خطبة عيد الأضحى(معدلة)1441هـ
عبدالرزاق المضياني
الخطبة الأولى:(10/12/1441هـ)عيد وحزن لا يجتمعان أيها المسلمون:هذه الأمة منذ مبعثها لم تغادرها لحظةً سهام الأحزان ولا أخطأتها في كل عام الآلآم فنبيها صلى الله عليه وآله وسلم -منذ بزغ للحياة وأحزان الدنيا ترميه بسهامها،لقد لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الدعوة إلى الله مالم يلقه أيُّ نبي وأي بشر!
أحزان كثيرة عاشها صلى الله عليه وسلم وهكذا أمته صلى الله عليه وسلم تجرعت من بعده أحزان وأي أحزان! والعجيب في الأمر أن هذه الأحزان وتلك الآلام،لم تطفأ بهجة العيد ولم تكن حائلاً دون الفرحة به،عن أنس رضي الله عنه قال:قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذان اليَومان؟))، قالوا: كنا نلعَب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر))رواه أبو داود. فأولى ثم أولى أن لا تُطْفئ فرحتنا الأحزان الشخصية فما من أحد إلا وقد مسه الحزن ومرت عليه أظفار الأسى في نفسه لِدَيْنٍ أو فَقْدٍ أو غربة أو خصام أو أي كان..
ومع كل هذه الأحزان فقد شرع الله تعالى لهذه الأمة أن تخرج إلى هذا العيد الكبير في مجموعه..
الكبير في معناه.. الكبير في دلالاته.. تخرج لتفرح لتتحدى الأحزان والآلآم..تفرح بدين الله تعالى لا بدنياها..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عباد الله:هذا العيد العظيم جاء ليحطم أغلال الأحزان -أحزان الضمير وأحزان الواقع - أحزان الفرد وأحزان الأمة- جاء ليطلق للبهجة والسرور العنان، في ظلال شريعة الرحمن..
جاء هذا العيد ليقول للعالمين كما تفرحون بدنياكم فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم تفرح بدينها وهداية ربها لها، وفرحها به غير ما تفرحون بدنياكم،ويرجون منه غير ما ترجون..
قال تعالى:﴿ قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعونَ ﴾ فما دامت هذه الأمة تنعم بهداية الله تعالى في التصورات والسلوك في الاعتقاد وفي العمل تنعم بهداية الله تعالى في الحياة كلها بكل جوانبها،تعرف أين تضع قدمها!
تعرف الحلال من الحرام والحق من الباطل..
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
العيد يا معاشر الأحبة:يدعونا للانتصارعلى كل دواعي الشر،ورد كيد الشيطان والانتصار عليه،وإظهار جمال وعظمة ورقي ديننا،بإعلاء كل قِيَمه السامية،فها نحن في يوم النحر أعظم الأيام،يوم الطاعة،قال صلَّى الله عليه وسلَّم:"إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى هو يوم النحر،ثم يوم القر ".
إنه اليوم الذي لا بد فيه من هزيمة الشيطان، واتباع هدي الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، بالتخلص من كل السلبيات، ونشر كل الإيجابيات قولًا وعملًا، فنحن نحتاج إلى صون الأنفس والأعراض،لقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حرمة الأعراض والدماء والأموال كحرمة يوم النحر،فيما رواه البخاري: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا،فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا،لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ،فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْه ".
فلا لسفك الدماء؛ ونعم لرسم الابتسامة على الوجوه، وزرع الفرحة في القلوب..
ولا لنهب الأموال وسرقتها وكسبها بغير حق؛ ونعم لمالٍ حلال يغني عن ذل السؤال...
ولا للخوض في الأعراض؛ ونعم لطيب الكلام كما أرشدنا خيرُ الأنام وعلَّمنا القرآن.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ما أعظم ديننا وما أروع نبينا خير الخلق صلى الله عليه وسلَّم، وما أجمل العيد عندما نزرع فيه الفرحة بصلة رحم وإحسان ليتيم وإصلاح ذات البين، ومأ اروع أن نمتثل لما فيه فلاحنا وعزتنا، ورفعة ديننا وإعلاء راية إسلامنا، دين القِيَم والمبادئ والأخلاق السامية.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أقول قولي ،،،
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون:عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: خَطَبَنَا النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَومَ النَّحرِ قَالَ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبدَأُ بِهِ في يَومِنَا هَذَا أَن نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرجِعَ فَنَنحَرَ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَن ذَبَحَ قَبلَ أَن يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحمٌ عَجَّلَهُ لأَهلِهِ لَيسَ مِنَ النُّسُكِ في شَيءٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون: كم نحن بحاجة لأن نأخذ من نحر الأضحية دروساً عظيمة في التضحية،فكما أننا ننحر ضحايانا لله .. فهلا نحَرْنا لله - وفي سبيل حبِّه ورضاه - هوانا ومعاصيَنا وعُجْبَنا وكِبْرَنا وكلَّ ما يبعدنا عنه!
هلا نحرنا الأنا وبعض حظوظ النفس لإعلاء كلمة الله ودينه! هلا ضحينا بالغالي والنفيس؛ليجزينا الله أعلى وأكرم جزاء: جزاء المحسنين!
هلا نحرت أمَّةُ محمد فُرْقَتَها وخلافها وتشتُّتَها؛ليفديَها الله بكبشِ الغلَبةِ والتمكين والصبر والنصر والعزة! قال الله تقدَّس في علاه: ﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾.
فأين المتناحرين والمتقاطعين،أين المتشاحنين والمتدابرين؟!
أين هم من التضحية لله وفي سبيل الله قبل نحر أضاحيهم!
عباد الله: استديموا على الطاعة وواصلوا سلوك طريق أهل التقوى،حافظوا على صلاتكم فهي من أظهر شعائر الاسلام، وأميز الدلائل علي الايمان،لا يحافظ عليها إلا مؤمن،ولا يتركها او يفرط فيها إلا منافق بيّن النفاق،جاءت بذلك نصوص الوحيين يقول سبحانه:﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾.
من أكملها على أتم وجه كان عهداً على الله ان يجعله من أهل جنته ومن أصفياء دار كرامته قال سبحانه:﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾.
وما خفّت الصلاة عند أحد إلا لضعف الإيمان في قلبه وجهله بعظمتها ومكانتها.
أيتها المؤمنات الفاضلات: لقد أكرمكن ربكن بهذا الدين أعظم كرامة وأنزلكن فيه أعز منزلة.
حث على إكرامِكُن أماً وبنتاً واختاً وزوجة وأوصى بصلتك عمة وخالة وسائر القرابات.
يا أمة الله:تعلمي من دينك ماهو واجب عليك ولاتعذري بجهله،وحذار حذار من الأبواق الكاذبة التى تدعوك للتمرد على الشرع وتنكّب السبيل.
أيتها المؤمنة، إن الحجاب جاء لصونك وحمايتك وتأملي قول الله ﴿ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾قال المفسرون: أدنى أن يعرفن أنهن حرائر فلا يؤذين.
فتمسكي أيتها المؤمنة بدينك وحافظي على حجابك وعفتك واتبعي نهج ربك تسعدي في الدنيا والآخرة.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، اِفرَحُوا بِعِيدِكُم، وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا، وَتُوبُوا إِلى رَبِّكُم وَأَنِيبُوا إِلَيهِ وَاعتَصِمُوا بِحَبلِهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، كُونُوا إِخوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللهُ، تَعَانَقُوا وَتَصَافَحُوا، وَتَوَاصَلُوا وَتَسَامَحُوا، تَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى،ثم صلوا وسلموا،،،