خطبة عيد الأضحى المبارك1431هـ
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
الحمد لله رب العالمين، إليه المنتهى..أضحك وأبكى، وأمات وأحيى، وخلق الذكر والأنثى، وعليه النشأة الأخرى، لا إله إلا هو خالقنا ورازقنا وهادينا..
الحمد لله؛ خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، لا إله إلا هو ربنا ومعبودنا..
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى..له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، الكمال المطلق (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه؛ شرع لنا عيدنا، واختار لنا ديننا، وعلمنا مناسكنا، ورزقنا أضاحينا، فهي منه وإليه، نذبحها على اسمه، ونبرهن بها على توحيده، ونظهر شعيرته، ونعلن ذكره وشكره..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ دعاه باني البيت، والمؤذن في الناس بالحج يسأله القبول [وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ] {البقرة:127-128}. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ كان دعوة أبيه إبراهيم حين دعا فقال [رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] {البقرة:129} فبعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل؛ ليطهر البيت الحرام من رجس الأوثان؛ وليعيد الناس إلى الحنيفية السمحة [مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ] {البقرة:135} صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ حملوا دين الله تعالى إلينا، فمن طعن فيهم شكك في ديننا.. لا يحبهم إلا مؤمن ولا يشنؤهم إلا منافق، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد: فاتقوا الله تعالى حق التقوى، وكبروه إذ هداكم، واشكروه على ما أعطاكم [وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ] {البقرة:198}.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما أهل الحجيج بأنساكهم، الله أكبر عدد ما رفعوا بالتلبية أصواتهم، الله أكبر عدد ما صعد لله تعالى من دعواتهم، الله أكبر عدد ما رموا من جمارهم، الله أكبر عدد ما أراقوا من دماء هداياهم، الله أكبر ولله الحمد.. وقف إخوانكم الحجاج بالأمس في عرفات، ورأيتم جموعهم وهم يعجون لله تعالى بالدعاء، فما أعظمه من جمع! وما أشد أسره للقلوب! كم سالت من مدامع لرؤيتهم.. تغبطهم على مكانهم، وتسأل الله تعالى القبول لهم.. الله أكبر ولله الحمد؛ هداهم لتعظيم الشعائر، ويسر لهم الوصول إلى المشاعر، وعلمهم الأحكام والمناسك.. والآن نجتمع لأداء هذه الشعيرة العظيمة وهم يَزِّفون إلى الجمرات ملبين، فإذا بلغوها رموها مكبرين، ثم حلقوا رؤوسهم، وذبحوا قرابينهم، وحلوا من إحرامهم، وأكملوا أركان حجهم بطوافهم وسعيِّهم [ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ] {الحج:29} فالله أكبر ولله الحمد؛ جمع قلوبهم على ذكره وشكره وعبادته..
ولئن فاتنا يا عباد الله شرف ما هم فيه فقد شرع الله تعالى لنا صيام الأمس، وجعله كفارة لسنتين، وشرع لنا تكبيره في هذه الأيام في كل وقت وأدبار الصلوات إلى آخر يوم من أيام العيد وهو يوم الثالث عشر، وشرع لنا هذه الصلاة العظيمة في هذا اليوم المبارك، وشرع لنا عقبها التقرب إليه سبحانه بالضحايا [فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ] {الكوثر:2} وعن الْبَرَاءِ رضي الله عنه قال:«خَطَبَنَا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النَّحْرِ فقال: إِنَّ أَوَّلَ ما نَبْدَأُ بِهِ في يَوْمِنَا هذا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذلك فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا...»متفق عليه.
فضحوا تقبل الله تعالى منا ومنكم ومن المسلمين، وكلوا منها وأهدوا وتصدقوا، وعظموا الله تعالى في أعيادكم؛ فإنها من شعائر ربكم [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ] {الحج:32} فالله أكبر على ما هدانا إليه من الشعائر، وله الحمد على ما وفقنا له من تعظيم المناسك..
واختاروا –عباد الله- من ضحاياكم أطيبها وأسمنها، لما روى أبو أُمَامَةَ بن سَهْل رضي الله عنهٍ قال:(كنا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ وكان المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ) رواه البخاري، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يرى أن اختيار السمينة الطيبة من تعظيم شعائر الله تعالى الدال على التقوى. واجتنبوا ما بها عيب من الأضاحي؛ فإن الواحد منا يستحي أن يقدمها لضيفه فكيف يجترئ على ذبحها قربانا لربه عز وجل، واشكروا الله الذي هداكم وعافاكم وأعطاكم، وسلوه القبول لأعمالكم، والغفران لذنوبكم، وحافظوا على صلواتكم، وأدوا زكاة أموالكم، وبروا والديكم، وصلوا أرحامكم، وأحسنوا إلى جيرانكم، وعظموا الله تعالى في عيدكم، وأكثروا من ذكره وتكبيره، واجتنبوا المنكرات؛ فإن أيام العيد أيام شكر وذكر وتمتع بالطيبات فلا تجعلوها أيام لهو منكر وعصيان، وقد روى عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَهُنَّ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) رواه أحمد.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها الناس: نور الله تعالى وهداه في شرائعه ودينه الذي ارتضاه، فبعث به رسله، وأنزل به كتبه، وألزم به عباده، فلا يهتدي به وينشرح صدره له إلا من وفقه الله تعالى لاتباعه، وأعانه على التمسك به [يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا] {النساء:174} [قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {المائدة:15-16}.
