خطبة عيد الأضحى المبارك 1433، حقوق الإنسان..ممن؟ ولمن؟

خُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى الْمُبَارَكِ
حُقُوقُ الْإِنْسَانِ.. مِمَّنْ؟ وَلِمَنْ؟
الجمعة 10/12/1433هـ

الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا، وَاللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
الْحَمْدُ للهِ، الْحَكَمِ الْعَدْلِ الْمُبِينِ؛ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَحَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ، فَبِحُكْمِهِ وَعَدْلِهِ قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَبِرَحْمَتِهِ تَرَاحَمَ الْخَلْقُ.
نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا يَدُومُ مَا دَامَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا لَا يَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِ النُّورِ وَالظَّلَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَعَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ فَأَرَادَهُ، وَكَتَبَ الْقَدَرَ، وَخَلَقَ الْخَلْقَ؛ {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّه وَخَلِيلُهُ؛ أَعَزَّهُ بِدِينِهِ، وَأَمَدَّهُ بِجُنْدِهِ، وَأَيَّدَهُ بِنَصْرِهِ، فَكَانَ مَنْصُورًا، وَكَانَ دِينُهُ ظَاهِرًا عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ أَعْلَامِ الْأُمَّةِ وَهُدَاتِهَا، وَحَمَلَةِ دِينِهَا، وَنَقَلَةِ كِتَابِهَا؛ فَهُمُ الْقُدْوَةُ لِلْأَنَامِ، وَبِفَهْمِهِمْ يُقْرَأُ الْكِتَابُ، وَبِنَهْجِ فِقْهِهِمْ تُسْتَخْرَجُ الْأَحْكَامُ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْجَمْعُ الْكَبِيرُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ مِنْ أَيَّامِ اللهِ تَعَالَى، أُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ؛ فَإِنَّ الشَّرَائِعَ مَا شُرِعَتْ، وَلَا تَنَزَّلَتِ الْكُتُبُ، وَأُرْسِلَتِ الرُّسُلُ إِلَّا لِيُحَقِّقَ النَّاسُ التَّقْوَى.
وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ -حَيْثُ الْحَجُّ وَالْعِيدُ وَالتَّكْبِيرُ وَالْهَدْيُ وَالْأَضَاحِي- تَتَأَكَّدُ التَّقْوَى؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى تَكَرَّرَ فِي آيَاتِ الْحَجِّ.
وَفِي ذَبْحِ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا عَلَّلَ اللهُ تَعَالَى التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِهَا بِالتَّقْوَى؛ {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الْحَجِّ: 37].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرْ وَللهِ الْحَمْدْ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ خَلَقَ الْخَلْقَ فَأَحْصَاهُمْ عَدَدًا، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا، لَا مَفَرَّ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا نَجَاةَ لَهُمْ مِنْ عَذَابِهِ إِلَّا بِهِ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ مَهْمَا كَانَتْ كَثْرَةُ الْخَلْقِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحْصِيهِمْ، وَيَعْلَمُ كُلَّ حَرَكَةٍ وَهَمْسَةٍ مِنْهُمْ، وَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّهُ صُدُورُهُمْ؛ {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الْأَنْعَامِ: 59].
اللهُ أَكْبَرُ؛ مَهْمَا كَثُرَتْ دَعْوَاتُ الدَّاعِينَ، وَمَسَائِلُ السَّائِلِينَ، فَهُوَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَسْمَعُهَا، وَلَوْ أَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ مِنْهُمْ مَا سَأَلَ لَمَا نَقَصَ ذَلِكَ فِي مُلْكِهِ شَيْئًا؛ {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الْمُنَافِقُونَ: 7].
