خطبة عن الإقتصاد في المعيشة وترك الكماليات

abuamjaad1 abuamjaad1
1444/06/27 - 2023/01/20 22:08PM
 إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً وفتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غُلفاً فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :فاتقوا الله - عباد الله - ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تُقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون )( ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذي تساءلون به والأحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ثم اعلموا أن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وشرّ الأمور محدثاتها وكل محدثة في دين الله بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذّ في النار . عباد الله : إن من المتقرر في شرع الله تعالى أن الله قد تكفل بأرزاق العباد والمخلوقات كلها ( وما من دابّة إلا على الله رزقُها ويعلمُ مستقرّها ومستودعها كل ٌ في كتاب مبين ) وهذا الأمر لايجهله أحدٌ من الناس ، ولكن الكثير من الناس يجهلون طريقة بذل الأسباب في سبيل تحصيله ، وكذلك سُبل الحفاظ على هذا الرزق بعد تحصيله ، وبذل الأسباب مما أمر الله به حيث يقول جلا وعلا : ( فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) ولما كان ركوب البحر والسفر لمناطق أخرى عبر السفن من الأسباب التي يُطلب بها العيش ذكر الله ذلك على وجه الإمتنان منه سبحانه فقال : ( الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفُلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) . والأخذ بالأسباب - ياعباد الله - لاينافي التوكل ولا يُعارضه وفي الحديث : أن النبي صلى الله  عليه وسلم جاءه رجل فقال : يارسول الله أَعقلها أو أتوكل ، قال صلى الله عليه وسلم : "اعقلها وتوكل " وفي رواية : " أرسل ناقتي وأتوكل ؟ قال : " اعقلها وتوكل " يقول العلامة ابن باز رحمه الله وإيانا أجمعين : " فليس من التوكل تعطيل الأسباب بل التوكل يجمع بين الأخذ بالأسباب والإعتماد على الله ، ومن عطلها فقد خالف الشرع والعقل لأن الله عز وجل امر بالأسباب وحث عليها سبحانه وأمر رسوله بذلك وفطر العباد على الأخذ بها ، فلا يجوز للمؤمن أن يُعطّل الأسباب ، بل لايكون متوكلاً حقيقة إلا بالأخذ بالأسباب . 
عباد الله : وبما أننا نعيش زمناً تقل فيه الوظائف وارتفعت فيه أسعار البضائع بشكل عام ، فينبغي للعبد أن لايتذمر ولا ييأس وأن يعيش مع هذه الفترة الراهنة بما تقتضيه الحالة من صبر وتفاءل واقتصاد في النفقة فكل تضخم في الأسعار يعقبه انخفاض فالأمر لايدوم على حال والأحوال تتغير ولا تستقر وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه - مرفوعاً - قال الناس : يارسول الله غلا السعر فسعّر لنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله هو المسعّر القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحدٌ منكم يُطالبني بمظلمة في دمٍ ولا مال " رواه أبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد وهذا الحديث يُدلل على أشياء منها : 
* أن تسعير السلع فيه مظلمة للعباد ، لأن النبي ترك التسعير للأشياء لأن الله هو المسعّر ولأن في تسعير السلع ظلمٌ للناس ، ولذا كان يرجو أن يلقى الله وما أحدٌ يطلبه من الخلق بمظلمة وبهذا نعلم أن المانع له من التسعير مخافة ظلم الناس في أموالهم ، مالم يتواطأ التجار على رفع السلع فإن تواطؤا واتفقوا على رفعها فإن لولي الأمر أن يحدد سعر البضائع والسلع . 
* أن الله يبتلي عباده بارتفاع الأسعار امتحاناً لهم وربما يكون ذلك كفّارة لهم لبعض الذنوب التي تكون في المعاملات أو النقص من الزكاة أو لعدم دفع الزكاة ، فإنه لم تكن عقوبة في المال والنفس على أمة وجيل إلا بذنب ، وما رُفعت إلا بتوبة وهذا متقرر ومعلوم أجمع عليه علماء الأمة ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على أصحابه يوماً فقال : " خمسٌ إذا ابتُليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركونهن ، لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدّة المؤونة وجور السُلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلّط الله عليهم عدوّاً من غيرهم فأخذ بعض مافي أيديهم ، ومالم تحكم أئمتهم بكتاب الله ، ويتخيرّوا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " ، ولذا يقول بعض السلف : " جزاء المعصية الوهنُ في العبادة والضيق في المعيشة " . 
