خطبة عن الرشوة والكسب الخبيث والطيب

الحمدلله الطيب الكريم البر الرحيم له صفات الكمال والتعظيم  والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وسيد الطاهرين والطيبين وعلى آله وصحبه الأكرمين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد : 
فاتقوا الله - عباد الله - وتمسكوا بشرعه والزموا سنة نبيه عليه الصلاة والسلام فذلك رأس الفلاح في الدنيا والآخرة : " ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ماقدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " . 
واعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكلُّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار .  
عباد الله : قد بيَّن الله في كتابه سبحانه فضل وجزاء من يتطلب طاعة الله ورسوله في كل شأن من حياته فقال : " ومن يُطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا " وبيّن صلى الله عليه وسلّم أن كل أمته يدخلون الجنة إلا من أبى دخولها فقيل له عليه الصلاة والسلام : " ومن يأبى يارسول الله " فقال : " من أطاعني دخل الجنّة ومن عصاني فقد أبى " وكل محرّم يرتكبه العبد هو عصيان وعدم طاعة وتنكّبٌ عن صراط الله المستقيم . 
 - عباد الله :  إن من جملة ما أمر الله به ورسوله أن يطعموا ويُطعموا  من الطيبات فقال ربنا منادياً لرسله وآمراً لهم : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ) وقال للمؤمنين : ( ياأيها الذين كلوا من طيبات مارزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ) وقال سبحانه لبني اسرائيل : " وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات مارزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " . وحذر بني اسرائيل من تجاوز المباحات إلى المحرم فقال : ( كلوا من طيبات مارزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن بحلل عليه غضبي فقد هوى )  . وقال سبحانه :       ( ويطعمون الطعام على حبّه مسكينا ويتيماً وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولا شكورا ) . 
والكسب الطيب والطعام الحلال وأهله هم ممن يستجاب لهم في الدعاء ويؤخر غيرهم وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يارب يارب - أي يقول يارب - ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام وغُذي بالحرام فأنى يُستجاب له " وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد رضي الله عنه : " ياسعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة " . . ولنا في داوود عليه السلام عبرة فقد كان يأكل من عمل وكسب يده ، وقد روى البخاري عن المقدام بن معدي كرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ماأكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن داوود عليه السلام كان يأكل من عمل يده "   . 
معشر الإخوة الأفاضل : 
إن الكسب الطيب والعمل المباح والبحث والإجتهاد في ذلك له أثر على العيال والولد بالجملة في صلاحهم وبرهم وسلامة سلوكهم وفطرتهم ونشأتهم ولو قيل لبعض الآباء عندما كان يشتكي من عقوق بعض عياله أو كلهم . . يافلان ارجع فانظر في كسبك ومالك ،  فلربما دخل عليك في ذلك مالايحل أو تسلل لمالك مايحرم ؟ فلربما تذمّر وزمجر فهل يتقِّ الله مثل هذا ؟ وهل يكون مثل هذا الرجل ممن يدين نفسه ويتهمها بشيء من التقصير والتفريط ، وكما قال حبيبنا عليه الصلاة والسلام : " الكيّس من دان نفسه - أي الفطن النبيه من اتهم نفسه - وعمل لما بعد الموت والعاجر من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني "   
عباد الله :  إنه لايلزم من كون الرجل الذي أصل ماله حلال أن لايدخل عليه الكسب غير المباح بعد ذلك ، فالكثير من عباد الله لهم أعمال ووظائف أغلبها أو كلها في أصلها مباحه طيبة ، ولكن التقصير والتغيير حصل لهم بعد ذلك ، وذلك أن الرجل فرط وضيع مايجب عليه في أثناء العمل وما يجب عليه من مسؤولية في وظيفته وعمله صغيرة كانت أو كبيرة ، وهذا التقصير وهذه الأخطاء ، وإن كانت عند الكثير من الناس تافهة هينة ، ولكن عندما يتكاثر مثل هذا التقصير ويزداد في ساعات العمل فيكون مع الوقت بالأشهر وربما سنوات ، فتجد أن ذلك خطيئة ومصيبة جلية ، وتحتاج إلى مراجعة للنفس ومحاسبة للضمير ، فليتدارك كل من كان عنده في مجال عمله ومسؤولياته من ذلك شيء وكما قال بعض الصالحين : " حاسبوا أنفسكم قبل تُحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر على الله " . 
عباد الله :  إن في مجتمعنا قدوات ومخلصون في سائر الميادين وإننا عندما نتكلم عن مثل هؤلاء نضعهم نموذجاً يُحتذى بهم في بذلهم وإخلاصهم وتفانيهم في أداء عملهم وسعيهم لنفع الناس وكما ورد في الحديث : " إن أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس "  وإن خدمة بعض المراجعين ممن يراجع أي مؤسسة حكومية على وجه الخصوص لعمل عظيم يؤجر عليه الموظف في دائرته والمعلم في مدرسته وصرحه التعليمي والمدير في مكتبه ، وإنه من وجوه حل المال وطِيبه ، وهو من اتقان العمل والإحسان وهو من ادخال السرور على المسلم الذي ورد فيه أنه من أفضل الأعمال . 
عباد الله : 
الإحتساب والصبر هو وقود العمل وهو الطاقة الفاعله للإنسان ، فلننمي ثقافة الإحتساب والصبر لدينا فقد فقدها كثير من الناس ولنغرسها في نفوس النشء وفي أفراد مجتمعنا ، فما قامت الأمور وماأديت الأعمال بالعجر والتواكل على الغير وإن من سلمه الله من العجز والكسل فإن ذلك من توفيق الله وعونه للعبد ، وإن ابواب السماء مُشرعة لكل داعٍ ومفتتحة لكل سائل يسأل بحق ويرجو بصدق ولاينقطع عن الدعاء أو يقصر فيه ،  " فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون "  
عباد الله :  
إن ركيزة نجاح كل أمة وتصدرها بين الأمم في مقوماتها ومكتسباتها وفي شؤون اقتصادها هو إخلاص أفرادها في شؤون أعمالهم وفي حياتهم وبعدهم عن الفساد الذي يجر إلى الكسب الخبيث والمحرم ويؤدي لضياع حقوق الآخرين في تنافسهم الوظيفي وفي مؤهلاتهم وكوادرهم العاليه ومن نتاج ذلك : أن يُقصى المتمكن والبارع في مهنته وعمله ويُحل ّ محله من لايُحسن المهنة ولايقوم بالواجب والعمل ولا يهتدي لإصلاح مافسد إن وُجد ، بل يكون لبنة هدم وتقويض ، ومن ثم تزداد شيئاً فشيئاً دائرة الفساد في البلاد ويكون أمثال هؤلاء عالة على الدولة وعالة على الإقتصاد الوطني وبيت مال المسلمين ، يبنون بجهلهم وتصرفاتهم مجتمعاً خاوياً مكبلاً بآصار الفساد المالي والإداري الذي قوض الممالك وهدم الحضارات والشعوب . 