هذه النعمة الربانية العظيمة، والنور المبين الذي أنزله على عباده لا يهتدي به إلا من وفقه الله تعالى له، وأراد نجاته به [وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا] {الشُّورى:52} فتلين قلوبهم بآياته، وتنشرح صدورهم لأحكامه، وتدمع أعينهم من مواعظه، فترجو وعده وتخاف وعيده، بخلاف من ضاقت صدورهم به، وصُمَّت آذانهم عن سماعه والتأثر به، وعميت أبصارهم عن النظر في آياته، وأُغلقت قلوبهم عن معرفته وتدبره [فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا] {الأنعام:125} [أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ] {الزُّمر:22}..
فلا يستوي من استضاء بنور الله تعالى فاتبعه مع من أعرض عنه ورفضه [أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا] {الأنعام:122} [وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ] {فاطر:19-20}.
لقد حُرم هذا النور المبين أقوام من البشر ضلوا عنه جهلا –وهم الأكثر- [بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ] {الأنبياء:24} أو عنادا واستكبارا [بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ] {الأنبياء:42}.
وفئة المستكبرين هي الفئة التي تحارب النور وتريد إطفاءه، وتسعى بكل ما أوتيت من قوة للحيلولة بينه وبين الناس، وتصدهم عنه؛ تكبرا عليه، واستغناء بالباطل عنه.. والاستكبار عن قبول نور الحق وقع من طائفة الكافرين وفيهم قول الله تعالى [فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ] {النحل:22} ووقع من طائفة المنافقين وفيهم قوله تعالى [لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ] {المنافقون:5}.
وليتهم حين استكبروا عن الحق تركوا الناس وما يدينون، ولكنهم وقفوا للرسل وأتباعهم بالمرصاد، يكذبونهم، ويشككون فيما جاءوا به، ويصرفون الناس عنهم [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا] {النساء:167} والطائفة التي تكفر بالله تعالى وتصد الناس عن سبيله أكبر جرما، وأعظم كفرا، وأشد عذابا يوم القيامة ممن كفر ولم يصد الناس عن دين الله تعالى [الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ] {النحل:88}.
ولهم في إطفاء نور الله تعالى، والصد عن دينه حيل شيطانية، ومكر كبير، وكيد عظيم، يظنون أنهم بمكرهم يزيلون دين الله تعالى من الأرض، ويحرفون جميع الناس عن الحق [بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ] {الرعد:33} لقد كان من عظيم مكرهم ما ذكر الله تعالى بقوله [وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ] {إبراهيم:46} وبقوله سبحانه [وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا] {نوح:22}
ومن نظر إلى واقع الصادين عن دين الله تعالى من الكفار والمنافقين وجد أنهم لم يعدوا قول الله تعالى فيهم ولا وصفه سبحانه لهم، وأنهم يمكرون الليل والنهار لإطفاء نور الله تعالى، وصد الناس عنه..
وفي زمننا: أنكر الملاحدة منهم وجود الله تعالى، وتمندلوا به عز وجل، وجعلوه سبحانه موضوع سخريتهم واستهزائهم، وشككوا في البعث والنشور، وسخروا بالمؤمنين به في روايات ملئوها بالجنس والعهر والإلحاد والزندقة.. وسوقوا لها ولكتبتها في الإعلام، ورفعوا قاماتهم المنحطة، وأثنوا على خبيث ما سطرت أيديهم القذرة؛ ليخرجوا بها جيلا متمردا على الله تعالى، هازئا به.. يعيش عيشة عبثية، ويموت على الإلحاد والزندقة..
لقد سخروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وطعنوا فيه، وشككوا في سنته، وقدموا عليها كتب فلاسفة الغرب وملاحدتهم.. وأزروا بصحبه الكرام رضي الله عنهم.. وحين طُعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلم، واتهمت الصديقة الطاهرة عائشة رضي الله عنها من قبل بعض الروافض هوّنوا من وقع ذلك، ولم تكتب صحفهم شيئا، وهي التي كانت ولا تزال تشنع على علماء أهل السنة وترميهم بالكذب والبهتان، وتصفتهم بأبشع الأوصاف..
لقد سخروا بكتاب الله تعالى، وقللوا من شأنه، وزعموا أن تحفيظه وتعليمه سبب تأخر المسلمين وتخلفهم، وهم يريدون اللحاق بالعالم الأول الذي لا إسلام فيه ولا قرآن ولا دين ولا أحكام سوى عبادة الهوى.. وبلغت الجرأة ببعضهم إلى حد محاربة القرآن وأهله علنا في الشهر الحرام والبلد الحرام بمنع حلقات تحفيظ القرآن وتشريد مدرسيها وطلابها بحجج أوهى من بيت العنكبوت..
إن مشكلة الصادين عن سبيل الله تعالى من الكفار والمنافقين، الماكرين بدينه، الكائدين لأوليائه، المتربصين بدعاته.. إن مشكلتهم ليست مع العلماء والدعاة.. ولا مع أهل التطرف والتشدد والإرهاب كما يرددون.. وإنما مشكلتهم مع الله تعالى، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع دينه..
