خطبة عن تعظيم الله، وتعظيم الأشهر الحرم التي حرمها الله
محمد بن عبدالله التميمي
الحمد لله له الخلق والأمر، وله الدنيا والآخرة، وله النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شملت قدرته كل شيء، ووسعت رحمته كل حي، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله النبيِّ الأمي، والسراجِ المضي، صلى الله وسلم عليه وعلى الآلِ الزكي، والصحبِ الرضي، وعلى تابعيهم بإحسان وكلِّ تقي، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنه سبحانه كما أخبر عن نفسه وكما أخبر عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- يدبر أمر الممالك فيأمر وينهى، ويخلق ويرزق، وبيده الممات والمحيا، يعز ويذل، {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، يغفر ذنبًا، ويفرج همًا، ويكشف كربًا، ويجبر كسيرًا، ويغني فقيرًا، ويعلم جاهلًا، ويهدي ضالًا، ويرشد حيرانًا، ويغيث لهفانًا، ويشبع جائعًا، ويكسو عاريًا، ويشفي مريضًا، ويعافي مبتلى، ويقبل تائبًا، ويجزي محسنًا، وينصر مظلومًا، ويغصب جبارًا، ويقيم عثرة، ويستر عورة، ويُؤمِّن روعة، قلوب العباد ونواصيهم بيده، وأزمة الأمور معقوده بقضائه وقدره، إنه الله جل جلاله، الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، يقبض سماواته كلها بيده الكريمة، والأرض باليد الأخرى، ثم يهزهن ثم يقول: (أنا الملك، أنا الملك)، }وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، هو الله جل جلاله، أولٌ ليس قبله، وآخرٌ ليس بعده شيء، وظاهرٌ ليس فوقه شيء، وباطنٌ ليس دونه شيء، تبارك وتعالى أحق من ذُكِر، وأحق من عُبد، وأحق من حُمد، وأولى من شُكر، وأنصر من ابتُغِي، وأرأف من مَلَك, وأجودُ من سُئل، وأعفا من قَدِر، وأكرم من قُصد، وأعدل من انتَقَم، هو الملك لا شريك له، والفرد لا ند له، والغني فلا ظهير له، والصمد فلا ولد ولا صاحبة له، والعلي فلا شبيه له ولا سمي له، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، وكل ملك زائل إلا ملكَه، وكل فضل منقطع إلا فضلَه، لن يُطاع إلا بإذنه ورحمته، ولن يُعصى إلا بعلمه وحكمته، يُطاع فيَشكر، ويُعصى فيَغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيد، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وسجَّل الآثار، وكتب الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، والغيب عنده شهادة.
عباد الله، إنه إذا أشرقت على القلب أنوار هذه الصفات، اضمحل عندها كل نور، ووراء هذا ما لا يخطر بالبال، ولا تناله عبارة، وعلى حسب نور الإيمان في قلب العبد تخرج أعماله وأقواله ولها نور وبرهان، والله تعالى المستعان وعليه التكلان، بارك الله لي ولكم في القرآن، وعلمنا الحكمة والفرقان، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه...
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مزيدًا، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واقدُرُوا الله حق قدره، وعظموه باجتناب نهيه واتباع أمره، وذلك في كل حين، وقد فضل الله بعض الشهور على بعض فأعظم فيها الظلم -ظلمَ المرء نفسه بتقصيره في الطاعات، واقترافه المعاصي والسيئات، وظلمَه غيره باليد واللسان، والسلب والثلب- فإن الله -عز وجل- قال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، ورجب مضر الّذي بين جمادى وشعبان"، عن ابن عباس -رضي الله عنه- في قوله تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}: قال: (في كلهن، وخص الله -عز وجل- أربعة أشهر فجعلهن حرمًا، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم)، وعنه -رضي الله عنه- قال: (تحفظوا من أنفسكم فيها واجتنبوا الخطايا)، وقال قتادة -رحمه الله- : (عظموا ما عظم الله ، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم والعقل)، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله مع المتقين، ثم صلوا وسلموا على نبيكم الكريم، في سائر أيامكم وفي يومكم هذا العظيم، كما أمركم ربكم، وأجزل على ذلك مثوبتكم، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وفي صحيح مسلم أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرًا).
المرفقات
خطبة-عن-تعظيم-الله،-وتعظيم-الأشهر-الحر
خطبة-عن-تعظيم-الله،-وتعظيم-الأشهر-الحر