خطبة عن كثرة الزلازل والفتن آخر الزمان

الحمدلله الذي له مافي السماوات ومافي الأرض وهو الحكيم الخبير ، يقدّر مايشاء ويختار وهو الحليم القدير ، وعنده مفاتح الغيب وبيده الأمر كله وإليه المصير ، والصلاة والسلام على النبي الكريم والسراج المنير نبينا محمد الذي أرسله ربه بالفرقان والبينات عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلوات من رب الأرض والسماوات أما بعد :

فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى سبيل النجاة في الحياة وبعد الممات ( ألا إن أولياء الله لاخوفٌ عليهم ولاهم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لاتبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم )   واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار

عباد الله : روى البخاري بسنده عن أبي اليمان قال : أخبرنا شعيب قال أخبرنا أبوالزناد عن عبدالرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لاتقوم الساعة حتى يُقبض العلم وتكثُر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل القتل حتى يكثر فيكم المال فيفيض " .

فهذه خمس علامات من علامات الساعة وهي علاماتٌ صغرى وليست كُبرى وكثرة الزلازل في هذا الوقت خاصة أمرٌ مُلفت في النظر فلقد سمعتم بعدة زلازل وقعت في بلاد الشام وتركيا تضرر منها خلق كثير وتضررت مبان ومدن بهزات تعد بالثواني ، وفي بلد واحد في أمريكا الجنوبية حدثت تسعة عشر ومائتين هزة أدى ذلك لإثارة الرعب والقلق لسكان تلك المناطق وتضرر الكثير من الناس وتشرّد خلقٌ لايحصيهم إلا الله وهذه الزلازل والهزات الأرضية لاشك أنها ابتلاء للمؤمن وعذاب ونكال للكافر وذلك يُذكّر بقول الله : ( قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لايشعرون * ثم يوم القيامة يُخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ) .

عباد الله : كثرة الزلازل أمرٌ من ثوابت علامات الساعة وغالباً أنها يُقصد بها الزلازل المحسوسة وهو الأظهر من النصوص الشرعية لاتزلزل الأفكار والعقائد كما يعتقد البعض فإن شكوك واهتزاز العقائد والأفكار نوعٌ من الإنحراف والإرجاف والزيغ والمعنى الحسي أقوى احتمالاً من المعنوي ، وفي حديث سلمة بن نُفيل السَّكوني رضي الله عنه - وله صُحبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بين يدي الساعة مُوْتان شديد ، وبعده سنوات الزلازل " أخرجه أحمد والدارمي وفي رواية أخرى لأحمد رحمه الله : " وبين يدي الساعة سنوات الزلازل "  .

عباد الله : لاشك أن هذه الزلازل سبب نقمة من الله جل جلاله ، فعلى العباد أن يحذروا من أسباب سخط الله جل وعلا ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) وفي حديث مرسل عن شهربن حوشب رحمه الله قال : " زُلزلت المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن ربكم يستعتِبُكم فأعتبوه " وهو حديث فيه ضعف أورده ابن أبي شيبة في مصنفه

لكنه ثبت هذا القول عن ابن مسعود رضي الله عنه عندما وقعت زلزلة بالكوفة فقال رضي الله عنه : " إن ربكم يستعتِبُكم فأعتبوه " ومعنى استعتاب الرب سبحانه وتعالى لعباده : أي يطلب منهم أن يزيلوا ماعتب عليهم فيه من ذنوب موبقة ومعاصٍ قائمة ، وأما عتبى العبيد لربهم : فهو طلبهم منه جل وعلا أن يمهلهم ليتوبوا لكي يزيلوا أسباب السخط ولا يُعاجلهم بالعقوبة  وعن عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية بن أبي عبيد قالت : " زلزلت المدينة على عهد عمر رضي الله عنه فقال : أيها الناس ، ماهذا ؟ ما أسرع ما أحدثتم ، لئن عادت لا أساكنُكم فيها " وكتب عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إلى الأمصار : " أما بعد : فإن هذا الرجف شيٌ يعاتب الله عز وجل به العباد ، وقد كتبت إلى سائر الأمصار يُخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا فمن كان عنده شيءٌ فليتصدق به ، فإن الله عز وجل قال 

" قد أفلح من تزكّى * وذكر اسم ربه فصلى " :    

عباد الله : إن الزلازل والأراجيف والهزات الأرضية يذكر بشيء قليل من أهوال يوم القيامة ، فيوم القيامة فيه أهوال وشدائد لايُطيقها ولا يحتملُها ابن آدم إلا من ثبته الله ويصبحُ فيها أكثر الناس أشبه بالمجانين من شدة الخوف وهول المطلع ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيءٌ عظيم * يوم ترونها تذهلُ كل مرضعة عمّا أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سُكارى وماهم بسكارى ولكنّ عذاب الله شديد ) وفي ذلك اليوم يرى يصدُرُ الناس كلهم ليَروا أعمالهم بعدما وردوا لهذه الدُنيا وهي دار الإمتحان والإبتلاء لادار الجزاء وفي ذلك اليوم تحدّث الأرض بما وقع فيها من خيرٍ أو شرّ ، ومن أراد أن يتصوّر ويرى يوم القيامة كرأي العين فليقرأ سورة التكوير وسورة الإنفطار وسورة الإنشقاق كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام  .

