خطبة عن تعظيم الله سبحانه

عبدالرحمن السحيم
1445/02/15 - 2023/08/31 16:55PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَفَرِّدِ بِالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الْمَآلِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ –عباد الله- حَقَّ التَّقْوَى، فَأَعْمَارُكُمْ تَمْضِي، وَآجَالُكُمْ تَدْنُو (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: كَلِمَاتٌ مَعْدُودَاتٌ، وَعِبَارَاتٌ مُخْتَصَرَاتٌ، تَهُزُّ الْكِيَانَ، وَتُوقِظُ الْوِجْدَانَ، تَلِينُ لَهَا الْقُلُوبُ الْقَاسِيَةُ، وَتَصْحُو مَعَهَا النُّفُوسُ الْغَافِلَةُ.

 قَالَهَا أَوَّلُ رَسُولٍ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَعَظَ بِهَا بَعْدَ أَنْ دَعَا قَوْمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، سِرًّا وَجِهَارًا، فَمَا كَانَ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا الْإِعْرَاضُ وَالِاسْتِنكافُ حَتَّى جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ، وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا.. عِنْدَهَا زَفَرَتْ نَفْسُهُ وَجَاشَتْ، بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ كَلِمَاتٍ، قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاعِظًا وَمُذَكِّرًا: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)أي: لا تخافون عظمة الله.

عباد الله لئن كان لقسوة القلب أسبابٌ فللينه ولصلاحه أسبابٌ أخرى، بوابتها الكبرى: ملء القلب بعظمة الله -جل جلاله -, تلكم الصفة التي نعى الله -عز وجل- على الكفار انعدامها أو ضعفها في قلوبهم، بقوله (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وقال -سبحانه- وهو يذكر وعظ إبراهيم الخليل لقومه أيضًا: (فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)

 فَمَا أَحْوَجَنَا أَنْ نَتَخَلَّقَ بِهَذَا الْخُلُقِ الْعَظِيمِ فِي قُلُوبِنَا! كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ لِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ الْبَلِيغَةِ الْمُوجَزَةِ وَقَدْ تَشَتَّتْ قُلُوبُنَا فِي مَسَارِبِ الدُّنْيَا وَمُلْهِيَاتِهَا، حَتَّى فَتَرَتْ بِذَلِكَ عِبَادَاتُنَا، وَتَجَرَّأَتْ عَلَى الْخَطَايَا جَوَارِحُنَا!!

 كَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ أَنْ نَسْتَشْعِرَ عَظَمَةَ اللَّهِ وَقَدْ أُمْطِرْنَا بِالشَّهَوَاتِ، وَالْتَفَّتْ حَوْلَنَا الشُّبُهَاتُ، وَتَعَلَّقْنَا بِالْمَادِّيَّاتِ.

 فَـ (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الِانْفِطَارِ: 6 - 8].

 (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) كُلُّ نِعْمَةٍ وَفَضْلٍ وَخَيْرٍ يَتَقَلَّبُ فِيهِ، فَهُوَ مِنَ اللَّهِ، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النَّحْلِ: 53]، عَيْشِهِ، نَوْمِهِ، يَقَظَتِهِ، صِحَّتِهِ، أَكْلِهِ، شَرَابِهِ، عَقْلِهِ، وُجُودِهِ، كُلُّهَا نَعِمٌ دَارَّاتٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى       يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ.... قَدْ خَرَّتْ لِعَظَمَةِ رَبِّكَ الْجِبَالُ الرَّاسِيَاتُ، وَتَشَقَّقَتْ مِنْ خَشْيَتِهِ الصُّخُورُ الْقَاسِيَاتُ (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [الْحَشْرِ: 21].. (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)

 هَذِهِ السَّمَاوَاتُ عَلَى ارْتِفَاعِهَا وَانْبِسَاطِهَا، وَتِلْكَ الْأَرْضُ عَلَى امْتِدَادِهَا وَاتِّسَاعِهَا، هَذِهِ الشَّمْسُ، وَهَذَا الْقَمَرُ، ذَاكَ الشَّجَرُ، وَتِلْكَ الدَّوَابُّ، كُلُّ أُولَئِكَ يُعَظِّمُونَ اللَّهَ، وَيُسَبِّحُونَ لَهُ إِجْلَالًا وَخُضُوعًا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) [الْحَجِّ: 18].

 سُبْحَانَ مَنْ (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)

يَا ابْنَ آدَمَ تَأَمَّلْ فِي حَجْمِكَ لِتَعْرِفَ قَدْرَكَ، مَا حَجْمُكَ بِالنِّسْبَةِ لِبَلَدِكَ الَّذِي تَعِيشُ فِيهِ؟! ثُمَّ مَا حَجْمُ بَلَدِكَ بِالنِّسْبَةِ لِهَذِهِ الْأَرْضِ؟! ثُمَّ مَا حَجْمُكَ أَنْتَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ، فَأَنْتَ إِذًا ذَرَّةٌ مِنْ ذَرَّاتِ الْأَرْضِ. هَذِهِ الْأَرْضُ يَقْبِضُهَا الرَّحْمَنُ يَوْمَ الدِّينِ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ، أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ. هَذِهِ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْفَسِيحَةُ مَا هِيَ إِلَّا قِطْعَةٌ صَغِيرَةٌ جِدًّا فِي حَجْمِ الْمَجَرَّاتِ الْكَوْنِيَّةِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ.  رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ “ بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالَّتِي تَلِيهَا خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْكُرْسِيِّ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الْكُرْسِيِّ وَالْمَاءِ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ، وَالْعَرْشُ فَوْقَ الْمَاءِ، وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ “.

