خطبة عيد الأضحى لعام 1445هـ

خطبة عيد الأضحى لعام ١٤4٥هـ

الخُطْبَة الأُولَى

الحمدُ لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات ، وبعَفوِه تُغفَر الذُّنوب والسيِّئات ، وبكرَمِه تُقبَل العَطايا والقُربَات ، وبلُطفِه تُستَر العُيُوب والزَّلاَّت ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، مَلَكَ فَقَهَر ، وتأذن بالزيادة لمن شكر ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً . أَمَا بَعْدُ:-

فاتقوا الله تعالى حق التقوى ، واشكروه سبحانه على نعمه العظمى ، حيث هداكم للإيمان ، وشرفكم بالإسلام ، وجعلكم من خير أمة أخرجت للأنام ، ومنَّ عليكم بهذا اليوم العظيم الذي شرفه على سائر الأيام ، وجعله عيداً سعيداً لأهل الطاعة والإيمان ، يفيض عليهم فيه سبحانه من واسع البر والعطاء ، والجود والنعماء ، فهذا اليَوْمِ يوم عَظِيمِ ، إنه يَوْمِ النَّحْرِ ، سُمِّيَ بِذلكَ : لِكَثْرَةِ مَا يُراقُ فِيهِ مِن دَمِ الهَدْيِ والأضاحِي تَقَرُّبًا إلى اللهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه . وَهُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ لِأَنَّ الحُجَّاجَ يَقُومُونَ بِمُعْظَمِ أَعْمالِ الحَجِّ : " رَمْيِ جَمَرَة العقبة ، وَذَبْحِ الهَدْيِ ، والحَلْقِ أَو التَّقْصِيرِ وَطَوافِ الإِفاضَةِ ". ويوم النحر هو أفضل الأيام عند الله تعالى ، قال ﷺ : " أفضلُ الأيّامِ عندَ اللهِ يومُ النَّحرِ ويومُ القَرِّ " رواه ابن حبان في صحيحه . يومنا هذا خاتمةُ الأيام المعلومات : أيامُ عشرِ ذي الحجة ، قال الله تعالى : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } [الحج: 28] . يومنا هذا يومُ عيدٍ ، والعيد من أعظم المنن التي امتنَّ الله بها على عباده ، لإظهار الفرح والسرور . ولكنّ هذا السرورَ يجب أن يكون في حدود ما أباح الله ، فلا يخرجُ إلى معصية الله ، والاعتداءِ على حقوق الآخرين وإيذائهم ، ففي أعيادنا لا إسرافَ ولا غرور ، ولا اعتداءَ ، ولا تعري ، ولا إزعاج . يفرحُ فيه المؤمنون بفضل الله ، لأنه أتى بعد أداءِ الركنِ الخامس من أركان الإسلام لمن وفقه الله لحج بيته الحرام ، كما أتى عيد الفطر بعد أداء الركن الرابع وهو صيام رمضان ، قال تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) . وإن لكل أمة أعيادا تحتفلون بها ، وهذا عيدنا الذي يميزنا عن أعياد غيرنا ، القائمة على الشرك والبدعة والشبهة ، فالحمد لله على نعمة التوحيد والسنة ، فكونوا بهذا اليوم فرحين ، متجملين مكبرين ومهللين ، ولبعضكم البعض مهنئين ، وعلى الألفة مجتمعين ، ولقضاء حوائج إخوانكم حريصين ، وإلى نداء ربكم عز وجل مستجيبين، حين ناداكم ربكم بقوله : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) ، ونداكم نبيكم صلى الله عليه وسلم بقوله : ( كونوا عباد الله إخوانا ) .  

عباد الله : إنكم تستقبلون غداً أيامَ التشريق الثلاثة التي تبدأُ بخيرها وأعظمها ، وهو يوم القَرّ ، وفي أيام التشريق يقول تعالى : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ) وفيها يقول ﷺ : " يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ ، وَهُنَّ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " رواه أحمد ،  وقال ﷺ : « أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وذكر لله » رواه مسلم ، ومن فضلِها أن الله تعالى يزيد عباده في إجابة دعواتهم ، وقبول أعمالهم ، ومضاعفة أجورهم ، ومغفرة ذنوبهم ، وعتقهم من النار ، فعظّموا هذه الأيام المباركة الجليلة بفعل ما شرع الله تعالى فيها من التكبير والتهليل والتحميد والذكر ، ولا سيما في أدبار الصلوات المفروضة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق ، وبما شرعه فيها من ذبح الأضاحي ، مع الأكل والإهداء والصدقة منها .

عباد الله : الأضحية شعيرة إسلامية ، ومِلَّة إبراهيمية ، وسنة مؤكدة في الشريعة المحمدية ، قال أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : « ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . فَضَحُّوا أَيُّهَا المُسلِمُونَ شُكرًا للهِ وَاقتِدَاءً بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم ، وَكُلُوا مِن ضَحَايَاكُم وَأَهدُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا ، وَاختَارُوا مِنَ الضَّحَايَا أَطيَبَهَا وَأَسمَنَهَا ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ، وسَمُّوا اللهَ عند الذبح وَكَبِّرُوا ، ولا تُحِدُّوا السكين وهي تنظر ، ولا تذبحوها أمام أخواتها . ومَن كَانَ يحسن الذَّبح فَلْيذبح أضحيته بِنَفسِهِ ، وَمَن كَانَ لا يُحسِنُ فَلْيَحضُرْ ذَبِيحَتَهُ ، و تجزئ الشاة الواحدة عن المضحي وأهل بيته كلهم مهما كان العدد ، والبدنة والبقرة عن سبعة . وإن مما ينبغي أن يستحضره المسلم عند ذبحه لأضحيته طلب الأجر والمثوبة ونيل التقوى منه سبحانه ، قال تعالى : ﴿ لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقوَى مِنكُم ﴾ [الحج: 37] . تقبل الله منا ومنكم ، ورزقنا وإياكم شكر النعم . اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، واللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم  .

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي سهل لعباده طرق العبادة ويسر ، وأكمل لهم الدين والشرع المطهر ، والشكر له على نعمه التي لا تحصر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله طاهر المظهر والمخبر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً وأكثر . أما بعد :-

عِبادَ اللهِ : إِنَّ الأضاحِي عِبادَةٌ عَظِيمَةٌ وشَعِيرَةٌ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ، فَلا يَنْبَغِي لِمَنْ وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتْرُكَها ، وَلَكِنْ لا بُدَّ مِنْ مُراعاةِ الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ فِيها وهي أربعة شروط :  

الأول : أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم بنوعيها الضأن والمعز .

الثاني : السَّلامَةُ مِن العُيُوبِ الواضِحَةِ التي تُؤَثِّرُ في الأُضْحِيَةِ ، وهي أربعة عيوب ، روى أهل السنن عنه ﷺ قال : " لَا يَجُوزُ مِنَ الضَّحَايَا : الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي " أي : الهزيلة التي لا مخ في عظامها .

الثالث : بُلُوغُ السِّنِّ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا ، وهِيَ : مِنَ الإبِلِ ما أتمَّ خَمْسَ سنينَ ، ومِنَ البَقَرِ ما أتمَّ سَنتينِ ، ومِنَ الْمَعْزِ ما أتمَّ سَنَةً ، والجَذَعُ مِنَ الضَّأنِ ما أتمَّ سِتَّةَ أشْهُرٍ .

