خطبة عن معاناة أركان الحبيبة
احمد ابوبكر
1433/08/15 - 2012/07/05 08:56AM
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -عز وجل- كما أمركم بذلك في محكم تنزيله؛ حيث قال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
عباد الله: إن مآسيَ أمتنا قد عظُمت واتسعت، وجراحاتِها قد كثرت وتعددت؛ فلا يمر يومٌ إلا ونسمع عن جُرح جديد أصيب به جسدُ الأمة، أو كَلْمٍ قديمٍ لكنه اتسع وبدأ يسري في بقية أجزاء الجسد؛ فلم ننتهِ من قضية فلسطينَ حتى فوجئنا بمأساة سوريا، وبما لحق فيها بإخواننا المسلمين من ضرب وقتل وهتك للأعراض، ودمار للديار، وخراب للممتلكات، ولم نُكمِلْ مداواةَ جرحهم وتخفيفَ ألمهم حتى جاءتنا صرخةٌ مسلمة جديدة مدوية تنبئ عن ألمٍ أشدَّ، وتُفصِح عن جرح أوسعَ، إنها صرخةٌ أطلقها إخوانُنا المسلمون من جنوب شرق آسيا، وبالتحديد إخوانُنا الذين هم من سكان أرَكانَ المحتلةِ من قبل البوذيين البورمين، والواقعةِ بالقرب من الصين وتايلاندَ وبنغلاديشَ، وقد احتلوها واستحلوها وجعلوها في قبضتهم وتحت حكمهم منذ عام ألفٍ وسبعِمِائَةٍ وخمسةٍ وثمانينَ من التاريخ الميلادي.
أيها الإخوةُ: إن هذه الصرخةَ ليست بأول صرَخاتهم، بل سبقتها صرخاتٌ عديدة، لكن المسلمين أصابتهم غفلة شديدة، بل هم منشغلون بالدنيا وزخارفها، وملذاتها وشهواتها، وأوضحُ ما يدل على هذا أن معاناةَ إخواننا الأرَكانيين البورميين ليست وليدةَ اليوم، بل قد بدأت فصولهُا، وافتُتحت حلقاتهُا منذ احتلال البوذيين بلادَهم أركانَ واستمرت إلى يومنا هذا، فذاقوا في هذه القرون العديدة والأزمنة الطويلة ألونا من المعاناة والعذاب، وصنوفا من الويلات والجحيم، ونتج عن ذلك دمارٌ لبيوتهم، وهلاكٌ لحرثهم ونسلهم، واستشهادُ الآلاف من رجالهم ونسائهم وشيوخهم، وتمزقٌ لأجسادهم، وتشتتٌ لأوصالهم، وتفرقٌ لأسرهم وعوائلهم؛ حيث إن الآلافَ المؤلفة منهم هجروا البلاد، وانتشروا في الأمصار؛ خوفا من بطش البوذيين، وإنقاذا لأرواحهم، وحماية لذراريهم، وحصل من ذلك تشتتُ الأسر والأهالي، وتفرقُ الأرحام والأقارب، فصار الأبُ في بنغلاديشَ، والأمُّ في باكستانَ، والأخُ في تايلاندَ، والعم في السعودية، والخال في الإمارات، وهكذا بؤس وشقاء، وتفرق وتشرد وغيرُ ذلك من صنوف المعاناة، وضروبِ المأساة، وكل ذلك حاصل لهم، ولاحق بهم في ظل سكوتٍ عجيب من العالم بأسره بما في ذلك المسلمون، فالله المستعانُ وعليه التكلانُ.
