خطبة عن كرة القدم وآثارها على دين المسلم .

الحمدلله الذي خلق الخلق لعبادته ولم يخلُقْهُم هملا ، وابتلاهم ليعلم أيُهم أحسن عملا ، وجعل لهم وقتاً مسمى في دنياهم وأجلا ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وفضِلا ، وكرامة من ربنا وعدلا ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان صلاة وسلاماً أبداً سرمداً ماتعاقب الجديدان بلا أجل أومدى أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى وقودٌ للسير لرب الخلق والوجود ( واتقوا الله ويعلّمكم الله والله بما تعملون عليم )        ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقاناً ويكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) .
واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : لعبة ذهبت بأوقات شباب الأمة ، ودمرّت أخلاقهم ، ودنّست شرفهم وأفسدت عليهم دينَهم بل إنه ماسلم من اللهث ورائها بعض كبار السن حتى صاروا أضحوكة بين البعض بسبب حماسهم الذي زاد مع فعاليات تلك اللعبة ، التي جلبت لكثير من أفراد الأمة الشقاء والفساد والتعصب الأعمى المقيت الذي قد يجرّ إلى العدوان والعنف والجريمة حتى بين الإخوان والأقارب بعض الأحيان ، ألا وهي لعبة كرة القدم ، إن هذه اللعبة جرّت مآس وسبب فوضى عارمة في الشوارع وعلى المدرجات الرياضية بل إنه رُصدت حالات عدوان وقتل داخل هذه البلاد وخارجها بسبب التعصب الأعمى المقيت الذي يجرّ للغضب الشديد ، ومن ثمَّ يكون العدوان والعنُف ، حيث سُجّلت حالات حرجة أدت للموت وجراحات بالعشرات بين أفراد المشجّعين ، وفي خارج البلاد أدت أحداث بعض المباريات إلى مئات القتلى بين المشجعين وأربكت رجال الأمن في كل دولة وفي هذه البلاد ، حتى صارت الفوضى والمناوشات بين المتعصبين خارج السيطرة وصار هناك انفلات أمني واستهتار وقلة مبالاة من بعض العابثين من مشجعين أو متعصبين أو لاعبين أجارنا الله وإياكم من شر ذلك كلِّه .
في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات ، فميتة جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عميّة ، يغضبُ لعصبة ، أو يدعو إلى عصبة أو ينصرُ عصبة ، فقُتل فقِتْلَةٌ جاهلية ، ومن خرج على أمتي يضرب برّها وفاجرَها ، ولا يتحاشى من مؤمنِها ، ولا يفي لذي عهدٍ بعهده ، فليس مني ولستُ منه " .

عباد الله : تكمُن آثار متابعة المباريات على الدين في عدة محاور منها :
- النظر إلى العورات : وذلك يتبيّن في النظر لعورات اللاعبين الذين لايستر كثيرٌ منهم عورته وخصوصاً إذا سقط على الأرض بسبب إصابةٍ ألمّت به أثناء اللعب ، فتنكشف بعض العورة وهو منشغلٌ بإصابته ، وفي الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتُبرِز فخِذك ولا تنظر إلى فخذِ حي ولا ميت " رواه أبو داود وابن ماجه ، وعن ابن عبّاس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الفخذُ عورة " رواه الترمذي وأحمد ولفظُه : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجلٍ وفخِذُه خارجة ، فقال : " غطّ فخِذيك فإن فخِذ الرجل من عورته " وهذه الأحاديث تنسخ ماقبلها مما ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم كشف فخذه لأبي بكر وعمر ولمّا جاء عثمان غطى فخذه وقال : " ألا أستحي من رجل والله إن الملائكة لتستحي منه " وكذلك ماورد من أنه كشف فخذه يوم خيبر عليه الصلاة والسلام .
يقول العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله : " أمَّا مايُروى أنه كشف فخِذه يوم خيبر فهذا والله أعلم منسوخ ، لأن الأحاديث التي دلّت على أن الفخذ عورة كثيرة يشدُّ بعضُها بعضاً " .
ومن آثار متابعة المباريات : السب والشتم واللعن لوالد اللاعب الفلاني ولأمه وهذا من الكبائر وأمر واردٌ وشائع مع الأسف بسبب الحماس المُفرط الذي يعيشه بعض الشباب ، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند البُخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سِباب المسلمِ فسوق وقتاله كُفر " وفي حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من الكبائر شتمُ الرجلُ والديه " قيل : وهل يسبُّ الرجل والديه ؟ قال : " نعم ، يسبُّ الرجلُ أبا الرجل فيسبُّ أباه ويسبُّ أمَّه فيسبُّ أمّه " والحديث متفق عليه . . فعلى من ابتُلي بذلك أن يُجاهدَ نفسَه ويتجنّبَ مشاهدة هذه المباريات التي تجرُّه إلى مثل هذه الكبائر ، أو تجرُّ لغيبة اللاعب الفلاني أو المعلّق الفلاني أو الحكم الفلاني ، ومن كانت سجيته اللعن فلديه خلل في الإيمان والدين لأن المؤمن ليس بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ، ولما سأل رجلٌ من الصحابة واسمه جرموز رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وقال له : " أوصني " قال : أوصيك أن لاتكون لعّاناً " والحديث صحيح في مسند الإمام أحمد رحمه الله .
عباد الله : ومن المحاذير والآثار في متابعة الكرة ضياع الأوقات وذهابُ الأعمار في مثل هذه المتابعات لمشاهد الكرة التي تبيّن أثرها وضررها على دين العبد وفي الحديث الصحيح : " لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عُمره فيم أفناه ؟ وعن علمه فيمَ فعل فيه ؟ وعن ماله من أين اكتسبَه ؟ وفيم أنفقه ؟ وعن جسمه فيم أبلاه ؟ " ومن تأمل هذا الحديث وجد أن عليه مسؤوليةً عظيمة في الحفاظ على وقته وأعضائه من أن تُصرف في فعل محرم أو ترك واجب ، ليسعد في الآخرة ، ويسلمَ من تبعات المحاسبة يوم الدين ، فإن من نُوقش الحساب عُذِّب ، فاستعتبوا - ياعباد الله - وإلى الله توبوا وأنيبوا وللباطل والشهوات تجنّبوا وحاسبوا أنفسكم قبلَ أن تُحاسبوا ، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله فذلك موقفٌ عظيم يحتاج منك عدّةً وزاداً ، وللنفس مساءلة وجهادا ، فاللهم ألطف بنا في هول الموقف يوم الدين ، واجعلنا ممن يوفق لفعل الخيرات واجتناب المنكرات ياذا الجلال والإكرام أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

