خطبة عيد الأضحى
موسى بن عبدالله الموسى
خطبة عيد الأضحى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الحمد لله المحمود بلسان الأولين والآخرين، ولا يستحق الحمد سواه، ولا إله إلا الله، ولا يستحق التأله والعبودية إلا إياه، وسبحانه وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
والله أكبر من أن تحيط بعظمته العقول، والله أكبر شاهدًا، وأكبر حافظًا، ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء:111].
الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما افتقر إليه العبادُ فأغناهم، والله أكبر عدد ما تعبد له العُبَّادُ فهداهم، والله أكبر عدد ما أهلَّ له الحجاج ولبوا، والله أكبر عدد ما كبره العباد وصلوا، الله أكبر ما سُحت له مدامع الحجيج، والله أكبر ما أُريق له من دماء الأضاحي والقرابين، فله الحمد كله، وله الشكر كله، تبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره، ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء:44].
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خرج له المصلون، فضجت بهم الأسواق والفجاج تكبيرًا وتهليلًا؛ ليحمدوه على ما أعطاهم، وليعترفوا بالتقصير بين يديه، وليشهدوا عيدهم، ويتقربوا إليه؛ فلا رب لهم سواه، ولا إله لهم غيره.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، القدوة المرتضى والإمام المصطفى والنبي المجتبى -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا-.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
🟔 أيها المؤمنون: اتقوا ربكم في سركم وجهركم، واعلموا أن الله مع المتقين، اشكروا ربكم واذكروه، فإنكم في عيدٍ عظيم كله فرحٌ وسرور، وذكرٍ لله وتهليلٍ وتحميد، عيدٌ كله توحيدٌ وعبادة، فلا نحر إلا لله، ولا نسك لغيره، ولا طواف إلا له سبحانه وعلى بيته.
عيدكم هذا هو أكبر العيدين، والله يغفر لمن وقف بعرفة ولغيرهم، ممن تفضل عليه بالعتق من النار، والمغفرة، جعلنا الله ووالدينا وذرياتنا منهم.
هذا اليوم هو يوم الحج الأكبر، وهو أحب الأيام إلى الله، أمر النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مؤذنه أن يؤذن في الناس وقت اجتماعهم في العام التاسع بأن الله برئٌ من المشركين ورسوله، وقال لهم: "لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا"()، وأنزل الله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيم﴾ [التوبة:28].
وفي هذا اليوم وقف النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنى، بين أكثر من مائةٍ وعشرين ألفًا من صحابته –رضوان الله عليهم- وقال لهم مقررًا ومعظمًا: أي يومٍ هذا؟ أليس يوم النحر؟ أي شهرٍ هذا؟ أليس شهرُ ذي الحجة؟ أي بلدٍ هذا؟ أليس البلدُ الحرام؟ ثم قال لهم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»() كما جاء في الصحيحين.
🟔 أيها المؤمنون: في هذا اليوم تُختم أحد أركان الإسلام، وهو آخر الأيام المعلومات، وأول الأيام المعدودات.
في هذا اليوم العظيم يؤدي الحجاج معظم مناسك حجهم، يتقربون إلى الله بالعج والثج، فيه يرمون الجمرة الكبرى، وينحرون الهدايا، ويحلقون رؤوسهم، ويطَّوفوا بالبيت العتيق، ويسعون بين الصفا والمروة، بعبادةٍ وتوحيد، إن هذا اليوم عظيم يشترك فيه الحجاج وغيرهم بالعج بالتكبير، وبإراقة دم الأضاحي والقرابين.
فطوبى لمن تقبل الله قربانه، ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾ [المائدة:27].
جاء في السنن من حديث عبد الله بن قُرطٍ –رضي الله عنه- أن النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إن أعظم الأيام عند الله –تبارك وتعالى- يوم النحر»().
وأنتم في أيامٍ كلها عظيمة، ففي السنن أن النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر وهو يوم غدٍ»()؛ لاستقرار الحجاج بمنى.
