خطبة عن القراءة وأهميتها في مجتمعنا

الحمدلله الذي خلق الإنسام من عدم ، وعلّمه  بالقلم مالم يكن يعلم ، وأسبغ عليه وافر النعم ، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا خير رسل الأمم ، أنار بدعوته الطريق من الدياجي والظُلم ، وبعثه إلى الأميين بجوامع الكلم ، ليكونوا سادة أحباراً ويبلغوا الذرى والقمم ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أهل الفضائل والكرم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 

فاتقوا الله - عباد الله - فالتقوى يزيد في الهدى والبصيرة ويقي من الشرور الكثيرة ( واتقوا الله ويعلّمكم الله والله بما تعملون عليم ) ( ياأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقاناً ويكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ) 

واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .

عباد الله : ماتقدمت الأفراد والشعوب وما كان لها وزنٌ معتبر بين الأمم وعند الله عز وجل إلا بعلمٍ وديانة وثقافة تدل على الفضائل وتحجب عن الرذائل ، ولا يتأتّى هذا العلم ولا تزيد الثقافة الدينية والدنيوية إلا بالقراءة والإطلاع وأول كلمة أنزلها الله على نبيه قبل فاتحة الكتاب كلمة " إقرأ " ( اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علَق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علّم بالقلم * علّم اِلإنسان مالم يعلم ) والقراءة - ياعباد الله - غذاء الأفكار وخلاصات التجارب ،  ومنارات يستنير بها أهل العقول والبصائر ، وهي سبيلٌ لرفع الجهل وبابٌ للعلم لايتم طلب العلم بدونها ، ولمّا كان أهل الكتاب قبلنا سبقوا بالقراءة وكانوا أهل كتاب بدراستهم وفهمهم ،أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألَ المنصفين منهم وأهل العدل حين الشك ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ) وليس بشاكّ عليه الصلاة والسلام ، ولكنّ تلك الآية لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم  ، والقراءة لكتاب الله جل وعلا رفعةٌ ودرجات وتجارة مع الله ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرّاً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ) ، والقراءة والحفظ تسويدٌ في إمامة المصلين وفهمٌ وتأملٌ لكتاب رب العالمين ، ففي الحديث الصحيح عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمُهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمُهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء ، فأقدمهم سنّاً . . " رواه مسلم .

عباد الله :  الله فضل القارئين والدارسين على غيرهم من فئات المجتمع ، وجعلهم - إن حصّلوا علم الكتاب - ربانيين ومشاعل هدى في مجتمعاتهم بسبب تعليمهم وقراءتهم ودراستهم ( ماكان لبشر أن يؤتيَه الله الكتاب والحُكم والنبوة ثم يقولَ للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كُنتم تُعلمون الكتاب وبما كُنتم تدرسون ) . 

وكذلك من تعلم القرآن وعلّمه نال الخيرية والفضل على سائر الناس وذلك لايكون إلا بالقراءة والمطالعة والحفظ ، ففي الحديث الصحيح : " خيرُكم من تعلّم القرآن وعلّمه " بل إن التدبر الذي أُنزل من أجله القرآن لايتأتى ولا يكون إلا بجودة القراءة وتلك منزلة ودرجة أرفع من مجرد القراءة ( كتابٌ أنزلنا إليك مبارك ٌليدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) . 

عباد الله : هناك أمور في ديننا لايقوّمُها إلا العلماء الدراسون الذين اتسع علمهم ودراستُهم واطلاعُهم ، وهناك أمور دنيوية لايتمُ تعلمها ولا معرفتُها إلا بالقراءة والإطلاع ، ولا تكفي فيها التجربة والصَنعة ، ولذا لمّا كانت كثيرٌ من هذه الأمور مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقراءة والدراسة والإطلاع كان علينا مسؤوليةً مُناطةً بحث أفراد المجتمع بداية بأفراد الأسرة على القراءة والإطلاع ، وذلك لأنه إذا ساد الجهل بسبب قلّة العلم والقراءة والإطلاع صار المجتمع يدمّر بعضَه بعضاً ، فلا صاحبُ طب يحُسن ولا صاحبُ هندسة يُتقن ، ولا علمٌ يُنشر ولا جهلٌ يُرفع ، ولذا كثُر كلام التربويين حول أهمية الإطلاع والمعرفة  والقراءة ، وكان كثير منهم يقول : " أمة إقرأ لاتقرأ " .

عباد الله : من ثمار القراءة ونتاجها : الإطلاع على أفكار الآخرين النافعة وتجاربهم المفيدة وانتقاء الفكرة الحسنة النافعة لنقلها إلى الآخرين ، فينتفعون بها وتغير مستواهم الثقافي والعلمي للأفضل وهذا أمرٌ ملاحظ ، ومن ثمارها : أن الفرد القارئ يصبحُ أكثرُ نضجاً وعقلانية واتزاناً من غيره ، ومن ثمارها وهو الأهم : وجود الثراء اللغوي لديه وفهمه لمجتمعه ، ولذا تجد الذين يجيدون التعبير والكلام ويتكلمون في المحافل والمنتديات وكذلك أمام الجمهور من الناس هم أكثر الناس قراءة واطلاعاً ويتمتعون بسعة أفق وطلاقة لسان وأفكار إيجابية غالباً ، وذلك لأن العقل البشري يتصاغر عندما يكون متقوقعاً على نفسه لايطلعُ على أفكار الآخرين النافعة ، ولا يثري نفسه ، وكذلك كلامه وتعبيرُه إذا كان لم يثمّرُ لغته وبيانه وينمي مواهبه وقُـدراته ، ومن ثمارها أيضاً : قضاء وقت الفراغ الذي يضيع هدراً بلا فائدة . 

