وَفِعلِ مَا يُرضِيهِ ، تَعظِيمُهَا لِشَعَائِرِ اللهِ يَعني اتِّبَاعَهَا لِسُنَّةِ نَبِيِّهَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَالعَضَّ عَلَيهَا بِالنَّواجِذِ ، وَتَرَكَ البِدَعِ وَالحَذَرَ مِنَ المُحدَثَاتِ وَنَبذَ الضَّلالاتِ ، تَعظِيمُهَا لِشَعَائِرِ اللهِ يَدفَعُهَا لِلاستِكثَارِ مِنَ البَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ ، وَيَحدُوهَا لِتَركِ المَعَاصِي وَالسَّيِّئَاتِ وَالمُنكَرَاتِ .

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِن تَعظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ أَلاَّ يَكتَفِيَ المُسلِمُ بِصَلاحِهِ في نَفسِهِ حَتَّى يُصلِحَ غَيرَهُ ، فَيَأمُرَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَى عَنِ المُنكَرِ ، وَيَدعُوَ إِلى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ ، قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَن رَأَى مِنكُم مُنكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لم يَستَطِعْ فَبِقَلبِهِ ، وَذَلِكَ أَضعَفُ الإِيمَانِ "
نَعَم ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ المُؤمِنُ المُعَظِّمُ لِشَعَائِرِ اللهِ ، لا يَرضَى أَن تُمتَهَنَ تِلكَ الشَّعَائِرُ أَو أَن يُجَاهَرَ بِالمَعَاصِي ، ثُمَّ يَمُرَّ كُلُّ هَذَا عَلَى سَمعِهِ وَبَصرِهِ فَلا يُحَرِّكَ سَاكِنًا ، وَمِن ثَمَّ فَهُوَ لا بُدَّ أَن يَتَّقِيَ اللهَ مَا يَستَطِيعُ ، وَيَجتَهِدَ في الإِنكَارِ قَدرَ طَاقَتِهِ ، فَيَأخُذَ عَلَى يَدِ مَن تَحتَ سُلطَتِهِ ، وَيُوَجِّهَ بِلِسَانِهِ مَن لا يَدَ لَهُ عَلَيهِ ، وَإِلاَّ فَإِنَّ قَلبَهُ لا يَنفَكُّ مِن غَيرَةٍ يَتَقَلَّبُ حُرقَةً وَأَلَمًا ، وَنَفسَهُ تَكَادُ تَميَّزُ مِن حَسرَتِهِ غَيظًا وَهَمًّا .