اللهُ أَكْبَرُ؛ وَفَدَ إِلَيْهِ الْحُجَّاجُ مِنْ شَتَّى الْبِقَاعِ، وَامْتَلَأَتْ بِهِمْ مِنًى وَعَرَفَاتٌ، وَالْآنَ تَكْتَظُّ بِهِمْ مُزْدَلِفَةُ وَالْجَمَرَاتُ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ هَدَاهُمْ لِدِينِهِ فَقَرَؤُوا الْكِتَابَ، وَصَدَّقُوا بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، وَخَافُوا الْوَعِيدَ بِالْعَذَابِ، وَرَجَوُا الْوَعْدَ بِالثَّوَابِ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ حَنَوْا لَهُ أَجْسَادَهُمْ، وَعَفَّرُوا جِبَاهَهُمْ، وَمَرَّغُوا أُنُوفَهُمْ، وَأَخْلَصُوا دُعَاءَهُمْ، فَكَانُوا عَبِيدًا للهِ تَعَالَى حِينَ عَبَدَ مَلَايِينُ الْبَشَرِ أَصْنَامَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ.
اللهُ أَكْبَرُ؛ يَتَوَجَّهُ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِ هَذَا الصَّبَاحَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ الْعَظِيمَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْكَبِيرِ، يَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، أَفْضَلِ الْأَيَّامِ وَأَشْرَفِهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَأَكْثَرِهَا عَمَلًا صَالِحًا، وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِ بِذَبْحِ أَنْسَاكِهِمْ؛ عُبُودِيَّةً لَهُ سُبْحَانَهُ وَذُلًّا وَحُبًّا، وَتَكْبِيرًا وَتَعْظِيمًا، وَرَغَبًا وَرَهَبًا، يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ، وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ؛ فَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا يَقْبَلُ مِنْ أَعْمَالِنَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا يَجْزِينَا بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدْ. أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ: الْآنَ يَسِيرُ إِخْوَانُكُمُ الْحُجَّاجُ أَرْتَالًا فِي إِثْرِ أَرْتَالٍ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى، يَسِيرُونَ فِي جُمُوعٍ غَفِيرَةٍ، وَأَفْوَاجٍ مَهِيبَةٍ، شِعَارُهُمْ وَهُمْ يَسِيرُونَ: التَّلْبِيَةُ وَالتَّكْبِيرُ؛ لِيَرْمُوا الْجِمَارَ، وَيَذْبَحُوا الْأَنْسَاكَ، وَيُحِلُّوا الْإِحْرَامَ، وَيَطُوفُوا بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ؛ {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الْحَجِّ: 29]، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَاتُوا لَيْلَةَ الْبَارِحَةِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَوَقَفُوا عَشِيَّةَ الْأَمْسِ بِعَرَفَاتٍ، فَدَعَوُا اللهَ تَعَالَى أَثْنَاءَ تَجَلِّيهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ مِنْ عَلْيَائِهِ، وَمُبَاهَاتِهِ جَلَّ وَعَلَا بِهِمْ مَلَائِكَتَهُ، فَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُسَلِّمَهُمْ وَيَحْفَظَهُمْ، وَأَنْ يَقْبَلَ حَجَّهُمْ، وَيَغْفِرَ ذَنْبَهُمْ، وَيَشْكُرَ سَعْيَهُمْ، وَيَسْتَجِيبَ دُعَاءَهُمْ؛ فَهَذَا مِنْ حَقِّهِمْ عَلَيْنَا؛ فَإِنَّهُمْ وَقَفُوا بِالْأَمْسِ وُقُوفًا طَوِيلًا يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى لَنَا، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ بِحِفْظِنَا، وَيَسْأَلُونَهُ نَجَاتَنَا، دَعَوْا لَنَا، وَلِأَهْلِنَا، وَلِأَوْلَادِنَا.
دَعَوْا لَنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالِاسْتِقْرَارِ وَالرَّخَاءِ، وَسَأَلُوا اللهَ تَعَالَى لَنَا الْمَغْفِرَةَ وَالْعِتْقَ مِنَ النَّارِ، وَلَهِجُوا يَطْلُبُونَهُ الْجَنَّةَ لَنَا.
