خطبة عن فضائل يوم عرفه للشيخ سعد الشهاوى
الدكتورسعد الشهاوى
1436/12/05 - 2015/09/18 07:45AM
[FONT="]خطبة [/FONT][FONT="]عن فضائل يوم عرفه للشيخ سعد الشهاوى [/FONT][FONT="][/FONT]
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِيْنُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا .مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ .وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ."يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .""يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا""يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"
أما بعد....، فإن أصدق الحديث كتاب الله – تعالى- وخير الهدي هدي سيدنا محمد [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
العناصر
لله فى أيام الدهر نفحات
لماذا سُمِّي يوم عرفة بيوم عرفة؟
يوم عرفه يذكرنا بيوم القيامه
بعض فضائل يوم عرفه
أحوال الصادقين فى عرفه
من فضل الله تعالي على عباده أن جعل لهم مواسم للطاعات تتضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، ويغفر فيها كثير من المعاصي والسيئات، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات.جاء في الحديث الذي أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني عن النبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] أنه قال: " اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فاسألوا الله أن يستر عوراتكم ويُؤمِّن روعاتكم"
وفي رواية الطبراني من حديث محمد بن مسلمة[FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] أن النبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قال:" إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبداً ".
أيها المسلمون: إن أعمار هذه الأمة هي أقصر أعمارا من الأمم السابقة، قال صلى الله عليه وسلم : " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين " [رواه الترمذي وابن ماجة].
ولكن الله بمنه وكرمه عوضها بأن جعل لها كثيرا من الأعمال الصالحة التي تبارك في العمر، فكأن من عملها رزق عمرا طويلا، ومن ذلك ليلة القدر التي قال الله فيها: { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3].قال الرازي : " اعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله نيفا وثمانين سنة، ومن أحياها كل سنة فكأنما رزق أعمارا كثيرة ".
ومن الأعمال المباركة أيضا التى يتضاعف فيها الأجر على قلة العمل الصلاة حيث فرضت علينا خمس فى العمل وخمسين فى الأجر والثواب
ومن الأوقات المباركة أيضاً العشرالأوائل من شهر ذى الحجة التي ورد في فضلها آيات أحاديث منها قول الله تعالى: { وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر:2،1].قال ابن كثير رحمه الله: المراد بها عشر ذي الحجة.
ومن الأوقات المباركة أيضاً يوم عرفه
فها نحن نعيش في هذه الأيام مواسم الخيرات والطاعات التي أكرمنا بها رب الأرض والسماوات مواسم الصلاح التي يُضَاعف للمؤمنين فيها من الأجور والأرباح، وهذه هبات ربانية لا تكون إلا للأمة المحمدية أمة العمل القليل والأجر الكبير والفضل العظيم.
أخرج البخاري من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قال: " مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيراً فقال: من يعمل لي غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل أجراً !؟ قال: هل نقصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء ".
فالحمد لله الذي أنعم على الأمة المحمدية بمواسم الطاعات وميادين الخيرات وساحات المغفرة والرحمات حيث يتسابقون فيها إلى رضوانه ويتنافسون فيما يقربهم من فضله وإحسانه، وهذه المواسم منحة ومنة من الله تعالى على عباده؛ لأن العمل فيها قليل والأجر والثواب جزيل، وهى والله فرصة عظيمة لا يحرم خيرها إلا محروم، ولا يغتنمها إلا مَن وفَّقهُ الله.
ومن مواسم الخير والطاعة والعبادة: يوم عرفه
لماذا سُمِّي يوم عرفة بيوم عرفة؟
قال الثعالبي:واختلف العلماء في المعنى الذي لأجله قيل للموقف عرفات وليوم الوقوف بها عرفة:
فقال الضحاك: إن آدم لما أهبط وقع في الهند وحواء بجدة فجعل آدم يطلب حواء وهي تطلبه, فاجتمعا بعرفات يوم عرفة وتعارفا التقيا فعرفها وعرفته.فسمي اليوم عرفة والموضع عرفات.
وعن السُّدي قال: إنَّها سميت عرفات؛ لأن هاجر حملت إسماعيل عليه السَّلام فأخرجته من عند سارة, وكان إبراهيم غائبًا فلما قدم لَمْ يَرَ إسماعيل, فحدثته سارة بالذي صنعت هاجر, فانطلق في طلب إسماعيل فوجده مع هاجر بعرفات فعرفه فسميت عرفات.
وعن عطاء قال: إنَّما سميت عرفات لأن جبريل عليه السَّلام كان يُرِي إبراهيمَ المناسك ويقول: عرفت, ثمَّ يُرِيهِ, فيقول: عرفت, فسميت عرفات.
