خطبة عن التوكل
بندر المقاطي
التَّوَكُّل
) الخُطْبَةُ الأُوْلَى(
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَمن سَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.. ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ١٠٢﴾.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ الله: فَاتقوا الله حق التقوى، واعلموا أنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهديِ هديُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ.
أَيُّها المُؤمِنُونَ: إذا أحاطَتْ بكم الخُطوبُ وضاقتْ عليكُم الأرضُ، فانْزِلوا بساحةِ التوكلِ، فقد كان نبيُّكُم ﷺ ملازِمًا للتوكلِ في مدْخَلِه ومخرَجِه، في سِلْمِه وحرْبِه، وفي شأنِه كلِّه، كيفَ لا وقدْ سمَّاه ربُّه بالمتوكل، ففي الحديث: «أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ» أخرجه البخاريُّ.
وعلى التوكلِ اجتمعتْ وصيةُ أصحابِ محمدٍ ﷺ يقولُ أبو العالية t:(اجتمعَ إليَّ أصحابُ محمدٍ ﷺ فقالوا: يَا أبا العالية، لا تتكِلَنَّ على غيرِ الله؛ فيَكِلُكَ اللهُ إلى منِ اتكلتَ عليه).
عِبَادَ الله:
وَأَعلى رُتَبِ التوكلِ، التوكلُ على اللهِ في مصالحِ الآخرة، فأهمُ مَا لدى المؤمنِ صلاحُ قلبِه ودينِه، وحفظُ لسانِه؛ ولهذا يُناجي ربَّهُ في كلِّ صلاةٍ بقولِه: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وهذا توكلُ الرُّسُلِ وأتباعِهم، وكُلَّمَا عَلا مَقَامُ العبدِ عَظُمَتْ حاجتُهُ إلى التوكلِ، وَبِقَدَرِ الإيمانِ يكونُ التوكل، فهو مَركبُ السائرين، ومَنزِلُ العارفين، ومأوى المؤمنين.
وكمَا يكونُ التوكلُ في أمورِ الدينِ، فكذلك يكونُ في أمورِ الدنيا، وإذا وقعَ المقدورُ فاستقبِلْ ما أصابكَ بالتوكلِ، مُستشعراً قولَ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
أَيُّها المُؤمِنُونَ:
إننَا وقدْ حلَّ بنَا هذا الوباءُ، فمَا أحرانا أنْ نتوكلَ على اللهِ عزَّ وجلَّ حقَّ التوكل، وأنْ نلتجئَ إلى اللهِ تعالى، وأنْ نفرَّ منْ هذا الداءِ إلى مالكِ الكونِ ومقدرِه، الحيِّ الذي لا يموتُ، ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾.
إن هذه المحنةَ العظيمةَ التي اشتدتْ على البشرية، مفتاحُها وفرجُها هوَ التوكلُ على اللهِ تعالى ودعاءُه، وذلكَ لأنَّه منْ أعظمِ الأسبابِ المُنْجِيَة، يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمَه الله: (فأمَّا مَا لا قُدرةَ للعبدِ فيه، فليسَ فيهِ إلا التوكلَ على الله، والدعاءَ له وذلكَ منْ أعظمِ الأسبابِ التي يؤمرُ بهَا العبد).
فلا تَغفَلُوا وأنتم تُكابِدُونَ صَولَةَ هذا الوباءِ عن التَّوكُّلِ على اللهِ، ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ أي كافِيهِ، فَكُلُّ داءٍ مقهورٌ بِقُدرةِ اللهِ عليهِ وَتَصَرُّفهِ فيه، فلا يَنفُذُ أَثَرُهُ ولا يَقَعُ ضَرَرُهُ إلا بإذنِ الله، فَامْلَؤُوا قُلوبَكُمْ بالثِّقَةِ بالخالقِ القَادرِ وفَوِّضُوا الأَمرَ إليهِ.
أَيُّها المُؤمِنُونَ:
إنَّ من أعلى مَقَامَاتِ التَّوكُّل؛ الإيمانُ باللهِ العليِّ العظيم، فإنَّ الإيمانَ منْ أعظمِ أسبابِ التوكل، كمَا قالَ تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
ومنْ أهمِّ أسبابِ التوكلِ: عبادةُ اللهِ عزَّ وجلَّ بالصلاةِ والزكاةِ والذكرِ والمناجاةِ والدعاء، فالعبادةُ كافيةٌ للعبدِ حقَّ الكفاية: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾.
ثم إنكَ يَا عبدَ اللهِ.. إنْ تيقنتَ اليقينَ الجازمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هوَ المالكُ المدبرُ لهذا الكونِ، من مشارقِه إلى مغاربِه ووحَّدتَه وآمنتَ بهِ، فأبشرْ بالكفايةِ والحفظ، والنصرِ والتمكين، كما ذَكَرَ ذلك في كتابِه المبينِ: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾.
فاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ فَكَفَيْتَه، واسْتَعَانَ بِكَ فَأَعَنْتَه، واسْتَهْدَاك فَهَدَيْتَه، وَدَعَاكَ فَأَجَبْتَه، وسَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَه، يَا رَبَّ العَالمَيِن.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
) الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ (
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ وسلم عَليْهِ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ. أَمَّا بَعدُ عِبادَ الله:
فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تَقوَاهُ، وَأَطِيعُوهُ وتمسكوا بكتابهِ، وسُنَّةَ نبيهِ e، وتوكلوا عليه في جميع أموركم، ﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ٢٨١﴾.
ثُّمَ اعْلَمُوا رَحِمَكُمْ اللهُ، أَنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِأَمرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، وَثَنَّى بِمَلائِكَتِهِ المُسَبِّحَةِ بِقُدْسِهِ، وأيَّهَ بكم عبادهُ المؤمنينَ من جِنِّهِ وإنسهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا٥٦﴾.
فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وعلى آلهِ وأَصحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ إِلى يَومِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ.
اللَّهُمَّ أعِزَّ الإِسلامَ وَالمسلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّركَ وَالمشرِكِينَ، وَانصُرْ عِبَادَكَ المُوحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعدَاءِ المِلَّةِ وَالدِّينِ، يَا رَبَّ العَالَمِينَ .
اللَّهُمَّ وفّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُ ووليَّ عهدهِ لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكِ، وَاتِّبَاعِ شَرْعِكَ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ إِنّا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئِ الأَسْقَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ:
﴿ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرٗا كَثِيرٗا* وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا﴾
المرفقات
التَّوَكُّل
التَّوَكُّل
التَّوَكُّل-2
التَّوَكُّل-2