عبادَ الله: إن هذه الصرخةَ الجديدة الحزينة التي يطلقها إخوانُنا في هذه الأيام تنبئ عن شر مستطير، وتطور في المعاناة كبيرٍ؛ فقد بدأ البوذيون الحقيرون هذه الأيامَ بتنفيذ مخطَّطهم الذي سُرِّب عنهم قبل فترة، وهو تطهير ميانمارَ (بورما سابقا) بما فيها أركانُ المحتلة من كل المسلمين؛ باستخدام شتى الأساليبِ ومختَلِف الوسائل من القتل والتهجير والتشريد وغيرها مما يتحقق بذلك هدفُهم ومبتغاهم، وبدأوا بقتل عَشَرَةٍ من الدعاة المسلمين وتمزيق جثثهم، ثم أتبعوه بمهاجمة المسلمين في مقاطعاتهم، وقتلِهم بألوانٍ من الوحشية البغيضة، وحرْقِ حاراتهم وبيوتاتهم، وتخريبِ ممتلكاتهم، وفرضِ الحصار عليهم، ومنعِهم من الخروج للبحث عن الأكل والشرب، وعما يعالجون به مرضاهم، ويُسعِفون به جرحاهم، ولا شك -أيها الإخوةُ- أن هذا العذابَ الأليم والحصارَ الشديد يسبب فيهم كثيرا من الضحايا والدمار والخسائر، وفعلاً هذا ما وقع؛ فقد أشارت بعض الإحصاءات إلى أن قتلى المسلمين فيما حدث بأركانَ خلالَ الأيام السابقة بلغوا ما يقارِبُ ألفي مسلمٍ أو أكثرَ، وأن التدمير أدى إلى حرْق أكثرَ من ستِّمِائَةٍ من منازلهم، بالإضافة إلى النازحين الذين وصل عددهم إلى أكثرَ من تسعين ألفاً، منهم من قتلوا بسبب إصابتهم بالجروح الكبيرة، أو بعدم حصولهم على ما يسدون به جُوعهم وعطَشَهم، ومنهم من ظلوا على ظهر البحر باستعانة قواربَ باليةٍ ممزقة تلعب بهم الأمواجُ وتذهب بهم يَمْنَةً ويَسْرَةً، فلا هم يستطيعون الرجوعَ إلى ديارهم خوفاً من فتك البوذيين الوحوشِ، ولا اللجوءَ إلى أماكنَ أخرى لرفضهم من قبل الدول المجاوِرة، وظلوا يعومون في البحر ليلا ونهارا منتظرين فرَج الله -سبحانه- ورحمتَه وعطفَه ولطفَه -فاللهم يا مفرج الهم فرج همهم ونفس كربهم وانصرهم وأعنهم فإنه لا ناصر لهم ولا معين إلا أنت يا حي يا قيوم-.
عبادَ الله: إن خطْبَهم لجللٌ، وإن مصيبتهم لعظمى، وإن مأساتَهم تُبكي العيونَ، وتدمي القلوبَ، بل -وبحسب ما ظهر لنا من مكنونات نواياهم الخبيثة- تكون الحالة في قابل الأيام والأزمان أشدَّ معاناةً مما حدث اليومَ إن جلسنا على أرائكنا من دون تحرك وبحث عن حل، تاركين الطغاة البوذيين الحاقدين يفعلون بهم ما يشاؤون.
أيها المسلمون: إن هؤلاء البائسين الضعفاءَ إخوةٌ لنا، وجزءٌ من جسد أمتنا الإسلامية، ولم تمسَّهم هذه البأساءُ والضراءُ إلا بسبب إسلامهم وعقيدتهم، وتمسكهم بدينهم؛ فيجب علينا جميعا -نحن المسلمين- شعوبا ودولا أن نَمدَّ لهم يدَ العونِ والنصرةِ قدرَ الإمكان؛ فندعم نحن الأفراد بالعون المادي متى ما فُتح لنا البابُ، وبالدعاءِ لهم والالتجاء إلى الله –سبحانه- لأن ينصرَهم ويرفعَ عنهم ما هم فيه من الكرْب والشدة، وأما الدول فنفوذها واسع؛ بإمكانها أن تدعمَ بوسائلَ كثيرةٍ من التنديد والاستنكار، وإغاثتِهم والمطالبةِ بحقوقهم، وبكل شيء تسمح به القوانين الدولية.
أسأل الله عز وجل أن ينصر إخواننا في أرَكانَ وسوريا وفلسطينَ وفي كل مكان، وأن يُعجِّلَ بفرَجِهم ونصرِهم، وأستغفرُه سبحانه لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أن اضطهادَ المؤمنين بالله -عز وجل- وقتلَهم وتعذَيبهم ذلك دأبُ الأعداء من الكفار والمشركين منذُ القِدم، ويدل عليه ما قص الله علينا من قَصَصِ الأمم السابقين، ومعاناةِ من آمن منهم ممن حولهم من الذين كفروا بالله ورسله، وجحدوا نعَمه وأنكروا قدرتَه وعلمَه، وخلقَه وبعْثَه، وجنتَه ونارَه، ونحوَ ذلك مما يتعلق بالغيبيات التي أخبَرَنا عنها الرسلُ -عليهم الصلاة والسلام-، والكتبُ المقدسة من التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أعظم تلك القصص القرآنية -أيها الإخوةُ- قصة أصحابِ الأخدود الذين أنزل الله في أمرهم سورةً تخبرنا عن معاناتهم من أعدائهم الكفار بسبب إيمانهم وتصديقهم بالله -عز وجل-، وأن نهايتهم كانت الموتَ حرْقًا في حفر من نيران تلظى، إلى آخرِ ما ورد عنهم في سورة البروج؛ حيث قال الله -جل وعلا-: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ*النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ*وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ*وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}.
عبادَ الله: هذه سنة الحياة الدنيا، فالأمة المسلمة الضعيفة تكون مضطهدةً معذبة من قبل أعدائهم من الكفار والمشركين؛ وتفاديا لهذه المشكلة أو تخفيفا لأثرها على أقل الأحوال يجب على المسلمين جميعا أن يكونوا يدا واحدة، ويتكاتفوا ويتعاونوا، يتألم الكل بألم الواحد، يفرحون بفرَح أحدهم، ويحزنون بحزن أحدهم، القويُّ منهم يعين الضعيف ويحميه من عدوان المعتدين وظلم الظالمين، وإلا فلا شك أن الجرح يتسع ويكثر، وأن الأعداء يذبحون منا واحدا واحدا حتى نكون نحن من ضمن الضحايا، وليس الواقع عنا ببعيد.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وكونوا مع إخوانكم المسلمين المضطهدين في مكان بقلوبكم، وتألموا بألمهم، وابكُوا ببكائهم، فأطفالهم يُقتلون ويُذبحون وهم مثل أطفالنا وأبنائنا، ونساؤهم يُعذبْن ويُغتصبْن وهم مثل أخواتنا وأمهاتنا وبناتنا، ورجالهم وشيوخهم يُقتَّلون ويُقطَّعون وهم مثل أجدادنا وآبائنا، وشبابهم يُعدمون ويُمثل بجثثهم وهم مثل أبنائنا وإخواننا، فاللهَ اللهَ أيها المسلمون، وكونوا معهم بدعائكم والتجائكم إلى مليككم وبارئكم لأن ينصرَهم ويرفعَ عنهم بأسهم وشدتهم وكربهم.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم يا ناصرُ يا معينُ يا من تقدر على كل شيء انصر إخواننا المسلمين في فلسطينَ وفي سوريا وفي أركانَ، اللهم كن لهم وأعنهم، وفرج همهم ونفس كربهم، وقو عزيمتهم وسدد رميهم، واجمع كلمتهم ووحد صفهم، وانصرهم على أعدائهم نصرا مبينا.
اللهم يا قويُّ يا جبارُ عليك بأعدائهم أعداءِ الملة والدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أرنا فيهم يوما أسودَ كيوم عاد وثمود، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا.
