خطبة عن ختام شهر الخير
سعود المغيص
أَمَّا بعدُ عباد الله :
اتقوا الله تعالى وتَذَكَّرُوا أَنَّكُم في آخِرِ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضان، حَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْه إلا القَلِيل، فَلا تَخْتِمُوا شَهْرَكُم بالغَفْلَةِ والكَسَلِ والفُتُور وَضَعْفِ الهِمَّة، واحْرِصُوا عَلَى أنْ تَخْتِمُوه بِأَربَعَةِ أَعْمالٍ مُهِمَّة:
أوَّلُها : الشُّكْر، فَهُوَ عِبادَةٌ عَظيمةٌ يَغْفَلُ عن حقِيقَةِ أدائِها كَثيرٌ مِن الناسِ. وعِبادَةُ الشُّكْرِفي خِتامِ الشّهْر بالنِّسْبَةِ لَنا مِن أَهَمِّ العباداتِ. فَنَشْكُرُ اللهَ الذي هَدانا لِلإيمانِ وأداءِ عِبادَةِ الصِّيامِ والقِيام، بَيْنما أَكْثَرُ أَهْلِ الأرضِ على خِلافِ ذلك! بِسَبَبِ كُفْرِهِم باللهِ، حُرِمُوا نِعْمَةَ الهِدايَةِ لِلإسلامِ، ونِعْمَةَ الطاعَةِ التي مِن أَعْظَمِها الصيامُ والقيام.
ونَشْكُرُ اللهَ لِأنَّنا نصُومُ ونَحْنُ نَعِيشُ في نِعْمَةٍ عَظيمةٍ لا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، وهي نِعْمَةُ الأَمْنِ والأمان، بَيْنَ أَهْلِينا وأَولادِنا، نَنامُ آمِنِين، ونَخْرُجُ إلى مَساجِدِنا آمِنِين، ونُصَلِّي آمِنِين، نَشْعُرُ بِرَمَضانَ وفَرْحَتِهِ ولَذَّتِه. بَيْنَما يُوجَدُ مِن الْمُسْلِمِين مَن لا يَشْعُرُ بِذلِك، قَدْ يَصُومُ تَحْتَ القَصْفِ والقَنابِلِ والصَّوَارِيخِ، أو لا يَسْتَطيعُ الْخُرُوجَ مِن بَيْتِهِ مِن الخَوْف، أو بَعِيداً عن أَهْلِهِ وأولادِه، بَل هُناكَ مَن هُوَ خائِفٌ حَتَّى في جَوْفِ بَيْتِه، وإذا فُقِدَ الأَمْنُ فَقَدَت الحَياةُ طَعْمَها، بَل وحَتَّى العِبادَةُ تَفْقِدُ طَعْمَها.
ونَشكُرُ اللهَ لأنَّنا لَحْظَةَ الإفطارِ والسَّحُورِ نَنْعَمُ بَوَفْرَةِ الطعامِ، فالمَوائِدُ فيها ما لَذَّ وطابَ مِن الطَّعامِ والشَّرابِ، وما تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ مِن الطَّيِّبات. وفي نَفْسِ الوَقْتِ يُوجَدُ مَن يَصُومُ بِلا سَحُورٍ، ولا يَكادُ يَجِدُ مِن الإفْطارِ إِلاّ ما يُحَلِّلُ صِيامَه فقط.
فاشْكُروا اللهَ عِبادَ الله، واعْلَمُوا أَّن مِن شُكْرِ هذِه النِّعْمَة، أَن نَثْبُتَ على طاعَةِ اللهِ، وأَن نُداوِمَ عَلَيْها ما حَيِينا إِلى أن نَلْقَى اللهَ، وأَنْ لا نَقْتَصِرَ على ذلك في زمانٍ دُونَ زَمان.
ومِن شُكْرِ اللهِ أيضاً أَن لا نَنْسَ المَحاوِيجَ ، وأَن نُواسِيَ المَحْرُومِين مِمَّا رَزَقَنا اللهُ، فإنَّ مِن أَعْظَمِ صِفاتِ المُتَّقين أَنَّ في أَمْولِهِم حَقًّا لِلسائِلِ والمَحْرُوم.
