خطبة عن شهر ربيع الأول عن الرقائق : (طهارة القلب)
محب آل البيت
1433/03/19 - 2012/02/11 06:39AM
ثلاث خطب عن شهر ربيع الأول عن الرقائق
خطبة عن شهر ربيع الأول عن الرقائق : (طهارة القلب)
خطبة بعنوان : ( طهارة القلب )
العناصر:
1- خطورة الشرك والشحناء.
2-أهمية طهارة القلب.
3-القلب محل نظر الله- عز وجل -.
4- أطهر قلب.
5- خطورة الذنوب .
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) سورة آل عمران آية (102).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) سورة النساء آية (1).
((يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72))) سورة الأحزاب الآيات (71-72).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
فقد روى ابن حبان والطبراني من حديث معاذ- رضي الله عنه – أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان ويغفر الله عز وجل لأهل الأرض إلا مشرك أو مشاحن))[1]
هذا الحديث النبوي المبارك الذي يخبرنا فيه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بأن الله- تعالى- يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان هذا الشهر- المبارك الكريم – الذي يأتي قبل رمضان ويغفل عنه كثير من الناس هذا الشهر الذي كان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يصوم أكثره حتى قالت عائشة رضي الله عنها : إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصومه إلا قليلاً إذ أنه لم يصم شهراً كاملاً غير رمضان هذا الشهر قد رويت فيه أحاديث كثيرة موضوعه لا تصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تحث على صيامه ومواصلة صومه في رمضان مع شهر رجب لكن هذه الأحاديث ذكرها العلماء في الكتب التي تتحدث عن الأحاديث التي كذب فيها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعم هذه الأشهر من الأشهر الفاضلة التي يصح للإنسان أن يصوم فيها ما كتب الله تعالى له دون أن يخص أياماً من هذين الشهرين رجب وشعبان وخاصة ليلة النصف من شعبان فقد روي فيها أحاديث كما ذكرنا لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بل هي أحاديث مكذوبة ولم يصح في قيام ليلة النصف من شعبان أي حديث عن النبي صلى الله عليه واله وسلم ولم يصح فيها أي أثر عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم بل لم يصح فيها شيء عن الأئمة الأربعة رضي الله عنهم.
فلا تخص ليلة النصف من شعبان بقيام ولا نهارها بصيام فهي كبقية الأيام ، ولكن الأمر كما ذكرنا أنه يجوز للإنسان أن يصوم أن كانت له عادة أن يصوم ما تيسر له من رجب وأن يصوم ما تيسر له من شعبان دون أن يخص أياماً ومن لم يكن له عادة في الصيام فإنه يكره الصيام بعد منتصف شعبان
كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا)[2] .
يعني كصيام الاثنين والخميس أو كأن يكون الإنسان معتاداً لصيام يوم وإفطار يوم فلا بأس في هذا الحال أن يواصل صومه إلى أن يأتي رمضان .
أما الشطر الثاني في هذا الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم : ((يغفر الله عز وجل لأهل الأرض إلا مشرك أو مشاحن )) [3].
أما المشرك فإن الله تعالى لا يغفر له حتى يتوب من شركه: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً )) سورة النساء أية (48)
فالمشرك لا يغفر له أبداً وأعماله يوم القيامة تصير هباءً منثورًا قال الله تعالى :((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً )) سورة الفرقان أية ( 23 ).
هذا حال المشرك أن الله تعالى لا يقبل له صرفاً ولا عدلاً يوم القيامة مهما قدم من أعمال لأنه لم يقل يوماً من الدهر ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين .
أما الآخران اللذان لا يغفر لهما الله المشاحنين المتشاحنين فيما بينهما ، يغفر لعباده إلا مشرك أو مشاحن يقول : دعوهما حتى يصطلحا فيما بينهما ويذهب ما بينهما من التشاحن والتحاسد ، والمكايدة التي حصلت بينهما ، إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أهمية القلب وأهمية إصلاح هذا القلب لأن هذا القلب إذا لم يصلحه صاحبه فإنه سيكون وبالاً عليه ، هذه المضغة الصغيرة التي قال فيها النبي صلى الله عليه واله وسلم – ((إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله , وإذا فسدت فسد الجسد كله , ألا وهي القلب))[4]
فالقلب خطره عظيم كما سمعنا في هذا الحديث النبوي المبارك مع صغر هذا القلب وهذه المضغة في الجسد إلا انها تعد بالنسبة لبقية الأعضاء كالملك فإن هي صلحت يصلح الجسد كله وإن هي فسدت يفسد الجسد كله هذا القلب هو محل نظر الله تعالى .
كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))[5] .