دَعَوْا لَنَا فِي أَشْرَفِ السَّاعَاتِ، وَفِي أَجَلِّ الْمَوَاقِفِ، وَهُوَ مَوْقِفُ عَرَفَةَ.
مَلَايِينُ الدَّعْوَاتِ وَصَلَتْ إِلَيْنَا وَنَحْنُ فِي بُيُوتِنَا، مِمَّنْ نَعْرِفُ وَمَنْ لَا نَعْرِفُ، أَلَيْسُوا يَدْعُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فَنَدْخُلُ وَأَهْلُنَا وَآلُنَا فِي دَعْوَاتِهِمُ الْمُبَارَكَاتِ؛ فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَمَعَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي سَخَّرَ بَعْضَهُمْ يَدْعُو لِبَعْضٍ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَهَذَا مِنْ بَرَكَاتِ دِينِ الْإِسْلَامِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدْ.
أُمَّةَ الْإِسْلَامِ: أُمَّتُكُمْ هَذِهِ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَنَبِيُّهَا وَاحِدٌ هُوَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وَكِتَابُهَا وَاحِدٌ هُوَ أَحْسَنُ الْكُتُبِ، وَدِينُهَا وَاحِدٌ هُوَ أَكْمَلُ الدِّينِ وَأَحْسَنُهُ، وَهِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَزْكَاهَا؛ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آلِ عِمْرَانَ: 110]، وَقَدْ حَسَدَهَا أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى مَا آتَاهَا اللهُ تَعَالَى مِنَ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِيَّةِ؛ {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [الْبَقَرَةِ: 109]، وَلَمْ يَتْرُكُوا حَسَدَهُمْ لِأُمَّتِنَا حَتَّى بَعْدَ أَنْ تَرَكُوا دِينَهُمْ، وَقَضَوْا عَلَيْهِ بِالْأَفْكَارِ الْمَادِّيَّةِ الْإِلْحَادِيَّةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي هُجُومِهِمُ الْمَكْرُورِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِهَانَتِهِمْ لِلْقُرْآنِ، وَإِزْرَائِهِمْ بِالْإِسْلَامِ، وَسُخْرِيَّتِهِمْ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وَالسَّعْيِ الدَّؤُوبِ لِإِبْطَالِهَا، وَإِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا.
إِنَّ الْعَلْمَانِيِّينَ وَالْمُتَدَيِّنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَسْعَوْنَ بِشَكْلٍ جَادٍّ لِتَقْوِيضِ الْإِسْلَامِ، وَمَحْوِهِ مِنَ الْوُجُودِ، وَيَتَّفِقُونَ عَلَى لُزُومِ إِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِينِهِمْ، وَإِبَّانَ حِقْبَةِ الِاسْتِعْمَارِ، وَبَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى خِلَافَةِ بَنِي عُثْمَانَ، وَحِينَ تَفَرَّقَتْ دُوَلُ الْإِسْلَامِ أَسَّسَ الْغَرْبُ مَا سُمِّيَ بِحُقُوقِ الْإِنْسَانِ، وَجَعَلَهَا إِعْلَانًا عَالَمِيًّا، وَمِيثَاقًا دَوْلِيًّا يُلْزِمُ النَّاسَ بِهِ، وَتَتَابَعَتْ بَعْدَ إِقْرَارِهِ وَتَرْسِيخِهِ شُرُوحُ مَوَادِّهِ، وَالتَّأْكِيدُ عَلَيْهَا لِإِلْزَامِ الدُّوَلِ بِهَا.. وَهِيَ حُقُوقٌ صِيغَتْ عَلَى وَفْقِ الْفِكْرَةِ الْغَرْبِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ الْإِلْحَادِيَّةِ؛ فَلَيْسَ للهِ تَعَالَى فِيهَا حَقٌّ وَاحِدٌ يَجِبُ حِفْظُهُ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِيهَا حَقٌّ مُسْتَمَدٌّ مِنْ حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى، فَهِيَ حُقُوقٌ لِلْإِنْسَانِ فَقَطْ، وَتُسْتَمَدُّ مِنْ هَوَى الْإِنْسَانِ لَا مِنْ شَرِيعَةِ اللهِ تَعَالَى، رَغْمَ أَنَّهُ مَا مِنْ حَقٍّ لِلْعَبْدِ إِلَّا وَفِيهِ حَقٌّ للهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَمْرُهُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ؛ فَيُوجَدُ حَقُ اللهِ تَعَالَى دُونَ حَقِّ الْعَبْدِ، وَلَا يُوجَدُ حَقُّ الْعَبْدِ إِلَّا وَفِيهِ حَقُّ اللهِ تَعَالَى.
