خطبة عن العدل وفضله وأهميته مختصرة من خطبة للشيخ صالح بن طالب
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
1432/02/17 - 2011/01/21 04:21AM
خطبة مختصرة من خطبة للشيخ صالح ال طالب
العدل فضله واهميته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: فاتّقوا الله تعالى عباد الله لعلكم ترحمون، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) فأنيبوا لربّكم وأسلموا له قلوبَكم، ولا تغرَّنَّكم الحياة الدنيا. فإنَّ في القلوب فاقةً وحاجة لا يسدّها إلاّ الإقبال على الله ومحبتُه والإنابة إليه، ولا يلمُّ شَعثَها إلاّ حفظ الجوارِح واجتنابُ المحرّمات واتِّقاء الشبهات، فرحِم الله امرأً راقب نفسَه واتَّقى ربَّه واستعدَّ للآخرة.
أيها المؤمنون، يهنَأ العيش وتصفو الحياةُ حين يستوفي الإنسانُ كاملَ حقوقه، وتعمُر البلاد وتقوم الحضارات ويستقر الامن في ظلّ العدلِ والمساواة واستيفاءِ الحقوق. لقد فطَر الله النفوسَ على محبّة العدل، واتَّفقت على حسنِه الفطَر السليمَة والعقولُ الحكيمة، وتمدّح به الملوك والقادةُ والعظماء والسّادَة، وجاءت به الرِّسالات السّماوية: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).
وقد جاءَ دينُ الإسلام العظيم لإخراج الناس من جَور الأديان إلى عدلِ الإسلام، حيث إنّه بالعدلِ قامت السماوات والأرض، واتَّصف الحقّ سبحانه به، ونفَى عن نفسه ضدَّه وهو الظلم: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ). وقامَ دين الإسلام على العدلِ، (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً) ، فهو صِدق في أخباره، عَدل في أحكامه، لا يقِرّ الجورَ والظلم ولا العدوان، بل هو دائمًا مع الحقِّ أينما كان، يأمر بالوفاء بالعقودِ والعهود حتى مع الكفّار: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ) ، وفي المائِدَة: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ، أي: لا يحمِلَنّكم بُغضُ قوم على تركِ العدل؛ فإنّ العدلَ واجب على كلّ أحد وفي كلّ حال.
وقد أمَر الله به رسولَه في قوله: (وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) ، وأمَر به جميعَ خلقه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) ، وجعل في مقدّمةِ السّبعة الذين يظلّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظله ((إمامٌ عادل)) كما في الحديث ويقول عليه الصلاة والسلام (إنّ المقسطين عند الله على منابرَ مِن نور عن يمين الرحمن، وكِلتا يديه يمين، الذين يعدِلون في حكمِهم وأهلِهم وما وَلوا).
أمّا ضِدّه وهو الظلم فهو ظلماتٌ يومَ القيامة، وقد حرّمه الله على نفسه وجعله بين العبادِ محرَّمًا، فلا يفلِح ظالم، (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وفي قوله تعالى (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وقوله تعالى(وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
ولا شكَّ أنّ أظلمَ الظلم هو الشرك بالله (لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
والأمّةُ المسلِمَة تستحقّ التأييدَ من الله والتمكينَ في الأرض إذا أقامَت العدلَ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيميةَ رحمه الله: "إنَّ الله يقيم الدولةَ العادلة وإن كانَت كافرة، ولا يقيمُ الدولة الظالمةَ وإن كانت مسلمة".
أيّها المسلمون، العدل مأمورٌ به في كلّ الأحوال، والظلم عاقِبَته وخيمةٌ في الدنيا والآخرة، ومَن ظلم قيدَ شبر طُوِّقهُ يومَ القيامة من سبعِ أرَضين، ومن ظلم غيرَه فإنّ القصاص منه مُؤلم، والله تعالى يملِي للظالم حتى إذا أخَذَه لم يُفلِته، ولن تضيعَ المظالم حتى بين البهائِمِ، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لتؤدُّنّ الحقوقَ إلى أهلها يومَ القيامة حتى يُقادَ للشاة الجلحاءِ من الشاة القَرناء) ويقول عليه الصلاة والسلام (مَن كانت عنده مَظلمةٌ لأخيه مِن عِرضهِ أو شيءٍ منه فليتحلّله منه اليومَ من قبل أن لا يكونَ دينار ولا درهمٌ، إن كان له عملٌ صالح أخِذَ منه بقدرِ مظلمته، وإن لم يكن له حَسنات أخِذَ من سيّئات صاحبه فحمِلَ عليه .
ومهما يكنِ المظلوم ضعيفًا فإنَّ الله ناصره، يقول عليه الصلاة والسلام: ((ودعوةُ المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتَح لها أبوابَ السماء، ويقول الربُّ: وعِزّتي وجلالي لأنصرَنَّك ولو بعد حين)) (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) ويقول الله تعالى (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
أفلا يخافُ الظالم ربَّ العالمين؟! أوَلا يخشى دعوةَ المظلومين؟! وقل للَّذين يرمون الناسَ بالتُّهَم ويرجمون بالظنونِ ويؤذون المؤمنين في أعراضِهِم: إنَّ دعوةَ المظلوم مُجابة، تذكَّروا يومَ العرض على الله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).
عبادَ الله، إنَّ مقامَ العدلِ في الإسلامِ عظيم، وثوابُه عند الله جزيل، فالعادِل مستجَابُ الدعوة، والله يحِبّ المقسطين، وصاحِبُ العدل في ظلِّ الرحمن يومَ القيامة، والحاكم والمسؤول مأمور بالعدل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ) ، وسواء كان الحكمُ قضاءً أو قِسمةً أو حكمًا على أفرادٍ أو جماعَات أو تَصنيفًا أو جَرحًا وتعديلاً، كلُّ ذلك يجب أن يكونَ بالعدل.
كما يجِب على الوالد أن يعدِل بين أولاده في العطايا والمعامَلة، فلا يفاضِلُ بينهم بالهِبات، وقِصّة النعمانِ بن بشير رضيَ الله عنه مشهورة في هذا، وقد ردّ النبيّ عليه الصلاة والسلام عطيّتَه حين لم تحصُلِ المساواةُ بين كلِّ الأولاد، وقال: ((اتَّقوا الله واعدِلوا بين أولادكم).
كما يجب على الزوجِ أن يعدلَ بين أزواجه، وأن يساوِيَ بينهنّ في المبيت والنّفقَة والحقوق الزوجية، قال تعالى: (فَإِن ْخِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)
والعدلُ مطلوبٌ في كلِّ شيء حتى في القول والكلام،: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا). والعدلُ في الكلام من أشَقّ الأمور على النفس، ومن ربَّى نفسَه عليه فاز وأفلَح، وإذا رُزِق العدل وحبَّ القسطِ علَّمه الله الحقَّ، وصارَ رحيمًا بالخلق متَّبعًا للرسول مجتَنِبًا مسالِكَ الزّيغ والأهواء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
بارَكَ الله لي ولَكم في القرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيهِ منَ الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، ولا عدوانَ إلاّ على الظالمين، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فإنَّ العدلَ يحتاج إلى صدقٍ مع النَّفس ومراقبةٍ لله عزّ وجلّ ومجانبةٍ للهوى، (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ). وكما أنَّ العدلَ مطلوب بين الأولاد والزوجات فكذلك هو مطلوب بين الخدَمِ والعمَّال والمرؤوسِين، والمسلِم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه. فاتقوا الله أيّها المسلمون، وراقِبوا اللهَ فيما تأتون وما تَذَرون، واعلموا أنّكم غدًا بين يدَيِ الله موقوفون وبأعمالِكم مجزيّون.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا جَمِيعًا، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُلُوبَنَا مُطْمَئِنَّةً بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا رَطْبَةً بِذِكْرِكَ، وَجَوَارِحَنَا خَاضِعَةً لِجَلاَلِكَ. اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَ فِي رِضَاكَ، وَارْزُقْهُمَ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَحُثُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنَ السُّوءِ وَالشَّرِّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.اللهم احقن دماء إخواننا المسلمين في كل مكان اللهم ألف بين قلوبهم وأهدهم إلى الحق يا رب العالمين اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَكْرَمِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
المصدر: بريد الموقع
العدل فضله واهميته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: فاتّقوا الله تعالى عباد الله لعلكم ترحمون، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) فأنيبوا لربّكم وأسلموا له قلوبَكم، ولا تغرَّنَّكم الحياة الدنيا. فإنَّ في القلوب فاقةً وحاجة لا يسدّها إلاّ الإقبال على الله ومحبتُه والإنابة إليه، ولا يلمُّ شَعثَها إلاّ حفظ الجوارِح واجتنابُ المحرّمات واتِّقاء الشبهات، فرحِم الله امرأً راقب نفسَه واتَّقى ربَّه واستعدَّ للآخرة.
أيها المؤمنون، يهنَأ العيش وتصفو الحياةُ حين يستوفي الإنسانُ كاملَ حقوقه، وتعمُر البلاد وتقوم الحضارات ويستقر الامن في ظلّ العدلِ والمساواة واستيفاءِ الحقوق. لقد فطَر الله النفوسَ على محبّة العدل، واتَّفقت على حسنِه الفطَر السليمَة والعقولُ الحكيمة، وتمدّح به الملوك والقادةُ والعظماء والسّادَة، وجاءت به الرِّسالات السّماوية: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ).
وقد جاءَ دينُ الإسلام العظيم لإخراج الناس من جَور الأديان إلى عدلِ الإسلام، حيث إنّه بالعدلِ قامت السماوات والأرض، واتَّصف الحقّ سبحانه به، ونفَى عن نفسه ضدَّه وهو الظلم: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ). وقامَ دين الإسلام على العدلِ، (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً) ، فهو صِدق في أخباره، عَدل في أحكامه، لا يقِرّ الجورَ والظلم ولا العدوان، بل هو دائمًا مع الحقِّ أينما كان، يأمر بالوفاء بالعقودِ والعهود حتى مع الكفّار: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ) ، وفي المائِدَة: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ، أي: لا يحمِلَنّكم بُغضُ قوم على تركِ العدل؛ فإنّ العدلَ واجب على كلّ أحد وفي كلّ حال.
وقد أمَر الله به رسولَه في قوله: (وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) ، وأمَر به جميعَ خلقه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) ، وجعل في مقدّمةِ السّبعة الذين يظلّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظله ((إمامٌ عادل)) كما في الحديث ويقول عليه الصلاة والسلام (إنّ المقسطين عند الله على منابرَ مِن نور عن يمين الرحمن، وكِلتا يديه يمين، الذين يعدِلون في حكمِهم وأهلِهم وما وَلوا).
أمّا ضِدّه وهو الظلم فهو ظلماتٌ يومَ القيامة، وقد حرّمه الله على نفسه وجعله بين العبادِ محرَّمًا، فلا يفلِح ظالم، (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وفي قوله تعالى (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وقوله تعالى(وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
ولا شكَّ أنّ أظلمَ الظلم هو الشرك بالله (لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
والأمّةُ المسلِمَة تستحقّ التأييدَ من الله والتمكينَ في الأرض إذا أقامَت العدلَ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيميةَ رحمه الله: "إنَّ الله يقيم الدولةَ العادلة وإن كانَت كافرة، ولا يقيمُ الدولة الظالمةَ وإن كانت مسلمة".
أيّها المسلمون، العدل مأمورٌ به في كلّ الأحوال، والظلم عاقِبَته وخيمةٌ في الدنيا والآخرة، ومَن ظلم قيدَ شبر طُوِّقهُ يومَ القيامة من سبعِ أرَضين، ومن ظلم غيرَه فإنّ القصاص منه مُؤلم، والله تعالى يملِي للظالم حتى إذا أخَذَه لم يُفلِته، ولن تضيعَ المظالم حتى بين البهائِمِ، يقول عليه الصلاة والسلام: ((لتؤدُّنّ الحقوقَ إلى أهلها يومَ القيامة حتى يُقادَ للشاة الجلحاءِ من الشاة القَرناء) ويقول عليه الصلاة والسلام (مَن كانت عنده مَظلمةٌ لأخيه مِن عِرضهِ أو شيءٍ منه فليتحلّله منه اليومَ من قبل أن لا يكونَ دينار ولا درهمٌ، إن كان له عملٌ صالح أخِذَ منه بقدرِ مظلمته، وإن لم يكن له حَسنات أخِذَ من سيّئات صاحبه فحمِلَ عليه .
ومهما يكنِ المظلوم ضعيفًا فإنَّ الله ناصره، يقول عليه الصلاة والسلام: ((ودعوةُ المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتَح لها أبوابَ السماء، ويقول الربُّ: وعِزّتي وجلالي لأنصرَنَّك ولو بعد حين)) (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) ويقول الله تعالى (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
أفلا يخافُ الظالم ربَّ العالمين؟! أوَلا يخشى دعوةَ المظلومين؟! وقل للَّذين يرمون الناسَ بالتُّهَم ويرجمون بالظنونِ ويؤذون المؤمنين في أعراضِهِم: إنَّ دعوةَ المظلوم مُجابة، تذكَّروا يومَ العرض على الله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).
عبادَ الله، إنَّ مقامَ العدلِ في الإسلامِ عظيم، وثوابُه عند الله جزيل، فالعادِل مستجَابُ الدعوة، والله يحِبّ المقسطين، وصاحِبُ العدل في ظلِّ الرحمن يومَ القيامة، والحاكم والمسؤول مأمور بالعدل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ) ، وسواء كان الحكمُ قضاءً أو قِسمةً أو حكمًا على أفرادٍ أو جماعَات أو تَصنيفًا أو جَرحًا وتعديلاً، كلُّ ذلك يجب أن يكونَ بالعدل.
كما يجِب على الوالد أن يعدِل بين أولاده في العطايا والمعامَلة، فلا يفاضِلُ بينهم بالهِبات، وقِصّة النعمانِ بن بشير رضيَ الله عنه مشهورة في هذا، وقد ردّ النبيّ عليه الصلاة والسلام عطيّتَه حين لم تحصُلِ المساواةُ بين كلِّ الأولاد، وقال: ((اتَّقوا الله واعدِلوا بين أولادكم).
كما يجب على الزوجِ أن يعدلَ بين أزواجه، وأن يساوِيَ بينهنّ في المبيت والنّفقَة والحقوق الزوجية، قال تعالى: (فَإِن ْخِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)
والعدلُ مطلوبٌ في كلِّ شيء حتى في القول والكلام،: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا). والعدلُ في الكلام من أشَقّ الأمور على النفس، ومن ربَّى نفسَه عليه فاز وأفلَح، وإذا رُزِق العدل وحبَّ القسطِ علَّمه الله الحقَّ، وصارَ رحيمًا بالخلق متَّبعًا للرسول مجتَنِبًا مسالِكَ الزّيغ والأهواء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
بارَكَ الله لي ولَكم في القرآنِ العظيم، ونفعَنا بما فيهِ منَ الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائِر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، ولا عدوانَ إلاّ على الظالمين، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فإنَّ العدلَ يحتاج إلى صدقٍ مع النَّفس ومراقبةٍ لله عزّ وجلّ ومجانبةٍ للهوى، (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ). وكما أنَّ العدلَ مطلوب بين الأولاد والزوجات فكذلك هو مطلوب بين الخدَمِ والعمَّال والمرؤوسِين، والمسلِم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه. فاتقوا الله أيّها المسلمون، وراقِبوا اللهَ فيما تأتون وما تَذَرون، واعلموا أنّكم غدًا بين يدَيِ الله موقوفون وبأعمالِكم مجزيّون.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا جَمِيعًا، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُلُوبَنَا مُطْمَئِنَّةً بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا رَطْبَةً بِذِكْرِكَ، وَجَوَارِحَنَا خَاضِعَةً لِجَلاَلِكَ. اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَ فِي رِضَاكَ، وَارْزُقْهُمَ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ الَّتِي تَحُثُّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ، وَتُحَذِّرُهُمْ مِنَ السُّوءِ وَالشَّرِّ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.اللهم احقن دماء إخواننا المسلمين في كل مكان اللهم ألف بين قلوبهم وأهدهم إلى الحق يا رب العالمين اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَكْرَمِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
المصدر: بريد الموقع
المشاهدات 21730 | التعليقات 2
بارك الله فيك أشكرك على نقلك
وهذه الخطبة كانت بتأريخ
19- 4-1426هـ
وهذه الخطبة كانت بتأريخ
19- 4-1426هـ
أبو المقداد الأثري
جزاك الله خيرا نقل موفق ومسدد
تعديل التعليق