العَمَلُ الثانِي الذي نَخْتِمُ بِهِ شَهْرَ رَمَضان : الاِسْتِغْفار، فَإِنَّ الاستِغْفارَ مَشْرُوعٌ في خِتامِ الأعمال، لِأَنَّ العبدَ لا يسْلَمُ مِنَ الذُّنُوبِ والتقصيرِ، فَيَسْتَغْفِرُ مِن ذُنُوبِهِ التي ارْتَكَبَها،ومِنْ تَقصِيرِه في أداءِ هذا الرُّكنِ العَظيم، ألا وَهُوَ صِيامُ شَهْرِ رمضان.
العَمَلُ الثالِثُ الذي نَخْتِمُ بِهِ شَهْرَ رَمضان: صَدَقَةُ الفِطْر، فَإِنّ اللهَ فَرَضَها رَحْمَةً بِنا، وبِمَن تُؤَدَّى لَهُم. فَهِي رَحْمَةٌ بِنا لِأَنَّها طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِن اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وسَدٌّ لِلنَّقْصِ الحاصِلِ في صِيامِه. وهِيَ رَحْمَةٌ لِمَن تُؤَدَّى لَهُم، وهُم المَساكين، فَهِيَ طُعْمَةٌ لَهُم، وإِظْهارٌ لِلتَراحُمِ والتَّواصُلِ مَعَهُم وبِهِم، فَهِيَ صُورَةٌ ظاهِرَةٌ، ومِثالٌ حَيٌّ لِلتَكافُلِ الاِجتِماعِي، حِينَما يَقُومُ المُسلمُون، صَغِيرُهُم وكَبِيرُهم، فَيُخْرِجُون زَكاتَهَم لِلْمَساكِينِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، وكذلك صَبِيحةِ يَوْمِ العِيدِ.
فَيا لَه مِنْ مَنْظَرٍ عَظِيمٍ يَشْرَحُ الصُّدُورَ ويَفرَحُ بِهِ المؤمنون. فَمَا ظَنُّكُم بِمَن يَرَى المُسْلِمِين وَهُم يُؤَدُّونَها بِهَذِه الصُّورةِ الظاهِرَة، كَيْفَ سَيَكُونُ شُعُورُهُ ، ونَظْرَتُهُ إلى هذا لدِّين، وأحكامِه؟!
إنَّهُ لَمَنْظَرٌ عَظِيمٌ يَجْعَلُ مَن يُفْتِي بِجَوازِ إِخْراجِها نُقُوداً، يُعِيدُ النَّظَرَ في فَتْواهِ، لِأَنَّهُ مُخالِفٌ لِلدَّلِيلِ، ولِلْحِكْمَةِ التي مِن أجْلِها شُرِعَت بِهذِهِ الصُّورة.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا, وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا, وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا, أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ, وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ,
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَاسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
أَمَّا بعدُ عباد الله :
العَمَلُ الرابِعُ الذي يُشْرَعُ في خِتامِ شهْرِ رَمَضان: التكْبِير، قال تَعالى: ( وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى ما هَداكُم وَلَعَلَّكُم تَشْكُرون ) وَيَمْتَدُّ وَقْتُهُ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ إِلَى صَلاةِ الْعِيدِ, وَلا يُشْرَعُ بَعْدَهَا !
ويُشْرَعُ لَلْمُسْلِمِ إذا خَرَجَ مِن بَيْتِهِ إلى المُصَلَّى أَنْ يُكَبِّرَ إلى أَنْ يَدْخُلَ الإمام. ومِن السُّنَّة أنْ يأكُلَ قبلَ الخروجِ إلى الصلاةِ فِي عِيدِ الفِطْرِ تَمَرَاتٍ وتراً: ثلاثاً أوْ خمساً أو أكثرَ من ذلك، يَقْطَعُها على وِترٍ لِثُبُوتِ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.