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمِنْ غَيْرِ الْمُسْتَغْرَبِ أَنْ يَنْطَلِقَ الْفِكْرُ الْغَرْبِيُّ وَمُقَلِّدُهُ الْعَلْمَانِيُّ الْعَرَبِيُّ مِنْ فِكْرَةِ حِفْظِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِنْسَانِ الَّتِي مَصْدَرُهَا الْإِنْسَانُ، وَلَيْسَ حِفْظَ حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى، وَلَا حِفْظَ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الَّتِي مَصْدَرُهَا شَرْعُ اللهِ تَعَالَى إِلَّا مَا وَافَقَ مِنْهَا مَا مَصْدَرُهُ الْإِنْسَانُ.
وَلِذَا لَا تَمْنَعُ مَوَادُّ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ أَيَّ تَعَدٍّ وَشَتِيمَةٍ وَإِزْرَاءٍ بِاللهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَتَكْذِيبٍ بِهِ سُبْحَانَهُ وَبِوَعْدِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا مَا يُفَسِّرُ الِاعْتِدَاءَاتِ الْمُتَكَرِّرَةَ، وَالْإِهَانَاتِ الْمُتَعَمَّدَةَ لْمُقَدَّسَاتِ الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الدَّوْلِيَّةِ الَّتِي أُسِّسَتْ عَلَى الْفِكْرَةِ الْعَلْمَانِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ أُبِيحَ الزِّنَا وَالسِّحَاقُ وَعَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ، وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الشُّذُوذِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا حُقُوقٌ شَخْصِيَّةٌ لَيْسَ فِيهَا اعْتِدَاءٌ عَلَى أَحَدٍ إِذَا كَانَ طَرَفَا الْعَلَاقَةِ مُتَرَاضِيَيْنِ.
وَفِي حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الدَّوْلِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ مَنْعٌ لِلْجِهَادِ بِحُجَّةِ أَنَّهُ اعْتِدَاءٌ، وَتَعْطِيلٌ لِلْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَارَضُ مَعَ الْحُقُوقِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي وَضَعُوهَا بِأَهْوَائِهِمْ.
إِنَّ مَصْدَرَ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الَّتِي أُعْلِنَتْ فِي الْمَوَاثِيقِ الدَّوْلِيَّةِ، وَالْمُعَاهَدَاتِ الْأُورُبِّيَّةِ هُوَ أَهْوَاءُ مَنْ صَاغُوا تِلْكَ الْإِعْلَانَاتِ مِنَ الْغَرْبِيِّينَ، ثُمَّ فَرَضُوهَا بِقُوَّتِهِمْ عَلَى الْبَشَرِ أَجْمَعِينَ، وَصَارَتْ أَدْيَانُ النَّاسِ وَشَرَائِعُهُمْ وَأَخْلَاقُهُمْ تُحَاكَمُ إِلَيْهَا، وَيُقْضَى عَلَيْهَا بِهَا. وَالتَّدَخُّلَاتُ السَّافِرَةُ فِي شُئُونِ الدُّوَلِ، وَفَرْضُ التَّغْرِيبِ عَلَى الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمَةِ يَنْطَلِقُ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ الْوَضْعِيَّةِ الطَّاغُوتِيَّةِ الَّتِي وَضَعُوهَا بِأَهْوَائِهِمْ، وَقَسَرُوا النَّاسَ عَلَيْهَا..
وَمَعَ كُلِّ هَذَا الْعُدْوَانِ الصَّارِخِ، وَالِاعْتِدَاءِ السَّافِرِ عَلَى أَدْيَانِ الْخَلْقِ وَشَرَائِعِهِمْ وَأَعْرَافِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ فَإِنَّهُمْ فِي حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الَّتِي اخْتَرَعُوهَا مَارَسُوا فِي تَطْبِيقِهَا ازْدِوَاجِيَّةً بَغِيضَةً، وَانْتِقَائِيَّةً قَبِيحَةً؛ فَإِذَا شُتِمَتْ مُقَدَّسَاتُ الْمُسْلِمِينَ، دَافَعُوا عَنِ الشَّاتِمِينَ، وَقَالُوا: هَذَا حَقُّ التَّعْبِيرِ، وَحُرِّيَّةُ الرَّأْيِ، وَإِذَا شَكَّكَ بَاحِثُونَ وَمُؤَرِّخُونَ مُخْتَصُّونَ فِي مَحْرَقَةِ النَّازِيِّينَ لِلْيَهُودِ، عَاقَبُوهُمْ وَقَالُوا: هَذِهِ مُعَادَاةٌ لِلسَّامِيِّينَ.
لَقَدْ مَنَعُوا زَوَاجَ الْفَتَيَاتِ وَلَوْ بَلَغْنَ سِنَّ الْمَحِيضِ؛ بِحُجَّةِ أَنَّهُنَّ قَاصِرَاتٌ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَبَاحُوا لَهُنَّ مَعَ أَقْرَانِهِنَّ مُمَارَسَةَ الزِّنَا وَالشُّذُوذِ، وَيَفْرِضُونَ هَذَا الِانْحِرَافَ عَلَى الْعَالَمِ بِقُوَّةِ الْقَرَارَاتِ الدَّوْلِيَّةِ، وَالْمَعُونَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ، وَالضَّغْطِ السِّيَاسِيِّ، تَحْتَ لَافِتَاتِ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ.
لَقَدْ وَضَعُوا حُقُوقًا لِلْمَرْأَةِ بِحُجَّةِ تَخْلِيصِهَا مِنْ وِصَايَةِ الرَّجُلِ عَلَيْهَا، لَكِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ رَفْضٌ لِوِصَايَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَرَدٌّ لِشَرِيعَتِهِ، ثُمَّ أَمْعَنُوا فِي ضَلَالِهِمْ فَخَرَجُوا بِاتِّفَاقِيَّةِ مُكَافَحَةِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، الَّتِي تَقْضِي بِالْمُسَاوَاةِ الْكَامِلَةِ بَيْنَهُمَا بَعِيدًا عَنِ النَّظَرِ لِلدِّينِ أَوِ اخْتِلَافِ الْخِلْقَةِ وَالتَّكْوِينِ؛ وَذَلِكَ تَمْهِيدًا لِفَرْضِ الشُّذُوذِ الْجِنْسِيِّ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ جَمْعَاءَ بَعْدَ أَنْ أَكَلَ الشُّذُوذُ نِظَامَهُمُ الِاجْتِمَاعِيُّ.
وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يَدْفَعُونَ الْبَشَرِيَّةَ إِلَى هَذِهِ الْفِكْرَةِ الْخَاطِئَةِ الْمُدَمِّرَةِ لَا نَرَاهُمْ يَعْتَنُونَ بِحُقُوقِ الْيَتِيمَاتِ وَالْأَرَامِلِ وَالْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُعَلَّقَاتِ وَالْمَعْضُولَاتِ وَالْمَحْرُومَاتِ مِنْ إِرْثِهِنَّ وَمِنْ أَوْلَادِهِنَّ، وَهِيَ حُقُوقٌ تَنَزَّلَتْ بِهَا الشَّرَائِعُ، وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الْفِطَرُ، وَتَوَاضَعَ عَلَيْهَا الْبَشَرُ، وَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ إِنْكَارُهَا.