إن مشكلتهم مع القرآن الكريم، ومع السنة المطهرة، ومع كل ما يمت للإسلام بصلة إذا كان يمنعهم من أهوائهم، ويحد من سعار شهواتهم.. وكل من تمسك بدين الله تعالى، ودعا إليه، ورد عنه عدوان العادين، فهو مرمى أقلامهم، ومقصد سهامهم، وموضع سخريتهم وبهتانهم وافترائهم، ولا بد من شن حملة صحفية نفاقية عليه لإسقاطه، وتخويف الناس منه.. ولم يسلم من ذلك لجان الإفتاء الرسمية، ولا هيئة كبار العلماء، ولم تجف بعد أحبار صحفهم من الطعن في اللجنة الدائمة للإفتاء على إثر فتواها بتحريم توظيف النساء محاسبات في الأسواق؛ لما يؤدي إليه من الفتنة والاختلاط والابتزاز.. فجن جنونهم على إثر صدور الفتوى، ونظمت كتائبهم النفاقية حملات صحفية شرسة متتابعة، تعترض على الفتوى، وتكذب على العلماء، وتفتي بإباحة ما حرم الله تعالى ضاربين بعرض الحائط قرار ولي أمر هذه البلاد بقصر الفتيا على العلماء الرسميين؛ لنعلم أنهم حينما طبلوا لهذا القرار من قبل إنما أرادوا به إخراس أهل الحق، وتكتيف المحتسبين؛ فكشف الله تعالى خبيئتهم، وهتك سترهم، وأظهر للعامة أمرهم؛ إذ كانوا أول ناقض ومعترض عليه ولتمت الوطنية التي يتشدقون بها، حين خالفوا ولي أمرهم، وقتلوا قراره في مهده.. وما أوقعهم في ذلك إلا فساد نفوسهم، ومرض قلوبهم بالهوى (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
إن الله تعالى بعلمه للغيب، وقدرته على الخلق، وحكمته البالغة، وإرادته الغالبة يرد على الصادين عن دين الله تعالى مكرهم، ويرجع عليهم كيدهم [وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ] {النمل:51} ويكون ذلك بأسرع مما يظنون [وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ] {يونس:21} وما مكرهم في مكر من كانوا قبلهم..فأين هم؟! وأين مكرهم؟![وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَللهِ المَكْرُ جَمِيعًا] {الرعد:42} [قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ] {النحل:26}
والله لن يكون مكرهم إلا وبالا عليهم، والله تعالى موهن كيدهم، ومحبط سعيهم؛ لأنهم أولياء الشيطان، ويستمدون كيدهم منه [فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا] {النساء:76} [ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الكَافِرِينَ] {الأنفال:18} [وَمَا كَيْدُ الكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ] {غافر:25}
وقد كاد من كانوا قبلهم بالرسل وأتباعهم فعاد كيدهم عليهم وبالا وخسرانا في الدنيا والآخرة قال الله تعالى في كيد الكافرين للخليل عليه السلام [وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ] {الأنبياء:70} وفي آية أخرى [فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ] {الصَّفات:98}
وخاطب ربنا سبحانه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فمهل الكافرين أمهلهم رويدا). فاستمسكوا عباد الله بدينكم، ولا يغرنكم خوار أهل الكفر والنفاق، وتقلبهم في البلاد.. إن هو إلا استدراج ومتاع قليل، والعاقبة للمتقين.. فصبرا على الحق صبرا.. وادرؤوا عن دين الله تعالى ما استطعتم بأقلامكم وأقوالكم وأفعالكم؛ فإن إنكار المنكر وفضح المنافقين والمفسدين من جهاد الكلمة (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير)..
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيتها المرأة المسلمة: اتقي الله تعالى في نفسك، واتقيه في أمتك.. إن الأمة محتاجة إليك في تربية نشء صالح مؤمن بالله تعالى، متمسك بدينه، معتز بأمته..ولا سيما في زمن كثر فيه الصادون عن دين الله تعالى، المنتكسون على أعقابهم..
إن أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين حين يصيحون بحقوق المرأة فإنما يريدون استغلال ما يقع على المرأة من ظلم بعض أوليائها لها لينقلوها من ظلم إلى ظلم أكبر منه.. فعلى المرأة وهي تطالب بحقوقها أن لا تتجاوز شرع الله تعالى في ذلك؛ فإن الله تعالى قد وفى لها حقها، وألزم أولياءها بالقيام عليها..فلا تتمرد على ولايتهم لما يقع عليها من ظلمهم، بل تسعى في رفع الظلم عنها مع التزامها بولايتهم عليها..
إن الكفار والمنافقين يسعون إلى تجييش النساء، وملء قلوبهن ضغنا على أحكام الله تعالى، والثورة على دينه، ورفض شريعته، وإبدال مناهج الغربيين بها؛ لتسترجل المرأة وتعلن استقلالها عن الرجل، وتعيش معه في صراع دائم تكون هي وأولادها ضحيته الأولى، فنعوذ بالله تعالى من قلوب فتنت عن الحق، وتمردت على الله تعالى وعلى شريعته المحكمة.. فإياك إياك أن تخدعي بأقوالهم، ولا تغتري بكتاباتهم، وادرئي بقلمك ولسانك عن دينك وحجابك وعفافك عدوان المعتدين من الكفار والمنافقين، حفظك الله تعالى بحفظه، وأسبغ عليك ستره، وأعانك على أمر دينك ودنياك..
