خطبة عن: (الغيرة والقوامة) جُمعت بعناية ومناسبة لما في الإجازة من السفر والسياحة
عبدالرحمن اللهيبي
1437/10/10 - 2016/07/15 03:21AM
الحمد لله ذي الجلال والعزة، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، جاء بكريم الخصال ومجامع الأخلاق , فحفظ الأمانة وصان العفة، وأرسى قواعد الحياء والحشمة صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل وخشيته وطاعته وطاعة رسوله : وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُون
أيها المسلمون، عجبًا له من مؤمن حملقت عيناه ، وتقطعت أنياط قلبه ، تكاد عيناه لما ترى تدمع، وتكاد رُوحه تجزع ، لكثرة ما يشاهده من الآفات والموبقات وظهور القبائح والمنكرات.
إنه ـ يا رعاكم الله ـ المؤمن الغيور، إنها الحمية لدين الله إنها الغيرة على حرمات الله إنها الغيرة على الأعراض إنها الغيرة على ما ينقل في الشاشات ويكتب في الصحف ذما واعتراضا على شريعة رب البريات
هكذا يا مسلمون المؤمن الصادق يغار ويتألم إذا انتهكت محارم الله , ولا عجب فإن الله بجلاله يغار يقول ( ما من أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش .. ) ويقول عليه الصلاة والسلام ( إن الله تعالى يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمنُ ما حرم الله عليه )
وقال ( يا أمة محمد ! إنه لا أحد أغير من الله أن يزني عبدُه أو تزني أمتُه ، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلاً ) ,
فرب العالمين يا مسلمون يغار إذا ما انتَهكت المجتمعاتُ الحرماتِ والفواحشَ واستعلنت بها. ورب العالمين يغار إذا ما أُشرك به وسَوَّى العبيد بين مالك الرقاب ومخلوق من تراب. ورب العالمين يغار إذا افتُري على شرعه واستهزئ بدينه وعُورض حكمُه وتُقوِّل عليه بغير علم . ورب العالمين يغار ويغضب إذا شُربت الخمور وضربت المعازف.. ورب العالمين يغار إذا تبرجت المرأة وأسفرت عن مفاتنها للرجال الأجانب , وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يغار , تقول أم المؤمنين عائشة ((ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهكَ حرمةُ الله فينتقم لله بها)) ومن غيرته أنه يكاد يقتله الهم والغم حين يرى الشرك بالله والإعراضَ والصدود عن دعوة التوحيد قال تعالى ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾
أيها المسلمون: الغيرة على حرمات الله من دلائل الإيمان ولوازمه ، بل هي أصلُ الدين ولبُّه ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن أصل الدين الغيرة، ومن لا غيرة له لا دين له"، ويقول رحمه الله: "إذا رحلت الغيرة من القلب ترحل الدين كُلُّه". فمن رأى المنكر ولم تتحرك غيرته ولم يتألم قلبه ولم يتمعر وجهه فهو دليل على اضمحلال الإيمان من قلبه.. قال صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم . ومعناه أن إنكار القلب فقط أضعف الإيمان
فكيف إذا لم ينكر القلب؟ وجاء في الرواية الأخرى وليس بعد ذلك إي (إنكار القلب) مثقال ذرة من إيمان
عباد الله: الغيرة يجب أن تكون في قلب المؤمن على كل منكر ومحرم فلا يجوز له أن يهش ويبش للمنكر وكأنه ليس بشيء فالمؤمن يُغضبه ما يغضب ربه تعالى .. فإن لم يفعل فما حقق الإيمان في قلبه .. وتتفاوت الغيرة بحسب المنكر ودرجاته فكلما عظم المنكر اشتدت غيرة المؤمن الصادق وهكذا
وأعظم ما تكون غيرة المؤمن وأشدُها وأغلظها إذا نيل من الله تعالى فهذا أمر لا تطيقه حتى الجبال الرواسي بل حتى السموات والأرض فضلا عن قلب المؤمن الصادق في إيمانه قال تعالى: ((تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً )) فالغيرة على الله تعالى أن يساء إليه أو أن ينسب إليه الولد أو أن يشرك معه غيره من أشد وأغلظ ما تكون ثم الغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتقص منه أو من شريعته أو من سننه أو من عرضه أو يعترض على قوله أو أن تقدم على قوله أقوال الرجال فلا يحتكم لسنته ولا يسلم لشرعته..
هذا ومن أعظم الغيرة يا مسلمون التي رفع الإسلام لواءها وأيَّدها عززها الغيرة على الأعراض.. الغيرة على المحارم .. الغيرة على النساء وهو ما نريد أن نقف عنده لكثرة التساهل في شأنه .
أيها الغيورون، كل امرئٍ عاقلٍ، بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محلَ التمجيد والثناء ، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضُه حرمًا مصونـًا لا يرتعُ فيه اللامزون، ولا يجوسُ حماهُ العابثون.
إن المؤمن الغيور ليبذل الغاليَ والنفيسَ للدفاع عن عرضه وشرفه، وإن ذا المروءة الشهمَ ليقدم ثروته ليسد أفواهًا تتطاول على عرضه بألسنتها أو تنال شرفه ببذيء ألفاظها. نعم إنه ليصون العرض بالمال، فلا بارك الله بمال لا يصون عرضًا.
بل لا يقف الحدُ عند هذا فإن صاحبَ الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته، ويعرض نفسه لسهام المنايا لأجل عرضه وشرفه. فقد قال : ((من قتل دون أهله فهو شهيد)).
ولقد كان أصحاب رسول الله من أشد الناس غيرة على أعراضهم، قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني .
حقًا والله، من حُرِم الغيرة فقد حُرِم طُهرَ الحياة وشرف الرجال، وإنه لمن المؤسف حقا ما تراه عندما تسير في طرقات المسلمين وحين تنزل أسواقهم وتتنزه في منتزهاتهم لتكاد تودُّ أن العين لم ترى ما ترى، ترى ذهاب الحياء من بعض النساء وذهاب الغيرة من بعض الرجال. وشواهد ذلك كثيرة والله المستعان من مزاحمة المرأة للرجال الأجانب، وقد أبانت عن ذراعيها وكشفت عن ساقيها ,ولبست البنطال الضيق وتبديه من بين عباءتها بين فينة وأخرى ,
وقد لبست عباءة مزينة ومزركشة وضيقة ومخصرة، فأي حجاب هذا؟! أهي تتستر به أم تتجمل به؟! وربما صبغت وجهها بمساحيق التجميل وتعطرت, وخضعت بصوتها وتغنجت , وتعالت ضحكاتها وفي مشيتها تمايلت ، وزوجها بجانبها مشبكا أصابعه بأصابعها وكأن ما في الأمر شيء .. ويا للأسف من ذهاب الغيرة والمروءة من بعض الرجال.
كنا قديماً لا نرضى مثل هذه الوقاحة حتى من الأجانب الكفار إذا قدموا إلى بلادنا، والآن صار أبناء البلد من المسلمين يفعلونه بلا أدنى حرج أو نكير. فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:ألا تغارون ،ألا تستحيون فإنه بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج (أي الأجانب). رحم الله الخليفة الراشد علي بن أبي طالب فليس الأمر الآن أمر مزاحمة ،بل تعدى ذلك بكثير.
هل تعرفون أيها الإخوة ما سبب فشو هذه المظاهر التي لم نكن نشهدها من قبل إنها كثرة الأسفار بالنساء إلى خارج البلاد وإدمان مشاهدة الفضائيات الهابطة في البيوت
نعم.. إن الأسف كل الأسف، فيما جلبته مدنية هذا العصر من ذبح صارخ للأعراض، ووأدٍ كريه للغيرة. تعرض اليوم في منازلنا تفاصيلُ الفحشاء ، بل إنه ليُرى الرجلُ والمرأة وهما يعانقان الرذيلة على سرير واحد غير مستورين عن أعين المشاهدين، وأسوأ من ذلك وأعظم أن هؤلاء الفاجرين والفاجرات والماجنين والماجنات باتوا يُمثلون الأسوة والقدوة ووسامَ الافتخارٍ والإعجاب عند أبنائنا وبناتنا.
