خطبة عيد الأضحى المبارك 1440هـ ضرر فقد الإيمان

خطبة عيد الأضحى المبارك
ضرر فقد الإيمان
10 / 12 /1440هـ
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الْفَاتِحَةِ: 2 - 4]، نَحْمَدُهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الْحَدِيدِ: 2 - 6]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الْحَشْرِ: 22 - 24]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ إِمَامُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالنُّورِ الْمُبِينِ، هَادِيًا إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ؛ فَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ، وَرَغَّبَ وَرَهَّبَ، فَمَا مَاتَ حَتَّى كَمُلَتْ بِهِ النِّعْمَةُ، وَتَمَّتْ بِهِ الْمِنَّةُ، وَوَضَحَتْ مَعَالِمُ الْمِلَّةِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ؛ أَهْلِ الْبِرِّ وَالتُّقَى، وَمَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ وَالدُّجَى، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَفِيهِ تُرَاقُ الدِّمَاءُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِيهِ أَكْثَرُ أَعْمَالِ الْحُجَّاجِ ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الْحَجِّ: 29].
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
اللَّهُ أَكْبَرُ؛ وَقَفَ إِخْوَانُكُمْ بِالْأَمْسِ فِي عَرَفَاتٍ، وَرَفَعُوا الْأَكُفَّ لِلَّهِ تَعَالَى بِالدَّعَوَاتِ، وَعَظَّمُوا الشَّعَائِرَ وَالْحُرُمَاتِ؛ فَيَا لِلَّهِ الْعَظِيمِ كَمْ مِنْ دَعْوَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى رُفِعَتْ! وَكَمْ مِنْ عَيْنٍ مِنْ خَشْيَتِهِ وَرَجَائِهِ دَمَعَتْ! فَاللَّهُ تَعَالَى عَلِمَهَا وَسَمِعَهَا وَيُجِيبُهَا، اللَّهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعَاءَ الدَّاعِينَ، وَتَقَبَّلْ عَمَلَ الْعَامِلِينَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُ أَكْبَرُ؛ يَسِيرُ إِخْوَانُكُمُ الْحُجَّاجُ الْآنَ مُتَّجِهِينَ إِلَى الْجَمَرَاتِ مُلَبِّينَ مُكَبِّرِينَ مُعَظِّمِينَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِيَرْمُوهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ يَذْبَحُوا هَدْيَهُمْ، وَيَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ، وَيَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِهِمْ، وَيَطُوفُوا طَوَافَ الْحَجِّ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ حَجَّهُمْ مَبْرُورًا، وَسَعْيَهُمْ مَشْكُورًا، وَذَنْبَهُمْ مَغْفُورًا.
اللَّهُ أَكْبَرُ؛ يَتَقَرَّبُ الْمُسْلِمُونَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي سَائِرِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ بِذَبْحِ الْأَضَاحِيِّ، بَعْدَ أَنْ يُؤَدُّوا هَذِهِ الصَّلَاةَ الْعَظِيمَةَ، فَاللَّهُمَّ اقْبَلْ مِنَ الْمُضَحِّينَ ضَحَايَاهُمْ، وَاجْعَلْهَا ذُخْرًا لَهُمْ، وَارْزُقِ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا النَّاسُ: أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هِيَ نِعْمَةُ الْإِيمَانِ، وَلَا نِعْمَةٌ تُوَازِيهَا أَوْ تُدَانِيهَا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ جَنَّةٌ فِي الدُّنْيَا، وَجَزَاؤُهُ جَنَّةُ الْخُلْدِ فِي الْآخِرَةِ ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النَّحْلِ: 97].
إِنَّ فَقْدَ الْإِيمَانِ أَشَدُّ الْخِذْلَانِ، وَأَفْدَحُ الْخُسْرَانِ، إِنَّهُ الشَّكُّ وَالْحَيْرَةُ وَالضَّيَاعُ وَالِاضْطِرَابُ، صَاحِبُهُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا عَنْ مَاضِيهِ وَلَا عَنْ مُسْتَقْبَلِهِ، مَعَ خَوْفِهِ وَحُزْنِهِ فِي حَاضِرِهِ ﴿اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ﴾ [الْأَنْعَامِ: 71]، قَلْبُهُ مُمَزَّقٌ بِالْحَيْرَةِ، وَدِينُهُ مُخَرَّقٌ بِالرِّيبَةِ، وَلَا يَدْرِي مَا لِقَاءُ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ ﴿وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ﴾ [الْحَجِّ: 55]، ﴿أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ﴾ [فُصِّلَتْ: 54]، يَرَى النَّاسَ يَمُوتُونَ، وَلَا يَدْرِي عَلَى مَاذَا يُقْدِمُونَ، تَسْتَوِي عِنْدَهُ الْحَقِيقَةُ وَالْأَبَاطِيلُ؛ لِأَنَّهُ عَمِيَ عَنِ الْحَقِّ فَمَا عَادَ يُمَيِّزُ حَقًّا مِنْ بَاطِلٍ ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النَّمْلِ: 66].