وقال بعضهم: سميت بذلك لأن الناس يعترفون في هذا اليوم على ذلك الموقف بالذنوب, والأصل نسيان آدم عليه السَّلام لما أمر بالحجِّ وقف بعرفات يوم عرفة قال: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ.
وقيل: هي مأخوذة من العُرْف، قال الله تعالى وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ؛ أي: طِيبَهَا( تفسير الثعالبي)) (2/ 109, 110), و((تفسير البغوي)) (1/ 228, 229)بتصرف0
وقيل في تسمية عرفة بهذا الاسم لأن الناس يتعارفون فيه وقد قال تعالى يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. صدق الله العظيم [الحجرات:13]،
ويوم عرفه يذكرنا بيوم القيامه أيها الإخوة المؤمنون: إن في اجتماع الحجيج في عرفات من كافة أقطار الدنيا على اختلاف أجناسهم، واختلاف ألوانهم، وتعدد لهجاتهم، وتفاوت درجاتهم إن اجتماعهم في صعيد واحد في مكان واحد، وفي زى واحد وهدف واحد وبموسم واحد، غنيهم وفقيرهم، رئيسهم ومرؤوسهم، شريفهم ووضيعهم.إن في هذا تذكيرا للجميع، بحال وقوف الخلائق بين يدي الله –تعالى- يوم القيامة، منذ خلق الله آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقوف الخلائق يوم القيامة بين يدي الله -عز وجل-، وما هم فيه في ذلك اليوم العظيم الرهيب العصيب، من الأهوال، منتظرين ما يقضى عليهم من جنة أو نار.
تذكر -أيها الأخ-: بأحوال الناس يوم عرفة، وهم بين راكع وماشي وعاجز، حالهم يوم القيامة فمنهم من يحشر راكبا على النجائب، ومنهم من يحشر ماشيا، ومنهم من يحشر على وجهه.تذكر -أيها الأخ المسلم-: بانتظار أهل عرفة في ذلك اليوم غروب الشمس انتظار أهل المحشر فصل القضاء، ومجيء الرب -عز وجل- للفصل بين الخلائق يوم القيامة.تذكر: انصراف الحجيج من عرفة إلى مزدلفة انصراف الناس يوم المحشر إلى منازلهم، بعد فصل القضاء، فالسعداءإلى الجنة، والأشقياء إلى النار .
يوم عرفة له فضائل متعددة
ومن فضائل يوم عرفة وأرض عرفة : الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم كان في عرفة ويوم عرفة قال تعالى (( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ، وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )) الأعراف (172-174)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(( أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ عليه السلام بِنَعْمَانَ يَعْنِي عَرَفَةَ وفى رواية (يوم عرفة )، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلاً قَالَ : "أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا : بَلَى شَهِدْنَا ، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ" )) رواه أحمد (2327) وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند : إسناده صحيح ، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (121) وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (1/83) وقال : إسناده جيد قوي على شرط مسلم ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/191) : رجاله رجال الصحيح
وهذا الميثاق هو الميثاق الأول الذي أخذه الله تعالى على ذرية آدم ، فكل مولود يولد من بني آدم يولد على الفطرة من أجل هذ الميثاق الذي أخذه الله عليه قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو. كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه ، قال تعالى (( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ )) الروم 30 .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كل مولود يولد على الفطرة -وفي رواية: على هذه الملة -فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه)
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم، عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم ))
وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلْب سيدنا آدم، عليه السلام، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين وإلى أصحاب الشمال، وفي بعضها الاستشهاد عليهم بأن الله ربهم.عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديًا به ؟ قال : فيقول : نعم ، فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك ، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألا تشرك بي شيئًا، فأبيت إلا أن تشرك بي )) رواه أحمد والبخاري ومسلم .
وعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ :(( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ" فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ : خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ : خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ اللَّهُ النَّارَ )) رواه الترمذي ، وأبو داود وأحمد ومالك ، وصححه الألباني في الطحاوية .
حديث آخر : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلاءِ قَالَ هَؤُلاءِ ذُرِّيَّتُكَ ، فَرَأَى رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ ، فَقَالَ : رَبِّ كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ ؟ قَالَ : سِتِّينَ سَنَةً ، قَالَ : أَيْ رَبِّ زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَلَمَّا قُضِيَ عُمْرُ آدَمَ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ أَوَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ قَالَ فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَنُسِّيَ آدَمُ فَنُسِّيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ )) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، والحاكم وال صحيح على شرط مسلم وابن أبي حاتم في تفسيره ، وصححه الألباني .