فهل اضمحلت الغيرة من النفوس؟ وهل غاض ماؤها؟ وهل انطفأ بهاؤها؟
ماذا دهانا يا مسلمون هذه قنوات الإم بي سي وأمثالها في بيوتنا إعلانٌ للفحشاء بوقاحة!! وإغراقٌ في المجون بتبجح!! أغانٍ ساقطةٌ، وكليباتٌ ماجنة, وأفلامٌ آثمة، وملابس خالعة، وعباراتٌ مثيرة، وحركاتٌ فاجرة؛ ثم نرتضيها في منازلنا ونرتضي لنسائنا مشاهدتها أين ذهبت غيرة الرجال أين القوامة؟ أين ذهب الحياء؟ وأين ضاعت المروءة؟ قولوا لي بربكم كيف يستسيغ ذوو الشهامة من الرجال لفتيانهم ولفتياتهم هذا الغثاءَ المدمرَ من هذه الفضائيات الخبيثة الفاجرة أنعجز عن إقصائها إرضاءً لربنا, ورعاية لأبنائنا وبناتنا, وحماية لديننا وبيوتنا, من أن تحتوشها الشياطين والبلايا والمصائب, كم نحتمل على ظهورنا من الآثام بسبب مَشاهد المنكرات في هذه الفضائيات كل يوم, وكم ينقص من إيماننا وديننا , وكم تفقد أرواحنا وأرواح أهلينا من الطمأنينة والسكينة بسببها, كم حل على بيوتنا من فتنة, وكم نزل بنا من نقمة, وكم وقع من خلاف بين الأزواج وشقاق بين الأولاد, وكم حل من عقوق الأبناء والبنات بسبب هذه الفضائيات ونحن لا نشعر.. فلا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل!! وحسبنا الله من أناس أنشأوا هذه القنوات الإم بي سي وروتانا وغيرها من أمثالها ويودون لو نبت الجيل كله في حمأة الرذيلة..
حسبنا الله من فئات تود لو انهال التراب على الفطرة المستقيمة والحشمة الرفيعة. اللهم احفظنا وأهلينا وأبنائنا وبناتنا من كل فساد وسوء واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار يا حفيظ يا لطيف يا متين ..
أقول قولي هذا ..
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون، كم للفضيلة من حصنٍ تحصن به أولو الإيمان والنخوة فكانوا بذلك محسنين وعلى أهليهم محافظين، وكم للرذيلة من جالب فأوردتهم المهالك فكانوا هم الخائبين ولأهليهم من الخاسرين.
ففي ظلال الفضيلة جنة وحصن وأمان، وفي مهاوي الرذيلة ذلةٌ وخسارة وهوان، والرجل هو صاحب القوامة في الأسرة وإذا ضعف القوَّام فسد الأقوام. وإذا فسد الأقوام خسروا الفضيلة، وفقدوا العفة وأصبحوا كالمياه في المفازات يلغ فيها كلُ كلبٍ، ويكدِّر ماءَها كلُّ وارد.
هناك بيوتات تظلها العفة والحشمة، وأخرى ملؤها المعاصي والمنكر. ولا تُحفظ المروءة ولا يسلم العرض إلا حين يعيش الفتى وتعيش الفتاة في بيت محتشم محفوظ بتعاليم الإسلام وآداب القرآن، ملتزم بالستر والحياء، تختفي فيه المثيرات وآلات الفساد والمنكر
وإنه مما ينبغي التنبيهَ عليه أن هناك مفاهيم مغلوطة عن الغيرة، فمن الناس من يظن أن الغيرة هي حبس المرأة في بيتها وعدم السماح لها بالخروج بتاتًا ولو لحاجتها، أو يظن أن الغيرة هي الشك في أهله. وآخرون يظنون أن الغيرة هي الغضب والغلظة في إنكار المنكر في موضع قد لا يستوجب ذلك، وهذا خطأ فادح ونقصُ فهم واضح. فباللين والحوار يتحقق التأثير والإقناع ولا يعني هذا تركُ الشدة في موضعها إذا تتطلب الأمر , فالقوّام بصير وقد تغيب عمن يقوم عليهم مصالحهُم ومعرفةُ ما فيه خير لهم.. حينها يقنعهم ثم يلزمهم ولا معنى للقوامة بغير ذلك
وكلمة شكر تذكر ولا تنكر لأُناس من رجال ونساء هم غرة المجتمع وشامة الأمة، ترى الغيرة حقًا متمثلة في سلوكياتهم وذهابهم وإيابهم، وترى الحشمةَ والحياء في نسائهم والأدب والعفة في أولادهم مما يدلُّ أن الأمة بخير , والخير فيها باق إلى قيام الساعة.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله وغاروا على حرمات الله يسلم لكم دينكم وعرضكم ويبارك لكم في أهلكم وذرياتكم.
