خطبة عن حالة العرب قبل الإسلام

زراك زراك
1433/03/12 - 2012/02/04 22:20PM
[mklb2]بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه.
صورة العرب قبل الإسلام 10 ربع الأول 1433 هـ 02/2/2012م
خطبة محمد زراك إمام المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب
الحمد لله الذي شرع لنا بسيرة المصطفى قدوة لا ضِرار فيها ولا ضَرر، كلها عدل وصدق وأمانة وفكر ونظر، لا ظلم فيها ولا غش ولا خيانة ولا غرر، وأشهد أن لا اله إلا الله شهادة تجعلنا ممن وحد الله تعالى وشكر، وممن آمن بالقضاء والقدر، وتميزنا عمن أشرك بالله فعبد الصليب والحجر، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله من كان له خير قول وأفضل أثر، وأصح الحديث والخبر، وأعظم شريعة تحمي الناس من كل مشكل وخطر، صلى الله وسلم عليه و على آله وأصحابه أكرم البشر، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم يكون لمن اتبع النبي الجنةُ ولمن خالفه سقر.
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون، أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته
قد قدمنا لكم في الجمعة الماضية، أن هذا الشهر، شهر ربيع الأول، وقعت فيه الأحداثُ الأربعةُ الرئيسية في حياة النبي  ، الولادة والبعثة والهجرة والوفاة. فما أجمل أن نعود في هذا الشهر إلى سيرة الرسول ، لاكن الأجمل من ذلك ان نتبع سنته، وأن نهتدي بهديه، أن يكون عملنا اسلاميا.
أيها المؤمنون! في خطبة اليوم، سأحاول أن أضع أمامكم صورة مصغرة عن حالة العرب قبل الإسلام، حتى نقف على جمال الإسلام وجلاله، لأن الشيء يعرف بضده كما يقال. يحكي لنا سيدنا عمر قصته العجيبة مع صنمه فقال بأنه: أراد السفر في الجاهلية قبل الإسلام في قافلة تجارية، وكان العرب يصنعون آلهتهم من الأحجار والأشجار، فيحملونها للعبادة في الأسفار، وعمر بن الخطاب هذه المرة أراد أن يكرم في الجاهلية صنمه أيما إكرام، فصنعه من التمر بعد أن أزال منه النواة، ثم عجنه فصور منه إلهه بوجهه ويديه ورجليه، ولكن شاء الله العلي القدير، أن يطول بهم السفر، فينتهي الزاد والمأكل، فما كان من عمر وهو في جاهليته، إلا أن التجأ إلى صنمه الذي صنعه وعبده، ولكن هذه المرة لا ليسجد له ويعبده، بل ليدفع به عضة الجوع ويأكله، فأكل في البداية رأس صنمه، ولكن الرأس فقط قليل لا يسمن ولا يغني من جوع، وفي اليوم التالي التهم اليد والرجل، وفي الثالث أكل الجسد كله. فانظروا _ راعاكم الله _ إلى هذه الصورة، كيف تفعل الجاهلية والكفر في غياب الإسلام؟ كيف كانت وضعية العرب قبل الإسلام؟ كيف يعبد أحدهم إلهه ثم أخيرا يأكله؟ فقال النبي  لعمر في سؤال عجيب: أما كانت لكم عقول يا ابن الخطاب؟!! فنسمع من عمر إجابة أعجب قائلا: لقد كانت لنا عقول يا رسول الله ولكن لم تكن هناك هداية!!!!
هنا أقف بكم وقفة، الآن نحن في مجتمعنا نتفق جميعا أن لدينا عقول، والدليل على ذلك أن أبنائنا وبناتنا يحصلون على أعلى الشهادات في الطب والهندسة والفزياء والأدب العربي والفرنسي والإنجليزي وغير ذلك، فالعقول موجودة، لاكن أين الهداية؟ أين الهداية في مجتمعنا، كل يوم في الفجر ينادي المؤذن في سماء الكون، الصلاة خير من النوم، فأغلب المسلمين إلا من رحم الله، يجيب المؤذن قائلا: بل النوم خير من الصلاة في هذه الأيام الباردة، ما ذا دهاكم يا أيها الناس؟ يا أصحاب العقول! هذا إعراض عن الخير، إعراض عن الجنة، حتى قال أبو هريرة : لأن تمتليء أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع النداء ولا يجيب.؟
أيها الاخوة في الله هكذا كان العرب في الجاهلية، يعبدون الأحجار والأشجار، وانتشر الظلم بكل أنواعه، والغش بكل ألوانه، فتعاملوا بالربا، وغرقوا في مستنقعات القمار والخمور، وما يتبع ذلك من الخبث والخبائث: فاستعبدوا المرأة ووأدوا البنات، وقتلوا أولادهم خشية الجوع والإملاق، وذهبت الوحدة بينهم أدراج الرياح، فتشردموا وتفرقوا، وقامت بينهم حروب طاحنة لأتفه الأسباب، كحرب البسوس التي استمرت وحمي وطيسها أربعين سنة بسبب قتل ناقة! وسادت الوثنيات والخرافات والعصبيات والقبليات والطبقات والمفاسد الاجتماعية والسياسية، وحرفت معظم الأفكار الإصلاحية السليمة، التي جاء بها أنبياء الله المرسلون وقد عبر الرسول  عن ذلك إذ قال فيما روى الإمام مسلم: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب».
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي عاش الجاهلية بعنادها وجبروتها، بشركها وظلامها، وعاش أيضا الشريعة الإسلامية بسماحتها ويسرها، بنورها وهديها، يقول: «إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية». ويوضح لنا رضي الله عنه في كلمة ذهبية، وفي سطر واحد، حالة العرب قبل الإسلام  إذ يقول: «كنتم أقل الناس وأحقر الناس وأذل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة من غيره أذلكم الله». نعم يا سيدي يا أمير المؤمنين! لا يعرف نور الإسلام وفضله، ولا يعرف سماحته ويسره، إلا من اطلع على جهل الجاهلين، إلا من اطلع على ظلام الجاهلية وتعصبها وعنفها.
وهذا _ أيها الاخوة في الله _ لا يعني أن العرب لا فضائل لهم، بل وجد الإسلام لديهم فضائل فتممها وأصلحها وهذبها، وأزال رواسب الجاهلية عنها، فجعلها خالصة لله بعد أن كانت خالصة للنفس والقبيلة والعصبية. بل إنهم يتمتعون بفضائل لكنها غلوْا فيها غلوّا حتى أصبحت رذائل، يتصفون بأخلاق لكنها حقيرة الهدف وذليلة المقصد: فالشجاعة غلوا فيها حتى تحولت إلى تهور، يقتل بعضهم بعضا، فهذبها الإسلام حتى كانت لإعلاء كلمة الله، والغَيرة غلوا فيها حتى أصبحت ظلما، فهذبها الإسلام حتى صارت حماية للأعراض والشرف، والخوف من العار غلوا فيه حتى أدى بهم إلى قتل البنات، فهذبه الإسلام حتى أكرم به المرأة والبنات، والجود والكرم غلو فيه حتى تحول إلى تكبر وافتخار، فهذبه الإسلام حتى كان لوجه الله دون سمعة ولا رياء، وحماية الجار والجوار والقرابة، غلوا فيها حتى تحولت إلى عصبية ممقوتة، فنصروا أخاهم ظالما أو مظلوما، فهذبها الإسلام حتى كانت لرفع الظلم عن المظلوم، ومنع الظالم عن ظلمه، كما تبث ذلك في الحديث فقد روى البخاري ومسلم، أن النبي قال: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، فقال رجل: أنصره إذا كان مظلوما أفرايت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: «تحجزه أو تمنعه عن الظلم، فإن ذلك نصره». ولهذا قال النبي  إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فكأنه يقول جئت لأكمل وأصحح هذه الأخلاق الموجودة.
تلكم _ يا عباد الله_ هي حالة العرب يوم ولد المصطفى ولد فكان نورا يضيء في هذه الظلمات، وبرهانا ساطعا يزيل هذه الخرافات، وعدلا يمنع قتل الأولاد ووأد البنات، فأعزهم الله بهذه الولادة المباركة، فكانوا في العالم سادات، ففتحوا أقصى الشروق وأقصى الغروب،كما فتحوا عمق النفوس وعمق القلوب. فها هو عمر بن الخطاب الذي كان في الجاهلية يعبد صنما صنعه إلى آخر النهار فيأكله، هو نفسه الذي حكم بعد أن رباه الإسلام وأصلحه وهذبه، حكم الجزيرة العربية كلها، وحكم الفرس والعراق والشام ومصر، إنه حكم منطقة أصبحت اليوم ثلاثة عشر دولة. ثم انظروا _ رعاكم الله _ كيف يصنع الإسلام الرجال؟ :انظروا إلى عمر قبل الإسلام وإلى عمر رضي الله عنه بعد الإسلام، فشتان ما بين العمرين!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين والحمد لله رب العالمين الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين…أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون!!
إن حالة العرب قبل الإسلام، فيها أوصاف إذا تأملتم وتتبعتم جيدا ، تجدوها _ والله _ هي السائدة في حالة العرب والمسلمين اليوم، كأن التاريخ يعيد نفسه. والواقع اليوم يشهد.
العرب أو المسلمون اليوم يطلبون العزة والنصر في غير الإسلام، يستوردون الحلول الغربية، لحل مشاكل الأمة فاستعصت مشاكلها وزادت.
وسعوا لحل مشاكل المرأة وراء سراب تحريرها فاستغلوا جسدها ووأدوا شرفها، فزادت فتنتها، وتمردت على حجابها، ورفضت دينها وحياءها وحشمتها، فهتك الله الشرف والأعراض بها، من اللقاءات المشبوهة، إلى الولادات غير الشرعية،
وطلبوا الحلول باستقراض الديون الربوية من الخارج فأذلتهم شر إذلال، فأصبحوا آلة صماء عمياء في يد أعدائهم، يستغلون ثرواتهم وخيراتهم، ويسوقونهم إلى القرارات التي يريدونها رغم أنوفهم.
العرب أو المسلمون اليوم، لا وزن لهم ولا قيمة، لا يحسب لهم في اغتصاب أرضهم أي حساب، ولا يعتبر في هتك أعراضهم وزن ولا قيمة، وأرخص الدماء في العالم هي دماء العرب والمسلمين، وأوضح دليل على ذلك ما يحدث اليوم في هذه الدول حولنا من هدم وتهديد، وقتل وتشريد، ونفي وإبعاد،ولقد صدق سيدنا عمر لما قال : كنتم أقل الناس وأحقر الناس وأذل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة من غيره أذلكم الله». وقد قال الإمام مالك رحمه الله: «ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ».
هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على الحبيب المصطفى. اللهم صل على سيدنا محمد...
اللهم وفق أمير المؤمنين محمدا السادس لكل خير، ونسألك اللهم أن تجري الخير على يديه، اللهم متعه بالصحة والعافية، وأعنه على أداء رسالته، وتحقيق كل خير لشعبه وبلده. واحفظه في كافة أسرته الشريفة يارب العالمين،
اللهمّ اهدنا فيمن هديت......اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا...اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

[/mklb2]


المشاهدات 10940 | التعليقات 0