فَاقِدُ الْإِيمَانِ قَلْبُهُ مُظْلِمٌ، وَصَدْرُهُ ضَيِّقٌ، فَتَضِيقُ عَلَيْهِ الدُّنْيَا بِسَعَتِهَا، وَلَا يَسْعَدُ وَلَوْ مَلَكَهَا كُلَّهَا؛ لِأَنَّ دَاءَهُ فِي قَلْبِهِ، وَضِيقَهُ فِي صَدْرِهِ ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: 125]. يَعِيشُ فَاقِدُ الْإِيمَانِ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَجِدُ الْأُنْسَ بِهِمْ، وَيَعُبُّ مِنْ مَلَذَّاتِ الدُّنْيَا فَيَغْلِبُ ضَنْكُهُ لَذَّتَهُ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: 125].
يَظُنُّ تَارِكُ الْإِيمَانِ أَنَّهُ -بِمَا يَمْلِكُ مِنْ عُلُومِ الدُّنْيَا- قَدْ صَارَ أَفْضَلَ النَّاسِ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ شَرُّ مَنْ يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الْأَنْفَالِ: 55]، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ الْبَهِيمَةَ خَيْرٌ مِنْهُ؛ إِذْ لَا خَيْرَ فِيهِ بِلَا إِيمَانٍ ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الْفُرْقَانِ: 44].
وَمِيتَةُ فَاقِدِ الْإِيمَانِ شَرُّ مِيتَةٍ؛ حَيْثُ تَتَبَدَّى لَهُ الْحَقِيقَةُ الَّتِي طَالَمَا أَنْكَرَهَا، وَيَرَى عِيَانًا مَا كَانَ يُكَذِّبُ بِهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئًا، فَلَا ثَمَّةَ رُجُوعٌ وَلَا تَوْبَةٌ ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: 93]. فَيَا لَهَا مِنْ نِهَايَةٍ أَلِيمَةٍ، وَعَاقِبَةٍ غَيْرِ حَمِيدَةٍ.
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا فِدَاءَ لِتَارِكِي الْإِيمَانِ، بَلْ عَذَابُ النَّارِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [الْمَائِدَةِ: 36-37].
وَأَعْظَمُ النَّاسِ شَقَاءً مَنْ فَقَدَ الْإِيمَانَ بَعْدَ أَنْ وَجَدَهُ، وَفَارَقَهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلَهُ. عَاشَ فِي أُسْرَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَرَعَاهُ أَبَوَانِ مُؤْمِنَانِ، وَفِي مُجْتَمَعٍ مُؤْمِنٍ، ثُمَّ فَارَقَ الْإِيمَانَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِهَوًى رَكِبَهُ، أَوْ لِشُبْهَةٍ عَلِقَتْ بِقَلْبِهِ؛ فَذَلِكَ الَّذِي لَا أَحَدَ أَشْقَى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ: أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ فِي جَهْلٍ مُرَكَّبٍ، وَظُلُمَاتٍ مُتَرَاكِمَةٍ، يَصُدُّ غَيْرَهُ عَنِ الْإِيمَانِ، وَيَدْعُو إِلَى الضَّلَالِ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ يَعْلَمُ وَهُوَ يَجْهَلُ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ مُحْسِنٌ وَهُوَ مُسِيءٌ، وَفِي قَلْبِهِ حَسْرَةٌ عَلَى مَا تَرَكَ ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 30]، ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ: 37].
وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَفِي أَشَدِّ الْعَذَابِ. وَالْغَالِبُ أَنَّ تَارِكَ الْإِيمَانِ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى؛ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ حِينَ كَفَرَ بِأَعْظَمِ نِعْمَةٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 86 - 88]. ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [الْمُنَافِقُونَ: 3]. فَاحْمَدُوا اللَّه تَعَالَى عَلَى مَا أَعْطَاكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَاثْبُتُوا عَلَيْهِ وَلَا تَتْرُكُوهُ، وَلَقِّنُوهُ أَوْلَادَكُمْ؛ فَالْإِيمَانُ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ، وَلَا نَجَاةَ لِلْعَبْدِ إِلَّا بِهِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ وَمِلْءَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ وَمِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَمِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا فِيهِنَّ، وَمِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا فِيهِنَّ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذَا الْيَوْمِ الْأَغَرِّ الْمَجِيدِ، وَعَظِّمُوا فِيهِ الشَّعَائِرَ وَالْحُرُمَاتِ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الْحَجِّ: 30]، ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الْحَجِّ: 32].
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