أما بعد: فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل وخشيته وطاعته وطاعة رسوله : وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُون
أيها المسلمون، عجبًا له من مؤمن حملقت عيناه ، وتقطعت أنياط قلبه ، تكاد عيناه لما ترى تدمع، وتكاد رُوحه تجزع ، لكثرة ما يشاهده من الآفات والموبقات وظهور القبائح والمنكرات.
إنه ـ يا رعاكم الله ـ المؤمن الغيور، إنها الحمية لدين الله إنها الغيرة على حرمات الله إنها الغيرة على الأعراض إنها الغيرة على ما ينقل في الشاشات ويكتب في الصحف ذما واعتراضا على شريعة رب البريات
هكذا يا مسلمون المؤمن الصادق يغار ويتألم إذا انتهكت محارم الله , ولا عجب فإن الله بجلاله يغار يقول ( ما من أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرم الفواحش .. ) ويقول عليه الصلاة والسلام ( إن الله تعالى يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمنُ ما حرم الله عليه )
وقال ( يا أمة محمد ! إنه لا أحد أغير من الله أن يزني عبدُه أو تزني أمتُه ، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلاً ) ,
فرب العالمين يا مسلمون يغار إذا ما انتَهكت المجتمعاتُ الحرماتِ والفواحشَ واستعلنت بها. ورب العالمين يغار إذا ما أُشرك به وسَوَّى العبيد بين مالك الرقاب ومخلوق من تراب. ورب العالمين يغار إذا افتُري على شرعه واستهزئ بدينه وعُورض حكمُه وتُقوِّل عليه بغير علم . ورب العالمين يغار ويغضب إذا شُربت الخمور وضربت المعازف.. ورب العالمين يغار إذا تبرجت المرأة وأسفرت عن مفاتنها للرجال الأجانب , وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يغار , تقول أم المؤمنين عائشة ((ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهكَ حرمةُ الله فينتقم لله بها)) ومن غيرته أنه يكاد يقتله الهم والغم حين يرى الشرك بالله والإعراضَ والصدود عن دعوة التوحيد قال تعالى ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾
أيها المسلمون: الغيرة على حرمات الله من دلائل الإيمان ولوازمه ، بل هي أصلُ الدين ولبُّه ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن أصل الدين الغيرة، ومن لا غيرة له لا دين له"، ويقول رحمه الله: "إذا رحلت الغيرة من القلب ترحل الدين كُلُّه". فمن رأى المنكر ولم تتحرك غيرته ولم يتألم قلبه ولم يتمعر وجهه فهو دليل على اضمحلال الإيمان من قلبه.. قال صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم . ومعناه أن إنكار القلب فقط أضعف الإيمان
فكيف إذا لم ينكر القلب؟ وجاء في الرواية الأخرى وليس بعد ذلك إي (إنكار القلب) مثقال ذرة من إيمان
عباد الله: الغيرة يجب أن تكون في قلب المؤمن على كل منكر ومحرم فلا يجوز له أن يهش ويبش للمنكر وكأنه ليس بشيء فالمؤمن يُغضبه ما يغضب ربه تعالى .. فإن لم يفعل فما حقق الإيمان في قلبه .. وتتفاوت الغيرة بحسب المنكر ودرجاته فكلما عظم المنكر اشتدت غيرة المؤمن الصادق وهكذا
وأعظم ما تكون غيرة المؤمن وأشدُها وأغلظها إذا نيل من الله تعالى فهذا أمر لا تطيقه حتى الجبال الرواسي بل حتى السموات والأرض فضلا عن قلب المؤمن الصادق في إيمانه قال تعالى: ((تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً )) فالغيرة على الله تعالى أن يساء إليه أو أن ينسب إليه الولد أو أن يشرك معه غيره من أشد وأغلظ ما تكون ثم الغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتقص منه أو من شريعته أو من سننه أو من عرضه أو يعترض على قوله أو أن تقدم على قوله أقوال الرجال فلا يحتكم لسنته ولا يسلم لشرعته..
هذا ومن أعظم الغيرة يا مسلمون التي رفع الإسلام لواءها وأيَّدها عززها الغيرة على الأعراض.. الغيرة على المحارم .. الغيرة على النساء وهو ما نريد أن نقف عنده لكثرة التساهل في شأنه .
أيها الغيورون، كل امرئٍ عاقلٍ، بل كل شهم فاضل لا يرضى إلا أن يكون عرضه محلَ التمجيد والثناء ، ويسعى ثم يسعى ليبقى عرضُه حرمًا مصونـًا لا يرتعُ فيه اللامزون، ولا يجوسُ حماهُ العابثون.
إن المؤمن الغيور ليبذل الغاليَ والنفيسَ للدفاع عن عرضه وشرفه، وإن ذا المروءة الشهمَ ليقدم ثروته ليسد أفواهًا تتطاول على عرضه بألسنتها أو تنال شرفه ببذيء ألفاظها. نعم إنه ليصون العرض بالمال، فلا بارك الله بمال لا يصون عرضًا.
بل لا يقف الحدُ عند هذا فإن صاحبَ الغيرة ليخاطر بحياته ويبذل مهجته، ويعرض نفسه لسهام المنايا لأجل عرضه وشرفه. فقد قال : ((من قتل دون أهله فهو شهيد)).
ولقد كان أصحاب رسول الله من أشد الناس غيرة على أعراضهم، قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني .
حقًا والله، من حُرِم الغيرة فقد حُرِم طُهرَ الحياة وشرف الرجال، وإنه لمن المؤسف حقا ما تراه عندما تسير في طرقات المسلمين وحين تنزل أسواقهم وتتنزه في منتزهاتهم لتكاد تودُّ أن العين لم ترى ما ترى، ترى ذهاب الحياء من بعض النساء وذهاب الغيرة من بعض الرجال. وشواهد ذلك كثيرة والله المستعان من مزاحمة المرأة للرجال الأجانب، وقد أبانت عن ذراعيها وكشفت عن ساقيها ,ولبست البنطال الضيق وتبديه من بين عباءتها بين فينة وأخرى ,
وقد لبست عباءة مزينة ومزركشة وضيقة ومخصرة، فأي حجاب هذا؟! أهي تتستر به أم تتجمل به؟! وربما صبغت وجهها بمساحيق التجميل وتعطرت, وخضعت بصوتها وتغنجت , وتعالت ضحكاتها وفي مشيتها تمايلت ، وزوجها بجانبها مشبكا أصابعه بأصابعها وكأن ما في الأمر شيء .. ويا للأسف من ذهاب الغيرة والمروءة من بعض الرجال.
كنا قديماً لا نرضى مثل هذه الوقاحة حتى من الأجانب الكفار إذا قدموا إلى بلادنا، والآن صار أبناء البلد من المسلمين يفعلونه بلا أدنى حرج أو نكير. فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:ألا تغارون ،ألا تستحيون فإنه بلغني أن نساءكم يزاحمن العلوج (أي الأجانب). رحم الله الخليفة الراشد علي بن أبي طالب فليس الأمر الآن أمر مزاحمة ،بل تعدى ذلك بكثير.
هل تعرفون أيها الإخوة ما سبب فشو هذه المظاهر التي لم نكن نشهدها من قبل إنها كثرة الأسفار بالنساء إلى خارج البلاد وإدمان مشاهدة الفضائيات الهابطة في البيوت
نعم.. إن الأسف كل الأسف، فيما جلبته مدنية هذا العصر من ذبح صارخ للأعراض، ووأدٍ كريه للغيرة. تعرض اليوم في منازلنا تفاصيلُ الفحشاء ، بل إنه ليُرى الرجلُ والمرأة وهما يعانقان الرذيلة على سرير واحد غير مستورين عن أعين المشاهدين، وأسوأ من ذلك وأعظم أن هؤلاء الفاجرين والفاجرات والماجنين والماجنات باتوا يُمثلون الأسوة والقدوة ووسامَ الافتخارٍ والإعجاب عند أبنائنا وبناتنا.