اللهم احفظ إمامنا وولي أمرنا ووفقه لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدك ورسولك محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعدَّها: عليّ بن أحمد حسين السّبحاني (إمام وخطيب جامع سلامة اللقماني ـ أم الجود، مكة المكرمة)
أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -عز وجل- كما أمركم بذلك في محكم تنزيله؛ حيث قال -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
عباد الله: إن مآسيَ أمتنا قد عظُمت واتسعت، وجراحاتِها قد كثرت وتعددت؛ فلا يمر يومٌ إلا ونسمع عن جُرح جديد أصيب به جسدُ الأمة، أو كَلْمٍ قديمٍ لكنه اتسع وبدأ يسري في بقية أجزاء الجسد؛ فلم ننتهِ من قضية فلسطينَ حتى فوجئنا بمأساة سوريا، وبما لحق فيها بإخواننا المسلمين من ضرب وقتل وهتك للأعراض، ودمار للديار، وخراب للممتلكات، ولم نُكمِلْ مداواةَ جرحهم وتخفيفَ ألمهم حتى جاءتنا صرخةٌ مسلمة جديدة مدوية تنبئ عن ألمٍ أشدَّ، وتُفصِح عن جرح أوسعَ، إنها صرخةٌ أطلقها إخوانُنا المسلمون من جنوب شرق آسيا، وبالتحديد إخوانُنا الذين هم من سكان أرَكانَ المحتلةِ من قبل البوذيين البورمين، والواقعةِ بالقرب من الصين وتايلاندَ وبنغلاديشَ، وقد احتلوها واستحلوها وجعلوها في قبضتهم وتحت حكمهم منذ عام ألفٍ وسبعِمِائَةٍ وخمسةٍ وثمانينَ من التاريخ الميلادي.
أيها الإخوةُ: إن هذه الصرخةَ ليست بأول صرَخاتهم، بل سبقتها صرخاتٌ عديدة، لكن المسلمين أصابتهم غفلة شديدة، بل هم منشغلون بالدنيا وزخارفها، وملذاتها وشهواتها، وأوضحُ ما يدل على هذا أن معاناةَ إخواننا الأرَكانيين البورميين ليست وليدةَ اليوم، بل قد بدأت فصولهُا، وافتُتحت حلقاتهُا منذ احتلال البوذيين بلادَهم أركانَ واستمرت إلى يومنا هذا، فذاقوا في هذه القرون العديدة والأزمنة الطويلة ألونا من المعاناة والعذاب، وصنوفا من الويلات والجحيم، ونتج عن ذلك دمارٌ لبيوتهم، وهلاكٌ لحرثهم ونسلهم، واستشهادُ الآلاف من رجالهم ونسائهم وشيوخهم، وتمزقٌ لأجسادهم، وتشتتٌ لأوصالهم، وتفرقٌ لأسرهم وعوائلهم؛ حيث إن الآلافَ المؤلفة منهم هجروا البلاد، وانتشروا في الأمصار؛ خوفا من بطش البوذيين، وإنقاذا لأرواحهم، وحماية لذراريهم، وحصل من ذلك تشتتُ الأسر والأهالي، وتفرقُ الأرحام والأقارب، فصار الأبُ في بنغلاديشَ، والأمُّ في باكستانَ، والأخُ في تايلاندَ، والعم في السعودية، والخال في الإمارات، وهكذا بؤس وشقاء، وتفرق وتشرد وغيرُ ذلك من صنوف المعاناة، وضروبِ المأساة، وكل ذلك حاصل لهم، ولاحق بهم في ظل سكوتٍ عجيب من العالم بأسره بما في ذلك المسلمون، فالله المستعانُ وعليه التكلانُ.
عبادَ الله: إن هذه الصرخةَ الجديدة الحزينة التي يطلقها إخوانُنا في هذه الأيام تنبئ عن شر مستطير، وتطور في المعاناة كبيرٍ؛ فقد بدأ البوذيون الحقيرون هذه الأيامَ بتنفيذ مخطَّطهم الذي سُرِّب عنهم قبل فترة، وهو تطهير ميانمارَ (بورما سابقا) بما فيها أركانُ المحتلة من كل المسلمين؛ باستخدام شتى الأساليبِ ومختَلِف الوسائل من القتل والتهجير والتشريد وغيرها مما يتحقق بذلك هدفُهم ومبتغاهم، وبدأوا بقتل عَشَرَةٍ من الدعاة المسلمين وتمزيق جثثهم، ثم أتبعوه بمهاجمة المسلمين في مقاطعاتهم، وقتلِهم بألوانٍ من الوحشية البغيضة، وحرْقِ حاراتهم وبيوتاتهم، وتخريبِ ممتلكاتهم، وفرضِ الحصار عليهم، ومنعِهم من الخروج للبحث عن الأكل والشرب، وعما يعالجون به مرضاهم، ويُسعِفون به جرحاهم، ولا شك -أيها الإخوةُ- أن هذا العذابَ الأليم والحصارَ الشديد يسبب فيهم كثيرا من الضحايا والدمار والخسائر، وفعلاً هذا ما وقع؛ فقد أشارت بعض الإحصاءات إلى أن قتلى المسلمين فيما حدث بأركانَ خلالَ الأيام السابقة بلغوا ما يقارِبُ ألفي مسلمٍ أو أكثرَ، وأن التدمير أدى إلى حرْق أكثرَ من ستِّمِائَةٍ من منازلهم، بالإضافة إلى النازحين الذين وصل عددهم إلى أكثرَ من تسعين ألفاً، منهم من قتلوا بسبب إصابتهم بالجروح الكبيرة، أو بعدم حصولهم على ما يسدون به جُوعهم وعطَشَهم، ومنهم من ظلوا على ظهر البحر باستعانة قواربَ باليةٍ ممزقة تلعب بهم الأمواجُ وتذهب بهم يَمْنَةً ويَسْرَةً، فلا هم يستطيعون الرجوعَ إلى ديارهم خوفاً من فتك البوذيين الوحوشِ، ولا اللجوءَ إلى أماكنَ أخرى لرفضهم من قبل الدول المجاوِرة، وظلوا يعومون في البحر ليلا ونهارا منتظرين فرَج الله -سبحانه- ورحمتَه وعطفَه ولطفَه -فاللهم يا مفرج الهم فرج همهم ونفس كربهم وانصرهم وأعنهم فإنه لا ناصر لهم ولا معين إلا أنت يا حي يا قيوم-.
عبادَ الله: إن خطْبَهم لجللٌ، وإن مصيبتهم لعظمى، وإن مأساتَهم تُبكي العيونَ، وتدمي القلوبَ، بل -وبحسب ما ظهر لنا من مكنونات نواياهم الخبيثة- تكون الحالة في قابل الأيام والأزمان أشدَّ معاناةً مما حدث اليومَ إن جلسنا على أرائكنا من دون تحرك وبحث عن حل، تاركين الطغاة البوذيين الحاقدين يفعلون بهم ما يشاؤون.
أيها المسلمون: إن هؤلاء البائسين الضعفاءَ إخوةٌ لنا، وجزءٌ من جسد أمتنا الإسلامية، ولم تمسَّهم هذه البأساءُ والضراءُ إلا بسبب إسلامهم وعقيدتهم، وتمسكهم بدينهم؛ فيجب علينا جميعا -نحن المسلمين- شعوبا ودولا أن نَمدَّ لهم يدَ العونِ والنصرةِ قدرَ الإمكان؛ فندعم نحن الأفراد بالعون المادي متى ما فُتح لنا البابُ، وبالدعاءِ لهم والالتجاء إلى الله –سبحانه- لأن ينصرَهم ويرفعَ عنهم ما هم فيه من الكرْب والشدة، وأما الدول فنفوذها واسع؛ بإمكانها أن تدعمَ بوسائلَ كثيرةٍ من التنديد والاستنكار، وإغاثتِهم والمطالبةِ بحقوقهم، وبكل شيء تسمح به القوانين الدولية.
أسأل الله عز وجل أن ينصر إخواننا في أرَكانَ وسوريا وفلسطينَ وفي كل مكان، وأن يُعجِّلَ بفرَجِهم ونصرِهم، وأستغفرُه سبحانه لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون واعلموا أن اضطهادَ المؤمنين بالله -عز وجل- وقتلَهم وتعذَيبهم ذلك دأبُ الأعداء من الكفار والمشركين منذُ القِدم، ويدل عليه ما قص الله علينا من قَصَصِ الأمم السابقين، ومعاناةِ من آمن منهم ممن حولهم من الذين كفروا بالله ورسله، وجحدوا نعَمه وأنكروا قدرتَه وعلمَه، وخلقَه وبعْثَه، وجنتَه ونارَه، ونحوَ ذلك مما يتعلق بالغيبيات التي أخبَرَنا عنها الرسلُ -عليهم الصلاة والسلام-، والكتبُ المقدسة من التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أعظم تلك القصص القرآنية -أيها الإخوةُ- قصة أصحابِ الأخدود الذين أنزل الله في أمرهم سورةً تخبرنا عن معاناتهم من أعدائهم الكفار بسبب إيمانهم وتصديقهم بالله -عز وجل-، وأن نهايتهم كانت الموتَ حرْقًا في حفر من نيران تلظى، إلى آخرِ ما ورد عنهم في سورة البروج؛ حيث قال الله -جل وعلا-: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ*النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ*وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ*وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}.
عبادَ الله: هذه سنة الحياة الدنيا، فالأمة المسلمة الضعيفة تكون مضطهدةً معذبة من قبل أعدائهم من الكفار والمشركين؛ وتفاديا لهذه المشكلة أو تخفيفا لأثرها على أقل الأحوال يجب على المسلمين جميعا أن يكونوا يدا واحدة، ويتكاتفوا ويتعاونوا، يتألم الكل بألم الواحد، يفرحون بفرَح أحدهم، ويحزنون بحزن أحدهم، القويُّ منهم يعين الضعيف ويحميه من عدوان المعتدين وظلم الظالمين، وإلا فلا شك أن الجرح يتسع ويكثر، وأن الأعداء يذبحون منا واحدا واحدا حتى نكون نحن من ضمن الضحايا، وليس الواقع عنا ببعيد.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وكونوا مع إخوانكم المسلمين المضطهدين في مكان بقلوبكم، وتألموا بألمهم، وابكُوا ببكائهم، فأطفالهم يُقتلون ويُذبحون وهم مثل أطفالنا وأبنائنا، ونساؤهم يُعذبْن ويُغتصبْن وهم مثل أخواتنا وأمهاتنا وبناتنا، ورجالهم وشيوخهم يُقتَّلون ويُقطَّعون وهم مثل أجدادنا وآبائنا، وشبابهم يُعدمون ويُمثل بجثثهم وهم مثل أبنائنا وإخواننا، فاللهَ اللهَ أيها المسلمون، وكونوا معهم بدعائكم والتجائكم إلى مليككم وبارئكم لأن ينصرَهم ويرفعَ عنهم بأسهم وشدتهم وكربهم.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم يا ناصرُ يا معينُ يا من تقدر على كل شيء انصر إخواننا المسلمين في فلسطينَ وفي سوريا وفي أركانَ، اللهم كن لهم وأعنهم، وفرج همهم ونفس كربهم، وقو عزيمتهم وسدد رميهم، واجمع كلمتهم ووحد صفهم، وانصرهم على أعدائهم نصرا مبينا.
اللهم يا قويُّ يا جبارُ عليك بأعدائهم أعداءِ الملة والدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أرنا فيهم يوما أسودَ كيوم عاد وثمود، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا.
اللهم احفظ إمامنا وولي أمرنا ووفقه لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدك ورسولك محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعدَّها: عليّ بن أحمد حسين السّبحاني (إمام وخطيب جامع سلامة اللقماني ـ أم الجود، مكة المكرمة)