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهَ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَو أَمَرنَا بِالمَعرُوفِ وَنَهَينَا عَنِ المُنكَرِ وَأَخَذنَا عَلى أَيدِي السُّفَهَاءِ وأَطَرنَاهُم عَلَى الحَقِّ أَطرًا ، لَعَظُمَت في النُّفُوسِ الحُرُمَاتِ ، وَلَمَا تَجَرَّأَتِ الأَوبَاشُ عَلَى المُقَدَّرَاتِ ، وَلَكِنَّنَا تَهَاوَنَّا كَثِيرًا وَتَسَاهَلنَا ، فَتَبَلَّدَتِ الأَحَاسِيسُ وَقَسَتِ القُلُوبُ ، وَأَلِفَتِ النُّفُوسُ المَعَاصِيَ وَاستَمرَأَتِ الذُّنُوبَ ، شُغِلَ الكِبَارُ بِالدُّنيَا وَزِينَتِهَا وَزَخَارِفِهَا وَمَنَاصِبِهَا ، فَقَطَعُوا لأَجلِهَا مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَاقتَرَفُوا المُحَرَّمَاتِ ، وَرَتَعَ الصِّغَارُ في المَلاهِي وَالشَّهَوَاتِ ، فَأَضَاعُوا بِسَبَبِهَا الفَرَائِضَ وَتَهَاوَنُوا بِالوَاجِبَاتِ ، وَافتُتِنَتِ النِّسَاءُ بِالكَافِرَاتِ وَقَلَّدنَ العَاهِرَاتِ ، فَتَبرَّجنَ وَخَرَجنَ سَافِرَاتٍ مَائِلاتٍ مُمِيلاتٍ ، وَهُنَا وَهُنَاكَ غِشٌّ في البَيعِ وَالتِّجَارَةِ ، وَعَدَمُ صِدقٍ في التَّعَامُلِ ، وَتَطفِيفٌ في المَكَايِيلِ وَبَخسٌ في المَوَازِينِ ، وَعَبَثٌ بِالمَالِ العَامِّ ، وَتَبدِيدٌ لِلنِّعَمِ وَتَفَاخُرٌ وَتَكَاثُرٌ ، وَأَعظَمُ مِن ذَلِكَ وَأَشَدُّ مِنهُ مِمَّا يَتَنَافى مَعَ تَعظِيمِ حُرُمَاتِ اللهِ ارتِفَاعُ مَنَارَاتِ البَاطِلِ يَمِينًا وَشِمَالاً ، وَانتِشَارُهَا في كُلِّ رُكنٍ وَزَاوِيَةٍ ، مِن مَصَارِفَ رِبَوِيَّةٍ تَدفَعُ النَّاسَ لأَكلِ الحَرَامِ ، وَمُؤَسَّسَاتٍ صَحَفِيَّةٍ وَقَنَوَاتٍ فَضَائِيَّةٍ تُجَابِهُ الحَقَّ وَتَنشُرُ البَاطِلَ ، وَتُمَهِّدُ لِتَغرِيبِ المُجتَمَعِ وَإِطفَاءِ نُورِ اللهِ فِيهِ ، وَتُرَبِّي عَلَى اللَّهوِ وَالهَزَلِ ، وَتَنشُرُ الفَسَادَ وَتُشَجِّعُ عَلَى الرَّذِيلَةِ ، وَمُنتَدَيَاتٍ تُخَطِّطُ لِلمَيلِ بِالأُمَّةِ عَن دِينِهَا مَيلاً عَظِيمًا ، وَمُترَفِينَ فَسَقَةٍ يَستَورِدُونَ لِلبِلادِ مَنَاهِجَ ضَالَّةً مُضِلَّةً ، وَآخَرُونَ يُؤذُونَ عِبَادَ اللهِ وَيُحَارِبُونَ كِتَابَهُ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ، حَتى أَصبَحَ المُؤمِنُ لِكَثرَةِ المُنكَرَاتِ وَقِلَّةِ المُنكِرِينَ يُحِسُّ بِالغُربَةِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ مِن تَعظِيمِ شَعَائِرِ اللهِ أَن نُطِيعَهُ ـ تَعَالى ـ فِيمَا أَمَرَنَا وَقَضَاهُ لَنَا مِنَ الخَيرِيَّةِ حِينَ قَالَ : " كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلْتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ " عَلَينَا جَمِيعًا في كُلِّ قِطَاعٍ وَفي كُلِّ مَجَالٍ ، أَن نَتَعَاوَنَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، وَنَأمُرَ بِالمَعرُوفِ وَنَنهَى عَنِ المُنكَرِ ، وَنُحَارِبَ مَا لا يُرضِي اللهَ ، يَجِبُ أَن نُحَيِيَ في النَّاسِ تَعظِيمَ شَعَائِرِ اللهِ حَقًّا ، الكَاتِبُ بِقَلَمِهِ ، وَالخَطِيبُ بِلِسَانِهِ ، وَالتَّاجِرُ بِمَالِهِ ، وَالأَبُ بِرِعَايَةِ أَمَانَتِهِ ، وَالأُمُّ بِالعَودَةِ إِلى وَظِيفَتِهَا الحَقِيقِيَّةِ في تَربِيَةِ أَبنَائِهَا وَحِفظِ بَيتِهَا ، وَالمَرأَةُ بِالحَذَرِ ممَّن يَسُوقُونَهَا إِلى هَاوِيَةِ الاختِلاطِ بِحُجَّةِ العَمَلِ وَتَقَلُّدِ المَنَاصِبِ وَالبَحثِ عَنِ الرِّزقِ ، وَالشَّابُّ وَالشَّابَّةُ بِالتَّنَبُّهِ إِلى مَا يَحِيكُهُ أَعدَاءُ الإِسلامِ ضِدَّهُمَا ، وَإِنَّنَا لَو فَعَلنَا ذَلِكَ وَقَامَ كُلُّ مِنَّا بِوَاجِبِهِ وَتَعَاوُنَّا ، لأَعَدنَا إِلى هَذِهِ البِلادِ الطَّيِّبَةِ مَا كَانَت عَلَيهِ وَمَا أَرَادَهُ اللهُ لَهَا مِن بَقَائِهَا حَرَمًا لِلإِسلامِ ، خَالِصَةً لَهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لا شَرِكَ فِيهَا وَلا بِدعَ ، وَلا ضَلالَ وَلا فُجُورَ ، وَلا تَبَرُّجَ وَلا سُفُورَ ، وَلا رِبًا وَلا زِنًا وَلا مُخَدِّرَاتِ ، وَلا فَوَاحِشَ ظَاهِرَةً وَلا بَاطِنَةً وَلا اختِلاطَ ، جَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الإِيمَانَ يَأرِزُ بَينَ المَسجِدَينِ كَمَا تَأرِزُ الحَيَّةُ في جُحرِهَا .
فَيَجِبُ أَن يَبقَى الإِيمَانُ في هَذِهِ البِلادِ بَارِزًا ظَاهِرًا ، وَأَلاَّ نَسمَحَ لِعَابِثٍ أَن يَتَطَاوَلَ بِلِسَانِهِ أَو يَدِهِ أو سُلطَتِهِ عَلَى دِينِهَا أَو يُحَاوِلَ إِفسَادَ عَقِيدَتِهَا ، أَو جَعلَهَا مَرتَعًا لِضَلالاتِ اليَهُودِ وَحَمَاقَاتِ النَّصَارَى ، أَو تَابِعَةً لَهُم في خُلُقٍ أَو عَادَةٍ ، كَيفَ وَهِيَ قَلبُ جَزِيرَةِ الإِسلامِ ، الجَزِيرَةُ الَّتي قَضَى اللهُ أَلا يُعبَدَ فِيهَا غَيرُهُ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لأُخرِجَنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ حَتَّى لا أَدَعَ فِيهَا إِلاَّ مُسلِمًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ ، وَقَالَ : " لا يَجتَمِعُ في جَزِيرَةِ العَرَبِ دِينَانِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
هَذَا وَاجَبُنَا ـ أُمَّةَ الإِسلامِ ـ وَتِلكَ هِيَ مُهِمَّتُنَا وَرَسَالَتُنَا ، المُحَافَظَةُ عَلَى أَثمَنِ مَا وَهَبَنَا اللهُ وَأَغلَى مَا مَلَّكَنَا إِيَّاهُ ، الإِسلامُ وَالعَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ وَالقُرآنُ وَالسُّنَّةُ ، إِذْ هِيَ ضَمَانَاتُ عِزِّنَا وَمَوَاثِيقُ بَقَائِنَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَلَولا كَانَ مِنَ القُرُونِ مِن قَبلِكُم أُولُو بَقِيَّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسَادِ في الأَرضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّن أَنجَينَا مِنهُم وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُترِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجرِمِينَ . وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ " أَمَّا أَن يَظَلَّ كَلٌّ مِنَّا في حُدُودِ نَفسِهِ ، أَو يُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ في قَلبِهِ وَيَترُكَ المَجَالَ لِلمُفسِدِينَ لِيُحَقِّرُوا الشَّعَائِرَ وَهُوَ يَستَطِيعُ رَدَّهُم وَصَدَّهُم وَالإِنكَارَ عَلَيهِم ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الظُّلمِ الَّذِي نَخشَى أَن يَعُمَّنَا العَذَابُ وَتَحُلَّ عَلَينَا اللَّعنَةُ بِسَبَبِهِ ، حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " ذَلِكَ مِن أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيكَ مِنهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ . وَمَا ظَلَمنَاهُم وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُم فَمَا أَغنَت عَنهُم آلِهَتُهُمُ الَّتي يَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ مِن شَيءٍ لَمَّا جَاءَ أَمرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُم غَيرَ تَتبِيبٍ . وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ "
وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَني إِسرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بما عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِم وَفي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ . وَلَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُم أَولِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنهُم فَاسِقُونَ " اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .


اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَمِن شَعَائِرِ اللهِ المُعَظَّمَةِ مَا شَرَعَهُ ـ تَعَالى ـ لَنَا في هَذَا اليَومِ مِن هَذِهِ الصَّلاةِ العَظِيمَةِ وَمَا يَتلُوهَا من ذَبحِ الضَّحَايَا وَنَحرِهَا ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَرْ " وَعَن البَرَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : خَطَبَنَا النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومَ النَّحرِ فَقَالَ : إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبدَأُ بِهِ في يَومِنَا هَذَا أَن نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرجِعَ فَنَنحَرَ ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد أَصَابَ سُنَّتَنَا ... مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

أَلا فَضَحُّوا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ شُكرًا للهِ وَاقتِدَاءً بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم ، وَكُلُوا مِن ضَحَايَاكُم وَأَهدُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا ، وَاختَارُوا مِنَ الضَّحَايَا أَطيَبَهَا وَأَسمَنَهَا وَأَغلاهَا ثَمَنًا وَأَجمَلَهَا ، فَإِنَّ اللهَ ـ تَعَالى ـ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ، سَمُّوا اللهَ وَكَبِّرُوا ، ومَن كَانَ مُحسِنًا لِلذَّبحِ فَلْيُبَاشِرْهُ بِنَفسِهِ ، وَمَن كَانَ لا يُحسِنُ فَلْيَحضُرْ ذَبِيحَتَهُ ، أَخلِصُوا للهِ وَاطلُبُوا مَا عِندَهُ فَـ" لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم "
وَإِيَّاكُم وَالمَعِيبَةَ بِأَحَدِ عُيُوبٍ أَربَعَةٍ عَدَّهَا إِمَامُكُم ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ فَقَالَ : " أَربَعٌ لا يُجزِينَ في الأَضَاحِي : العَورَاءُ البَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالعَرجَاءُ البَيِّنُ ظَلْعُهَا ، وَالعَجفَاءُ الَّتي لا تُنقِي " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ .
وَاعلَمُوا أَنَّهُ لا يُجزِئُ مِنَ الإِبِلِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ خَمسُ سِنِينَ ، وَلا مِنَ البَقَرِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَتَانِ ، وَلا مِنَ المَعزِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ ، وَلا مِنَ الضَّأنِ إِلاَّ مَا تَمَّ لَهُ سِتَّةُ أَشهُرٍ ، وَالشَّاةُ الوَاحِدَةُ تُجزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَأَهلِ بَيتِهِ ، وَلا يُبَاعُ مِنهَا شَيءٌ وَلا يُعطَى الجَزَّارُ أُجرَتَهُ مِنهَا ، وَوَقتُ الذَّبحِ مُمتَدٌّ مِن بَعدِ صَلاةِ العِيدِ إِلى غُرُوبِ شَمسِ اليَومِ الثَّالِثِ مِن أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، وَيَحرُمُ صِيَامُ أَيَّامِ التَّشرِيقِ ، فَكُلُوا فِيهَا وَاشرَبُوا ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَ اللهِ بِالإِكثَارِ مِن ذِكرِهِ بِالتَّكبِيرِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، في أَدبَارِ الصَّلوَاتِ وَفي جَمِيعِ الأَوقَاتِ ، وَبَرُّوا وَالِدِيكُم ، وَأَحسِنُوا إِلى جِيرَانِكُم وَفُقَرَائِكُم ، وَاجتَنِبُوا المَعَاصِيَ والمُنكَرَاتِ ، جَمِّلُوا عِيدَكُم بِإِفشَاءِ السَّلامِ وَإِطعَامِ الطَّعَامِ وَصِلَةِ الأَرحَامِ ، تَصَافَحُوا وَتَصَالَحُوا ، وَتَعَانَقُوا وَتَسَامَحُوا ، وَكُونُوا كَمَا أَرَادَ لَكُم رَبُّكُم إِخوَانًا مُتَحَابِّينَ " وَاذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلتُم سَمِعنَا وَأَطَعنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ "

وَتَذَكَّرنَ يَا نِسَاءَ المُؤمِنِينَ قَولَ الحَبِيبِ : " إِذَا صَلَّتِ المَرأَةُ خَمسَهَا ، وَصَامَت شَهرَهَا ، وَحَصَّنَت فَرجَهَا ، وَأَطَاعَت زَوجَهَا قِيلَ لها : ادخُلِي الجَنَّةَ مِن أَيِّ أَبوَابِ الجَنَّةِ شِئتِ " فَلا تَخضَعْنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي في قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفًا . وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللهَ وَرَسُولَه "
المشاهدات 2936 | التعليقات 2

أحسنت ... أحسنت ... أحسنت ... أجدت وأفدت
زادك الله من فضله يا شيخنا


سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
تقبّل طاعتكم, وبالعمل الصّالح متّعكم
وكلّ عيد وأنتم بخير
فضيلة الشّيخ عبد الله البصري , لا تصدّق شعوري وفرحي عند نزول خطبتكم, وهي عيديّة بحق, شكر الله لكم, أشهد أنّك نصحت و بلّغت, واليوم وبلا مجاملة لا أجد ملحوظة واحدة, لغة راقية, وعبارات قوية, وطرح مناسب, إنّه فتح من الله!
سددك الله وحفظك وثبّتك ..
و أسأل الله في هذا اليوم العظيم أن يبلّغك أعظم المنازل في الآخرة مع النّيين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وحسن أولئك رفيقا, ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما, اللهمّ صلّ وسلّم على نبيّنا محمّد وآله وصحبه أجمعين.