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المسلمون: عظموا الله تعالى في عيدكم، وتقربوا إليه بأضاحيكم، وأدخلوا الفرح والسرور على ذويكم، وتمتعوا بما أحل الله تعالى لكم من الطيبات، وجانبوا طرق المحرمات (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه)..
أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال..
وصلوا وسلموا على نبيكم...
المشاهدات 5803 | التعليقات 11
خطبة موفقة ومسددة ومميزة يا شيخ إبراهيم تليق بيوم العيد واجتماع الناس فيه
وحقيقة خطبة العيد ينبغي أن تكون مميزة لاجتماع الناس لها
أكرري ثنائي على موضوعك المختار ( وحقيقة لو كنت في الرياض لما خطبت إلا حول هذا الموضوع )
واعتقد يا شيخ لو استبلت كلمة منافقين المكررة في الخطبة بمرضى القلوب أو الصادين عن الخير لكانت أسلم للمتحدث , حتى لا يتهم أهل العلم والدعوة برمي الآخرين بالنفاق خصوصا والطرف الآخر معروف
دمت مسسدا وحرسك الله ولا أسكت لك صوتا
وإن نشطت ووجدت وقتا عدت على انتقادك بتعقيب مفصل، وأرجو أن لا تغضب منه كما غضب غيرك، والله الموفق.
أعوذ بالله من التّكلّف ونصرة الباطل ودحر الحق والفت في عضد إخوتي إنّ ربّي لطيف لما يشاء إنّه هو العليم الحكيم.
إعادة حسابات:
وأتفق في المبدأ وهو الرغبة في استمرار الحلقات, (( لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير )),عسى الله أن يوقظ القلوب من غفلتها ولهوها لتحيا بكتاب ربّها.
وهلمّ إلى المساهمة إلى مشروع موسوعي بعنوان: (( الوسائل العملية لأن نجعل القرآن مشروع حياتنا )), ولك قلم رصين, وقدم راسخة, نفع الله بك وأحسن إليك.
وأعتذر إليك فضيلة الشيخ من ملحوظات لا أحمّلك إيّاها وما ذاك إلا أنّي أزكيك بتذكيرك والذكرى تنفع المؤمنين.
وأشكرك على مسامحتك, اللهم اغفر لي ولأخي إنّ ربّي عفوٌ حليم.
أخي أبا البراء , من خلال ردودك وتعليقاتك , أجدك دائماً تدعو لتفحّص السياق وسلامته من العيوب اللغوية , وكذا اختيار رقيق العبارات في مثل هذه الأعياد وغيرها , وهذا من صنيع مخزونك اللغوي الثري, فقديماً قيل : (ومن تعلم النحو هيب , ومن تعلم العربية رق طبعه) , فبارك الله لنا ولك وزادنا وإياك .
وهنا ملحوظة في العبارات لديك : كـ(أشعر) فإن فيها اتهام (لا سيما مع ما ورد), و(لا يعجبني) ففيها إنقاص , وقتل لهمّه , و(ولا أوافقك) فلو أبدلتها بهناك ملحوظات ومقترحات - كما أنك تنهج مثل هذا مع الشيخ عبد الله البصري وغيره- , فهو مدعاة لقبول قولك , فمثلك يُعلِّم ولا يعلَّم في هذا الباب.
فاللهم اغفر لي ولأخي أبا البراء ولجميع المسلمين , وأدخلنا الفردوس الأعلى من الجنة يا أكرم الأكرمني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله)
ما سأورده هو من بيان ما تَتَبعتُه من خطب الشيخ إبراهيم الحقيل , فإن صواباً فمن الله وإن خطأً فمن نفسي والشيطان , وأعوذ بالله من الزلل.
فأسأل الله لي ولأخي أبا البراء ولجميع المسلمين التوفيق والسداد .
ما علقتَ به أبا البراء عن الخطبة , أجد فيه إجحافاً وحكماً لا مبرر له –ويأتي بيانه- , وفيه إنصافاً تشكر عليه .
فقولك : (ولا أوافقك في هذا الطرح فإنّ من مذهب أهل السّنّة والجماعة عدم الحكم على معيّن بجنّة أو نار وإطلاق الأحكام بنفاق ونحوه ) : ففي خطبة الشيخ حفظه الله لم يطلق الحكم على معين , ولم يسمى أحد بعينه , وإنما انتهج منهجاً نبوياً و منهجاً علمياً.
فأما المنهج النبوي الذي نهجه هو : قوله r (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) كما في حديث الولاء في عتق بريرة المعلوم ونحو ذلك مما جاء في السنة , فهذه محمدةٌ له -وفقه الله- , فلم يشهر بأحدٍ بعينه على منبره , وإنما استنكر فعل أقوام قد ظهر تمردهم على الدين وأهله , فمن بيانِ كلمة الحق , أنه يصدح بمثل هذا , حتى لا يقع العامة أو انصاف المتعلمين , في براثن هؤلاء الذين يجرون الناس إلى الفساد جرا , ويأطرونهم على الفسوق والعصيان أطرا , وهذا لا يخفى على ذي لب , نحسبك أخي أبا البراء منهم .
والمنهج العلمي : أن أهل العلم يكفرون الفعل لا الفاعل , فيقولون : ترك الصلاة كفر , ولا يقولون أن فلان بن فلان كافر , إلا إذا توافرت فيه شروط كفر المعين , كما تقرر ذلك عند جهابذة أهل العلم , والله أعلم .
أرجع وأقول : فمنهجه -وفقه الله – علّمي , فالفعل هو : ما أشار إليه من الصد عن دين الله ,وإطفاء نور الله , والتطاول على العلماء , وما إلى ذلك مما أورده - حفظه الله - , والحكم قال فيه : أن من يصد عن سبيل الله ففعله إنما يصدر من كافر أو منافق ,فهو إنما أورد زاجر في كتاب الله وسنة رسوله تبين حال الصادين الماكرين المعرضين , فلم يحكم بخلود أحد بجنة أو نار , كما يظهر لي من سياق الخطبة , والله أعلم.
وقولك : (وأشعر من خلال الخطبة بنشوة لا تعجبني وهي حبّ بعضهم المدح بأنّ الخطيب تكلّمبالموضوع الفلاني )
حكمك على الخطيب بالنشوة وحب المدح باطل من وجوه :
الأول : من خلال التتبع للشيخ , فهو لزم فترة يورد خطباً له أسبوعية أو شبه أسبوعية , كما في موقع المنبر وبعده هذه الشبكة المباركة –التي جددت الدماء للخطباء فأدامها الله- , وهذا الفعل لا يكون إلا من رجل نحسبه جادا , يريد أن يرتقي بنفسه وغيره من الخطباء , ولا يلتفت لمثل هذه الترهات , ويظهر لي والعلم عند الله أن الرجل جعل مثل هذا العمل كصدقة جارية وكذا تخليف علم يتفع به القاصي والداني من الخطباء الأفذاذ , يحتسبه عند ربه .
الثاني : من خلال الاستقراء لخطبه , أجدها مستندة لكتاب الله ولسنة نبيه r , وما أثر عن أتباعه ومن أعقبهم من سلف هذه الأمة , ولا يلزم مثل هذا إلا من في قلبه حرقة على دين الله , يريد أن ينقل الأمة من بوادر الظلمة والفساد إلى نور الإسلام والإصلاح ,يرد أن يعد الأمة لكتاب ربها وسنة نبيها r , لترجع لسالف عهدها من عز وتمكين , يريد أن يعيد للأمة السعادة القلبية التي تكاد أن تسلب بواقيها بسبب إعراضها عن المنبعين الأصليين , ومع هذا ولله الحمد فلا زال في الناس بقية , ففيهم الصالح التقي النقي وهو كثير بفضل الله في هذه البلاد وغيرها .
الثالث : الشيخ انتهج نهج من لا يخافون في الله لومة لائم , فهو صادع بالحق ولو على نفسه , فمنهجه عدل , لم أجد فيه شططا , وإنما الاعتدال سمته , كما يظهر لي والله أعلم .
الرابع : من خطب الشيخ يبدوا أنه تجاوز سن الأربعين , ومن بلغ هذا السن فقد أكتمل عقله ويكون لديه قيما ومبادئ صقلها وصقلته في مسيرته , إن كانت النشأة صالحه - وهذا الظن بالشيخ - , فلا يلتفت إلا لما فيه صلاح نفسه والمحتمع ونفع نفسه والناس . وإن قلت لي : كيف توصلت إلى هذه النظرية في الصلاح والنفع؟ , أقول لك : لا حظ معي الواقع , فإن من بلغ الأربعين فإنه في دعوته يكون أكثر حكمة ممن هو دونه , ونشاط طاعته أكثر من غيره , وقس على هذا , فنحسب الشيخ والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا , أنه حكيم رزين .
ومما يحسب ويذكر لك أخي أبا البراء : أن قولك حق , فلا يختلف فيه اثنان من إعراض كبراءنا عن كتاب ربنا , فوفقك الله وشكر الله لك على غيرتك , ولو أفردت موضوعاً وخطبتاً عن الوسائل العملية لأن نجعل القرآن مشروع حياتنا , فتنفع به إخوانك من الخطباء ومن بعده من المتلقين , عل الله أن ينفعنا بذلك .
وأخيرا أشكرك أبا البراء لسعت صدرك وقبول ما أوردته .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من نص الخطبة: (( وبلغت الجرأة ببعضهم إلى حد محاربة القرآن وأهله علنا في الشهر الحرام والبلد الحرام بمنع حلقات تحفيظ القرآن وتشريد مدرسيها وطلابها بحجج أوهى من بيت العنكبوت..
إن مشكلة الصادين عن سبيل الله تعالى من الكفار والمنافقين، الماكرين بدينه، الكائدين لأوليائه، المتربصين بدعاته.. إن مشكلتهم ليست مع العلماء والدعاة.. ولا مع أهل التطرف والتشدد والإرهاب كما يرددون.. وإنما مشكلتهم مع الله تعالى، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع دينه..
إن مشكلتهم مع القرآن الكريم، ومع السنة المطهرة، ومع كل ما يمت للإسلام بصلة إذا كان يمنعهم من أهوائهم، ....)
هذا الخطاب لا أوافق عليه فهو تفسير وتحليل لما يقع بين المسلمين مع إصدار أحكام, وليس بحل:
1/محاربة القرآن
2/مشكلتهم مع الله تعالى، ومع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع دينه..
3/ملاحدة... بعضهم .... كفّار.... منافقين.....
ولم يقل هذا إلحاد وكفر ونفاق, ما بال أقوام ....وفرق بين العبارتين.
أعتقد أنّنا بحاجة إلى رويّة ودقّة في الألفاظ مع عدم المبالغة في قضيّة ينصب الكلام حولها, وإن أعجب فالعجب من أنّنا متفقون على منهج أهل السنّة والجماعة لفظا ومعنى , والخطأ الغير مقصود وارد, و عند إيراد تنبيه بقولي: لا أوافقك.... أشعر.....لم يعجبني....لا أجد في ذلك إجحافاً و لا حكماً لا مبرر له, بل هو من منهج أهل السّنّة في النّصيحة, وليكن أمرك بالمعروف معروفا, ونهيك عن المنكر غير منكر.
وإنصافا للحق فما ذكرته عن الشيخ هو ما أحسبه, والله حسيبه ولا أزكّي على أحدا.
أشكر لك تعليقك, وأنتظر مقترحك الرّائع, أن تساهم فيه: (( الوسائل العملية لأن نجعل القرآن مشروع حياتنا )) وهذه دعوة للجميع بالمشاركة.
اللهمّ آمين
لم أطلع على هذالا السجال إلا الآن، ولا زلت محموما بعد الأمطار والبرد الشديد الذي أصابنا في الحرم عصر الأمس، وكنت قد عزمت من قبل على أن لا أساجل أحدا حتى لا يقع في النفوس شيء..
وههنا أقول للشيخ علي بن محمد العجيب: ذب الله تعالى عن وجهك النار كما ذببت عن عرض أخيك، وبوأك أعلى منازل الجنة.
وأقول لأخي أبي البراء: راجع انتقادك وسترى فيه من التكلف، ونصرة الباطل، ودحر الحق والفت في عضد إخوانك ما يجعلك تعيد حساباتك، ولا أعرف عنك إلا أنك غيور على دينك.. سامحك الله تعالى على ما كتبت..
وإن نشطت ووجدت وقتا عدت على انتقادك بتعقيب مفصل، وأرجو أن لا تغضب منه كما غضب غيرك، والله الموفق.
شكر الله تعالى لك شيخ إبراهيم العجلان على مرورك وثنائك، وأسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياك من فضله..
ولك خطب مميزة جدا -نفع الله تعالى بك- لكنك مقل جدا، وعلمت أن سبب ذلك عدم تعاطيك مع الحاسب الآلي، ولقد كنت من قبل مثلك، وتقحمته بلا معلم ولا دورة لكن أخذ وقتا، وارتحت بعدها أيما راحة، فلا تحرم نفسك خير هذه التقنية بطول الانتظار حتى تتقنها، فلن تتقنها إلا بتقحمها والكتابة بأزرارها ولو طال وقت الخطبة بك ضعفين أو ثلاثة، وفقك الله تعالى للخير..
أما تعقبي على أخي أبي البراء فكلامه بالأحمر وتعقبي بالأسود..
قولك :وشرع لنا تكبيره في هذه الأيام في كل وقت وأدبار الصلوات إلى آخر يوم من أيام العيد وهو يوم الثالث عشر، وشرع لنا هذه الصلاة العظيمة في هذا اليوم المبارك، وشرع لنا عقبها التقرب إليه سبحانه بالضحايا )). التكبير والأضحية يشارككم فيها الحجاج
هل في عبارتي ما يدل على نفي اشتراك الحجاج فيها حتى تكون مجالا للتعقب؟ عجبا لفهمك!!
قولك: وتمندلوا به ) لم أفهمها..
ذكر القاضي عياض أن أبا بكر الشاشي كان يعيب على أهل الكلام كثرة خوضهم في الله تعالى وفي ذكر صفاته، إجلالاً لاسمه تعالى ويقول: هؤلاء يتمندلون بالله عز وجل .
ولتمت الوطنية التي يتشدقون بها، حين خالفوا ولي أمرهم
ولو قلت: أين الوطنيّة
يبدو يا أبا البراء أن لك إيمانا بالوطنية وولعا شديدا بها؛ ولذلك دققت في هذه العبارة خوفا على الوطنية من الموت..
لكن لست أدري هل تعلم أن الوطنية مصطلح فكري غربي له مدلول عقدي نشأ في الغرب لسببين:
الأول: ليكون بديلا للدين النصراني الذي تم اطراحه عقب الثورة على الكنيسة، ويريد العلمانيون العرب فعل ذلك بالإسلام.
