خطبة عيد الأضحى لعام 1433هـ

د. زاهر بن محمد الشهري
1433/12/08 - 2012/10/24 11:37AM
الحمد لله الذي سهل لعباده طرق العبادة ويسر، والحمد لله الذي تابع بين مواسم العبادة لتشيَّدَ الأوقات بالطاعة وتعمر، وأشكره على فضله وإحسانه، وحق له أن يشكر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملك فقهر، وتأذن بالزيادة لمن شكر، وتوعد بالعذاب من جحد وكفر، تفرد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده مقدر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضلُ من تعبد لله وصلى وزكى وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نعمَ الصحبُ والمعشر، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا مديدًا وأكثر.
أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - تَعَالى - وَتَعظِيمِ حُرُمَاتِهِ وَشَعَائِرِهِ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِندَ رَبِّهِ " " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
السموات رفعت، والأرض بسطت، وخلق الله الخلائق، ونصبت الموازين، والجنة أزلفت، وجهنم أحضرت، والآخرة أعدت، والدنيا كلها أقيمت، من أجل توحيد الله وإفراده بالعبادة : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) ، وبعث الله الرسل وأنزل الكتب، من أجل العقيدة وترسيخها: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)، فلا دين بلا عقيدة وتوحيد.
فـ"لا إله إلا الله" عقيدة يدين بها المؤمن للواحد الديان، فالخضوع الحقيقي هو عند بابه، واللائذ القوي من لاذ بجنابه، مكث محمد -صلى الله عليه وسلم- بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى التوحيد، ثم هاجر إلى المدينة عشر سنوات يبدأ في التوحيد ويعيد، سكرات الموت تعالج روحه الشريفة وهو يصيح في التوحيد، فيمن؟! في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة الكرام أسود التوحيد، كل هذا ليبعث رسالة قوية للأمة أن التوحيد هو رأسُها، وهو تاجها، وهو أول وآخر أمرها.
( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )

اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
تَرُوحُ النَّاسُ وَتَغدُو، وَتَذهَبُ المُجتَمَعَاتُ مُشَرِّقَةً وَتَعُودُ مُغَرِّبَةً، وَتَجرِي الأُمَمُ يَمنَةً وَيَسرَةً، يَبحَثُونَ عَمَّا يَضمَنُ لهمُ الأمنَ في أَوطَانِهِم، وَيَلتَمِسُونَ مَا يَكفَلُ لهمُ العَافِيَةَ في أَبدَانِهِم، وَيَطلُبُونَ حَيَاةَ الرَّخَاءِ وَرَغِيدَ العَيشِ وَالرَّفَاهِيَةَ، وَيَحلُمُونَ بِالسَّعَادَةِ وَاستِقرَارِ الحَالِ وَالطُّمَأنِينَةِ، وَوَاللهِ مَا وَجَدُوا وَلَن يَجِدُوا كَمِثلِ حُكمِ اللهِ " وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ حُكمًا لِقَومٍ يُوقِنُونَ ".
مَهمَا تَنَوَّعَتِ الأُطرُوحَاتُ سِيَاسِيَّةً أَوِ اجتِمَاعِيَّةً، أَوِتَعَدَّدَتِ الأَفكَارُ اقتِصَادِيَّةً أَو ثَقَافِيَةً، أَو كَثُرَتِ المَنَاهِجُ، أَوِ اختَلَفَتِ المَشَارِبُ، أَو تَعَدَّدَتِ الغَايَاتُ، فَلا أَحسَنُ مِن حُكمِ اللهِ لِعِبَادِهِ"وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللهِ حُكمًا لِقَومٍ يُوقِنُونَ " نَقُولُ ذَلِكَ مُوقِنِينَ، وَنُعلِنُهُ مُصَدِّقِينَ، وَيَقُولُهُ وَيُعلِنُهُ كُلُّ مُؤمِنٌ مُوقِنٌ، بَل وَقَالَهُ وَصَدَّقَهُ وَاقِعٌ حَيٌّ مُشَاهَدٌ.
قَالَ : " تَرَكتُ فِيكُم أَمرَينِ لَن تَضِلُّوا مَا إِن تَمَسَّكتُم بهما : كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتي، وَلَن يَتَفَرَّقَا حَتى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوضَ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
وَإِنَّ التَّمَسُّكَ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَيُوجِبُ عَلَى الجَمِيعِ حِفظَ نِعمَةِ الإِيمَانِ وَالحَذرَ مِن كُفرِهَا، وَمُجَانَبَةَ البَاطِلِ وَأَهلِهِ الدَّاعِينَ إِلَيهِ، وَأَن يَحذَرُوا إِعَانَةَ الظَّالمِينَ أَو مُظَاهَرَةَ المُجرِمِينَ، أَوِ الانخِدَاعَ بما يُرَدِّدُهُ المُرجِفُونَ، أَو يَصِمُونَ بِهِ المُؤمِنِينَ، وما يخططون به للمرأة المسلمة المؤمنة، التي نصبوا لها الشباك، فنادوها إلى الإصلاح -زعموا-، ودعوها إلى التطور والتقدم -كذبوا-، نعم يريدون لها إصلاحًا على نور الغرب ونظرياته، لا على حكم الإسلام، وحكمة القرآن وآياته، فضاق المنافقون بالمرأة ذرعًا، يغتنمون الفرص السانحة، ويندبون الأقلام المأجورة النائحة، لتسويغ الاختلاط وتجويزه، في كتاباتهم كتبوا، وبكل شبهة يشبهون؟! وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ)، هذا الخطاب لأطهر الأمة قلوبًا، وهم الصحابة -رضي الله عنهم-، وأعف النساء وهن أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن-، فكيف بمن دونهم.
وكأنه لم يطرق سمعهم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخول على النساء"، هذا مجرد الدخول ليس إلا، فكيف بالمكث عندهن والجلوس في ساعات العمل بجوارهن؟!
عباد الله: إن هؤلاء المنافقين قد وجدوا بابًا للاختلاط على الناس، فدخلوا من باب العمل والوظيفة والرزق والمال الذي غرَّ كثيرًا من الناس بريقه، فنادوا المرأة للتمريض في المستشفيات مع الرجال، طلبوها لتعمل في استقبال المستوصفات للرجال والنساء على حد سواء، أو كاشيرات في المجمعات، دعوها للاجتماعات جنبًا إلى جنب مع الرجال، وما أن تحدث مثل هذه اللقاءات المختلطة حتى تصور وتزف للمجتمع لعل حاجز الحشمة والحياء يسقط أو يتصدع.
فاتقوا الله في أعراضكم، واتقوا الله في بناتكم، واعلموا أن سفينتكم مستهدفة، وأن طهارتكم ونقاءكم مستهدف، وماذا والله جنت مجتمعات الاختلاط منه إلا الفضائح، وألوان القبائح، بل إن بعض المدن في الغرب بعدما ذاقت ويلات الاختلاط تطبق الفصل بين الجنسين في بعض الميادين المختلطة، فلزامًا علينا -أسرًا وبيوتًا ومعلمين ودعاة- أن نبيّن خطورة هذه الأفعال وعواقبها، وإن سكتنا أو عن دورنا تخاذلنا فالنار التي تحرق غيرنا حتمًا ستمتد فتحرق ما تحت أقدامنا، بل ستحرقنا.
جاء في الصحيحين من حديث حذيفة  وفيه: "فهل بعدَ ذلك الخير من شرّ؟! قال: نعم، دُعاةٌ على أبوابِ جهنمَ، مَن أجابهم إليها قَذَفوهُ فيها، قلتُ: يا رسول الله: صِفهم لنا، قال: هم من جِلدَتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلتُ: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟! قال: تَلزمُ جماعة المسلمين وإِمامَهم"، فعلينا التمسك بكتاب الله تعالى، والاقتداء بهدي نبينا وحبيبنا محمد ، واتباع العلماء الربانيين.
الخطبة الثانية
الحمد لله مدبّرِ الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرّد بالعظمة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله أكرمه الله بأفضل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليال.
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