حديث آخر: عن هشام بن حكيم رضي الله عنه :(( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتبدأ الأعمال، أم قد قُضِي القضاء؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه" ثم قال: "هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار، فأهل الجنة مُيَسَّرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار مُيَسَّرون لعمل أهل النار" صححه الألباني في صحيح الجامع (1702) ، ورواه البزار والطبراني والبيهقي .ورواه ابن جرير، وابن مردويه من طرق عنه . تفسير ابن كثير باختصار (3/500-505) .
قال ابن الجوزي : قال المفسرون : وهذه الآية تذكير من الله تعالى بما أخذ على جميع المكلَّفين من الميثاق ، واحتجاج عليهم لئلا يقول الكفار : إنا كنا على هذا الميثاق غافلين لم نذكره ، ونسيانهم لا يُسقط الاحتجاج بعد أن أخبر الله تعالى بذلك على لسان النبي صلى الله عليه وسلم الصادق . وإذا ثبت هذا بقول الصادق ، قام في النفوس مقام الذِّكر ، فالاحتجاج به قائم . زاد المسير (3/53)
من فضائل يوم عرفة أنه أحد أيام الأشهر الحرم قال الله- عز وجل-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [سورة التوبة : 39]. والأشهر الحرم هي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، ورجب ويوم عرفه من أيام ذي الحجة.
ومن فضائل يوم عرفة أنه أحد أيام أشهر الحج ولا يتم الحج إلا به قال الله - عز وجل- : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) [سورة البقرة : 197] وأشهر الحج هي : شوال ، ذو القعدة ، ذو الحجة.
وثبت في سنن الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فسألوه، فأمر مناديا فنادى الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج. قال الشيخ الألباني: صحيح.
فالوقوف بعرفة أعظم أركان الحج لأنه إذا فات وقته بدون وقوف فقد فات على الشخص الحج في ذلك العام؛ بخلاف غيره من الأركان فيمكن تداركها. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: الحج عرفة: أي معظم الحج وركنه الأكبر.
ومن فضائل يوم عرفة أنه أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه قال الله - عز وجل- : (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [سورة الحج:28]. قال ابن عباس –رضي الله عنهما : الأيام المعلومات : عشر ذي الحجة.
ومن فضائل يوم عرفة أنه أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها منبها على عظم فضلها وعلو قدرها قال الله - عز وجل- : (وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) [سورة الفجر:2]. قال ابن عباس – رضي الله عنهما - : إنها عشر ذي الحجة قال ابن كثير: وهو الصحيح.
وهذه الأيام العشرة الأعمال الصالحة فيها مفضلة فى الثواب على غيرها من أيام السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من عمل أزكى عند الله - عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله - عز وجل- ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله - عز وجل- إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الدارمي وحسن إسناده الشيخ محمد الألباني في كتابه إرواء الغليل.
ومن فضائل يوم عرفة أنه هو الْوَتْرِ الذي أقسم الله به في قوله (( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ )) الفجر 3
قال ابن عباس: الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة، وهو قول عكرمة والضحاك.
ومن فضائل يوم عرفة أنه اليوم المشهود الذى أقسم الله تعالى به في كتابه الكريم في سورة البروج ، والله تعالى لا يقسم إلا بأمر عظيم ، وعزيز لديه تبارك وتعالى ، وتكرار القسم بهذا اليوم الجليل في القرآن الكريم دليل على مكانة هذا اليوم ورفعة شأنه عند الله تبارك وتعالى ، وتنبيه العباد إليه فلا بد للعبد أن يهتم به وأن لا يمر عليه هذا اليوم دون اغتنامه بالخيرات والعمل الصالح والذكر والدعاء .
قال تعالى (( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ، وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ، وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)) " وقد صح الحديث بذلك عنه :عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ : يَوْمُ الْقِيَامَةِ ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ : يَوْمُ عَرَفَةَ ، وَالشَّاهِدُ : يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَمَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَلا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ ، فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ، وَلا يَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ إِلا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ )) رواه الترمذي في التفسير باب ومن سورة البروج (3362) ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ خُزَيْمَةَ والبيهقي ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (8201) .
( الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ : يَوْمُ الْقِيَامَةِ ) لأَنَّ اللَّهَ وَعَدَ بِهِ النَّاسَ ( وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ : يَوْمُ عَرَفَةَ ) لأَنَّ النَّاسَ يَشْهَدُونَهُ أَيْ يَحْضُرُونَهُ وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ ( وَالشَّاهِدُ : يَوْمُ الْجُمُعَةِ ) أَيْ يَشْهَدُ لِمَنْ حَضَرَ صَلاتَهُ
فإذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة كان له مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة: منها أنه اجتماع اليومين اللذين هما أفضل الأيام، ومنها أن الجمعة هو اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة، وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع، ومنها أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة بعرفة، فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه، ومنها أن الجمعة يوم عيد، ويوم عرفة عيد لأهل عرفة فيجتمع العيدان. انظر الزاد (1/60) وما بعدها. ومنها اجتماع الشاهد والمشهود؛ "الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة، ومنها أن ذلك يوافق حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن فضائل يوم عرفة أنه هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين للمسلمين و أتم فيه النعمة عليهم ولذلك فهويوم عيد لأهل الإسلام عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : (( أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا ، قَالَ : أَيُّ آيَةٍ ؟ قَالَ : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا" ، قَالَ عُمَرُ : قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ نزلت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ )) رواه البخاري في الإيمان باب زيادة الإيمان ونقصانه (45) ، ومسلم في التفسير (5332) ، والترمذي في تفسير القرآن (2969) ، والنسائي في مناسك الحج (2952) ، وأحمد في مسند عمر (183)
( أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْيَهُود ) هَذَا الرَّجُل هُوَ كَعْب الأَحْبَار , بَيَّنَ ذَلِكَ مُسَدَّد فِي مُسْنَده وَالطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَط .
وللبخاري فِي التَّفْسِير مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِ : قَالَتْ الْيَهُود . فَيُحْمَل عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا حِين سُؤَال كَعْب عَنْ ذَلِكَ جَمَاعَة , وَتَكَلَّمَ كَعْب عَلَى لِسَانهمْ .
قَوْله : ( لاِتَّخَذْنَا . . إِلَخْ ) أَيْ لَعَظَّمْنَاهُ وَجَعَلْنَاهُ عِيدًا لَنَا فِي كُلّ سَنَة لِعِظَمِ مَا حَصَلَ فِيهِ مِنْ إِكْمَال الدِّين . وَالْعِيد فِعْل مِنْ الْعَوْد , وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لأَنَّهُ يَعُود فِي كُلّ عَام .
وفي َرِوَايَة إِسْحَاق عَنْ قَبِيصَة بلفظ : (( نَزَلَتْ يَوْم جُمُعَة يَوْم عَرَفَة وَكِلاهُمَا بِحَمْدِ اللَّه لَنَا عِيد ))
لَفْظ الطَّبَرِيّ وَالطَّبَرَانِيّ " وَهُمَا لَنَا عِيدَانِ "
وَكَذَا عِنْد التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس " أَنَّ يَهُودِيًّا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : نَزَلَتْ فِي يَوْم عِيدَيْنِ , يَوْم جُمُعَة وَيَوْم عَرَفَة "
فَظَهَرَ أَنَّ الْجَوَاب تَضَمَّنَ أَنَّهُمْ اِتَّخَذُوا ذَلِكَ الْيَوْم عِيدًا وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة , وَاِتَّخَذُوا يَوْم عَرَفَة عِيدًا لأَنَّهُ لَيْلَة الْعِيد . فتح الباري (1/130)
وقال -صلى الله عليه وسلم-"يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب". رواه أهل السّنن
وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل من وجوه : منها : أن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام بعد فرض الحج قبل ذلك
و لا أحد منهم ، هذا قول أكثر العلماء أو كثير منهم فيكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها . و منها : أن الله تعالى أعاد الحج على قواعد إبراهيم عليه السلام و نفى الشرك و أهله فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد .
قال الشعبي : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه و سلم و هو واقف بعرفة حين وقف موقف إبراهيم و اضمحل الشرك و هدمت منار الجاهلية و لم يطف بالبيت عريان . و كذا قال قتادة و غيره ، و قد قيل : إنه لم ينزل بعدها تحليل و لا تحريم قاله أبو بكر بن عياش
وأما إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة فلا تتم النعمة بدونها كما قال لنبيه صلى الله عليه و سلم : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و يتم نعمته عليك و يهديك صراطاً مستقيما ، و قال تعالى في آية الوضوء : و لكن يريد ليطهركم و ليتم نعمته عليكم ، و من هنا استنبط محمد بن كعب القرظي بأن الوضوء يكفر الذنوب كما وردت السنة بذلك صريحاً ، و يشهد له أيضاً : أن النبي صلى الله عليه و سلم سمع رجلاً يدعو و يقول : أسألك تمام النعمة فقال له : تمام النعمة النجاة من النار، و دخول الجنة فهذه الآية تشهد لما روي في يوم عرفة أنه يوم المغفرة و العتق من النار
ومن فضائل يوم عرفة أن أفضل الدعاء يكون فيه عن عبدالله بن عمرو بن العاص أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) رواه الترمذي في الدعوات باب دعاء يوم عرفة (3509) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
(خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْم عَرَفَةَ) لأَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا لِلدَّاعِي وَأَقْرَبُ إِلَى الإِجَابَةِ
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قَالَ :(( كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) رواه أحمد (6667) ، وقال القاري : رواه أحمد بسند رجاله ثقات
وَقَوْلُهُ (كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ) : دليل على أن هذا الدعاء بعينه هو أفضل ما يمكن أن يدعو به المرء في هذا اليوم ، وذلك لأن فيه الثناء على الله تعالى وتوحيده جل وعلا
وليس فضل الدعاء -أيها الإخوة المسلمون- في يوم عرفة خاص بأهل الموقف فى عرفات ، بل إنه يشمل أهل الموقف وغيرهم من أهل الأمصار في شرق الأرض وغربها، وفضل الله -عز وجل- واسع وكرمه عميم، فاجتهدوا -أيها الإخوة المسلمون-: فيما بقي من أيام العشر ولياليه، وبخاصة يوم عرفة، ويوم النحر، اجتهدوا في اغتنامها في الإكثار من الدعاء، والذكر، من تكبير، وتهليل، وتسبيح وتحميد، وتضرعوا إلى ربكم -عز وجل- بقلوب خاشعة، واثقة بكرم الله -عز وجل-، وادعوا ربكم -جل وعلا- وأنتم موقنون بالإجابة، ادعوا لأنفسكم ولأهليكم وأولادكم صلاحا وقوة في الإيمان، وحسن خاتمة، وتوفيقا للأعمال الصالحة، والقربات النافعة، ادعوا الله أن يرفع البأساء والضراء عن المستضعفين من عباد الله -عز وجل-، وأن يرد كيد أعداء المسلمين في نحورهم، اجتهدوا في هذه الأدعية الخاصة، والأدعية العامة، لعلكم توافقون ساعة إجابة، فيكتب الخير لكم، ولأهليكم، ولسائر المسلمين.
ورفع اليدين في الدعاء سنة من سنن النبى صلى الله عليه وسلم ، وللرسول صلى الله عليه وسلم سنن في رفع اليدين:
عن ابن عباس قال : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا جعل باطن كفيه إلى وجهه )) رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع (4721) .
عَنْ مَالِكِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا )) رواه أبو داود في الصلاة باب الدعاء (1371) ، وصححه الألباني وقال في الصحيحة (595) : رواه البغوي وابن أبي عاصم وابن السكن والمعمري في اليوم والليلة وابن قانع وابن عساكر (12/230) .
وإذا كان رفع اليدين فى الدعاء سنه فما بالك عند الدعاء بعرفة قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ :(( كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو ، فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَسَقَطَ خِطَامُهَا ، فَتَنَاوَلَ الْخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ الأُخْرَى )) رواه النسائي في مناسك الحج باب رفع اليدين بالدعاء بعرفة (2961) وصححه الألباني في صحيح النسائي .
ومن فضائل يوم عرفة أنه يوم تنزل الرحمات والمغفرة وحصول الصغار والذلة للشيطان عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :(( مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ ، وَلا أَدْحَرُ ، وَلا أَحْقَرُ ، وَلا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَمَا ذَاكَ إِلا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ ، إِلا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ ، قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلائِكَةَ )) رواه مالك في الموطأ كتاب الحج باب جامع الحج (840) ، والحديث مرسل حسن ، من مراسيل ابن كريز ، قال البيهقي في فضائل الأوقات (181) : مرسل حسن ، وقال الزيلعي في تخريج الكشاف (2/32) مرسل صحيح ، وقال ابن حجر في قوة الحجاج (42) مرسل وقد روي موصولاً ، وقال ابن عبدالبر في التمهيد (1/115) : مرسل حسن .
إن عدو الله إبليس ما رؤي في يوم أحقر ولا أصغر ولا أغيظ منه يوم عرفة، وذلك لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام فها هو الشيطان قد اسود وجهه، وخاب سعيه، وأهوى يحثوا التراب على رأسه، ويدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور!!إنه الشيطان اللعين، يغيظه ما يرى من اجتماع المسلمين في عرفات، وما يتنزل عليهم من مولاهم من رحمات، فتغلي مراجل غضبه، وينكسر خاسئًا ذليلاً.
قال ابن رجب فى لطائف المعارف و روى أبو عثمان الصابوني بإسناد له عن رجل كان أسيراً ببلاد الروم فهرب من بعض الحصون قال : فكنت أسير بالليل و أكمن بالنهار فبينا أنا ذات ليلة أمشي بين جبال و أشجار إذا أنا بحس ، فراعني ذلك فنظرت فإذا راكب بعير فازددت رعباً ، و ذلك لأنه لا يكون ببلاد الروم بعير فقلت : سبحان الله في بلاد الروم راكب بعير إن هذا لعجب فلما انته إلي قلت : يا عبد الله من أنت ؟ قال : لا تسأل ، قلت : إني أرى عجباً ! فأخبرني ؟ فقال : لا تسأل فأبيت عليه فقال : أنا إبليس و هذا وجهي من عرفات رافقتهم عشية اليوم اطلع عليهم فنزلت عليهم المغفرة ، و وهب بعضهم لبعض فداخلني اللهم و الحزن و الكآبة ، و هذا وجهي إلى قسطنطينية انفرج بما أسمع من الشرك بالله وادعاء أن له ولداً فقلت : أعوذ بالله منك ، فلما قلت : هذا الكلمات لم أر أحدا
و يشهد لهذه الحكاية حديث عباس بن مرداس الذي خرجه أحمد و ابن ماجه في دعاء النبي صلى الله عليه و سلم لأمته عشية عرفة ثم روى الإمام أحمد في المسند [15618] عن العباس بن مرداس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء، فلما كان من الغد دعا غداة المزدلفة فعاد يدعو لأمته، فلم يلبث النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تبسم فقال بعض أصحابه: يا رسول الله: بأبي أنت وأمي، ضحكت في ساعة لم تكن تضحك فيها، فما أضحكك أضحك الله سنك؟! قال: "تبسمت من عدو الله إبليس حين علم أن الله -عز وجل- قد استجاب لي في أمتي ، أهوى يدعو بالثبور والويل ويحثو التراب على رأسه، فتبسمت مما يصنع من جزعه".
ومن أعظم فضائل يوم عرفة على الإطلاق نزول الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا عشية عرفة ويباهى فيه ربنا تبارك وتعالى ملائكتة بأهل عرفة ويغفر لهم ذنوبهم عن جابر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم :(( ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ، ينـزل الله تعالى إلى سماء الدنيا ، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ، فيقول : انظروا إلى عبادي ، جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجِّين ، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ، ولم يروا عقابي ، فلم يُرَ يومًا أكثر عتقًا من النار ، من يوم عرفة )) رواه[FONT="] [/FONT]ابن خزيمة[FONT="] [/FONT]و[FONT="] [/FONT]ابن حبان[FONT="] [/FONT]و[FONT="] [/FONT]البزار[FONT="] [/FONT]و[FONT="] [/FONT]أبو يعلى[FONT="] [/FONT]و[FONT="] [/FONT]البيهقي[FONT="] [/FONT]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/253) : رواه أبو يعلى وفيه محمد بن مروان العقيلى وثقه ابن معين وابن حبان وفيه بعض كلام ، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وقَالَتْ عَائِشَةُ : (( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ )) رواه مسلم وفى رواية النسائي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَبْدًا أَوْ أَمَةً مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ............. الحديث)رواه النسائى وفيما سبق من أحاديث دليل على أن الله تعالى يباهى ملائكته بأهل عرفه ويكثر العتق من النيران فى هذا اليوم
وأما دليل أن الله تعالى يغفر لهم على كثرة ذنوبهم عن ابن عمر رضي الله عنهما في حديث الرجلين اللَّذين جاءا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألانه عن أمر دينهم، وكان من جوابه لهما : (( وأما وقوفك بعرفة ، فإن الله تبارك وتعالى ينـزل إلى سماء الدنيا ، فيباهي بهم الملائكة ، فيقول : هؤلاء عبادي جاؤوا شعثًا غبرًا من كل فج عميق ، يرجون رحمتي ، ويخافون عذابي ، ولم يروني فكيف لو رأوني ، فلو كان عليك مثل رمل عالج ، أو مثل أيام الدنيا ، أو مثل قَطر السماء ذنوبًا ، غسلها الله عنك )) رواه عبدالرزاق في مصنفه ، وابن حبان في صحيحه وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (2/9)
ومن حديث عبادة بن الصامت قال فيه (( .. وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل يقول لملائكته يا ملائكتي ما جاء بعبادي قالوا جاؤوا يلتمسون رضوانك والجنة فيقول الله عز وجل فإني أشهد نفسي وخلقي أني قد غفرت لهم ولو كانت ذنوبهم عدد أيام الدهر وعدد رمل عالج.. الحديث)) رواه الطبراني في الأوسط وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1113)
وهذه المغفرة ليست خاصة بالنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل هى عامة تشمل المسلمين الى يوم القيامة وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (( وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات ، وكادت الشمس أن تؤوب ، فقال : يا بلال انصت لي الناس ، فقام بلال فقال: انصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنصت الناس ، فقال : معاشر الناس، أتاني جبريل آنفًا ، فاقرأني من ربي السلام وقال : إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر ، وضمن عنهم التبعات ، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال : يا رسول الله هذا لنا خاص ؟فقال : هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة ، فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب )) رواه ابن عبدالبر ، وابن المبارك ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2/16)
وهذه المغفرة لهم ولمن يشفعون فيه عن أنس رضي الله عنه قال: (( كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف قاعدًا، فأتاه رجل من الأنصار، ورجل من ثقيف، فذكر حديثًا فيه طول وفيه : (( وأما وقوفك عشية عرفة، فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا، ثم يباهي بكم الملائكة، فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثًا سفعًا، يرجون رحمتي ومغفرتي؛ فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، وكعدد القطر، وكزبد البحر، لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورًا لكم، ولمن شفعتم له )) رواه ابن عبدالبر في التمهيد والحديث له شواهد كثيرة وانظر ما قبله.
قال ابن القيم رحمه الله : " أنه في يوم عرفة يدنو الرّبُّ تبارك وتعالى عشيةَ مِن أهل الموقف ، ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول : (مَا أَرَادَ هؤُلاءِ، أُشْهِدُكُم أنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُم) وتحصلُ مع دنوه منهم تبارك وتعالى ساعةُ الإِجابة التي لاَ يَرُدُّ فيها سائل يسأل خيراً فيقربُون منه بدعائه والتضرع إليه في تلك الساعة ، ويقرُب منهم تعالى نوعين من القُرب :
أحدهما : قربُ الإِجابة المحققة في تلك الساعة .والثاني : قربه الخاص من أهل عرفة ، ومباهاتُه بهم ملائكته فتستشعِرُ قلوبُ أهل الإِيمان بهذه الأمور ، فتزداد قوة إلى قوتها ، وفرحاً وسروراً وابتهاجاً ورجاء لفضل ربها وكرمه ، فبهذه الوجوه وغيرها فُضِّلَتْ وقفةُ يومِ الجمعة على غيرها " هــ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :كما وصف نفسه بالنزول عشية عرفة في عدة أحاديث صحيحة ، وبعضها في صحيح مسلم وذكر حديث أم المؤمنين عائشة السابق )) وحديث جابر بن عبدالله
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ينزل إلى السماء الدنيا يباهي بأهل عرفة الملائكة ويقول انظروا إلى عبادي أتوني شعثًا غبرًا ، فوصف أنه يدنو عشية عرفة إلى السماء الدنيا ، ويباهي الملائكة بالحجيج فيقول : انظروا إلى عبادي أتوني شعثًا غبرًا ما أراد هؤلاء )) فإنه من المعلوم أن الحجيج عشية عرفة ينزل على قلوبهم من الإيمان والرحمة والنور والبركة ما لا يمكن التعبير عنه .ا.هـ مجموع الفتاوى (5/374)
وفيما سبق من أحاديث دليل على أن الله تعالى ينزل عشية إلى السماء الدنيا ويباهي بأهل عرفة ملائكته ويكثر العتق من النيران فى هذا اليوم ومغفرة الذنوب قال ابنُ عبدُ البر : وهذا يدلُ على أنهم مغفورٌ لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا إلا بعد التوبة والغفران والله أعلم أهـ .
ومن فضائل يوم عرفه أن :صيام يوم عرفة يكفر سنتين وصيام يوم عرفة ( لغير الواقف على عرفات )
وهذا من فضل الله العظيم على هذه الأمة ، فمن لم يكن من أهل الحج ، فله أيضًا نصيبًا في الخير وهو نصيب عظيم ، ولقد حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على صوم يوم عرفة، لأن من صام يوم عرفة كفر الله عنه خطايا سنتين ، سنة ماضية وسنة مستقبلة فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ؟ فَقَالَ : يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ )) رواه مسلم.
وفى رواية أخرى عَنْ أَبِي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ َقال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إني أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ )) رواه مسلم
قال الطيبي ـ رحمه الله ـ تعليقاً على الحديث: وكان القياس أن يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أرجو من الله " موضع كلمة "أحتسب" وعدّاه بعلى التي للوجوب علي سبيل الوعد مبالغة في تحقيق حصوله". أهـ
ـ يكفر السنة التي قبله: يعني الصغائر المكتسبة فيها
ـ يكفر السنة التي بعده: بمعنى أن الله تعالي يحفظه من أن يذنب فيها أو أن يعطي من الثواب ما يكون كفارة لذنوبها. أو أن يكفرها حقيقة ولو وقع فيها ، ويكون المكفِّر مقدماً على المكفَّر.
فانظر أخي المسلم... إلى سعة رحمة الله وفيض جوده وكرمه، أن جعل صيام يوم واحد سبباً لمغفرة ذنوب سنتين من الصغائر( أما الكبائر فتحتاج إلى توبة وندم وعزم على عدم العودة إليها أبداً وإقلاع عن المعصية ) فإن شق عليك أخي الحبيب صيام أيام التسع الأولى من ذي الحجة، فلا تحرم نفسك من صيام يوم عرفة لما فيه من عظيم الأجر وجزيل المثوبة.
لطيفة: إذا نظرت إلى الحديث الذي فيه أن صيام يوم عرفة يكفر الله به سنتين، وجدت أن: صيام 12 ساعة تقريباً = مغفرة 24 شهر. فيكون صيام ساعة = مغفرة شهرين. يعني كل 60 دقيقة = 60 يوم إذن صيام دقيقة = مغفرة يوم.فهل هناك عاقل يضيع دقيقة واحدة من هذا اليوم.
أما الحجاج فلا ينبغي لهم أن يصوموا هذا اليوم لأنهم أضياف الرحمن، والكريم لا يجوع أضيافه فقد أخرج أبو داود وابن ماجة: " نهي رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] عن صوم يوم عرفة بعرفات".وصح عن النبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] كما عند البخاري: أنه أفطر بعرفة ـ أرسلت إليه أم الفضل بلبن فشرب.
و يستحب في يوم عرفة حفظ الجوارح من المحرمات في هذا اليوم: عن ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : (( كَانَ فُلانٌ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ ، قَالَ : فَجَعَلَ الْفَتَى يُلاحِظُ النِّسَاءَ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ مِرَارًا ، وَجَعَلَ الْفَتَى يُلاحِظُ إِلَيْهِنَّ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ابْنَ أَخِي إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ)) رواه أحمد (2884) ، وقال الشيخ أحمد شاكر في المسند (5/17) : إسناده صحيح ، والحديث صححه الهيثمي والمنذري وغيرهما .
ولنحذر من الذنوب التي تمنع المغفرة والعتق فيه وقبول الدعاء ومنها: الإصرار على عدم التوبة والوقوع في الكبائر والذنوب، والرجوع إلى المعصية بعد انقضاء الطاعة والاختيال والكبر و الكذب والنميمة والغيبة وغيرها إذ كيف تطمع في العتق من النار وأنت مصر على الكبائر والذنوب؟! وكيف ترجو المغفرة وأنت تبارز الله بالمعاصي في هذا اليوم العظيم ؟!
أخرج البزار والطبراني من حديث جابر عن النبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] أنه قال: "ما يُرى يوم أكثر عتقاً ولا عتيقاً من يوم عرفة لا يغفر الله فيه لمختال " ـ والمختال : هو المتعاظم في نفسه المتكبرقال الله تعالي:{ ِإنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } (لقمان:18)
خطب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعرفة فقال : (( إنكم قد جئتم من القريب والبعيد، وأنضيتم الظهر - أي: أتعبتم رواحلكم - وأخلقتم الثياب - أي: أبليتم ثيابكم - وليس السابق اليوم من سبقت دابته وراحلته، وإنما السابق اليوم من غُفر له. والحمد لله رب العالمين ))وأؤكد هنا أن المغفرة تتناول حقوق الله -عز وجل-، أما حقوق العباد فلا تُغفر إلا بعد أداء تلك الحقوق، أو إبراء أصحاب الحقوق.
ومن فضائل يوم عرفة أن من مات يوم عرفه أو مات وهو محرم يبعث يوم القيامة ملبيا أى يشعرك انه مازال يؤدى مناسك الحج عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : (( بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ أَوْ قَالَ ثَوْبَيْهِ وَلا تُحَنِّطُوهُ وَلا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي )) رواه البخاري ومسلم
قال النووي : ( فَإِنَّهُ يُبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مُلَبِّيًا وَمُلَبِّدًا وَيُلَبِّي ) مَعْنَاهُ : عَلَى هَيْئَته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَمَعَهُ عَلامَة لِحَجِّهِ وَهِيَ دَلالَة الْفَضِيلَة كَمَا يَجِيء الشَّهِيد يَوْم الْقِيَامَة وَأَوْدَاجه تَشْخَب دَمًا . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب دَوَام التَّلْبِيَة فِي الإِحْرَام . شرح مسلم
أحوال الصادقين في عرفة
كانت أحوال الصادقين في الموقف بعرفة تتنوع: فمنهم: من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء، وقف مطرف بن عبد الله بن الشخير وبكر المزني بعرفة فقال أحدهم: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي، وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم، وق
المرفقات
خطبة عن فضائل يوم عرفه للشيخ سعد الشهاوى.doc
خطبة عن فضائل يوم عرفه للشيخ سعد الشهاوى.doc