فالقلب هو محل نظر الله تعالى هذا القلب الذي لا يعرف ما فيه إلا الله عز وجل بل حتى صاحب هذا القلب ليخفى عليه كثير من أعمال هذه المضغة الصغيرة التي تفسد عليه دينه وتفسد عليه حياته المستقبلية التي هي الحياة الأبدية ، هذه الأعمال من أبرزها ومن أهمها قضية المشاحنة فيما بين المسلمين فإن هذا أمر لا يجوز ولا بحال من الأحوال . ومن هنا قال الله تعالى : (( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) )) سورة الشعراء الآيات ( 88-89).
هذه السلامة سلامته من الشرك وسلامته من الحقد وسلامته من الغل وسلامته من المشاحنة إن الشيطان الرجيم لما أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب كما قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ))[6].
رضي أن يحرش فيما بينهم سعى في إفساد قلوبهم وفي إفساد ذات بينهم ، ارتضى بهذا الأمر لأنه يعلم أن المصلين كثير منهم من صلى صلاة صحيحة حقيقية وأخلص فيها لله عز وجل أنه لا يقع في الإشراك بالله عز وجل هكذا يحثنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حثنا في الأحاديث المتكاثرة التي صحت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن نحافظ على هذه القلوب وأن نجعلها قلوباً سليمة صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم كما في أبي داوود والترمذي ، قال الإمام النووي بإسناد صحيح قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من هَجَرَ أخاه سَنَةً فهو كسَفْكِ دَمِه))[7].
أي هو في الإثم كأنه قتله ، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام))[8] .
أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم هكذا يقول ربنا جلا في علاه:(( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) )) سورة آل عمران أية ( 134)
ما هنالك أحد من الناس لا يغلط ولا ينزل الغيض بأخيه ولا ثمة شخص يستطيع أن يمسك لسانه مسكاً كلياً، بحيث لا يتفوه بكلمة يؤذي بها أخاه المسلم ولكن الأخر هو الذي يتفضل على هذا المسيء على هذا الذي أنزل به مثل هذا الكلام ، الذي يشتط فيه الإنسان غيظاً فيكتم غيظه قليل هم أولئك الذين يكظمون الغيظ والذين يعفون عن الناس وليس الشديد بالصرعة كما قال صلى الله عليه وآله وسلم وإنما الشديد هو الذي يمسك نفسه حين الغضب ليس الشديد هو الذي يرد الصاع بالصاعين والكيلة بالكيلتين ، ولكن الشديد هو الذي يعفو عمن أساء إليه ، وهكذا كانت وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصفح الإنسان وأن يعفو عمن أخطأ عليه وعمن ظلمه هذا هو الأدب الإسلامي الجم الذي جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا مثل هذا الأمر الذي يحفظ علينا ديننا ويحفظ علينا سلامة صدورنا وسلامة معتقدنا ، هكذا يقول ربنا عز وجل: (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) )) سور الحشر أية (10).
هذا هو قمة الخلق قمة مراعاة الأخلاق والآداب الإسلامية ومراعاة سلامة الصدر وكظم الغيض والعفو عمن يسيء إليه يجب على الإنسان أن يعود نفسه وأن يدربها وأن يؤهلها على ألا ترد الصاع بصاعين ، ولا تتنصر للنفس ولا تتنصر للذات وإنما يكونون كمثل ذلك الصحابي الذي نادى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطلب الإنفاق من أجل تجهيز غزوة تبوك فرأى الصحابة يهبون بأموالهم وصدقاتهم ويضعونها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يملك شيئاً يتصدق به لوجه الله عز وجل وتولى من بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو حزين يبكي أنه ما وجد شيئاً يتصدق به لله عز وجل فقام ليلة يصلي لله عز وجل ويقول : (( يا رب إنني لم أجد شيئاً أتصدق به لوجهك اللهم إني قد تصدقت بعرضي وأحل كل من تكلم بعرضي وبات طيلة ليلته وهو يجهش بالبكاء ويدعوا الله عز وجل أن يتقبل هذه الصدقة إذ تصدق بعرضه لوجه الله تعالى ))
حتى أتى في الصباح ، أو كما في الحديث: ((اللهم إني قد تصدقت بعرضي على من نالني من خلقك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أين المتصدق بعرضه البارحة ؟
قال : أنا يا رسول الله قال : إن الله تعالى قال قبل صدقتك))[9] .
لأنه عفا عن الناس الذين يتكلمون فيه ويتكلمون بعرضه .
في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر )[10].
يؤخذ من هذا أن نقل الكلام أن الغيبة أن النميمة من أبرز الأشياء التي تفسد القلوب ، وتظلم صدور وقلوب أًصحابها لأن هؤلاء الناس ينقلون الكلام من هذا إلى هذا ، بغرض فساد ذات البين هذه القضية قضية ينبغي على المسلم أن يحافظ على قلبه وعلى سلامه صدره وأن يعمل جاهداً من أجل تنقية هذه المضغة التي إن اعتنى بها الإنسان ارتقى في الدرجات العلى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد .
نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هكذا أدبنا وهكذا علمنا ألا يهجر الإنسان أخاه فوق ثلاث ، وأن هجره لمدة عام كامل أن ذلك يعد من الاثم والجرم العظيم حتى جعله كأنه سفك دم أخيه لكننا لا ننتبه لمثل هذه القضايا ونظن أن هذه عقوبة يستحقها هذا الإنسان وهي في الحقيقة قد لا تنفع في كثير من الأحيان ، فالهجر إنما شرع من أجل الزجر ومن أجل رد المخطئ إلى الصواب ولكن إذا لم ينفع ذلك الهجر لامع زوجة ولامع ولد ولامع قريب و لامع صديق فإنه يحرم الهجر في مثل هذه الحال .
في حديث عبد الله بن مسعود أيضاً أن الله تبارك وتعالى أطلع على قلوب العباد فوجد أطهرها وأزكاها قلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فاختاره للنبوة ثم نظر نظرة أخرى إلى قلوب العباد فوجد قلوب الصحابة أطهرها وأزكاها فأختارهم لصحبته ولوزارته ولمساعدته ومعونته صلى الله عليه وآله وسلم إذاً نرى إن الله تبارك وتعالى محل نظره ومحل اصطفائه هي القلوب فالقلب الطاهر الزكي قريب من الله سبحانه وتعالى والقلب الذي يحمل الأحقاد ويحمل الغل ويحمل الضغائن على المسلمين قلب بعيد عن الله عز وجل ونحن أيها الأخوة الفضلاء في شهر كريم وفي شهر مبارك وعلى الأبواب سنستقبل شهر رمضان .
واجب علينا أن نصفي هذه القلوب وأن نسقلها بطاعة الله عز وجل نزكيها بما زكاها الله عز وجل به وبما زكاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأعمال الصالحة أن نصفح عن من أساء إلينا ألا ننتصر لهذه الأنفس أن نزري بهذه الأنفس ونقول لها : إذا كان هذا قد أخطأ عليك بخطأ واحد فلقد أخطأ تي أخطاءً كثيرةَ على الناس بشعور أو بدون شعور لذا وجب التغافر بين المسلمين والتصافح والتسامح وخصوصاً بين الأرحام والأقارب فإن ذلك من أعظم الأمور ومن عظم الأشياء التي أمر الله عز وجل بوصلها :(( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) )) سورة محمد أية ( 23 -22)
واجب علينا المحافظة على هذه القلوب والمحافظة على سلامة الصدور لأن سلامة الصدور فيها التحام للمجتمعات كلها ، ماذا تصنع بمجتمع يعيش أشد منه عيشة وأخطر وأخبث ربما مما تعيشه الحيوانات الكاسرة في الغابات بل أن هذه الحيوانات في قلوبها شيء من الرحمة على أقاربها وعلى أسرتها وعلى من تحوطهم بالنصح لكن الإنسان هكذا سمى الله عز وجل هذه المضغة التي في جسده سماها بالقلب ، لأنها شديدة التقلب ، يتقلب هذا القلب في كل وقت وفي كل حين وهذه القلوب كما قال النبي صلى الله عليه واله وسلم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء .
إذًا لابد من محاسبة ومراجعة وتصفية هذه القلوب حتى تكون سليمة وحتى يحيا الإنسان حياه هنيئة سليمة لا يظلم عليه قلبه ولا يجد الوحشة ممن هم أقرب الناس إليه وإن من شؤم هذه المعصية أن القلب والصدور تجد وحشة من الآخرين نتيجة أنها تحمل الحقد والغل على الآخرين لأن هذه القلوب ليست قلوباً سليمة وليست قلوباً صافية فكيف يهنأ الإنسان بحياته إذا كان قلبه بهذه المثابة .
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد :
إن الفتن التي تحل بالناس أنما تعرض على هذه القلوب بل إن جميع الفتن التي تعرض على الأذن والبصر وعلى اليد وإلى آخره ، إنما ترد إلى هذه القلوب قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ فَزِنَى الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ))[11].
لأنه هو الملك هو الحاكم وهو يستطيع أن يقول: لهذه العين أتق الله أيتها العين فلقد نظرت نظرة محرمة قد تورثني موتاً لا أحيا بعده ، هذه النظرة قد تورثني حسرة لا أشفا بعدها أبداً .
وهكذا يقول :للأذن ولليد وللرجل ، الفتن تعرض على القلوب.
كما في حديث حذيفة رضي الله عنه: (( تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصد عوداً عوداً فأيما قلب اشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأيما قلب انكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تكون القلوب على قلبين ، أبيض مثل الصفاء لا تضره فتنة مادام السماوات والأرض ، وأسود مرباداً كالكوز مجخياً أي كالكأس المقلوب ، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه ))[12]
فالقلب السليم هو الذي لا تضره هذه الفتن مادامت السماوات والأرض أما القلب المريض فأنه يتشرب بهذه الفتن وما أكثر هذه الفتن التي تعرض على هذه القلوب وعرضها على القلوب ثم عبر الحواس ثم عبر النظر وعبر السمع وعبر الرجل وعبر اليد وعبر اللسان والشم ، ثم بعد ذلك هذه الجوارح تعرضها على القلب فإن كان القلب صحيحاً وكان سليماً وكان متقياً بإذن الله عز وجل يدفع هذه الفتن وإن كان مريضاً فإنه يتشرب بها وإذا تكاثرت عليه هذه الفتن فإن النكت السوداء حينها تكثر عليه حتى يصير هذا القلب لا يفقه شيئاً ، كما قال الله تعالى :(( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) )) سورة المطففين أية (14) .
هذا القلب أي فتنة تعرض عليه أي معضلة أي كبيرة أي ذنب يرتكبها الإنسان فإن الإيمان يضعف ويمرض في هذا القلب حتى يوشك أن يخرج من هذا القلب .
في سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن))[13].
في هذا الحديث زيادة وإن العبد إذا ارتكب الذنب خرج الإيمان من قلبه ثم يبقى فوقه كأنه ظله فإذا أقلع عن هذا الذنب لأنه لا يفعل الذنب من في قلبه إيمان وإنما يفعله في حال خروج هذا الإيمان من قلبه ، ولو كان الإيمان موجوداً لزجره عن الوقوع في هذا الذنب تماماً كما فعل ذلك الرجل الذي اضطرت ابنة عمه يوماً للاستلاف منه فقال لها : لا أعطيك حتى تمكنيني من نفسك فلما كان منها موضع الرجل من أمرأته قالت له :اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، قام هذا الرجل وتركها وقال: ما عندك من المال هو لك لوجه الله تعالى لأن الإيمان كان لا يزال في قلبه أما إذا اقترف الذنب فإن الإيمان يخرج من قلبه فإذا انتهى من هذا الذنب عاد هذا الإيمان ضعيفاً مريضاً فإذا ارتكب ذنباً آخر وهكذا وتنكت فيه هذه النكت فإذا لم تصقل ويشفى هذا القلب فإنه يوشك أن ينتكس انتكاسة لا يجد بعدها عافية أبداً .
اللهم أصلح فساد قلوبنا ، والحمد لله رب العالمين .
[1] – سنن ابن ماجه 1/445
[2] – سنن أبي داود 2/272
[3] – سنن ابن ماجة 1/445
[4] – البخاري 1/28
[5] – مسلم 4/1984
[6] – صحيح مسلم 8 /138
[7] – سنن أبي داود 2/696
[8] – البخاري 5/2302
[9] – سنن البيهقي 6/226
[10] – سنن أبي داود 2/681
[11] – مسلم 8/52
[12] – مسلم 1/128
المشاهدات 10432 | التعليقات 2
شؤم الذنوب و المعاصي
فإن الله سبحانه وتعالى حينما استخلف بني آدم على وجه الأرض أمرهم ونهاهم وشرع لهم الشرائع التي تحل لهم الحلال وتحرم عليهم الحرام أرسل إليهم وأنزل عليهم الكتب لئلا يكون لناس على الله حجة بعد الرسل خلق الله سبحانه وتعالى جميع المخلوقات من أجل غاية واحدة وهي عبادته سبحانه وطاعته ما خلقهم ليستكثر بهم من قلة ولا يتقوى بهم من ضعف وإنما خلقهم لهذه الغاية الهامة وهي عبادته سبحانه…
خطبة بعنوان : ( شؤم الذنوب و المعاصي)
العناصر:
1- الغاية من خلق الناس 2- تنزيه الله سبحانه عن الظلم 3- سبب ما يحدث للأمة من الذنوب والمعاصي 4- ولله جنود السماوات والأرض 5- أخذ العظة والعبرة مما يحدث 6- الأعمال الصالحة سبب التكفير لذنوب.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى حينما استخلف بني آدم على وجه الأرض أمرهم ونهاهم وشرع لهم الشرائع التي تحل لهم الحلال وتحرم عليهم الحرام أرسل إليهم وأنزل عليهم الكتب لئلا يكون لناس على الله حجة بعد الرسل خلق الله سبحانه وتعالى جميع المخلوقات من أجل غاية واحدة وهي عبادته سبحانه وطاعته ما خلقهم ليستكثر بهم من قلة ولا يتقوى بهم من ضعف وإنما خلقهم لهذه الغاية الهامة وهي عبادته سبحانه :((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً )) سورة الإسراء آية (44).
وقال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57))) سورة الذاريات الآيات (56-57).
فالخلق إنما وجدوا من أجل الطاعة والعبادة وجدوا ليبتلهم الله تعالى ويختبرهم فيميز الطيب من الخبيث ويميز الطائع من العاصي وذلك أن حكمة الله تبارك وتعالى اقتضت ألا يكون الناس على قلب رجل واحد ولو كان الأمر كذلك لما كان ثمة حاجة لإرسال الرسل وإنزال الكتب .
ولكن الله تعالى قد فصل للناس المنهاج الذي يرتضيه فأمرهم بالطاعات ونهاهم عن المعاصي والسيئات .
وضح لهم سبيل الخير والسبل الموصلة إليه ووضح لهم سبيل الشر والسبل الموصلة إليها فأمرهم بالأولى ونهاهم عن الثانية قال تعالى: ((وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )) سورة ا لبلد آية (10) .
وقال تعالى :((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)) سورة الإنسان آية (3).
ولذا فإن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا ولم يتصف سبحانه بالظلم أبدا.
بل قال سبحانه وتعالى: ((…وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)) سورة الكهف آية (49).
لم يصف سبحانه وتعالى بالظلم حتى في أولئك الذين يدعو الألوهية والربوبية بل عاملهم الله تبارك وتعالى بعدله وأقام ميزان القسط حتى أنه سبحانه وتعالى يأتي للعبد بالشيء اليسير لم يكن يحتسبه من الأعمال ويقول هذا عمل صالح كنت فعلته في يوم كذا وكذا.
والله تعالى من عدله ورحمته أنه سبحانه يمهل ولكنه لا يهمل فلا يؤاخذ الناس مباشرة بعد اقتراف الذنب و الإثم والجرم بل أنه يمهله عله يتوب فإن تاب هذا العبد قبله الله تعالى وفرح بتوبته وبرجوعه وأبدل سيئاته حسنات وغفر زلاته ورفع درجاته هذا الرب الرحيم سبحانه وتعالى الذي عامل الخلق في غاية من التودد والعدل سبحانه وتعالى لكنه عز وجل إذا أملى لأحد ثم تمادى ولم يرجع فإنه سبحانه وتعالى إذا أخذه جعله عبرة للمعتبرين إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر .
إنه سبحانه وتعالى كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:((إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته))[1]
كم أعطى فرصة لقارون وكم أمهل فرعون وكم أمهل هامان وكم وكم ….
ولكنه سبحانه وتعالى حينما أخذ هؤلاء أخذهم أخذ عزيز مقتدر سبحانه وتعالى.
فتلك قصصهم في القرآن وتلك قصصهم في التواريخ تحكى لمن أراد أن يتعظ ولمن أراد أن يعتبر وما كان ربك ليظلم هؤلاء والقوم بل لأنهم تمادوا في غيهم وفي ضلالهم وفي ظلمهم وفي عصيانهم وبعد أن أقام الله تعالى عليهم الحج والبراهين وكلهم لما استمروا وعلم الله تعالى أن هؤلاء القوم لا يمكن أن يتوبوا ولا يمكن أن يرجعوا إلا أنه سبحانه تعالى يذكر عباده مؤمنهم وكافرهم بحوادث الزمان حينما تمر متى تمر ليتعظ من يتعظ و ينزجر من ينزجر ويعود إليه سبحانه من شاء وليتمادى في غيه وظلاله وغطرسته من كتب الله تعالى عليهم الشقاوة .
أن الله تعالى يحكى في كتابه الكريم أنه ما أصاب العبد من ذنب إلا و كان ذلك بسبب عصيانه قال الله تعالى: (( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ))سورة الشورى آية (30).
ولكن هذا الإنسان ظلوم هذا الإنسان غشوم هذا الإنسان جهول كما وصفه الله تبارك وتعالى فقال سبحانه : ((إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً )) سورة الأحزاب آية (72) لم يعرف حقيقة حمل الأمانة .
هذه الأمانة التي تبرأت منها السموات وتبرأت منها الأرضون وتبرأت منها الجبال مع أنها جمادات مع أنها صماء لا تنطق ولا تعقل كما يعقل الإنسان ولم يفضلها كما فضل الإنسان في العقل الذي هو مناط التكليف لكن الإنسان بظلمه وجهله تحمل هذه الأمانات ثم فرط فيها ووقع في معصية الله تعالى كم هي الحوادث التي تقع على ظهر الأرض ؟
وكم هم الذين يعتبرون ويتعظون؟ .
أيها الإخوة :
هذه الحوادث ينبه من أراد الله تنبيه للعودة إلى الله سبحانه وتعالى ولا يضرنا الزمان ولا تضرنا الأيام ولا يضرنا أن أمدنا الله سبحانه وتعالى وأفسحنا بالأعمار إن الساعة تكاد تكون قريبا .
لقد قال النبي عليه الصلاة والسلام حينما مبعثه كما جاء من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال
: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بإصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام بعثت أنا والساعة كهاتين )[2]
ولكن تتمادى بنا الأيام وتتطاول بنا الأعمار وينسى من ينسى أنه سيموت ومن مات قامت قيامته لا شك ولا ريب في وقت اقتربت الساعة وهذا قد تكلم به حتى علماء الأرصاد أيضا أن تحول الجو المناخي الذي طرأ على وجه الأرض ليدل دلالات واضحة أننا نعيش في آخر الزمان منها على سبيل المثال أنهم ذكروا عن كوكب كان يسير بالاتجاه الصحيح من الشمال إلى اليمين كما يطوف الطائف على بيت الله الحرام ثم فجأة رأوا أنه هذا الكوكب بدأت سرعته تخف ثم توقف عن الدوران ثم عاد يدور مرة أخرى دورانا عكسيا .
قالوا إن هذا الحدث لعله يحدث في يوم ما لأرض التي لا تزال تدور في هذا الدوران وكل الأفلاك تدور بهذا الدوران تسبح الله تعالى كمثل ما يفعل الطائف حول البيت الحرام .
فقالوا : إن الأرض سيأتي عليها يوم تتوقف حركتها بهذا الاتجاه ثم تتجهه في الاتجاه المعاكس هذا الاتجاه المعاكس هو الذي ذكره النبي عليه الصلاة و السلام من أن الشمس ستطلع يوما من مغربها وليس من مشرقها لماذا تطلع الشمس من مغربها ؟
لأن الأرض تدور دوارنا عكسيا فتطلع الشمس من جهة المغرب.
وذكروا أن بهذا التحول المناخي على ظهر الأرض بدأت الأمطار تتكاثر خصوصا على جزيرة العرب .
والتي قال النبي فيها صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (( لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ))[3]
أيها الإخوة الفضلاء :
حدث قبل شهور الإعصار العجيب في جنوب شرق أسيا الذي يسمى بالتسونامي وكان قد حصد ما يقارب ربع مليون شخص واتعظ من اتعظ واعتبر من اعتبر وتمادى من تمادى في معصية الله تعالى ولعلكم تابعتم كذلك أن بلدنا كانت مهددة بمثل ذلك التسونامي أن يضرب سواحل عدن ولكن الله سلم فكانت الهزات الخفيفة .
ثم حصل أيضا في أمريكا ذلك الإعصار الذي دمر والذي هدم والذي أمات وأغرق وشرد الآلاف المؤلفة وأن كانت الإحصاءات لم تصل إلينا بدقة وقبل يومين بالضبط حدث كما تابعتم في عمان ذلك الإعصار الشديد الذي هو من جنود الله تعالى قال الله تعالى: ((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)) سورة المدثر آية (31) .
وما هذا إلا نتيجة للمعاصي والذنوب التي يرتكبها العباد التي يغضبون الله بها .
الله عز وجل يمكن أن يرسل هذه الأعاصير على أي بلد متى شاء سبحانه تعالى .
تخيل سرعة هذه الرياح بلغت نحو مائتين وستين كيلوا متر في الساعة بل هناك ما يبلغ سرعتها إلى ستمائة كيلو وسبعمائة كيلوا يعني ربما أسرع من الطائرة في بعض الأحيان .
بل أنها قد تبلغ أكثر من ذلك بإرادة الله سبحانه وقدرته سبحانه وتعالى.
فقد بلغ ارتفاع الأمواج أمواج البحر اثني عشر مترا ارتفعت على ظهر الأرض معنى هذا أنها تدمر الأخضر واليابس تد مر كل شيء يواجها تحصد الأرواح وتتلف الأموال .
أدت هذه الأمواج إلى قتل وتشريد عدد من الناس الإحصائيات غير دقيقة إلى وقتنا هذا المهم في هذا أن نعلم أن الله تعالى له جنود هؤلاء الجنود لا يعلمهم إلى هو سبحانه وتعالى .
ولهذا ذكر الله عز وجل أقواما عصوه سبحانه وتعالى فقال فيهم: ((فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )) سورة العنكبوت آية (40).
هذه البحار لا يظننَّ ظان أن الجبال تستطيع أن تعصم حيث لا عاصم اليوم من أمر الله إذا أراد الله سبحانه أن يقول للبحار التهمي ما أمامك من البيوت والجبال كما فعل بابن نوح حينما وعظه وأرشده أبوه كما ذكر القرآن فقال ((وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَ يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)))سورة هود الآيات (41-44).
هكذا لا يظننَّ أحدكم أنه بـأماكن عالية شاهقة بعيدا عن السواحل وبعيدا عن البحار لا بل قد لا يكون الأمر كذلك إنها هزات بسيطة لهذه الجبال تصير العالية سافلة الرياح التي هي جند من جنود الله تعالى أرسلها على أقوام سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعا كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية أرسلها الله عليهم فدمرت كل شيء بأمر ربها سبحانه وتعالى.
هذه الأمور التي يجب على أمة الإسلام أن تتعظ وأن تعتبر لتعلم وتوقن أنه لا ملجأ لها إلا أن ترجع إلى الله لا ملجأ لها إلا أن تطيع الله سبحانه وتعالى إلا أن تتوب من الذنوب التي تعصى الله بها .
ذنب واحد يا عباد الله يغضب الله سبحانه ولكنه سبحانه وتعالى رؤوف رحيم يمهل عباده سبحانه وتعالى .
ذنب واحد يكفي بأن يقلب العالية سافلة على الناس ليس على العصاة فحسب بل حتى على الآخرين الذين لم يأخذوا بأيدي السفهاء قال الله تعالى: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) سورة الأنفال آية (25).
إن الذنب إذا وقع لم يأخذ الناس بأيدي هؤلاء الذين يرتكبون الذنوب أوشك الله تعالى أن يعمهم بعقابه .
خذ ورقة وقلم وعدد المعاصي والذنوب التي ترتكب ليلا ونهارا في كل مرافق الحياة ذنوب وعصيان ومجاهرة وفسوق ليلا ونهارا نجاهر الله سبحانه وتعالى بالمعاصي ذنوبنا إليه تصعد ونقمة إلينا تنزل و نبارزه بالمعاصي سبحانه وتعالى ثم نأتي بعد ذلك نشكوا جور الظالم نشكوا القطعية قطيعة الأرحام التقاطع و التهاجر بين الجيران نأتي نشكو الغلاء نأتي نشكو كذا وكذا ونسينا أن السبب نحن بذنوبنا ومعاصينا يقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (( نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم))[4]
هكذا أيضا يقول صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم: ( لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ))[5]
أي بسبب عصيانهم ابتلاهم الله عز وجل بتعفن اللحم وكان من قبل كان أحدهم يضع اللحم حيث يضعه فلا يتعفن أبدا .
ولكن بسبب الذنوب والمعاصي الأرزاق تتأثر بالمعاصي كما قال صلى الله عليه وسلم من حديث ثوبان قال قال : رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر الا البر ))[6]
القطيعة والهجران بين الناس بين الأصدقاء ما تقاطع اثنان بعد توادهما إلا بذنب أحدثه أحدهما
ولكننا نتجاهل لكننا نرمي بالتبعة على الغير هكذا تعودنا حكاما ومحكومين يأتي الناس فيشكون جور السلطان وما عرفوا أيضا أنهم جزء من هذا الواقع وأن ذنوبهم ومعاصيهم جزء من هذا الواقع أيضا كما قال صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ( يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط . حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا
ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم
ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا
ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في بأيديهم
وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ))[7]
حال أمتنا وما يحدث فيها إنما هو ناتج عن الذنوب والمعاصي وما هو حادث في فلسطين وما هو حادث في السودان وما هو حادث في العراق في أفغانستان ما هو حادث في اليمن في أي مكان ليس أمورا سياسية محضة إنما هو بسبب الذنوب.
لأن الله تعالى قد وعد من أمن به واستقام على أمره أنه يحيه الحياة الطيبة هذه الحياة التي يحياها الناس ليست حياة طيبة مليئة بالدماء و القتل والقتال .
إن الذنب في هذه الأمة يصيبه العبد في أطراف الأرض يتأثر منه كل المسلمين في أرجاء العالم لا تظنوا أنا ما يحدث في العراق إنما هو بسبب العراقيين بل هو بسبب الأمة كلها.
وإلا فانظر إلى تخاذلها انظر إلي وقفتها المتفرجة لما يحدث لإخواننا هنالك وكذا قل في فلسطين وفي غيرها من البلاد الإسلامية هذا التخاذل نفسه هو السكوت والرضا والتسليم لأعداء الله تعالى والخنوع والخضوع والركوع لهم هو من جملة الذنوب والمعاصي جراحات لا تكاد تندمل أبدا يوم في الصومال ويوم في أفغانستان يوم في البوسنة والهرسك وهكذا هلم جر إن الله تبارك وتعالى ينعم على عباده بالنعم فتقابل هذه النعم ليس بالشكران وإنما بالكفران .
الله تعالى يقول: ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)) سورة إبراهيم آية (7).
هذه الدول المترفة الغنية التي أمدها الله تبارك وتعالى بالأموال التي لم تكن تحسبها ما تعب عليها الآباء ولا الأجداد.
إنما هو بفضل الله ومنه حينما تستخدم هذه الأموال فيما يغضب الله عز وجل تأتي مثل هذه الرياح والأعاصير تلك الفيضانات ومثل تلك الأمطار وتأتي مثل تلك الهزات ومثل تلك الأمراض التي يعجز الأطباء أن يوفروا لها علاجا في هذه البلاد في عمان بلدة غنية لا شك ولا ريب عملتها من أقوى العملات من أقوى عملات العالم ليس من أقوي عملات الخليج إن عملتها أقوى من الدولار واليورو فهي من أقوى عملات العالم.
ولكن مع هذا لم تستخدم فيم يرضي لله تعالى لو نظرتم إليها وتفحصتم لعرفتم قدرة الله سبحانه بما عاملهم به رحيم .
إن فئة من الناس هنالك أيضا يضيق عليهم ولكن الناس لا يعلمونهم لا يستطيعون أن يقيموا دينهم كما أراد الله سبحانه وتعالى .
دولة عمان نعم دولة مسلمة لا نشك في هذا ولا نرتاب ولكنها بنت عقائدها على انحراف أن عقائد الطائفة المتسلطة هنالك لا تقل خطر عن الروافض إنهم أباضية خوارج يكفرون كل من خالفهم وكل من كان سواهم هذا أمر خطر على كل حال لكن الله تعالى لا يزال يعاملهم برحمته سبحانه و تعالى تقطعت الطرق تهدمت الجسور انقطعت المياة والكهرباء والهاتف فصار الناس بالعراء لا يستطيعون أن يصلوا إلى المدن ولا يستطيعون أن يذهبوا لكي يأتوا لأنفسهم بماء فالسيول لا تزال تتدفق عليهم من كل مكان إن في هذا لعبرة لمن أراد أن يتعظ وأن يعتبر
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
نعم أيها الإخوة :
أن لله تعالى كتابه ينطق بيننا وسنة النبي عليه الصلاة والسلام تنطق بيننا تدلنا على الطريق أو السبيل والطرق الصحيحة لغفران الذنوب للاستقامة على أمر الله تعالى .
قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13))) سورة الصف الآيات ((10-13).
ذكر في ثنايا هذه الآيات غفران الذنوب فقال :((هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)) ما هي هذه الطريقة التي تنجينا من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله إلى أن قال يغفر لكم ذنوبكم .
ثم تقوى الله عز وجل من الأسباب التي تؤدي إلى غفران الذنوب قال الله تعالى :((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) سورة آل عمران آية (102).
ربنا سبحانه وتعالى وضح في كتابة الكريم السبل التي بها يغفر الذنوب إجابة دعوة الله عز وجل والإيمان قال الله تعالى: ((يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )) سورة الأحقاف آية (31).
فالإيمان بالله عز وجل والاستجابة لأمر النبي عليه الصلاة والسلام والعمل وفق ذلك ليس أن تنظر إلى النصوص من القرآن والسنة ثم نمر عليها مرور الكرام وإنما المراد والمطلوب أن تنظر في الآيات والأحاديث ثم نصير ذلك أعمالا ظاهرة كانت أم باطنة و الاعتزاز بهذا الدين والعمل لهذا الدين المحافظة على الصلوات في بيوت الله سبحانه وتعالى وخصوصا صلاة العصر صلاة الفجر هذا الصلوات التي تكاد تكون مهجورة في بيوت الله عز وجل هكذا أيضا التصدق على الفقير والمسكين والأرملة ويتيم وهلم جر من الأعمال الصالحة التي تكون أسبابا لغفران الذنوب والتي أيضا تشحذ الإيمان في القلوب وتجعل المرء يترقى في منازل ودرجات الإيمان بإذن الله سبحانه وتعالى أيضا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولتناصح بين المسلمين فيما يرونه من المعاصي فالخطيب يتكلم بلسانه ولكاتب يكتب بقلمه وصاحب الوجاهة يذهب إلى المسئول لينصحه وليرشده إلى المعاصي والذنوب التي ترتكب وهو ربما يكون غافلا عنها أو عارفا لكنه يتغاضى عنها بهذا التناصح ترتفع الذنوب بإذن الله عز وجل ويأتي الله عز وجل بالخير للناس لكنهم .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه و يرضاه و الحمد لله رب العالمين .
[1] – سنن ابن ماجه 2/1332[2] – البخاري 4/1881
[3] – مسلم 2/700
[4] – سنن الترمذي 3/226
[5] – البخاري 3/1212 ومسلم 4/179
[6] – مسند الإمام أحمد 5/277
[7] – سنن ابن ماجه 2/1332
رابط الخطبة : http://almaqtari.net/?p=2211
محب آل البيت
رابط الخطبة : http://almaqtari.net/?p=2288
تعديل التعليق