عباد الله : الإنتقاء للكتب المقروءة أمر مهم وحتمُ لازم فليس كل مايباع يُشترى فيُقرأ ، ومن كانت قراءته لكل مايقع في يده فقد فتَن نفسه ، وأوردها موارد الهلاك فهناك كتبٌ لايجوز قراءتها للعامي ولا لغير العامي ككتب السحر والشعوذة ، وكذلك الكتب التي تورد الشبه وتشكك في الدين وكتب المنطق والفلسفة والكلام ، ولا يحل قراءتُها إلا من قِبل عالمٌ يريد الرد على المدّعي لتلك الشُبَه وتفنيدها ،  وقد أورد النسائي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلّم رأى في يد عمر شيئاً من التوراة فقال : "  لو كان موسى حيّاً ثمّ اتبعتموه وتركتموني لضللتُم " وفي رواية : " ماوسعه إلا اتباعي " وفي لفظ : " فتغيّر وجه النبي صلى الله عليه وسلم لمّا عرض عليه عمر ذلك ، فقال له بعض الأنصار : يابن الخطاب ! ألا ترى إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر رضي الله عنه : رضينا بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا " وفي حديث آخر : " أمتهوكون فيها يابن الخطاب - أي أشاكون فيها - قد جئتُكم بها بيضاء نقيّة " وإن من المحاذير التي يجب أن ينتبه القارئ لها أن هناك أناس ضلوا وزلُّوا بسبب قراءتهم لكتبٍ تهدم أصول الدين وتشكك في العقيدة وربما تدعوا إلى الإلحاد ، فيجب الحذر ، وهناك من الكُتب من لاتعود على قارئها بمنفعة ولا فائدة فينبغي أن يتجنبها القارئ الفطِن ؛ لكي يُشغل وقت فراغه بما ينفعه ويزيدُ علمَه وهو على ذلك مأجور ، إن أراد رفع الجهل عنه ، فاللهم وفقنا للعلم النافع والعمل الصالح ، أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه من الخطايا والأوزار إنه هو العزيز الغفار . 

=================== الخطبة الثانية ====================

الحمد لله الذي هدى لسبيله القويم وأزاغ كل من تنكب عن صراطه المستقيم ، والصلاة والسلام على النبي الكريم ، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :عباد الله :  إن من يُمارس التعليم في بلاد العرب والمسلمين يجد عزُوفاً مخيفاً عن القراءة بين طلاب التعليم العام على وجه الخصوص وهو التعليم الذي يبني شخصية الطفل والشاب حتى يُقارب النضج ، وهذه المرحلة هي التعليم الذي يسهُل بعده طرق أبواب التخصصات العلمية الدقيقة التي يحتاجُها المجتمع هذا اليوم ، فإذا كان بناءُ هذا الدارس والناشئُ هشّا في مراحله الأولية تضرّر وعسُر عليه كلُّ باب من هذه التخصصات ، وكذلك التخصص الذي يُحبّه ويسعى جاهداً إليه وهذا يبيّن أثر الإطلاع والقراءة والفهم على مستقبل الأمة وأفرادها بشكلٍ عام ، فكل هذه التخصصات العلمية تكمّل المجتمع المسلم وتسعى لتلبية احتياجاته وتسدُّ العجز إذا تمت تغطيتها بالمَهَرة من الأفراد الذين أتقنوا تخصصاتهم وواصلوا عطائهم باطلاعهم ومعرفتهم . 

عباد الله : بعض المنظمات العالمية ترصد مستويات الإطلاع والثقافة والقراءة في شتى البلدان والمجتمعات البشريّة ومن ضمنها المجتمعات المسلمة والعربية ، ووجدوا أن هناك تدنٍّ ملحوظ وواضح في مجال القراءة والإطلاع في المجتمع العربي مقارنةً بالمجتمعات الشرقية والغربية ، وهذا نذيرٌ ينبئ أن هجر القراءة والإطلاع بدأت تزداد رقعته في مجتمعنا والمجتمع العربي بشكل عام وفي المجتمع المسلم بشكل نسبي ، مما يستدعي اليقظة وأهمية الوعي بين الأسر ومسؤوليتَها في حث أفرادها على العناية بالقراءة والإطلاع ومتابعتهم في تنفيذ ذلك  .

عباد الله : إنه من خلال العمليات التعليمية التي تجري في المدراس تبين أن هناك طلابٌ أخفقوا في دراستهم بسبب عدم اهتمامهم بالقراءة التي هي مفتاح الفهم والحفظ ، بل لم يعتد الطالب من هؤلاء الذين أخفقوا على الكلمة المقروءة ولم ترتسم في ذهنه بعد ، فكيف يتوصل لفهم النص المقروء ، ثمّ كيف يصل إلى فهم الخطاب ومحتواه ومناسبته وتلك درجة أرفع من مجرد الفهم ، وكان من أعظم أسباب المشكلة هو دوام مُطالعة المقاطع المرئية التي لاتحتوي على نص ، فلا يجد الطالب مايقرأ أصلاً ، وهنا يَظهرُ الضعف وتتفاقم المشكلة إذا لم يتولاها رب الأسرة بالحلّ والعلاج ، فاتقوا الله معشر الآباء والمربين في الأبناء والبنات ومن كان تحت ولايتكم ، واتخذوا أسباباً ترفعوا عنهم هذه المشكلة ، فإن أمرها هيّنٌ مع البذل والعطاء ، شاقٌ مع الإهمال والإتكال والتسويف ، فاللهم علّمنا ماينفعُنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً ياجواد ياكريم .  

المشاهدات 3557 | التعليقات 0