 ثُمَّ تَأَمَّلْ فِي خَلْقٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ، وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، يَصِفُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكًا مِنْ مَلَائِكَةِ الْعَرْشِ فَيَقُولُ: “ أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ حَمَلَةِ الْعَرْشِ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ “ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، فَهَذَا الْحَجْمُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَيَّلَهُ وَيُدْرِكَهُ الْعَقْلُ هُوَ لِمَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ، فَكَيْفَ بِحَجْمِهِ هُوَ.

 أَمَّا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صُورَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، قَدْ سَدَّ كُلَّ الْأُفُقِ.

 هَذَا الْخَلْقُ الْعَظِيمُ لَمْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ، فَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وفي الحديث المرفوع: «أطّت السماء وحُق لها أن تئط»أي: أنها ثقلت بمن فيها، ثم بين السبب فقال: «ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملكٌ ساجد»

عِبَادَ اللَّهِ: وَعَرَفَ عَظَمَةَ اللَّهِ، أَنْبِيَاءُ اللَّهِ فَكَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا، وَكَانُوا لِرَبِّهِمْ خَاشِعِينَ..

 ومن أعظم ما يفتح القلب على بوابة العظمة: التفكر في أسماء الله الحسنى وصفاته العلا، استمع إلى ربك وهو يمدح نفسه العلية في قوله سبحانه: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ -سبحانه- وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر:67]، واستمع لقوله تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وقال سبحانه (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)

أيها المسلمون: ومما تُستجلب به عظمةُ الله إلى هذه القلوب القاسية:

4) كثرة ذكره جل جلاله؛ فمن أحب شيئًا وعظّمه أكثرَ مِن ذِكره ولابد, وذكر الله -عز وجل- من أحب وأعظم القربات إليه سبحانه, ومِن محبته له: أمر به في جميع الأحوال؛ في الصلاة, والزكاة, والصيام, والحج, بل أثنَى -سبحانه- على طائفةٍ من عباده -جعلنا الله وإياكم منهم- فقال عنهم: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ)[آل عمران:191].

ولحب الله لهذه العبادة أمرَ بالإكثار منها فقال -عز وجل-: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الأنفال:45].

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ: الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى عِبَادَ اللهِ- حق التقوى، وراقبوه في العلن والنجوى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

عباد الله: إن لامتلاء القلب بعظمة الله -عز وجل- آثارًا عظيمة، منها: أن القلب يمتلأ بسر سعادته وطمأنينته وراحته وانشراحه ألا وهو امتلاؤه بإجلال الله وتعظيمه، وازديادِ محبته في القلب, والشوق إلى لقائه, وهذا أمرٌ معلوم يجده المؤمنون المعظّمون لله -سبحانه

وهو من خير ما يُربى عليه الأبناءَ، فعظموا الله في نفوسكم ونفوس أبنائكم وطلابكم..-.

ومن تلك الآثار: النشاط في العبادة, والتوفيق للطاعة. والرهبةُ من المعصية, والوجل من الوقوع فيها، وإن وقع فلا معصوم إلا من عصمه الله, وانظروا كيف يُعبّر ابنُ مسعود عن هذه الحال حينما قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه» فقال به هكذا. والفرق هو هذه القلوب أيها المؤمنون! قلب المنافق لا وقار فيه لله, وقلب المؤمن فيه وقارٌ عظيم، يشعر معه بوخز الذنب, يقول بشر الحافي -رحمه الله-: "لو فكّر الناسُ في عظمة الله -تعالى- ما عصوه"، يقصد بذلك: ما أقدموا عليها عمدًا، ولو وقع فإنه يعود ويرجع فورا. وإن كان من عقوبة الإكثار من الآثام والاستهانة بها أنها تُضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتُضعف وقاره في قلب العبد ولابد شاء أم أبا.

أَمَا وَاللَّهِ لَوْ رَسَخَ تَعْظِيمُ اللَّهِ فِي قُلُوبِنَا، لَمَا كَانَ بَيْنَنَا مَنْ يَسْمَعُ نِدَاءَ الْحَقِّ لِلصَّلَاةِ فيتخلف عنها وعن الأوامر دون عذر، ويقع في المعاصي دون وجل، فيا من يشكو قحط عينيه, يا من يشعر بجفاف قلبه ويشكو ضعفًا في التلذذ بالطاعة! هذه بوابة العظمة فادخل منها. وهذا مغتسل التوبة فاغمس قلبك فيه، هذا مورد العظمة فاملأ قلبك منه؛ اللهم اعمر قلوبنا بحبك وتعظيمك وخوفك ورجائك.

هذا وصلوا رحمكم الله على نبيكم المصطفى فإنه من صلى عليَّه صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشراً.

اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وجودك يا أكرم الأكرمين..

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين، وأصلح أحوال المسلمين.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم اللهم جميع موتى المسلمين.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات،   اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقهم لهداك، واجعل عملهم في رضاك.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

1693490386_خطبة ما لكم لا ترجون لله وقارًا.doc

1693490388_خطبة ما لكم لا ترجون لله وقارًا.pdf

المشاهدات 1372 | التعليقات 0