خطبة عن الكهان
تركي العتيبي
خطب التوحيد
باب ما جاء في الكهان ونحوهم
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِوَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوى، واستمسكوا من الإِسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أقدامكم وأجسامكم على النار لا تقوى.
أيها المسلمون:
لقد أقام الشيطان لواء السحرة والكهان بعمله وكفره، يتلبس بهم الشيطان، وينطق على لسانهم، ولذا ترى الشياطين تألف هذه النفوس الخبيثة
التي تدنست بالشر ورضيت بـه، قـال تـعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ﴾ [الأنعام: 121] وقد يرتكبون في سبيل إرضاء أنفسهم الخبيثة وأهوائهم الدنسة؛ الحماقات والشركيات، فيباشرون النجاسات ويأوون إلى الأماكن المستقذرة، يكرهون سماع القرآن وينفرون عنه، يذبحون الحيوانات ذاكرين عليها غير اسم الله، لا يتطهرون ولا يتوضؤون، صفاته الجهل والضلال والكذب والبهتان، لا يرتقي في سحره ما لم يُعبِّد نفسه للشيطان.
تتدنس نفسه بالخبث والفساد، وتتلذذ بالشر والبلاء وتتعاظم عنده الرغبة في الإِيذاء، والقليل منهم ينال بعض غرضه الذي لا يزيده من الله إلا بعدًا، سماعون لكذب أكالون للسحت عليهم ذلة من الله وخزي وصغار.
عباد الله:
ورد في أحكام الكهان التغليظ الأكيد، والوعيد الشديد، ومن كان في حكمهم؛ كالعرافين والمنجمين، والذين يدعون علم الغيب.
فالكهان: هم الذين يخبرون عن المغيبات في المستقبل ويأخذون عن مسترق السمع.
والكاهن: لفظ يطلق على العراف والذي يضرب بالحصى والمنجم.
قال الخطابي: الكهان - فيما عُلِم بشهادة الامتحان - قوم لهم أذهان حادة، ونفوس شريرة، وطبائع نارية، فهم يفزعون إلى الجن ويستفتونهم في الحوادث، فيلقون إليهم الكلمات.
وكانوا قبل بعثة النبي r كثيرين كشق وسطيح، فمنهم من يزعم أن له تابعًا من الجن يلقي إليه الأخبار، منهم من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف، كالذي يدعي معرفة المسروق ومكان الضـالة ونحو ذلك، وبعد البعثة قلَّ مسترقو السمع؛ لأن الله حرس السماء بالشهب، وأكثر ما يقع ما يخبر به الجن أولياءهم من الإِنس مما يسمونه كشفًا وكرامة وولاية، وقد اغتر بهم كثير من الناس يظنون أنهم أولياء لله وهم من أولياء الشيطان، كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَيِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ [الأنعام: 128].
وفي الحديث عن النبي r أنه قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يومًا» [رواه مسلم].
بين r الوعيد الشديد المترتب على إتيان الكهان لسؤالهم عن المغيبات التي لا يعلمها إلا الله - عز وجل-، وأن جزاءه: «لم تقبل له صلاة أربعين يومًا» أي: لا ثواب له فيها، لاقترانها بالمعصية، وإن كانت مجزئة بسقوط الفرض عنه في الدنيا لوجود شروطها وأركانها فإنها لا تلزمه الإِعادة إجماعًا، وفيه النهي عن إتيان الكاهن ونحوه، وإذا كانت هذه حال السائل فحال المسؤول أسوأ وأشر وأعظم.
وعن أبي هريرة - t - أن النبي r قال: «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد r» [رواه أبو داود].
في هذا الحديث بين r الوعيد الشديد المترتب على إتيان الكهان لسؤالهم عن المغيبات ثم تصديقهم؛ وأن ذلك كفر بالوحي الذي أنول على محمد r (الكتاب والسنة) اللذين بينا أن علم الغيب قد استأثر الله به.
وللأربعة والحاكم وقال صحيح على شرطهما عن أبي هريرة: «من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد r» ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفًا.
ويجب على من قدر على ذلك إنكاره من محتسب وغيره، أن ينكر عليهم أشد النكير، وعلى من يجيء إليهم، أن يُحذر منهم ويرفع أمرهم إلى الجهات المسؤولة.
وعن عمران بن حصين مرفوعًا: «ليس منا من تطير أو تُطير له، أو تكهن أو تُكهن له، أو سحر أو سُحر له ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد r» [رواه البزار بإسناد جيد].
أيها المسلمون:
بين r في هذا الحديث: الوعيد الشديد لمن انحرف عن شرع الله ولجأ إلى غير الله، ومن ذلك: من فعل الطَيرَة أو قَبلَ قول المتطير له وتابعه.