أيها المؤمنون: في هذه الساعة المباركة وفي هذا اليوم الذي هو أعظم أيام العام كما قرر ذلك رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عَبْدُ اللهِ بْنُ قُرْطٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
"إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ"، وهو اليوم الثاني من أيام منى. رواه أبو داود وأحمد وهو صحيح.
وإن من خير أعمالكم في هذا اليوم ذبح الأضاحي، فالحجاج يتقربون إلى الله بذبح الهدايا، وأهل البلدان يتقربون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، فضحّوا عن أنفسكم وعن أهليكم تعبدًا لله تعالى وتقربًا إليه، واتباعًا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ويبدأ وقت ذبحها من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، ومن ذبح قبل الصلاة فهي شاة لحم وليست بأضحية، ولم يصب سنة المسلمين.
والذبح في النهار أفضل ويجوز في الليل.
والواحدة من الغنم تجزئ عن الرجل وأهل بيته الأحياء والأموات، ومن الخطأ أن يضحي الإنسان عن أمواته من عند نفسه ويترك نفسه وأهله الأحياء.
ومن كان عنده وصايا بأضاحي فليعمل بها كما ذكر الموصي، فلا يدخل مع أصحابها أحدًا في ثوابها، ولا يخرج منهم أحدًا، وإن نسي أصحابها فلينوها عن وصية فلان، فيدخل فيها كل من ذكر الموصي.
والسنة في الأضحية أن يذبحها المضحي بنفسه، ومن كان لا يحسن الذبح فليحضر ذبحها، وإذا أضجعها للذبح على جنبها الأيسر متجهة بها إلى القبلة فليقل: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، وإن كان سيشرك أحدًا فيقول: عني وعن أهل بيتي الأحياء والأموات، أو الأحياء فقط، وإن كان موصى بذبحها فيقول: عن فلان أو فلانة، ويسمي من الأضحية له.
وأما مسح الظهر للأضحية فلا أصل له وليس من السنة.
فاتقوا الله -عباد الله-، واقتدوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. واتقوا الله في هذه البهائم، اذبحوها برفق، وأحدوا السكين، ولا تحدوها وهي تنظر، ولا تذبحوها وأختها تنظر إليها، وأمروا السكين بقوة وسرعة، ولا تلووا يدها وراء عنقها، فإن في ذلك تعذيبًا لها وإيلامًا دون فائدة. ولا تكسروا رقبتها أو تبدؤوا بسلخها قبل تمام موتها، ولا تدفعوا للجزار أجرته منها، واحذروا ذبح من هو تارك للصلاة، وكلوا من الأضاحي وأهدوا وتصدقوا، وانبذوا عن أنفسكم الشح والبخل.
وإذا عجزت عن الأضحية فاعلم أن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم قد ضحى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عن نفسه وأهل بيته، والآخر عمن لم يضح من أمته.
اللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، جَمِّلُوا عِيدَكُم بِبِرِّ الوَالِدَينِ وَصِلَةِ الأَرحَامِ، وَزَيِّنُوهُ بِإِفشَاءِ السَّلامِ وَإِطعَامِ الطَّعَامِ، تَصَافَحُوا وَتَصَالَحُوا، وَتَعَانَقُوا وَتَسَامَحُوا، لِينُوا وَتَوَاضَعُوا وَلا تَفَاخَرُوا، أَظهِرُوا الإِحسَانَ وَأَكرِمُوا الجِيرَانَ، وَارحمُوا الفُقَرَاءَ وَوَاسُوا الضُّعَفَاءَ " لا تَحَاسَدُوا وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا " " وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا " " وَلْتَكُنْ مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ "
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَلا تَتَّبِعُوا الشَّهَوَاتِ، وَاجتَنِبُوا المَعَاصِيَ والمُنكَرَاتِ، اِتَّقُوا الشُّبُهَاتِ وَذَرُوا الرِّبَا، وَلا تَقرَبُوا الفَوَاحِشَ وَالزِّنَا، وَخُذُوا عَلَى أَيدِي سُفَهَائِكُم.
وَأَنتُنَّ -يَا نِسَاءَ المُسلِمِينَ- اِتَّقِينَ اللهَ وَتَمَسَّكنَ بما عَلَيهِ أُمَّهَاتُ المُؤمِنِينَ، وَكُنَّ كَنِسَاءِ الأَنصَارِ وَالمُهَاجِرِينَ، أَطِعْنَ الأَزوَاجَ وَرَبِّينَ الأَولادَ، وَالزَمْنَ البُيُوتَ، وتَزَيَّنَّ بِالحِجَابِ وَالحِشمَةِ، وَلا تَبرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولى، وَاحذَرْنَ مُزَاحَمَةَ الرِّجَالِ وَمُضَايَقَتَهُم، فَقَد نهى عَن ذَلِكَ الحَبِيبُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

أيها المؤمنون: لقد اجتمع لكم اليوم يوم العيد والجمعة، فالسنة حضورهما، والواجب حضور أحدهما، فمن حضر العيد لم تجب عليه الجمعة، ويصلي الظهر أربع ركعات، ومن لم يحضر العيد فتجب عليه الجمعة.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وأعاد الله تعالى علينا وعليكم وعلى المسلمين الأعياد باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين، اللهم وفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، واصرف عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.
المرفقات

خطبة عيد الأضحى.doc

خطبة عيد الأضحى.doc

المشاهدات 2561 | التعليقات 0