وقد روى مسلمٌ في صحيحه أن النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكر لله»().
احتسبوا لله في هذه الأيام أكلكم، كما تحتسبون في صومكم.
و أكثروا فيها من ذكر ربكم، قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم، املأوا بالتكبير بيوتكم، ومجامعكم وطرقاتكم، أحيوا به قلوبكم؛ فإن ربكم هو الكبير المتعال ذو الفضل العظيم والعطاء الوفير.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
الـخطبـة الثانيـــة
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.
🟔 أيها المؤمنون: روى البخاري في صحيحه عن البراء قال: قال النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي: في يوم النحر: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع، فننحر، فمن فعله فقد أصاب سنتنا»().
في هذا اليوم العظيم تقيمون شعيرةً عظيمة؛ شعيرة الأضحية، وهي من أحب الأعمال إلى الله.(ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
وقد ضحى نبيكم –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن قدم المدينة عشر سنوات، أي: لم يتركها أبدًا؛ لأجل هذا أوجبها بعض أهل العلم على القادرالمستطيع.
ترخص الأموال وتطيب النفوس لأجلها، تقربًا لله وحده، ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ [الحج:37].
يبدأ وقت الذبح من بعد صلاة العيد وينتهي بغروب شمس يوم الثالث عشر؛ آخر أيام التشريق، ومن كان له عدة أضاحي جاز له قص أظفاره وإزالة شعره بعد ذبح الأولى منهما، كما أفتى بذلك ابن عثيمين –رحمه الله-.
ويُستحب لمن أراد أن يضحي –رجلًا كان أو امرأة- أن يذبحها بنفسه، فإن تعذر فليحضرها، لأنها شعيرةٌ وقربة.
ويُسن أن يكون أول ما يطعم المضحي هذا اليوم من أضحيته، واستحب بعض أهل العلم الكبد منها؛ لأنها الأسرع نضجًا.
فضحوا –أيها المؤمنون- تقبل الله ضحاياكم، طيبةً بها نفوسكم،
واذكروا اسم الله عليها٠
«وليحدَّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته، فإن الله كتب الإحسان على كل شيء»().
واشكروا ربكم، وأكرموا نعمته، كلوا من ضحاياكم وأهدوا وتصدقوا، لاترموا مايؤكل منها، من شحومها ولاكروشها، ولا رؤوسها، ومالا تأكلوه منها ضعوه بيد من يأكله، فإنه من حقها وأقرب لقبولها.
فاللهم تقبل من الحجاج حجهم، ومن المضحين أضحياتهم.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
ثم صلوا وسلموا على رسول الهدى وإمام أولي النهى، كما أمركم ربكم –جل وعلا-: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن أصحاب نبيك أجمعين، اللهم ارض عنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجعلنا من عبادك المقبولين، واجعلنا من عبادك المهتدين، واجعلنا من عبادك الصالحين، وأعتق اللهم رقابنا ورقاب والدينا من النار.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، وهيء لهم من أمرهم رشدًا، أمّنهم في أوطانهم، يسر أمورهم، فرج همومهم، اجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا رب العالمين.
اللهم ارحم والدينا كما ربونا صغارًا، واجزهم عنا خير ما تجزي به عبادك الصالحين.
اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود مؤيدًا ونصيرًا، سدد سهامهم، وقوِ عزائمهم، وأمنهم في مواطنهم، وأصلح نواياهم، وردهم إلى أهليهم سالمين غانمين، يا رب العالمين.
اللهم احفظ الحجاج وتقبل منهم، واجز القائمين على خدمتهم خير ماتجي به عبادك الصالحين.
اللهم وفق ولي أمرنا ونائبه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، واجعلهم سلمًا لأوليائك، حربًا على أعدائك، يا رب العالمين.
عباد الله،
اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1626629327_خطبة عيد الأضحى (1).pdf