من فَعَلَ الكهانة أو أتى الكاهن وصدَّقه وتابعه، ومن فعل السحر أو عمل الساحر له السحر.
والواجب على العبد الحذر من هذه الأمور السابقة لأنها: إما شرك أصغر كالطيرة، أو كفر كالكهانة والسحر، كما يجب الحذر من إتيان الكهان؛ لأن من أتى كاهنًا فسأله عن المغيبات ومن ثم صدقه فقد كفر بالوحي المنزل على محمد r.
والعراف شامل لكل من ادعى علم الغيب؛ من الكاهن والمنجم والرّمال ونحوهم، ممن يقرأ في الكف والفنجان وغير ذلك ممن يتكلم في معرفة الأمور الغيبية بطرق شيطانية، فإن هؤلاء يعبدون الشياطين ويتقربون إليهم ليحققوا مقصدهم، فهم في الحقيقة خُدام للجن وأولياء لهم، أو هم دجالون كذابون كافرون بادعائهم علم الغيب.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوم يكتبون (أباجاد) وينظرون في النجوم: «ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق» [رواه عبد الرزاق في المصنف].
إن تعلم حروف (أبا جاد) وكتابتها تنقسم في حكمها إلى نوعين:
الأول: مباح، وذلك إذا كانت كتابتها وتعلمها للتهجي وحساب الجُمَل كمن يدون تواريخ المواليد والوفيات وذلك باستعمال حروف (أبجد هوز...) التي وضعت في مقابل الأرقام الحسابية..
الثاني: مُحرم، وذلك إذا كانت كتابتها وتعلمها على وجه ادعاء علم الغيب، والنظر في النجوم لمعرفة الحوادث الأرضية من فقر ومرض وغلاء أسعار، وغير ذلك.
وهذا النوع هو الذي قال فيه ابن عباس - رضي الله عنهما-؛ أن من فعله ليس له نصيب عند الله؛ لأن ذلك داخل في حكم العرافين مدَّعي علم الغيب.
أيها المسلمون:
يرى أرباب السحر أن سحرهم يتم تأثيره في القلوب الضعيفة والنفوس الشهوانية التي هي معلقة بالسفليات؛ ولهذا غالب تأثيره يكون على من ضعف حظه من الدين والتوكل على الله، وعلى من لا نصيب له من الأوراد الإِلهية والدعوات والتعوذات النبوية، واعلموا أن لا تأثير للسحر إلا بإذنه تعالى، كما قال سبحانه: ﴿وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ﴾ [البقرة: 102].
إنهم يتكئون على معبود هزيل، لا يستطيع أن يفتح بابًا مغلقًا، ولا أن يكشف آنية خمرت، ولا أن يحل قربة أوكيت، يتكئون على من يهرب من الآذان، ويخنس من الذكر.
عباد الله:
لقد دان الساحر للشيطان، فخبثت نفسه وأظلم قلبه وتدنست أخلاقه، يغرس الشر حيثما حل، والفرقة أينما نزل، وإنه مع ما يبذله من جهد ومشقة وما يقدمه من تضحيات في سبيل الشيطان ورضاه بالذل والخنوع وارتكابه المخازي وبيع روحه وكل ما يملك لإبليس، فإن جزاءه من عدو الله الحسرة والندامة والتخلي عنه عند المصائب والنوائب.
لقد نفى الله الفلاح عنهم بقوله: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: 69] أي لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض، وإن لقدرات السحرة حدودًا لا يمكن تجاوزها، فلا يستطيع الساحر أن يوقف الشمس، ولا أن يسقط النجوم.
نسأل الله السلامة والعافية من الموبقات والمنكرات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ [الأنعام: 59].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله:
اتقوا الله حق التقوى، وتقربوا إلى ربكم بأعمال البر والتقوى.
أيها المسلمون:
قووا إيمانكم ويقينكم بالله في مواجهة الشكوك والشبهات والأساطير والخرافات، لتبدد سحب الأوهام، وتزيح ركام الخرافات والأباطيل، وإياكم وولوج سرادب الكهنة والسير مع الوهم والخرافة، ولا يخدعنكم الشيطان فيوهمكم بأن كل لمة أو علة أو مرض هي سحر، فالمرء في هذه الحياة يعرض له المرض والهم، وقد يكون وقوع ذلك بسبب الذنوب والمعاصي كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30] فالواجب المسارعة إلى التوبة والإِنابة والعمل الصالح؛ واتخذوا رب المشرق والمغرب وكيلاً تلجؤون إليه آناء الليل وأطراف النهار، واقتدوا بنبيكم r وبصحابته الكرام والصالحين من العباد، في التوكل على الله وحده والالتجاء إليه سبحانه، وطلب الشفاء منه، والاقتصار على ما أباحه من الأسباب، فذلك سبيل النجاة في الآخرة والأولى.
انتهت الخطبة
منقولة