لَقَدْ وَضَعُوا حُقُوقًا لِلطُّفُولَةِ مَنَعُوا فِيهَا مَا شَرَعَ اللهُ تَعَالَى، وَشَرَعُوا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ تَعَالَى، ثُمَّ رَأَيْنَاهُمْ لَا يَأْبَهُونَ بِالْأَطْفَالِ الْمُعَذَّبِينَ فِي بُلْدَانِ الْحُرُوبِ وَالنِّزَاعَاتِ، وَفِي الْمُخَيَّمَاتِ وَالْمَلَاجِئِ، وَلَا الْأَطْفَالِ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَطْفَالِهِمْ، وَقَبْلَ سَنَوَاتٍ حَقَنَ مُمَرِّضَاتٌ غَرْبِيَّاتٌ جَمْعًا مِنْ أَطْفَالِ لِيبْيَا بِالْإِيدْزِ، حَتَّى هَلَكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَاغْتِيلَتْ طُفُولَتُهُمْ، وَوَقَفَ الْغَرْبُ بِدُوَلِهِ مَعَ الُمْجْرِمَاتِ الْمُعْتَدِيَاتِ حَتَّى أُطْلِقَ سَرَاحُهُنَّ، وَعُدْنَ إِلَى بُلْدَانِهِنَّ، بِلَا حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ.
لَقَدْ وَضَعُوا حُقُوقًا لِلْأَسْرَى، لَكِنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ هِيَ لِأَسْرَاهُمْ فَقَطْ وَلَوْ كَانُوا مُجْرِمِي حَرْبٍ، وَقَتَلَةَ بَشَرٍ، وَمُغْتَصِبِي نِسَاءٍ. وَأَمَّا أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فَمَهْمَا عُذِّبُوا، وَقُطِّعُوا، وَأُحْرِقُوا، وَقُتِلُوا، وَاعْتُدِيَ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ فَلَا حُقُوقَ لَهُمْ، وَلَا تَتَحَرَّكُ مُنَظَّمَاتُهُمُ الدَّوْلِيَّةُ لِإِطْلَاقِهِمْ أَوْ رَفْعِ الظُّلْمِ وَالْعَذَابِ عَنْهُمْ، أَوْ مُحَاكَمَتِهِمْ بِعَدْلٍ.
وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ نُشَاهِدُ مَا يَقَعُ فِي بِلَادِ الشَّامِ وَفِي بُورْمَا مِنْ قَتْلٍ لِلرِّجَالِ وَسَحْقِهِمْ، وَسَحْلِهِمْ فِي الشَّوَارِعِ، وَدَفْنِهِمْ وَحَرْقِهِمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَالتَّفَنُّنِ فِي تَعْذِيبِهِمْ قَبْلَ قَتْلِهِمْ، وَاغْتِصَابِ النِّسَاءِ وَتَعْذِيبِهِنَّ وَأَسْرِهِنَّ، وَنَحْرِ الْأَطْفَالِ بِالسَّكَاكِينِ، وَهَشْمِ رُؤُوسِهِمْ بِالسَّوَاطِيرِ، وَتَقْطِيعِ أَوْصَالِهِمْ. وَهَذِهِ الْمُمَارَسَاتُ تُنْقَلُ مِئَاتُ الصُّوَرِ مِنْهَا لِلْعَالَمِ أَجْمَعَ، وَرَأَتْهَا الدُّوَلُ الْغَرْبِيَّةُ الَّتِي قَسَرَتِ النَّاسَ عَلَى مَفْهُومِهَا لِحُقُوقِ الْإِنْسَانِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تُحَرِّكْ سَاكِنًا، وَلَمْ تُوقِفْ هَذِهِ الِانْتِهَاكَاتِ الصَّارِخَةَ لِمَا قَرَّرُوهُ مِنْ حُقُوقٍ لِلْإِنْسَانِ مَعَ قُدْرَتِهَا عَلَى ذَلِكَ، بَلْ إِنَّ الْغَرْبَ يُعْطِي الْجَلَّادِينَ الْفُرْصَةَ تِلْوَ الْفُرْصَةِ لِذَبْحِ النَّاسِ وَتَعْذِيبِهِمْ وَانْتِهَاكِ حُقُوقِهِمْ، مِمَّا يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ الَّتِي وَضَعُوهَا لِلْإِنْسَانِ هِيَ لِلْإِنْسَانِ الْغَرْبِيِّ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْبَشَرِ.