عباد الله : الناس عند وقوع المصائب يختلف حالُهم وتتباين أفكارهم وتفسيرُهم لهذه الظواهر فمن الناس من يعدّ هذه ظواهر طبيعيّة وحوادث سببها فقط انزلاق بطبقات الأرض أو بسبب أنشطة بركانية أو بسبب تحرّك صفيحة صخرية أو اصدام صفيحة بأخرى ويقفون عند هذه الأسباب المادية ويغفلون عن الأسباب المعنوية والتي منها ذنوب العباد وبغيهم وانتشار الفواحش والرضا بالمنكر والترويج له مع الله تعالى عمّم حصول المصائب بسبب الذنوب فلم يستثن من ذلك شيء وعفوه كثير فقال جلّ وعلا : ( وما أصابكم من مُصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفوا عن كثير ) .

وفي المُقابل أيضاً من تجري عليه هذه المصائب فيسترجعُ ويحمدُ الله على ذلك في السراء أو الضرّاء فهو مع الله في كل أحيانه يرضى بقدره ويقنع بعطائه ولا يسخط من قدره حين وقوع المصيبة ، فيقوم بعد حدوث كارثة أو مصيبة قد نال أجرين أجرٌ على المصيبة في نفسه وأجرٌ على مافقد من ماله أو عياله ، ويقضي بقيّة حياته يمشي على الأرض ماعليه خطيئة مع درجة عالية ومنزلة رفيعة حازها عند الله وفي الحديث : " إن الرجل لتكون له المنزلة عند الله فما يبلُغها بعمله ، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يُبلّغه إياها " وفي الحديث الآخر أيضاً من حديث جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يودّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرِّضت في الدنيا بالمقاريض " رواه الترمذي وحسّنه جمعٌ من أهل العلم ولا يُبتلى العبد إلا على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان غير ذلك خُفف عنه ، والصابرون يُعطون أجرهم كاملاً بلا حساب ( إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب ) فاللهم وفقنا للصبر حين البلاء وأعظم لنا الأجر والعطاء ياسميع الدعاء أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التوّاب الرحيم

======================= الخطبة الثانية ======================

الحمدلله له المحامد كلُّها كما يحب ربنا ويرضى ، والصلاة والسلام على المبعوث بالبر والتقوى ، نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلوات والتسليم من الكريم المولى أما بعد 

فاتقوا الله - عباد الله -  فبالتقوى تُستدفعُ البلايا وتُستمنح العطايا . .

( ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرا )

عباد الله : كلٌ منا يرغب ويرجو معيّة الله له في كل أمره وأن يكون الله له معيناً ونصيرا في شأنه كل وهذه تتحقق بأن تكون مع أخيك حين يمسّه الضر والحوادث والنكبات وفي الحديث : " والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه " والإنفاق في السرا والضراء من صفات المتّقين ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنّة عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين * الذين ينفقون في السرّاء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يُحب المحسنين ) 

 " وفي الحديث  عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد   بالحمى والسهر    

عباد الله : وأشدّ مايكون المسلم في حاجة أخيه عندما تحصل له نكبة فيُهدم بيته ويذهب ماله وتشّرد أسرته فيكون بلامأوى ولا طعام  معرّضاً للموت ، قد اجتمع عليه التشرّد والخوف والهم والبرد وجهالة المصير قد أتته اقدار الله جل وعلا ونفسه كانت مطمئنة مع أسرته فتحول حاله بلحظات إلى أفقر حالات العبد وأذلّها ، فاللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحوّل عافيتك وفُجاءة نقمتك وجميع سخطك

فمثل من ابتُلي بذلك كان لزاماً على المسلم أن يواسيه بماله ويقف معه بمدّ يد العون له وفي الحديث : " يابن آدم إنك إن تبذل الفضل -خيرٌ لك وأن تمسكَه  شرٌّ لك ، ولا تُلام على كفاف . . " الحديث والفضل من المال هو الزائد عن حاجات الإنسان الأساسية والكثير منا ولله الحمد عنده فضلٌ من ماله فلا يبخلنّ به حينما يُفتح له باب الخير والإنفاق ليكون هذا المال شاهداً له وأجراً ويُرفع به عند الله منزلة وقدرا فإن الصدقة تُطفئ غضب الرب وتدفعُ ميتة السوء . .  ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل ٍ عليما : ( إن الله وملائكته يُصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )

المشاهدات 11908 | التعليقات 0