الثاني: إيقاف الحروب الدينية بين الكاثوليك والأرثوذكس من جهة، وبين الكاثوليك والبروتستانت من جهة أخرى، وأول من أدخله إلى بلاد المسلمين النصراني الشامي بطرس البستاني، لتقوية الأقليات غير المسلمة في بلاد الشام، والكلام في هذا يطول..
وشعارهم فيه: الدين لله والوطن للجميع، أو إذا كان الدين يفرقنا فالوطن يجمعنا، وهو نفس شعار أهل الصحافة عندنا، وحاول بعض الدعاة إضفاء الشرعية عليه بتكلف بالغ وعدم فهم للمدلول الفكري له، ولا يعلمون أن هذا المصطلح الجاهلي الذي ظاهره الولاء للوطن وللحكومة فيه إلغاء للبيعة الشرعية للإمام المسلم الذي تجب طاعته في السر والعلن والمنشط والمكره وأثرة علينا...ألخ، والليبراليون يهدفون إلى ذلك ويريدونه، ويخدمهم بعض الشرعيين في العداء للدين والولاة من حيث لا يعلمون..
ولا أوافقك في هذا الطرح فإنّ من مذهب أهل السّنّة والجماعة عدم الحكم على معيّن بجنّة أو نار وإطلاق الأحكام بنفاق ونحوه.
دافعك لانتقادي أبا البراء هو الغيرة على العقيدة والمبالغة في الورع والأخذ بمذهب أهل السنة والجماعة، لكن لست أدري هل من الورع أن تفتري على أخيك وتصور للقارئ أنه حكم على معين بجنة أو نار، فدلني على موضع ذلك بارك الله تعالى فيك..
ودعني أقول لك: إني لا أرى الحكم على معين مات بجنة أو نار ولو كان كافرا أو منافقا إلا ما ورد الحكم عليه في الكتاب والسنة؛ لأن هذا من خصائص الربوبية ومن الغيب الذي لا نعلمه، على أن بعض العلماء المحققين يرون جواز الحكم على معين بالنار إذا كان كافرا أصليا وجرى لي نقاش مع بعض أهل العلم بسبب اختلافنا في الحكم.
أما إطلاق النفاق أو الكفر على معين مع أني لم أستخدمه إلا على جهة العموم وفي أقوال وأفعال سقتها ولم أعين أحدا، فهل مذهبك الذي نسبته لأهل السنة والجماعة أنهم لا يفعلونه مطلقا أم ماذا؟
ولو سألتك بعض الأسئلة هل تجيبني عليها بلا حيدة أم لا؟
1- ما حكم من سخر بالله تعالى في رواية كتبها، ووصفه بأبشع الأوصاف؟
2- ما الحكم في كاتبة صورت في روايتها أن الله تعالى يمارس معها الجنس؟
3- ما الحكم فيمن حكم على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه فاشل؟ ومن قرر في بعض أحاديثه أنها وحشية؟
4- ما الحكم فيمن جعل أبا بكر رضي الله عنه رأس التكفيريين لأنه قاتل المرتدين معترضا على ذلك؟
5- ما الحكم فيمن سخر بالقرآن والسنة وتدريسهما؟
6- ما الحكم فيمن رد الأحكام الشرعية وسخر بها؟
بماذا تصف هؤلاء بأعيانهم وإن شئت أتيت لك بمقولاتهم ومقولات من يرفعونهم؟ هل تقول: كفار أم منافقون أم مرتدون؟ أم أن قاعدتك أنهم مؤمنون قالوا كفرا أم ماذا؟
وراجع إن شئت مقالا لي عن الهالك الفلسطيني محمود درويش بعنوان: (المثقفون العرب.. المزورون العرب) منشور في الشبكة لتجد فيه سخريته بالله تعالى وكيف رفعته الصحافة ووصفته بأوصاف العظماء..فما حكمك فيه؟ وفيمن رفعه؟
هذه أسئلة لك أعذرك إن جبنت عن الإجابة عليها، ولكني لا أسمح لك أن تقولني ما لم أقل وتدعي أني حكمت على معين؟ فإن ذكرت لي وصفا وصفته لمعين فسأجرد لك شيئا من تاريخه ومقولاته وأنتظر منك توصيفه بدقة حتى نعرف مذهب أهل السنة الذي تذكر أنك ملتزم به..
ثم ما جوابك على الأحاديث التالية:
قال عمر في حاطب رضي الله عنهما: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق.. فزكى النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا ولم ينكر على عمر، ومثله وصفه لابن أبي سلول ولذي الخويصرة التميمي.. ولم ينكر على عمر وصف معين بأنه منافق، هذا وعمر لا يعلم المنافقين بدليل أنه كان يرقب حذيفة فإن صلى على رجل صلى عليه معه، وإن أعرض حذيفة أعرض عنه، بل كان حذيفة يغمز يد عمر إذا قدمت جنازة منافق حتى لا يصلي عليه، وذلك كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم..
فكيف حكم عمر على أعيان بأنهم منافقون، واستأذن الإمام في قتلهم فمنعه لأسباب عدة، وعمر لا يعرفهم وإنما أخذهم بمقولاتهم وأفعالهم؟! فهل عمر رضي الله عنه من أهل السنة والجماعة عندك يا أبا البراء حين حكم على معين بالنفاق لقوله أو فعله؟
وأشعر من خلال الخطبة بنشوة لا تعجبني وهي حبّ بعضهم المدح بأنّ الخطيب تكلّم بالموضوع الفلاني وعندما تذكر أمرا لم يصدر إلا عن واحد فسياق الكلام من أوّله هل يرتب على آخره؟ الجواب نعم وهو باطل لما أسلفت!