فهل اضمحلت الغيرة من النفوس؟ وهل غاض ماؤها؟ وهل انطفأ بهاؤها؟
ماذا دهانا يا مسلمون هذه قنوات الإم بي سي وأمثالها في بيوتنا إعلانٌ للفحشاء بوقاحة!! وإغراقٌ في المجون بتبجح!! أغانٍ ساقطةٌ، وكليباتٌ ماجنة, وأفلامٌ آثمة، وملابس خالعة، وعباراتٌ مثيرة، وحركاتٌ فاجرة؛ ثم نرتضيها في منازلنا ونرتضي لنسائنا مشاهدتها أين ذهبت غيرة الرجال أين القوامة؟ أين ذهب الحياء؟ وأين ضاعت المروءة؟ قولوا لي بربكم كيف يستسيغ ذوو الشهامة من الرجال لفتيانهم ولفتياتهم هذا الغثاءَ المدمرَ من هذه الفضائيات الخبيثة الفاجرة أنعجز عن إقصائها إرضاءً لربنا, ورعاية لأبنائنا وبناتنا, وحماية لديننا وبيوتنا, من أن تحتوشها الشياطين والبلايا والمصائب, كم نحتمل على ظهورنا من الآثام بسبب مَشاهد المنكرات في هذه الفضائيات كل يوم, وكم ينقص من إيماننا وديننا , وكم تفقد أرواحنا وأرواح أهلينا من الطمأنينة والسكينة بسببها, كم حل على بيوتنا من فتنة, وكم نزل بنا من نقمة, وكم وقع من خلاف بين الأزواج وشقاق بين الأولاد, وكم حل من عقوق الأبناء والبنات بسبب هذه الفضائيات ونحن لا نشعر.. فلا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل!! وحسبنا الله من أناس أنشأوا هذه القنوات الإم بي سي وروتانا وغيرها من أمثالها ويودون لو نبت الجيل كله في حمأة الرذيلة..
حسبنا الله من فئات تود لو انهال التراب على الفطرة المستقيمة والحشمة الرفيعة. اللهم احفظنا وأهلينا وأبنائنا وبناتنا من كل فساد وسوء واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار يا حفيظ يا لطيف يا متين ..
أقول قولي هذا ..
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون، كم للفضيلة من حصنٍ تحصن به أولو الإيمان والنخوة فكانوا بذلك محسنين وعلى أهليهم محافظين، وكم للرذيلة من جالب فأوردتهم المهالك فكانوا هم الخائبين ولأهليهم من الخاسرين.
ففي ظلال الفضيلة جنة وحصن وأمان، وفي مهاوي الرذيلة ذلةٌ وخسارة وهوان، والرجل هو صاحب القوامة في الأسرة وإذا ضعف القوَّام فسد الأقوام. وإذا فسد الأقوام خسروا الفضيلة، وفقدوا العفة وأصبحوا كالمياه في المفازات يلغ فيها كلُ كلبٍ، ويكدِّر ماءَها كلُّ وارد.
هناك بيوتات تظلها العفة والحشمة، وأخرى ملؤها المعاصي والمنكر. ولا تُحفظ المروءة ولا يسلم العرض إلا حين يعيش الفتى وتعيش الفتاة في بيت محتشم محفوظ بتعاليم الإسلام وآداب القرآن، ملتزم بالستر والحياء، تختفي فيه المثيرات وآلات الفساد والمنكر
وإنه مما ينبغي التنبيهَ عليه أن هناك مفاهيم مغلوطة عن الغيرة، فمن الناس من يظن أن الغيرة هي حبس المرأة في بيتها وعدم السماح لها بالخروج بتاتًا ولو لحاجتها، أو يظن أن الغيرة هي الشك في أهله. وآخرون يظنون أن الغيرة هي الغضب والغلظة في إنكار المنكر في موضع قد لا يستوجب ذلك، وهذا خطأ فادح ونقصُ فهم واضح. فباللين والحوار يتحقق التأثير والإقناع ولا يعني هذا تركُ الشدة في موضعها إذا تتطلب الأمر , فالقوّام بصير وقد تغيب عمن يقوم عليهم مصالحهُم ومعرفةُ ما فيه خير لهم.. حينها يقنعهم ثم يلزمهم ولا معنى للقوامة بغير ذلك
وكلمة شكر تذكر ولا تنكر لأُناس من رجال ونساء هم غرة المجتمع وشامة الأمة، ترى الغيرة حقًا متمثلة في سلوكياتهم وذهابهم وإيابهم، وترى الحشمةَ والحياء في نسائهم والأدب والعفة في أولادهم مما يدلُّ أن الأمة بخير , والخير فيها باق إلى قيام الساعة.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله وغاروا على حرمات الله يسلم لكم دينكم وعرضكم ويبارك لكم في أهلكم وذرياتكم.
المرفقات
الغيرة.doc
الغيرة.doc