خطبة عن الغناء

حكم الغناء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلِّغ الناس شرعه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله فمن اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه
الغناء ياعباد الله صوت للشيطان ومورث للقلب الغفلة وداع للشهوات ورقية للفواحش
ومن نظر إلى الأدلة من الكتاب والسنة وجد أن الله سبحانه وتعالى قد نص في غير ما آية على حرمة الغناء واللهو، وقد جاءت في ذلك آيات كثيرة ، وذلك صيانةً للقلب، وحمايةً له من مداخل الشيطان وقد حرّمه الله على عباده بمكة وكان تحريمه قبل تحريم الخمر وهذا يدل على عِظَم خطر الغناء، وأثره على العباد وقد أنزل الله تحريمه في سورة النجم وفي سورة لقمان وكلّها سور مكية.
§ يقول الله تبارك وتعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [لقمان:6] قال ابن عباس وابن مسعود وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم أجمعين: هو الأغاني والمعازف. بل قال الحسن البصري -رحمه الله -وهو من أجلة علماء التابعين : إن هذه الآية نزلت في الغناء والمعازف . وروي تفسير ذلك بـ ( أنه الغناء ) عن جماعة من السلف من المفسرين وغيرهم. فقد روي عن مكحول وعكرمة وعطاء الخراساني وقتادة وسعيد بن جبير وميمون بن مهران ، كلّهم قالوا ( أنه الغناء ) .
§ ويقول الله تبارك وتعالى : ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 64] قال غير واحد من المفسرين من الصحابة والتابعين : صوت الشيطان في هذه الآية المراد به : الغناء.
§ ويقول الله سبحانه وتعالى في ذكر صفات عباد الرحمن : ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان:72] قال غير واحد من المفسرين من معاني الزور في الآية : الغناء ، ولهذا قال بعضهم في تفسير الآية ببعض أفرادها : لا يشهدون الزور : أي لا يسمعون الغناء.
§ وقال الله تبارك وتعالى : ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾ [النجم :59] قال ابن عباس رضي الله عنهما : سامدون أي مغنّون .
وقد جاء في النهي عن الغناء والمعازف أحاديث كثيرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نذكر ما صحّ منها.
فقد جاء في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ..)) . والمراد بالمعازف: آلات اللهو والطرب.وهذا الحديث صحيح عند أهل العلم ومن أعله بالتعليق فقد وهم لوروده موصولا في مواضع عدة من كتب السنة بأسانيد موثقة والحديث صريح بالتحريم بل قرنها بالزنا والخمر وقال بعض أهل العلم على أن المراد بالاستحلال: الأخذ بالتأويل وبالشبهات لإباحة الغناء،
§ وقال صلى الله عليه وسلم : (( لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا ، يُعْزَفُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ ، وَالْمُغَنِّيَاتِ ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ))
وروى الترمذي وحسّنه ، والحاكم وصححه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ ))
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه ذم الملاهي بإسناد صحيح بما له من شواهد وطرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ )). فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَاكَ قَالَ: (( إِذَا ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ )) وهو صريح في تحريمها والنهي عنها .
ومنها ما رواه الإمام أحمد في " مسنده " وأبو داود في " سننه " من حديث عبد الكريم الجزري عن قيس بن حبتر عن عبد الله بن عباس أن رسول الله - صلى الله علبه وسلم- قال: (( إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْكُوبَةَ)) . وإسناده صحيح
والكوبة: قيل: هي الطبل، وقيل : نوع من أنواع المعازف، وقيل: أنها اسم يطلق على سائر أنواع المعازف .
عباد الله : ولا يزال العلماء على مرِّ العصور ينقلون إجماع السلف والخلف على تحريم الغناء وآلات اللهو والطرب، فمن نظر إلى العلماء في كل قرن وجد أنهم ينقلون الإجماع ولا يزال العلماء على شتى مذاهبهم من المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة مطبقين على تحريم الغناء والمعازف.إلا مادل الدليل على اباحته كالدف للنساء والجواري في أوقات مخصوصة
حتى قال بن حجر الهيتمي رحمه الله: ( ومن حكى خلافاً في الغناء فإنه قد وهِمَ وغَلِط) وقال في موضع آخر (لم يحفظ عن أحد ولم يرو عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من الأئمة المجتهدين من قال بإباحة المعازف)
ومن نظر إلى النصوص من أفعال الصحابة وكذلك أشعار العرب وجد أنهم يطلقون الغناء ويستعملونه على الشعر والحداء، حتى استشكل على كثير من المتأخرين، وظنّوا أن ما يطلق من أقوالهم أن المراد به الغناء باصطلاح المتأخرين قال الإمام ابن الجوزي: " كان الغناء في زمانهم إنشادَ قصائدَ الزهدِ إلا أنهم كانوا يُلحِّنونها " ويقول ابن رجب: وقد روي عن بعض السلف من الصحابة وغيرهم ما يوهم عند البعض إباحة الغناء، والمراد بذلك هو الحداء والأشعار.)
بل لم يظهر الغناء باستعمال آلات الطرب واللهو إلا في أواخر القرن الثالث. ولذلك يُعلم أن ما يطلق من أقوال بعض الصحابة وأشعار العرب [ من ] ذكر الغناء [ فـ ] ـ المراد به الأشعار
ولذلك ينبغي أن يفرّق بين اصطلاح أهل العصر واصطلاح الأوائل وقد شنع ابن قدامة عليه رحمة الله على من لم يفرق بينهما فقال: ( ومن لا يفرق بين الغناء والحداء وبين الشعر على أي وجهٍ كان وبين السماع والاستماع فإنه ليس بأهل للفتيا )
ومن خلال ما مضى ذكره من نقل على تحريم المعازف؛ فإنه لا يليق بمسلم، أن يتجاسر على إباحة شيئ منها، أو يتوقف عن تحريمه بعد علمه بحرمتها في السنة والإجماع وكلام أهل العلم قديما وحديثا، ولاسيما فتاوى اللجنة الدائمة، وكذا فتاوي المشايخ الكبار : كالشيخ ابن باز ومحمد العثيمين رحمهما الله وغيرهم
وبذلك يعلم أنه لا يجوز أن تُصحب الأناشيد والقصائد بشيء من الموسيقى ، ولا ما يشبه الموسيقى في التأثير ، كبعض الإيقاعات مما لا يختلف عن الموسيقى في إطراب السامعين وإخراجهم عن طورهم ، مع ما في استعمال هذه الإيقاعات من التشبه بأهل الفسق والمجون .عافانا الله وإياكم

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده ثم أما بعد :
فاتقوا الله عبادالله واعلموا أنه مماابتلي به الناس اليوم أن تظهر المعازف في كل نافع وضار ويجاهر بعض شبابنا بسماعها ويؤذون بها غيرهم وأعظم من ذلك بلية أن يتساهل بها الناس فيدخلوها في أفراحهم ومناسباتهم ويتوسعون منها إلى غيرها مع صراحة الأدلة وثبوتها بتحريمها ولكن المؤمن التقي والعبد الصالح المصلح يحفظ نفسه وأهله مما يقربهم لسخط الله ولا يرضى أن تقابل نعم الله بالكفران ويعظ ويذكر وأما الغافل المضيع للأمانة فلايدري عما يكون ولا يبالي بما يفتح عليه من أبواب الآثام والعياذ بالله
فاللهم أصلح شبابنا وردنا إليك ردا جميلا
هذا وصلوا وسلموا
المشاهدات 2498 | التعليقات 0