* وأن الله من أسمائه الباسط القابض و من أسمائه الخافض الرافع وكل شيء عنده بمقدار جل جلاله فهو يُقدّر الأسباب ومسبباتُها وبيده مقاليد السماوات والأرض ولكن الكثير من الناس لايتعلّق به ولا يلتجئ إليه عند الشدائد ولا يتعرّف على حكمته وتقديره ، فالله يبتليهم ليردّهم إليه ، وقد شكا أحد المسلمين لرجل حكيم غلاء الأسعار فقال : " إذا زادت قيمة الإنسان عند الله رخُصت الأشياء ، وإذا قلّت قيمة الإنسان عند الله غلت الأشياء " وهذا القول له وجه من الصحة ، فنسأل الله بمنّه وكرمه أن يُصلح حالنا وأحوال المسلمين في كل مكان وأن ييسر كل عسير ويجبر كل كسير ويُغني المحتاج والفقير إنه جواد كريم ، أقول ماسمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم . 
============= الخطبة الثانية ================
الحمدلله الذي قدّر المقادير بعلمه وإحاطته وأضل من شاء بعدله وحكمته ولا يستغني أحدٌ عن رحمته والصلاة والسلام على المبعوث للخلائق بفضل الله ومنته نبينا محمد عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد : فاتقوا الله - عباد الله - واذكروا نعمة الله عليكم وكونوا كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام في التعامل مع المال والعيش حيث يقول صلى الله عليه وسلم : " انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لاتزدروا نعمة الله عليكم "  .
عباد الله : هناك صفة هي من صفات الأنبياء يرشدُ إليها النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول عليه الصلاة والسلام : " إن الهدي الصالح والسمت الصالح والإقتصاد جز من خمسةٍ وعشرين جزءاً من النبوة " رواه ابن عباس رضي الله عنهما وهو في سنن أبي داوود وحسّنه بعض أهل العلم ، والسمتُ الصالح هو : الهيئة الحسنة المليئة بالسكينة والوقار ، وأما الإقتصاد في الأمور : فهو التوسط فيها بين الإفراط والتفريط في المأكل والمشرب والملبس وما يقتني المسلم ، ولو عمل الناس بهذه الوصية النبوية الكريمة وهذا الهدي النبوي لانحلت الكثير من الضائقات المالية التي يمرّ بها المسلم ، ولكن الإفراط أو الإسراف في شراء بضائع كمالية لاضرورية وليست حاجية هي التي أوقعت من لايحسن إدارة المال ولا التصرف فيه بحال وصلت به إلى أن يتكفف الناس ويسألَهم . 
عباد الله : لابد من مراعاة الأولويات في الشراء والإقتناء ، وعدم الإلتفات للموضات والدعايات التي تبثها بعض الشركات والتي يهمها استنزاف جيب المستهلك أياً كان دخلُه ، وفي دراسة ثبت أن هذه الحملات الدعائية لبعض السلع تزيد من الشراء العشوائي لدى الكثير من الأفراد ، وأن ثلث مايوضع في عربات التسوق يمكن الإستغناء عنه وهو من الكماليات التي تُرهق مستوى الإنفاق لدى الأسرة من ذوي الدخل المحدود ، والمحذور الأشد خطراً أن يلجأ بعضهم لارتكاب جريمة سرقة - نسأل الله لنا ولكم العافية - من أجل الحصول على بضاعة هي في الواقع من أدنى الكماليات تلبية لشهوته ورغباته وهذا من الخذلان نعوذ بالله من ذلك ، فاحذر أن تكون أسيراً لحق عبدٍ من الناس يُقاد منك ولو بعد حين  ، ومن عصمه الله فليلهج بحمد الله وليطلب العافيه من الله له ولذريته  ، ولعل من هذه الأسباب التي يلجأ بسببها من يفعل ذلك شحُ رب الأسرة وبخله على من يعولهم مع أنه ممن وسّع الله عليه ، فيلجأ هذا الشاب أو تلك الفتاة إلى هذا الفعل المُنكر ، وهذا مما يجب أن ينتبه له ويراعيه ربُ الأسرة وعائلها ، وقد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً وقنّعه الله بما آتاه ، فاللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عن من سواك . . ثم صلوا وسلموا 
المشاهدات 349 | التعليقات 0