فاللهم أبرم لهذه الأمة أمراً يُعز ويُقرّب فيه المخلصون الناصحون ويذلّ ويُقصى فيه المنافقون والمفسدون  ياقريب يامجيب 
أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من الخطايا والأوزار فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الجواد الغفار  

========================== الخطبة الثانية ========================== 

الحمدلله المبدئ المعيد ، الفعال لما يريد ، والصلاة والسلام على المبعوث للعبيد نبينا محمد وعلى آله وصحبه أهل الفضل والقول السديد ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعيد أما بعد : 
عباد الله إن العدل ومحاربة الفساد بأشكاله وصوره مما أمر الله به وهو من مقومات التركيبة المجتمعية الناجحة فقد بين الله أمره بقوله : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان . . " وقال أيضاً : " وأقسطوا إن الله يُحب المقسطين " ونهى عن ضد ذلك فقال : " ولا تُفسدوا إنه لايحب المفسدين " وقال في موضع آخر : " ولا تفسدوا في الأرض بعد اصلاحها " . 
ولقد دبت إلى مجتمعنا جريمةٌ هي في الواقع حربٌ على القيم قل أن تكون حرباً على البلد والوطن وأهله ومستوطنيه . . ظاهرةٌ يُسيء فيها المبتلى بها إلى مجتمعه ويستغل منصبه لينزل بنفسه وبمنصبه إلى وحلٍ من أوحال الفساد المالي ويُنشب أظفاره خسة ودناءة في مال وممتلكات الغير ألا وهي قضية التزوير والرشوة وكلا منهما وجهان من أوجه الكذب والغش المالي والإداري وإساءة استخدام السلطة واستغلال الآخرين مع تهوين الأمر لديهم وتبسيط الأمور وربما سُمي هذا الفعل بأسماءٍ أخرى هرباً من التسمية الشرعية وكل ذلك يصب في قالب الرشوة والتزوير  
وقد لعن اللعن ورسوله الراشي والمرتشي والرائش بينهما كما ورد عند أحمد والنسائي وأبي داوود والترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة أنه قال : " لعن رسول الله الراشي والمرتشي في الحكم ، وعند الطبراني بإسناد جيد من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الراشي والمرتشي في النار ) . 
وورد في حديث ثوبان رضي الله عنه عند أحمد رحمه الله : قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش " . والرائش هو الذي يمشي بالمال للمرتشي الذي هو طالب الرشوة - أي الواسطة بين الراشي والمرتشي . 
ولا يحل للرجل أن يُعطُي مالاً أو يبذل رشوة إلا إذا كان مضطراً لتخليصا حق له ضائع ولا يُمكن جلبه إلا بدفعها وكذلك لدفع الظلم الذي وقع عليه والإثم في ذلك على المرتشي أي المبذول له المال . 
قال ابن الأثير: "  فأما ما يعطى توصلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه، وروي أن ابن مسعود أخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خلي سبيله، وروي عن جماعة من أئمة التابعين أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله، إذا خاف الظلم"  انتهى.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمّن سواك ياجواد ياركريم وأصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان يارب العالمين . 

المشاهدات 982 | التعليقات 0