خطبة: (عمار المساجد هم المهتدون)
عبدالله البصري
عمار المساجد هم المهتدون 6/ 5/ 1446
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، المَسَاجِدُ هِيَ بُيُوتُ اللهِ في الأَرضِ ، وَهِيَ مَحَلُّ عِبَادَتِهِ وَذِكرِهِ ، وَمَأوَى عِبَادِهِ المَشغُولِيَن بِحَمدِهِ وَشُكرِهِ ، وَمَقصِدُ مَن يُرِيدُونَ مَا عِندَهُ مِن مُضَاعَفِ الحَسَنَاتِ وَرَفِيعِ الدَّرَجَاتِ ، فِيهَا تُقَامُ الصَّلَوَاتُ الخَمسُ ، وَيُرفَعُ لَهَا قَبلَ ذَلِكَ الأَذَانُ بِشَهَادَةِ التَّوحِيدِ وَتَعظِيمِ اللهِ وَالدَّعوَةِ إِلى أَحَبِّ الأَعمَالِ إِلَيهِ ، وَفِيهَا يُقرَأُ القُرآنُ وَيُتلَى وَيُحفَظُ ، وَيُتَعَلَّمُ وَيُعَلَّمُ وَيُعَظَّمُ ، وَيُعتَنى بِهِ وَيُكرَمُ أَصحَابُهُ ، وَفِيهَا تُقَامُ دُرُوسُ العِلمِ وَالفِقهِ ، فَيَنتَشِرُ العِلمُ وَتَظهَرُ السُّنَنُ ، وَيَتَعَلَّمُ المُسلِمُونَ أَحكَامَ دِينِهِم ، فَيَعبُدُونَهُ عَلَى هُدًى وَبَصِيرَةٍ ، وَيَقتَدِي صِغَارُهُم بِكِبَارِهِم في كُلِّ خَيرٍ ، وَيَتَعَاوَنُونَ عَلَى التَّقوَى وَالبِرِّ . أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ بُيُوتَ اللهِ هِيَ أَحَبُّ البِقَاعِ إِلَيهِ ، وَفِيهَا تُقَامُ أَحَبُّ الأَعمَالِ إِلَيهِ ، المَشيُ إِلَيهَا عِبَادَةٌ ، وَالجُلُوسُ فِيهَا خَلوَةٌ ، وَعِمَارَتُهَا سَبَبٌ في دُخُولِ الجَنَّةِ ، وَالمُتَعَلِّقَةُ قُلُوبُهُم بِهَا هُمُ الرِّجالُ حَقًّا ، وَهُمُ المَوعُودُونَ بِالأَمنِ يَومَ الخَوفِ وَالنُّورِ التَّامِّ يَومَ القِيَامَةِ ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : " في بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَومًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبصَارُ " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " سَبعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ وَذَكَرَهُم حَتَّى قَالَ : وَرَجُلٌ قَلبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " بَشِّرِ المَشَّائِينَ في الظُّلَمِ إِلى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَومَ القِيَامَةِ " رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَأَبُودَاوُد وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " أَحَبُّ البِقَاعِ إِلى اللهِ المَسَاجِدُ" رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " مَن بَنَى للهِ مَسجِدًا بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا في الجَنَّةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِمَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ : عِلمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، أَو وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، أَو مَسجِدًا بَنَاهُ ، أَو مُصحَفًا وَرَّثَهُ ، أَو بَيتًا لابنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَو نَهَرًا أَجرَاهُ ، أَو صَدَقَةً أَخرَجَهَا مِن مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلحَقُهُ مِن بَعدِ مَوتِهِ " رواهُ ابنُ ماجه وَحَسَّنَهٌ الألبانيُّ . وَعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت : أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ المَساجِدِ في الدُّورِ وَأَن تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ . رَوَاهُ أَحمَدُ وَأَبُودَاوُدَ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ المَسَاجِدَ لِلصَّلاةِ وَالذِّكرِ إِلاَّ تَبَشبَشَ اللهُ تَعَالى إِلَيهِ كَمَا يَتَبَشبَشُ أَهلُ الغَائِبِ بِغَائِبِهِم إِذَا قَدِمَ عَلَيهِم " رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : " المَسجِدُ بَيتُ كُلِّ تَقِيٍّ " رَوَاهُ الطَّبَرَانيُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ حَسَنٌ لِغَيرِهِ . وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلمَ: " أَلا أَدُلُّكُم عَلَى مَا يَمحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟! إِسبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ ، وَكَثرَةُ الخُطَا إِلى المَسَاجِدِ ، وَانتِظَارُ الصَّلاةِ بَعدَ الصَّلاةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ . وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : " صَلاةُ الرَّجُلِ في الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ في بَيتِهِ وَفي سُوقِهِ خَمسًا وَعِشرِينَ دَرَجَةً ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحسَنَ الوُضُوءَ ، ثم خَرَجَ إِلى المَسجِدِ لا يُخرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاةُ لم يَخطُ خُطوَةً إِلاَّ رُفِعَت لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ، فَإِذَا صَلَّى لم تَزَلِ المَلائِكَةُ تَصَلِّي عَلَيهِ مَا دَامَ في مُصَلاَّهُ : اللهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ ، اللهُمَّ ارحَمْهُ ، وَلا يَزَالُ في صَلاةٍ مَا انتَظَرَ الصَّلاةَ " وَفي رِوَايَةٍ : " اللهُمَّ اغفِرْ لَهُ ، اللهُمَّ تُبْ عَلَيهِ ، مَا لم يُؤذِ فِيهِ ، مَا لم يُحدِثْ فِيهِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ . وَلِمَا تَقَدَّمَ مِن نُصُوصٍ وَغَيرِهَا ، فَإِنَّ المَسَاجِدَ يَجِبُ أَن تُعَظَّمَ وَتُكرَمَ ، فَلا تُرفَعَ فِيهَا الأَصوَاتُ بِغَيرِ ذِكرِ اللهِ ، وَلا يُتَحَدَّثَ فِيهَا بِأُمُورِ الدُّنيَا وَشُؤُونِهَا ، وَلا تُنشَدَ فِيهَا الضَّالَّةُ ، وَلا يُحمَلَ فِيهَا السِّلاحُ لِغَيرِ حَاجَةٍ ، وَلا يُعقَدَ بَيعٌ وَلا شِرَاءٌ ، وَلا يَغشَاهَا مَن يُؤذِي مُرتَادِيهَا ، فَضلاً عَن أَن يُعتَدَى عَلَيهَا بِالاستِيلاءِ عَلَى جُزءٍ مِنَ الأَرضِ المُوقَفَةِ عَلَيهَا لِبِنَائِهَا أَو تَوسِعَتِهَا ، أَو بِالأَخذِ مِنَ المَاءِ المُعَدِّ فِيهَا لِلوُضُوءِ أَو لِسِقَايَةِ المُصَلِّينَ ، أَو بِتَركِهَا مَفتُوحَةً دُونَ مُرَاقَبَةٍ وَاعتِنَاءٍ ، أَو بِتَركِ المَصَابِيحِ فِيهَا مُضَاءَةً لَيلاً وَنَهَارًا لِغَيرِ حَاجَةٍ ، وَلا شَكَّ أَنَّ أَولى النَّاسِ بِالاهتِمَامِ بِالمَسَاجِدِ وَالعِنَايَةِ بِهَا ، مَن عَيَّنَهُم وَلِيُّ الأَمرِ لِهَذِهِ الوَظَائِفِ العَظِيمَةِ ، مَن أَئِمَّةٍ وَمُؤَذِّنِينَ وَخَدَمٍ وَمُرَاقِبِينَ ، وَمَن يُشرِفُ عَلَيهِم مِن مُدِيرِينَ وَرُؤَسَاءَ ، حَتى أَعلَى مَن في الوِزَارَةِ المَعنِيَّةِ بِالمَسَاجِدِ ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ عَلَى عَامَّةِ المُسلِمِينَ جُزءًا مِن مُسؤُولِيَّةِ الاعتِنَاءِ بِهَا وَتَفَقُّدِ مَا تَحتَاجُ إِلَيهِ ، وَعَلَى الجَمِيعِ التَّعَاوُنُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى ، وَأَن يَصبِرَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ وَيَتَحَمَّلَ بَعضُهُم بَعضًا ، فَالمُؤمِنُ لِلمُؤمِنِ كَالبُنيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعضًا ، وَقَد مَدَحَ سُبحَانَهُ الَّذِينَ يَعمُرُونَ المَسَاجِدَ فَوَصَفَهُم بِالإِيمَانِ وَالهِدَايَةِ وَوَعَدَهُم بِالرَّحمَةِ ، قَالَ جَلَّ وَعَلا : " إِنَّمَا يَعمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَن آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلم يَخشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ المُهتَدِينَ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ ، وَاذكُرُوهُ وَاشكُرُوهُ " وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِذَا كَانَتِ المَسَاجِدُ هِيَ أَحَبَّ البِقَاعِ إِلى اللهِ ، وَهِيَ مَوطِنُ الإِيمَانِ وَالهُدَى وَالرَّحمَةِ ، فَلِمَاذَا يَتَثَاقَلُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَنِ التَّبكِيرِ إِلَيهَا ؟! لِمَاذَا يَتَمَلمَلُ أَحَدُهُم إِذَا كَانَ يَنتَظِرُ الصَّلاةَ فِيهَا ثم يَستَعجِلُ في الخُرُوجِ مِنهَا ؟! بَل لِمَاذَا يَهجُرُهَا بَعضُ المُسلِمِينَ بِالأَيَّامِ ، إِمَّا في بَعضِ الأَوقَاتِ كَصَلاةِ الفَجرِ ، وَإِمَّا في سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَمَا يَحدُثُ مِن بَعضِ الشَّبَابِ أَوِ المَخذُولِينَ مِنَ الكَهُولِ ؟! لِمَاذَا يَفِرُّ بَعضُهُم مِن هَذِهِ المَوَاطِنِ الَّتي تَتَنَزَّلُ فِيهَا الرَّحمَةُ ، وَهُوَ لا بُدَّ أَن يَدخُلَهَا يَومًا مَا لِيُصَلَّى عَلَيهِ فِيهَا ؟! إِنَّ مَن أَحَبَّ اللهَ وَأَحَبَّ لِقَاءَهُ ، وَطَمِعَ فِيمَا عِندَهُ وَرَغِبَ في دُخُولِ الجَنَّةِ مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ عَلَيهِم ، إِنَّهُ لَيَشتَاقُ إِلى المَسجِدِ وَتَتُوقُ رُوحُهُ إِلَيهِ ، وَيَغدُو إِلَيهِ وَيَرُوحُ لِيُجَدِّدَ إِيمَانَهُ ، وَلِيَتَزَوَّدَ لِسَفَرِهِ وَيَومِ بَعثِهِ وَحَشرِهِ... أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَلْنَكُنْ مِمَّن يَعمُرُ بُيُوتَ اللهِ حِسِيًّا وَمَعنَوِيًّا ، وَلْنُسَاهِمْ في تَنظِيفِهَا وَتَطهِيرِهَا وَصِيَانَتِهَا ، وَتَزيِينِهَا وَتَكرِيمِهَا وَتَعظِيمِهَا " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "
المرفقات
1730973395_عمار المساجد هم المهتدون.pdf
1730973414_عمار المساجد هم المهتدون.docx
المشاهدات 1492 | التعليقات 2
وجزاك الله خيرًا شيخ شبيب ، وشكر لك مرورك الدائم وأجاب دعاءك ، وجعلنا جميعًا من الموفقين لما يحبه ويرضاه ...
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق