خطبة عن رد التفجير ونعمة الأمن وإقامة حدود الله في الظالمين
محمد بن عبدالله التميمي
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ـ أيّها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله جميعًا رحمكم الله، كم من نعمٍ أنعم بها علينا، وكم من فضل ساقه الله إلينا، هدانا في ديننا، وسلَّمنا في أبداننا، أحيانا مسلمين، وأنشأنا في قومٍ صالحين، فاصرفوا نِعمَ مرضاته لتكون عونًا لكم على طاعته وبلاغا إلى جنَّته، واشغلوا أوقاتكم طاعةً وقربى، ولا تتَّخذوا دينَكم لهوا وهزوًا ولعبًا.
عباد الله.. فرَض الله الفرائضَ وحرَّم المحرَّماتِ وأوجب الحقوقَ رِعايةً لمصالحِ العباد، وجعل الشريعةَ غِذاءً لحِفظ حياتِهم ودواءً لدَفع أدوائهم، وجاءت دعوةُ الرّسل بإخلاصِ العبادةِ لله وحدَه بخضوع وخشوعٍ وطمأنينة، ومَقَتت ما يصرِف القلوبَ عن خالقِها، فكانت أوَّل تضرُّعات الخليل عليه السلام لربّه جل وعلا أن يبسُطَ الأمنَ على مهوى أفئِدَة المسلمين فقال: ربِّ اجعل هذا البلدَ أمنًا، فاستجاب الله دعاءَه فقال سبحانه: وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} ولقد جمعت شريعةُ الإسلام المحاسنَ كلّها، فصانت الدينَ وحفِظت العقول وطهَّرتِ الأموال وصانت الأعراض وأمَّنت النفوس، أمَرَتِ المسلمَ بإلقاء كلمة السلام على أخيه المسلم، وحذَّرت من إظهارِ أسباب الرَّوع بين صفوفِ المسلمين، ودعت إلى كلِّ عمل يبعَث على الأمن والاطمِئنان بين صفوفِ أفراده، وأمرت بإخفاء أسباب الفزَع في المجتمع، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّع مسلِمًا) رواه الإمام أحمد، ولمَّا دخل النبيّ مكَّة عامَ الفتح، منح أهلَ مكَّة أعظمَ ما تتوُق إليه نفوسهم، فأعطى الأمانَ.
عباد الله.. إنه بالأمن والإيمان تزدهِر الحياة، وتُغدَق الأرزاق، ويتعارف الناس، وتُتَلقَّى العلومُ من منابعها الصافية، وتتوثَّق الروابطُ بين أفراد المجتمع، وتتوحَّد الكلمةُ، ويأنس الجميعُ، ويتبادل الناسُ المنافع، وتُقام الشعائر بطمأنينة، وتقُام حدود الله في أرض الله على عباد الله.
وإذا اختلَّ الأمنُ تبدَّل الحالُ، ولم يهنأ أحدٌ براحةِ بال {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} إذا سُلِبت نعمةُ الأمن فشا الجهلُ وشاع الظلم وسلبتِ الممتلكات، وحلَّ الخوفُ الجالب للغمَّ، يقول معاوية رضي الله عنه: (إيّاكم والفتنةَ، فلا تهمّوا بها، فإنها تفسِد المعيشةَ، وتكدِّر النِّعمة، وتورثُ الاستئصال)، ومن قلب بصره وأعمل بصيرته أدرك ذلك، وتلك نعمة يمن بها ربنا { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}، فنعمةُ الأمن حقيقٌ بأن تُذكَر ويذكَّر بها وأن يُحافَظ عليها، قال سبحانه: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لعلكم تشكرون} {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}، والذنوب مُزيلةٌ للنِّعم، وبها تحُلّ النقم: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} وبالاغترار بالأغرار وترك الرجوع للراسخين من العلماء الكبار تزل القَدَم ويضل الفَهْم، والعنايةُ بالعلم والتمسُّك بالكتابِ والسنة عصمةٌ من الفتن، وترسيخ للأمن، قال ابن القيّم رحمه الله: "وإذا ظهر العلمُ في بلدٍ أو محلّة قلّ الشر في أهلها، وإذا خفي العلمُ هناك ظهَر الشرّ والفساد" فالتحصن بالعلم يتترس به المرء من الوقوع في الكفر ومن الحكم على المسلم بالكفر، وما يتبعه من فكر التخريب والتفجير والقتلِ للنفوس المعصومة وإخلالِ أمن الأمة المرحومة، وإن ما وقع من تفجير ببلدة الزلفي لفَعلة شنيعة، تنكرها أشد الإنكار الشريعة، ذلك أن أعظم الإفساد في الأرض بعد الشرك بالله تعالى: قتل النفس التي حرّم الله عزّ وجل قتلَها {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}، وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَنْ يَزَالَ الْمَرْءُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا" بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد: فإن الْإِسْلَام وضع حدوداً، ورسم حقوقا، وقد يغلب الْهوى، فيُغمط الْحق، أَو يُتَعَدَّى الْحَد، فَلَا تكمل الْحِكْمَة من تشريع الْأَحْكَام إِلَّا إِذا وجدت قُوَّة الْإِقَامَة الْحُدُود، وَتلك الْقُوَّة لَا يجوز أَن تكون فوضى فِي عدد كثير، فَلَا بُد أَن تكون فِي وَاحِد هو ولي الأمر، ومن حكمة إقامة الحدود؛ أن تُصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتُحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك، وإن ما أمر به ولي الأمر من إقامة الحد على من أرهب العباد وسعى في الأرض الفساد هو أكبر الإنكار للمنكر ذلك أن إقامة الحدود بمثابة الزواجر عن ارتكاب الفاحشة والظلم في الأرض.
المرفقات
عن-رد-التفجير-ونعمة-الأمن-وإقامة-حدود-ا
عن-رد-التفجير-ونعمة-الأمن-وإقامة-حدود-ا