هنا يا أبا البراء خانك الورع والتوقي مع إخوانك وكنت جزلا به مع من يحارب دين الله تعالى، فشققت عن قلبي وتكلمت بمكنونه، ووالله الذي لا يحلف إلا به لم أكن فرحا ولا منتشيا ولا وقت لدي لذلك أصلا؛ لأني كنت في الحج واحترق جهازي المحمول في وقت لا أحسد عليه، وضايقني الوقت فاشتريت جهازا آخر بلا تروٍ ولا نظر ولا معرفة؛ لئلا أحرم نفسي وإخواني الخطباء من الخير..
بل والله كنت وجلا مشفقا.. كتبت بعض أجزاء الخطبة فغلبني البكاء ونزعت حتى هدأت.. وتكرر ذلك في أكثر من موضع ثلاث مرات أو أربع.. وأنا الذي ما بكيت على المنبر منذ خطبت –زهاء ربع قرن- إلا مرة واحدة كانت عن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أربع سنوات أو نحوها، وما كنت لأذكر ذلك لولا ابتلاء الله تعالى لي بك وبما استخرجته بظنونك الفاسدة من قلبي.. ومن حقي دفع غوائلك وظلمك عني..
ولكن ألسنا نحبّ القرآن فما بال الكبار لا يلتحقون بحلقاته؟! أم أنّ القرآن للأطفال والصّغار؟ أم أنّ الكبارأوّل ما يبلغ الخامسة عشرة يرفض القرآن
عجبا لفكرك ورأيك؟؟ وما هذا الدفاع المستميت عمن ألغى حلقات التحفيظ وشرد ألوفا من طلبتها.. وما دخل الكبار ودراستهم للقرآن من عدمها في الموضوع لولا أنك لم تجد حجة للدفاع إلا هذه الضعيفة..وكل الكلام الذي بعده تخريج ضعيف يدل على أنك تريد الدفاع لأجل الدفاع فقط، فكنت المحامي الضعيف في قضية خاسرة..
هلم إلى مشروعك الذي تدعو إليه وأعلن براءتك من تدريس الصغار للقرآن، واحصره في الكبار، وألزم المدرسين السعوديين بأن يدرسوهم القرآن تحت شعر الوطنية الذي تهيم به.. وعش في أحلامك الوردية كيفما شئت..فلن أثرب عليك في ذلك..
لكن لا تؤلب على من أراد نصرة القرآن والدفاع عن حلقاته التي ألغيت في ساعة من نهار..ولا تفسر كلامه بمزاجك وهواك، ولا تخرج مكنون قلبه وأنت لا تعلم الغيب.
ومن عجز عن نصرة حلقات ألغيت بلا سبب صحيح، بل عجز عن السكوت عن الطعن فيمن دافع عنها، أيقدر على مشروع : ((الوسائل العملية لأن نجعل القرآن مشروع حياتنا )) لا أظن ذلك.
غفر الله تعالى لي ولك أبا البراء، وسامحك على طعنك، وما كل مريد للنصح موفق..
عفوا ...
ليس هذا موضع سجال!
ولكلّ ما ذكرته جواب!
ومقصودي التنبيه السّريع!
والدّين النّصيحة !
وأتجاوز عن الكلمات العشرينيّة الشّخصيّة!
وتأمّل قول الله تعالى,( إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم )).
وتأمّل مشاركة الشيخ إبراهيم العجلان(( وأعتقد يا شيخ لو استبلت كلمة منافقين المكررة في الخطبة بمرضى القلوب أو الصادين عن الخير لكانت أسلم للمتحدث , حتى لا يتهم أهل العلم والدعوة برمي الآخرين بالنفاق خصوصا والطرف الآخر معروف )).
اللهمّ احْشُرْنَا مَعَ نبيّنا مُحَمَّدٍ $ وآله الأطهار وصحابته الأبرار وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . ذَلِكَ الفَضلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا .
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
أبو البراء
قولك: وشرع لنا تكبيره في هذه الأيام في كل وقت وأدبار الصلوات إلى آخر يوم من أيام العيد وهو يوم الثالث عشر، وشرع لنا هذه الصلاة العظيمة في هذا اليوم المبارك، وشرع لنا عقبها التقرب إليه سبحانه بالضحايا )).
التكبير والأضحية يشارككم فيها الحجاج
قولك: وتمندلوا به ) لم أفهمها
قولك : ولتمت الوطنية التي يتشدقون بها، حين خالفوا ولي أمرهم
ولو قلت: أين الوطنيّة ....
ومكّة المكرّمة فيها كثير من السّعوديين الحفظة, ثمّ ألا يصلح أن يُدرّس القرآن أئمة المساجد, ومقام الرّسول صلى الله عليه وسلّم أعلى وهو معلّم القرآن الأول. وصدق الله ( قل هو من عند أنفسكم ))
تعديل التعليق