خطبة عن العبادة مختصرة ومفيدة

عيد العنزي
1440/03/23 - 2018/12/01 06:38AM

الخطبة الأولى : أما بعد: فاتقوا الله ......

أيها الناس: إن أول نداء وجَّهه ربُّنا جلَّ وعلا في كتابه لنا، أمرَنا فيه بعبادته؛ فقال تعالى في سورة البقرة:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾  نداء عام لبني آدم جميعًا؛ عربهم وعجمهم، شبابهم وشيوخهم، رجالهم ونسائهم، حمرهم وبيضهم وسودهم، ناداهم لأمر عظيم وخطب جليل، وإذا ناداك ربُّك فأصغ السَّمْعَ، وأحضر القلب إنما هو خير تأمر به أو شرٌّ تنهى عنه.

ثم قال تعالى: ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ فأشار إلى معاني الربوبية؛ لأنه لا يستحق أن يعبد إلا من تحققت له معاني وحقائق الربوبية.

فالعبادة يا عباد الله هي الغاية التي من أجلها خُلقتم، وهي الهدف الذي لأجله وجدتم كما قال ربنا سبحانه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾

فما خلقكم الله؛ ليستكثر بكم من قلة، ولا ليستعز بكم من ضَعفٍ وذلة، ولا ليستأنس بكم من غربة ووَحشة، ولا ليستعين بكم على أمر قد عجَز عنه، سبحانه هو الغني، ولكنه خلقكم لتذكروه، وتعبدوه، وتسبِّحوه، وتطيعوه.

الله جل وعلا غني عنا وعن طاعتنا، فلا تنفعه عبادتنا، ولا يضرُّه إعراضنا، فلا ينفعه حمد الحامدين، ولا يضرُّه جحود الجاحدين، وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني)).

الله خلقكم لتعبدوه بقلوبكم وجوارحكم، وبألسنتكم وأبدانكم؛ لتعبدوه في تصرفاتكم وأحوالكم كلها؛ لتكون حياتكم كلها عبادة لله.

فنحن نعبد الله:

لأنه خلقنا لعبادته، وأمرنا بطاعته، خلقنا ليبتلينا بالخير والشر، بالحسنات والسيئات: ﴿  الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾

وهو جل وعلا يحب أن نعبده وهو حقُّه علينا؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حقُّ اللهِ على العبادِ أَنْ يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا)).

نعبد الله ونطيعه؛ لأننا لا غنى لنا عن الله ولا حول لنا ولا قوة إلا به جل في علاه، نحن الفقراء إلى إليه، وهو الغنيُّ الحميد، وهو الودود الكريم، وهو البَرُّ الرحيم، مفتقرون إليه، واقفون على بابه، مضطرُّون إلى عطائه، قيامنا به، رزقنا من عنده، حياتُنا بأمره، مضطرُّون إليه طواعيةً وقسرًا ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾

والفقر لي وصفُ ذاتٍ لازمٌ أبدًا  كما الغنى أبدًا وصف له ذاتي 

وهذه الحال حالُ الخلق أجمعهم  وكلهم عنده عبدٌ له آتي 

فمن بغى مطلبًا من غير خالقه  فهو الجهولُ الظلوم المشرك العاتي 

نعبد الله سبحانه وتعالى؛ لأنه المستحق للعبادة لذاته، فهو رب العالمين، المتفرد بالخلق والملك والتدبير، المتصرف في هذا الكون، لا إله غيره، ولا رب سواه.

نعبد الله سبحانه لحسن أسمائه، وعلوِّ صفاته، وعظيم أفعاله، نعبده لجلاله وكماله وجماله، فهذا يوجب أن يعبده الخلق لذاته.

سبحانه  ﴿ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ * فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾

سبحانه: ﴿  لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾

سبحانه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾

كيف لا يعبد من عظمت أفعاله؟! سبحانه هو القدير العليم الخبير.

في نفسك انظر كيف أحسن الله صورتك فعدَّلها وسوَّاها؟!

انظر في الجبال مَنْ أرساها؟! انظر في السماء من رفعها بلا عمدٍ وسوَّاها؟!

انظر في الأرض مَنْ بسطَها ودَحاها؟! من الذي أخرج ماءها ومرعاها؟!

تأمَّل في خلق الله لترى عظمة خلقه تعالى وعظمة أفعاله: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾

كم يُحسِن إليك ربُّك ويتلطَّف بك، ويغفر لك، ويرحمك ويُعافيك، ويشفيك، ويطعمك ويُسقيك؟ كم يحلم عليك ويصفح عنك؟ أليست هذه من أفعال الله سبحانه، ألا يستحق أن يعبد ويحمد، ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾

 نعبده لأنه الذي أوجدنا من العدم (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة) (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

أمدَّنا بالنعم، فأسبغها علينا ظاهرة وباطنة فهو المنعم علينا بأجلِّ العطايا والنِّعَم، المحسن إلينا بأعظم إحسان، ألا يكون له وحده الذُّل والخضوع والتعظيم والإجلال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾

نعبد الله ونطيعه استجابة لدعوة الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، فكلهم عبد الله وأمر الناس بعبادة الله وتوحيده وطاعته؛  ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾

بل قد وصف أكرم خلقه، وأعلاهم عنده منزلة بالعبودية في أشرف مقاماته، فقال الله تعالى عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ﴾وقال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾  فذكره بالعبودية في مقام إنزال الكتاب عليه، وقال: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾  فذكره بالعبودية في مقام الدعوة إليه. وقال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ﴾ فذكره بالعبودية في مقام الإسراء، وقد قال هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: ((لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))، وقال في حَدِيث آخر: ((أَنَا عَبْدٌ، آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ العَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ العَبْدُ)).

عباد الله: كذلك ربنا جل وعلا وصف ملائكته الكرام عليهم السلام، بأنهم عباده: ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ ﴿ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، لَوْ عَلِمْتُمْ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَما تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ)).

فيا عبد الله، إن أشرف أحوالك، وأسمى مقاماتك، وأكمل صفاتك، حين تكون عبدًا لله لا عبدًا لغيره، فهو خلقك لتعبده وحده لا شريك له، لتقوم وتقعد، وتركع وتسجد، وتذكر وتعبد؛ تذلُّلًا لله الواحد الغفار، العزيز القهار.

 بارك الله لي ولكم......

 

الخطبة الثانية:

عباد الله: العبادة هي طريق أولياء الله والصالحين من عباده؛ كما قال الله تعالى  في وصفهم ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ إلى آخر الآيات من سورة الفرقان.

 فمن ثمرات هذه العبادة ما رواه أبو هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ: ((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ))؛ رواه البخاري.

فعندها سيجد المؤمن حلاوة إيمانه التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: -وذكر منها- أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا...)

فبالعبادة يُحفظ المرء في نفسه وماله وأهله وشأنه كله، (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ) وبالعبادة تنال معية الله تعالى  ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾

في الدنيا: ﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

وعند لقاء رب العالمين ((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر)).

 وأخيرا: (من أراد السعادة الأبدية فليزم عتبة العبودية).

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك..

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله....

 

المرفقات

هي-الغاية-التي-خلقنا-من-أجلها

هي-الغاية-التي-خلقنا-من-أجلها

المشاهدات 2442 | التعليقات 0