اللَّهُ أَكْبَرُ؛ لَبَّى الْمُلَبُّونَ لَهُ وَكَبَّرُوا. اللَّهُ أَكْبَرُ؛ صَلَّى الْمُصَلُّونَ لَهُ وَسَجَدُوا. اللَّهُ أَكْبَرُ؛ طَافَ الطَّائِفُونَ لَهُ وَعَظَّمُوا. اللَّهُ أَكْبَرُ؛ ضَحَّى الْمُضَحُّونَ لَهُ وَنَحَرُوا، فَاللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّه بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ: مَوْجَةُ الدَّعْوَةِ لِتَرْكِ الْإِيمَانِ، وَالتَّمَرُّدِ عَلَى الشَّرِيعَةِ؛ تَغْزُو عُقُولَ الْفَتَيَاتِ الْمُسْلِمَاتِ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الْجَمَاعِيِّ، وَيَقُومُ عَلَيْهَا مُنْحَرِفُونَ وَمُنْحَرِفَاتٌ مِمَّنْ يَنْتَمُونَ لِلتَّيَّارَاتِ النِّسْوِيَّةِ الْعِلْمَانِيَّةِ، وَيَسْعَوْنَ جَادِّينَ فِي إِقْنَاعِ بَنَاتِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّمَرُّدِ عَلَى دِينِهِنَّ وَحِجَابِهِنَّ وَعَفَافِهِنَّ وَأُسَرِهِنَّ وَمُجْتَمَعَاتِهِنَّ، حَتَّى إِذَا هَرَبَتِ الْبِنْتُ مِنْ أُسْرَتِهَا وَمُجْتَمَعِهَا، وَقُضِيَتِ الْحَاجَةُ مِنْهَا إِعْلَامِيًّا وَسِيَاسِيًّا؛ رُمِيَتْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ؛ لِتَتَدَبَّرَ حَيَاتَهَا بِنَفْسِهَا، فِي مُجْتَمَعَاتٍ غَرْبِيَّةٍ مُوحِشَةٍ لَا مَكَانَ لِلرَّحْمَةِ فِيهَا، فَإِمَّا عَمِلَتْ فِي مِهَنٍ وَضِيعَةٍ لِتَعِيشَ، وَإِمَّا طَلَبَتْ طَعَامَهَا بِبَذْلِ جَسَدِهَا، فَأَضَاعَتْ نَفْسَهَا وَدِينَهَا وَدُنْيَاهَا وَآخِرَتَهَا. إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأُمَّهَاتِ الْقُرْبُ مِنَ الْبَنَاتِ، وَحِمَايَتُهُنَّ مِمَّنْ يَتَسَلَّلُ إِلَى عُقُولِهِنَّ وَقُلُوبِهِنَّ لِيَجْعَلَهُنَّ وَقُودًا يَحْرِقُهُنَّ فِي مَحْرَقَةِ أَفْكَارِهِ السَّقِيمَةِ، وَأَجِنْدَاتِهِ الْخَبِيثَةِ، وَأَهْدَافِهِ الْمُرِيبَةِ، فَكَمْ ضَاعَ مِنْ بَنَاتِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ الرَّدِيئَةِ!
وَغَرْسُ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِ الْبَنَاتِ، وَتَعَاهُدُهُ بِالنَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ، مَعَ حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَالْحِوَارِ وَالْإِقْنَاعِ مِنْ أَهَمِّ الْأَسْبَابِ لِحِفْظِ الْبَنَاتِ مِنْ لُصُوصِ الْأَفْكَارِ وَالْأَعْرَاضِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ الدُّعَاءُ ثُمَّ الدُّعَاءُ ثُمَّ الدُّعَاءُ بِصَلَاحِ الْبَنَاتِ؛ فَاللَّهَ اللَّهَ فِي بَنَاتِكُنَّ وَبَنَاتِ الْمُسْلِمِينَ، احْفَظُوهُنَّ مِنْ أُولَئِكَ الْأَشْرَارِ الْفُجَّارِ، الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ لَهُنَّ إِلَّا الشَّرَّ وَالْعَارَ وَالنَّارَ. حِمَى اللَّهُ بَنَاتِنَا وَبَنَاتِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شَرِّ الْأَشْرَارِ، وَكَيْدِ الْفُجَّارِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِنَّ الْإِيمَانَ وَالسَّتْرَ وَالْحَيَاءَ وَالْعَفَافَ، وَجَعَلَهُنَّ قُرَّةَ أَعْيُنٍ لِوَالِدِيهِنَّ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: السُّنَّةُ بَعْدَ هَذِهِ الصَّلَاةِ ذَبْحُ الْأَضَاحِيِّ، وَالْأَكْلُ مِنْهَا؛ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الذَّبْحِ إِلَى مَا قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَيَصِحُّ الذَّبْحُ لَيْلًا خِلَافًا لِمَا يَظُنُّهُ الْعَوَامُّ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَيَهْدِيَ وَيَتَصَدَّقَ، وَلَوْ صَنَعَ مِنْهَا وَلِيمَةً جَازَ.
وَيَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ، وَالْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بَعْدَهُ، وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى؛ فَتُجْتَنَبُ فِيهَا الْمُحَرَّمَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَالْغِنَاءُ وَالتَّبَرُّجُ وَالسُّفُورُ؛ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَشُكْرًا لَهُ عَلَى نِعَمِهِ الْعَظِيمَةِ. وَشِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ هُوَ الذِّكْرُ وَالتَّكْبِيرُ، ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [الْبَقَرَةِ: 203].
أَعَادَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الْأَعْمَالِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 56].
المرفقات

عيد-الأضحى-المبارك-مشكولة-2

عيد-الأضحى-المبارك-مشكولة-2

عيد-الأضحى-المبارك-3

عيد-الأضحى-المبارك-3

المشاهدات 2909 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا