خطبة عيد الأضحى المبارك - عشرون وقفة
ماجد بن سليمان الرسي
خطبة عيد الأضحى – عشرون وقفة
الله أكبر (تسع مرات)، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
الحمد لله جلَّ جلالُه، وعظُم ثناؤه، وتقدَّست أسماؤه، سبحانه وبحمده لا تُحصى نعماؤه، وأشهد أن لا إلـٰه
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثه الله بالهدى ودينِ الحقِّ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله عز وجل، فتقواه سبحانه خيرُ زاد، وهي النجاة في يوم المعاد.
1. أيها المسلمون، إنكم في يوم من أيام الله العظيمة، إنه يوم النحر، يوم عيد الأضحى المبارك، يأتي بعد أداء فريضة عظيمة من فرائض الإسلام وهي فريضة الحج، قال صلى الله عليه وسلم: إن أَعظمُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ تبارك وتعالى يَوْمُ النَّحْر ثم يوم القَـــر.[1] أي يوم يَقِـــر الحجاج بمنى.
والسر في تفضيل يوم النحر على غيره من الأيام؛ اجتماع معظم أعمال الحج فيه، مِن رمي الحجاج لجمرة العقبة، ونحر الهدي، والتحلل من الحج بالحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، والسعي بين الصفا والمروة، وذبح الأضاحي لغير الحاج، وهذه الأعمال لا تجتمع في غير هذا اليوم.
الله أكبر، الله أكبر، لا إلـٰه إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
2. عباد الله، إن أعظم ما يميز أعياد الإسلام عن سائر الأعياد والمناسبات أنها شُرعت لحِكَمٍ بالغة ومقاصد سامية، فمن ذلك تعظيم شعائر الله وإدخال الفرح والسرور على المؤمنين، وإبراز سماحة هذا الدين ويسره على من اتبعه وسلك سبيله، قال صلى الله عليه وسلم: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلا.، وهي أيام أكل وشرب.[2]
الله أكبر، الله أكبر، لا إلـٰه إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
3. أيها المؤمنون، إن من أعظمِ ما يتقربُ به المؤمنُ إلى ربه في هذا اليوم العظيم ذبحُ الأضاحي، فهي سنةُ الخليلين إبراهيمَ ومحمدٍ عليهما الصلاة والسلام.
4. وللذبح آداب وسنن منها توجيهها للقبلة، وأن يُذكر اسم الله عليها، ويقول: (اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عني وعن أهل بيتي، اللهم تقبل مني).
5. ويستحب للمضحي أن يذبح أضحيته بيده إن قدِر على ذلك ثم يذبحهها بقطع الودَجين، وهما العرقان الكبيران على جانبي النحر.
6. وإن وكَّل غيرَه على ذبح أضحيته فلا بأس، فيقول الوكيل: اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عن فلان (ويسميه)، اللهم تقبل منه.
7. وعليه أن يستر السكين ويَـحُدها بعيداً عن الذبيحة، وألا يذبحها أمام أخواتها، امتثالًا لقول النبي ﷺ: (إن الله كتب الإحسانَ على كلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، ولْيُحِدَّ أحدُكم شفْرَتَه، فلْيُرِحْ ذبيحتَه).[3]
8. ووقت الذبح أربعة أيام، يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق، والأفضل ذبحها يوم العيد، لتقع في العشر الفاضلة من ذي الحجة.
9. وضحّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين، أي أبيضين، وبيَّـن ماذا يُـــتقى من الضحايا فقال: أربع لا تجوز في الأضاحي؛ العَوراءُ البَيِّنُ عَوَرُها، والمَريضةُ البَيِّنُ مَرضُها، والعَرجاءُ البَيِّنُ عرجها، والكسير التي لا تُنقي.[4] أي التي لا مخ فيها.
10. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل شيئا يوم العيد حتى يأكل من أضحيته.
11. عباد الله، وقد كان المسلمون في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعتنون بالهدي والأضاحي، ويختارون منها أحسنها وأسمنها، فكلما كانت الأضحية أغلى وأكمل في الصفات فهي أحب إلى الله، وأعظم في الأجر لصاحبها، قال ابن تيمية رحمه الله: والأجر في الأضحية على قدر القيمة مطلقا.[5]
12. عباد الله، ليس هناك تحديد معين لمصارف الأضحية لكن قد ورد الخبر بالأكل منها، والتزود منها للسفر، والإطعام للفقير، كما في قوله تعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَر).
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (كلوا وتزودوا)[6]، وفي رواية: كلوا وأطعموا واحبِسوا أو ادخروا[7].
13. وإذا ذُبحت الأضحية فلا يجوز بيع شيءٍ منها، لا لحماً ولا غيره حتى الجلد.
14. ويجوز أن يعطي الكافر شيئاً من لحم الأضحية تألفاً لقلبه، وإظهاراً لشعائر الدين.
15. وأما الجزار فلا يعطى من الأضحية شيئاً مقابل الأجرة، وللمضحي أن يعطيه نظير عمله شيئا من المال.
16. عباد الله، وبعد هذا اليومِ العظيمِ تأتي أيامٌ فاضلة، وهي أيامُ التشريق ، وقد أمر الله عز وجل بالإكثار من ذكره فيها فقال: (واذكروا الله في أيامٍ معدودات). فمن أهم أعمال أيام العيد: التكبير في أيام التشريق الثلاثة التكبير المطلق سائر الأوقات إلى مغرب اليوم الثالث من أيام التشريق، والتكبير المقيد في أدبار الصلوات إلى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق، إن شاء ثنّى وإن شاء ثلّث: الله أكبر الله أكبر لا إلـٰه إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إلـٰه إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
17. عباد الله، يوم العيد وأيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى، فلا يجوز صيام يوم العيد وأيام التشريق لأنها عيد، قال صلى الله عليه وسلم: أيام التشريق أيام أكل وشرب، وفي رواية: وذكر لله.[8]
18. وإن من حكم العيد ومنافعه العظمى التواصل بين المسلمين، والتزاور، وتقارب القلوب، وارتفاع الوحشة، وانطفاء نار الأحقاد والضغائن والحسد، فاقتدار الإسلام على جمع المسلمين في مكان واحد لأداء صلاة العيد آية على اقتداره على أن يجمعهم على الحق، ويؤلف بين قلوبهم على التقوى، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.[9]
ومن الأعمال المستحبة في العيد صلة الأرحام، فإن الله أوجب على العبد أن يصل رحمه ولا سيما في الأفراح والأتراح، فإن من وصل رحمه وصله الله ومن قطع رحمه قطعه الله، فعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: أنا الرَّحمنُ، خلقت الرَّحِمُ، وشَقَقتُ لها مِن اسمي، فمَن يصَلَها أصله، ومَن يقطَعَها أقطعه فأبُــــتُّــــهُ، أو قال: من يَـــبُـــتُّــها أبُـــتُّـــهُ.[10]
عباد الله، من كان متخاصمًا مع قريبه أو صديقه أو جاره فليتسامح معه، قال تعالى (فمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، وقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ(.
19. عباد الله، والتهنئة في العيد طيبة وجائزة، قال ابن تيمية رحمه الله: أما التهنئة يوم العيد بقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: (تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك)، ونحو ذلك، فهذا قد روي عن طائفةٍ من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره.[11]
20. واحذروا عباد الله أن تقابلوا نعم الله عليكم باللهو الحرام والمعاصي والآثام، فيحل عليكم سخط الله وعقابه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إلـٰه إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم، إنه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر (سبع مرات)، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بُكرةً وأصيلاً.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
21. أيها المؤمنات، لقد وجه الله أمهاتِ المؤمنين في كتابه فقال: (وقَرْنَ في بيوتكن ولا تبرَّجنَ تبرجَ الجاهليةِ الأولى وأقمنَ الصلاةَ وآتينَ الزكاةَ وأطعنَ الله ورسولَه)، وهذا التوجيه الإلهيُّ الكريمُ هو لأمهات المؤمنين، ولمن سار على دربِهن من نساء المؤمنين إلى يوم القيامة. فيا من رضيتُن بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد ﷺ نبيًّا أَطِعْنَ الله ورسولَه، واحذرنَ من خطواتِ شياطينِ الإنس والجن، والوقوع في فتنة التبرج والاختلاط، قال تعالى (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى).
ومن أرادتِ السلامةَ فلتَشغِلْ نفسَها بما ينفع، ولتتركْ متابعةَ أهلِ المعاصي والفجور، فإن لمتابعتهم أثرًا عظيمًا في فساد القلب، قال الله سبحانه: (والله يريدُ أن يتوبَ عليكم ويريدُ الذين يتبعونَ الشهواتِ أن تميلوا ميلًا عظيمًا).
هنيئًا لكم بالعيد، وأدامَ عليكم السعدَ والسُّرور، وأفاضَ عليكم البهجةَ والحُبُور، وتقبَّل منكم الطاعات، وأدامَ عليكم المسرَّات، وغفرَ لكم ذنوبَكم، وأسعدَ بالخيرات قلوبَكم، وحقَّقَ لكم الآمال، ووفَّقَكم لصالح الأعمال.
ثم صلُّوا وسلِّموا على رسول الله، فمن صلَّى عليه صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، في مدينة الجبيل، في المملكة العربية السعودية، واتس: 00966505906761 ، وهي منشورة في www.saaid.net/kutob ، https://t.me/jumah_sermons
[1] رواه أبو داود (1765) عن عبد الله بن قرط رضي الله عنه، وصححه الألباني.
[2] رواه أبو داود (2419) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، وصححه الألباني.
[3] رواه مسلم (1955) عن شداد بن أوس رضي الله عنه.
[4] رواه أحمد (4/300) وغيره، وصححه محققو (المسند).
[5] (الفتاوى الكبرى) (4/468).
[6] رواه البخاري (1719) ومسلم (1972) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
[7] رواه مسلم (1973) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[8] رواه مسلم (1141) عن نبيشة الخير الهذلي رضي الله عنه.
[9] رواه مسلم (2586) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.
[10] رواه أحمد (1/191) واللفظ له، وأبو داود (1694) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وصححه محققو (المسند) والألباني.
[11] (مجموع الفتاوى) (24/253).