تِلْكُمْ هِيَ حُقُوقُ الْإِنْسَانِ الَّتِي أَنْشَأَهَا الْغَرْبُ عَلَى فِكْرَتِهِ الْمَادِّيَّةِ الْإِلْحَادِيَّةِ، وَهَذِهِ هِيَ ازْدِوَاجِيَّتُهُ فِي تَطْبِيقِ مَا قَرَّرَ؛ لِنَزْدَادَ يَقِينًا بِإِخْبَارِ اللهِ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ حِينَ بَيَّنَ تَأَصُّلَ عَدَاوَتِهِمْ لَنَا، وَتَجَذُّرَهَا فِي قُلُوبِهِمْ: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [الْبَقَرَةِ: 120]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آلِ عِمْرَانَ: 100]، {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النِّسَاءِ: 101]، {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الْمُمْتَحِنَةِ: 2]. فَهُمْ هُمْ لَمْ تُغَيِّرْهُمْ حَضَارَتُهُمْ، وَلَنْ يَتْرُكُوا عَدَاوَتَهُمْ، فَلَا يُصَدِّقُهُمْ إِلَّا مَغْرُورٌ، وَلَا يَرْكَنُ إِلَيْهِمْ إِلَّا مَخْذُولٌ {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هُودٍ: 113].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَجَعَلَ هَذَا الْعِيدَ عِيدَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ لِلْأُمَّةِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، جَعَلَ الْأَعْيَادَ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ، وَشَرَعَ الْفَرَحَ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ..
الْحَمْدُ للهِ حَقَّ حَمْدِهِ؛ رَزَقَنَا مَا نَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْهِ مِنَ الْأَنْسَاكِ، وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَأَفَاضَ عَلَيْنَا مِنَ الْخَيْرِ وَالْإِحْسَانِ، نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَعَظِّمُوا حُرُمَاتِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الْحَجِّ: 30].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللهُ تَعَالَى ضَحَايَاكُمْ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ إِنْهَارِ الدِّمَاءِ؛ تَعْظِيمًا للهِ تَعَالَى، وَعُبُودِيَّةً وَحُبًّا وَذُلًّا، وَاعْلَمُوا أَنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ يَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، فَإِذَا غَرَبَتِ انْتَهَى وَقْتُ ذَبْحِ الْهَدْيِ وَالْأَضَاحِي.
وَالسُّنَّةُ أَلَّا يَطْعَمَ شَيْئًا بَعْدَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَتِهِ، وَيَدَّخِرَ مِنْهَا، وَيُهْدِيَ لِجِيرَانِهِ وَمَعَارِفِهِ، وَيَتَصَدَّقَ مِنْهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ لِيَذُوقُوا اللَّحْمَ فِي يَوْمِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ. وَلْيَخْتَرْ مِنَ الْأَضَاحِي أَفْضَلَهَا وَأَسْمَنَهَا؛ شُكْرًا للهِ تَعَالَى عَلَى مَا رَزَقَهُ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَتَعْظِيمًا لِشَعَائِرِهِ سُبْحَانَهُ. وَلْيَجْتَنِبِ الْمَعِيبَةَ وَالْهَزِيلَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرْضَاهَا لِنَفْسِهِ، وَلَا يُكْرِمُ بِهَا ضَيْفَهُ، فَكَيْفَ يَرْضَاهَا للهِ تَعَالَى، وَيَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْهِ؟!
وَمَنْ لَمْ يَنْوِ أَنْ يُضَحِّيَ حَتَّى هَذَا الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْوِيَ الْيَوْمَ وَيَشْتَرِيَهَا وَيُضَحِّيَ، وَلَا يُفَوِّتَ عَلَى نَفْسِهِ أَجْرَهَا، وَفَرَحَ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ بِهَا.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيَّتُهَا النِّسَاءُ الْمُؤْمِنَاتُ: اتَّقِينَ اللهَ تَعَالَى فِي أَنْفُسِكُنَّ، وَاحْذَرْنَ مَكَائِدَ الْأَعْدَاءِ لَكُنَّ، وَكَيْدَهُمْ بِكُنَّ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُفْسِدُونَ مُجْتَمَعًا إِلَّا بِنِسَائِهِ.. بِتَبَرُّجِهِنَّ وَسُفُورِهِنَّ وَاخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ، وَفِتْنَتِهِمْ بِهِنَّ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمَنْ رَأَى اجْتِهَادَ الْغَرْبِيِّينَ وَأَذْنَابِهِمُ اللِّيبْرَالِيِّينَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ مِنْ قَرَارِهِنَّ، وَخَلْطِهِنَّ بِالرِّجَالِ، وَاسْتِمَاتَتَهُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى صَارَ قَضِيَّتَهُمُ الرَّئِيسَةَ.. مَنْ رَأَى ذَلِكَ عَلِمَ خُطُورَةَ إِفْسَادِ النِّسَاءِ، وَأَيْقَنَ بِأَنَّ صَلَاحَ الْمُجْتَمَعَاتِ بِصَلَاحِ نِسَائِهَا، وَفَسَادَهَا بِفَسَادِ نِسَائِهَا، فَاتَّقِي اللهَ يَا أَيَّتُهَا الْمُؤْمِنَةُ.. لَا يَتَّخِذْكِ الْأَعْدَاءُ مِعْوَلًا لِهَدْمِ الْإِسْلَامِ، وَإِخْرَاجِ النَّاسِ مِنْ دِينِهِمْ بِاسْمِ تَحْرِيرِ الْمَرْأَةِ وَإِعْطَائِهَا حُقُوقِهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ إِلَّا تَحْرِيرَهَا مِنْ دِينِهَا، وَإِخْرَاجَهَا مِنْ عُبُودِيَّةِ رَبِّهَا إِلَى أَهْوَائِهِمُ الضَّالَّةِ، وَشَهَوَاتِهِمُ الْمُنْحَرِفَةِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدُ الجُمُعَةِ مَعَ العِيدِ الكَبِيرِ، فَمَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ فَلَهُ رُخْصَةٌ أَنْ لاَ يَحْضُرَ الجُمُعَةَ، وَإِنْ حَضَرَ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَاهَا ظُهْرًا، ولاَ يَسْقُطُ فَرْضُ الظُهْرِ عَنْهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ»رَوَاهُ أَبُو دَاودَ.
أَعَادَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمْ صَالِحَ الْأَعْمَالِ.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الْأَحْزَابِ: 56].
المرفقات

خطبة عيد الأضحى 1433.doc

خطبة عيد الأضحى 1433.doc

خُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى 1433.doc

خُطْبَةُ عِيدِ الْأَضْحَى 1433.doc

المشاهدات 3981 | التعليقات 3

جاك الله خيرا ونفع بك


لافض فوك ولاافتقدك محبوك


الأخوان شبيب والتميمي أشكركما على مروركما وتعليقكما على الخطبة وأسأل الله تعالى لي ولكما التوفيق والسداد.. اللهم آمين.