===================== الخطبة الثانية =======================

الحمدلله الذي يهدي للفضائل وعمل الصالحات ، ويوفّق لاجتناب الكبائر والحُرُمات ، أحمده جل وعلا وله الثناء أطيبَه  والتحيّات ، وأصلي وأسلم على المبعوث بالبيّنات نبينا محمد ، عليه وعلى آله وصحبه أزكى الصلوات وعلى من تبعه بإحسان مادامت الأرض والسماوات أما بعد :
فاتقوا الله - عباد الله - واعلموا أن من علم أن هذه الدُنيا مزرعةٌ للآخرة لم يتشاغل عن الآخرة بالُملهيات ولم يضيّع الأوقات والساعات ، بما لايعود عليه بالنفع ورفع رصيد الأجور والحسنات ، وهذا في مجال المباحات ، فكيف بمن يضيّع أوقاتَه بما يعود عليه بالنقص في دينه بالشبهات والمحرمات ، وروى الإمام احمد في مسنده والترمذي وابنُ ماجة في سننهما من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل شيءٍ يلهو به الرجلُ باطل إلا رمية الرجُل بقوسه ، وتأديبُه فرسَه ، ومُلاعبتِه امرأتَهُ ، فإنهن من الحق " والحديث حسّنه جمعٌ من أهل العلم .
عباد الله : سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن مشاهدة المباراة الرياضية المتمثلة بكأس العالم وغيره فأجابت الجواب التالي :
" مباريات كرة القدم التي على مال أو نحوه من جوائز حرام ، لكون ذلك قِماراً ، لأنه لايجوز السَبَقُ وهو العوض - أي من مال - إلا فيما أذن فيه الشرع ، وهو المسابقة على الخيل والإبل والرماية ، وعلى هذا فحضور المباريات حرام ، ومُشاهدتُها كذلك ، لمن علِم أنها على عِوض ، لأن في حضوره لها إقرارٌ لها ، أما إذا كانت المباراة على غير عِوض ، ولم تُشغل عن ما أوجب الله من الصلاة وغيرِها ، ولم تشتمل على محظور ، ككشف العورات أو اختلاط النساء بالرجال ، أو وجود آلات لهو فلا حرج فيها ولا في مشاهدتها " .
اللهم اجعل تسابقنا في حياتنا لرضاك ، وجنبنا - اللهم - سُبل سخطك فإنا نلوذ بكنفك وحماك ، واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير والموت راحة لنا من كل شرّ ياذا الجلال والإكرام . . وصلو وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقد قال عزّ من قائل عليماً : ( إن الله وملائكتَهُ يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .

المشاهدات 1640 | التعليقات 0