الرابع : أَنْ تُذْبَح بَعْدَ الفَراغِ مِنْ صَلاةِ العِيدِ ، فمن ذبح قبل صلاة العيد فهي شاةُ لحم لا شاةُ أضحية . قال ﷺ : « مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا ، وَنَسَكَ نُسْكَنَا ، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ ، فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ » متفق عليه ، فتأكدوا ممن وكلتموهم بذبح أضاحيكم . وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذبح إلى غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، والأَفْضَلُ أَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ العِيدِ نَهارًا ، ولا بَأْسَ بِالذَّبْحِ لَيْلًا .

عباد الله : واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين العظيم ، الذي أكمله لكم ، وأتم عليكم به النعمة ، ورضيه لكم ديناً ، قال تعالى : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " ، ديننا أعظم الأديان ، وأرسخها في العقول والأبدان ، محروس من الزيادة والنقصان ، وما سواه اليوم فهو باطل فيه ، خلط وهذيان ، ولن يقبل الله من أحدٍ ديناً سوى الإسلام ، قال تعالى : " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين "

عباد الله : احمدوا الله تعالى على أن منّ علينا بإدراك هذا العيد ونحنُ وولاةُ أمرِنا لُحْمَةٌ واحدةُ ، وجماعةٌ واحدةٌ ، ومنهجٌ واحدٌ ، مُمْتَثِلينَ قولَ اللهِ جَلَّ وَعَلا ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وَمُدْرِكِينَ ما يَحدثُ في بعضِ الْبلادِ الإسلاميةِ الْيوْمَ مِنَ الْفتنِ والمِحنِ عنْدما أخَلُّوا بِهذا الجانبِ ، أعْنِي طاعةَ وُلاةِ الأمْرِ بِالْمَعْروفِ ، والرسولُ صلّى اللهُ عليْهِ وَسَلّم يَقُولُ : ( مَنْ أطاعَنِي فقدْ أطاعَ اللهَ ، وَمَنْ عَصَانِي فقدْ عَصَى اللهَ ، وَمَنْ أطاعَ الأمِيرَ فَقَدْ أطاعَنِي ، وَمَنْ عَصَى الأميرَ فَقَدْ عَصَانِي ) مُتّفَقٌ عَلَيْهِ .

عباد الله : اللهَ اللهَ بالصلاةِ وباقي العبادات ، واحفَظوا للعلماء قدرَهُم ، وصونوا أعراضَهم ، وأطيعوا وُلاةَ أمرِكُم بالمعروف ، وكونوا يداً واحدةً ، وصفاً واحداً مع وُلاةَ أمرِكُم ، فما دُمتُم كذلكَ فلن ينال عدوٌّ منكُم نيلاً بإذن الله . اللهم يَسِّرْ لِلحَجِيجِ حَجَهُم ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجَّهُمْ مَبْرُورًا وَسَعْيَهُمْ مَشْكُورًا وذَنْبَهُم مَغْفُورًا ، واحْفَظْهُم مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ ، وَرُدَّهُمْ إلى أهلِيهِم وأوطانِهِم سالِمِين غانِمِين ،  اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين ، اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين ، اللهم انصر جُندنا المجاهدين في سبيلك ، اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم وأنزل عليهم النصر من عندك يا قوي يا متين ، اللهم مَنْ أراد بلادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا له يا سميع الدعاء ، اللهم وفقّ وُلاة أمرنا بتوفيقك وأيّدهم بتأييدك واجعلهم من أنصار دينك ، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة ، اللهم حببّ إليهم الخير وأهله وبغضّ إليهم الشر وأهله يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم وفقهم وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صلاحُ أمر الإسلام والمسلمين يا رب العالمين ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . وصلى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ ، والتابعينَ ومن تبعهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وسلَّم تسليمًا كثيرًا . وعادَ عيدُكُم جميعاً وجعله الله عيدا مباركاً ، وجعلَكُمُ اللهُ مِنْ عُوَّادِهِ .

 

( خطبة عيد الأضحى 10/12/1445هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

 

المرفقات

1718258207_خطبة عيد الأضحى لعام ١٤4٥هـ.docx

المشاهدات 974 | التعليقات 0