خطبة: على مقاعد الدراسة

أحمد بن عبدالله الحزيمي
1437/12/22 - 2016/09/23 07:01AM
خطبة على مقاعد الدراسة 22/12/1437
الحمدُ للهِ الخلَّاقِ العليمِ ﴿عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ نَحْمَدُهُ بِالْإِسْلَامِ والإِيمانِ، وتصريفِ الدُّهُورِ والأعوَامِ، وأشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وحدهُ لا شرِيكَ لهُ وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدهُ ورَسُولُهُ؛ غَرَسَ حُبَّ التَّعَلُّمِ والتَّعْليمِ فِي قُلُوبِ أصحابِهِ فَأخبَرَهُمْ أَنَّ خَيْرَهُمْ مَن تعلَّمَ القُرآنَ وعلَّمَهُ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ علَيْهِ وعلَى آلِهِ وأَصحابِهِ وأتبَاعِهِ إِلى يَوْمِ الدّينِ
أما بعد، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإن من اتقى الله وقاه، وهداه في دينه ودنياه، والمتقون من عباد الله هم أهل السعادة والفلاح والفوزِ والغنيمة في الدنيا والآخرة، والعاقبةُ دائمًا وأبدًا لأهل التقوى،
سُـــبــحــانَــكَ الـــلَـــهُـــمَّ خَـــــيــــرَ مُـــعَـــلِّـــمٍ
عَـــلَّــمــتَ بِــالــقَــلَـمِ الــــقُـــرونَ الأولـــــــى
أَخــرَجــتَ هَــــذا الــعَـقـلَ مِــــن ظُـلُـمـاتِـهِ
وَهَـــدَيـــتَـــهُ الـــــنــــورَ الـــمُــبــيــنَ سَـــبـــيــلا
وَطَـــبَـــعـــتَـــهُ بِــــــيَــــــدِ الـــمُـــعَـــلِّــمِ تـــــــــــارَةً
صَـــــــدِئَ الـــحَــديــدُ وَتـــــــارَةً مَـــصــقــولا
أَرسَــــلـــتَ بِـــالــتَــوراةِ مـــوســـى مُـــرشِـــداً
وَاِبـــــــــنَ الـــبَـــتـــولِ فَـــعَـــلَّــمَ الإِنـــجـــيــلا
وَفَــــجَـــرتَ يَـــنــبــوعَ الـــبَــيــانِ مُـــحَــمَّــداً
فَــسَــقــى الــحَــديــثَ وَنـــــاوَلَ الــتَـنـزيـلا
عباد الله هاهي المدارس قد فتحت أبوابَها. وأقبل عليها طلابها. ليبدءوا عامهم الجديد. فأكثر من سبعة ملايين طالب وطالبة في كافة مراحل التعليم انتظموا في مقاعد الدراسة هذا الأسبوع فلله الحمد والشكر على تيسير ذلك.
عباد الله
التربية والتعليم وظيفة الأنبياء والرسل، وهي معيار حضارة الشعوب وسبق الدول.. أول ما صدر للبشرية هو التعليم:قال سبحانه (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) وأول معلمٍ في هذه الأمة هو محمد -صلى الله عليه وسلم- ..
أيها السادة: إن التربية والتعليم من أفضل الأعمال وأقرب القُربات عند الله، فهي دعوة وتعليم. ونصح وإرشاد، وعمل وقدوة، ونفع للفرد والمجتمع، كيف لا تكون من أعظم الأعمال وأجلّها وهي مهمة الأنبياء والرسل، وقد قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [الجمعة: 2].
ولم يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء إلا من العلم فقال سبحانه (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طـه: 114]، وأَقسمَ الله بالتعلم لما له من عظيم الأثر في محو الأمية ورفع مستوى الثقافة والمعرفة فقال تعالى (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) [القلم:1].
وحرر صلى الله عليه وسلم بعض أسرى بدر على أن يعلموا طائفة ًمن المسلمين القراءة والكتابة.
العلم عباد الله طريق يوصل إلى الجنة ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأصحاب الأعمال الصالحة تنقطع أعمالهم بوفاتهم إلا من ورَّثَ علما ينتفع به، فإن علمه يجري عليه في قبره إلى قيام الساعة؛ كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.
ولابن القيم أيها الأخوة كلام كبير حول قدر العلم حيث يقول رحمه الله:
والأحاديث في هذا كثيرة ، وقد ذكرنا مائتي دليل على فضل العلم وأهله في كتاب مفرد ، فيا لها من مرتبة ما أعلاها ، ومنقبة ما أجلها وأسناها: أن يكون المرء في حياته مشغولا ببعض أشغاله، أو في قبره قد صار أشلاء متمزقة ، وأوصالا متفرقة، وصحف حسناته متزايدة يُملي فيها الحسنات كل وقت، وأعمال الخير مهداة إليه من حيث لا يحتسب، تلك والله المكارم والغنائم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وعليه يحسد الحاسدون، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وحقيق بمرتبة هذا شأنها أن تنفق نفائس الأنفاس عليها، ويسبق السابقون إليها، وتوفر عليها الأوقات، وتتوجه نحوها الطلبات، " انتهى كلامه
أيها المسلمون: التعليم اليوم نعمة لكونه يدل على الخالق سبحانه ويقربه إليه أكثر. التعليم نعمة. لأنه يستثمر أقصى ما يمكن مما يختزنه الفرد من قدرات ومواهب، ولكون الفرد يحقق ذاته ويثبت وجوده من خلال التعليم, التعليم نعمة. لأنه يحرر العقل من الوهم والخرافة والأسطورة، التعليم نعمة لأنه شرط مهم لحدوث النهضة لأي مجتمع من المجتمعات.
التعليم نعمة لكونه يكسب الفرد المهارات والقيم والمعارف. التي تجعل منه مشاركاً فاعلاً في بناء مجتمعه.
أيها المسلمون: إن التسابق اليوم بين قوى الأرض هو في مِضمار العلم، والأمة الجاهلة المتخلفة. لا مكان لها بين الأمم؛ بل إنها الأمة الضعيفة المنهزمة دائماً. العالةُ على غيرها. مهما ملكت من ثروات فوق الأرض أو تحت الأرض. والدول المتقدمة ما وصلت إلى ما وصلت إليه من علو شأنها وقوةِ اقتصادها ونفاذ أمرها إلا بسلاح العلم.
إِنَّ شعباً كاليابانِ مثلاً قدْ ضُرِبَ بِقُنبُلَتَيْنِ نوويَّتينِ فدمَّرتِ الأخضرَ واليابسَ , ولكنَّ الذي حصلَ أنهُ خلالَ سنواتٍ قلائلَ نافسَتِ اليابانُ الدولَ العُظمَى , وصارتْ من أقوى الدول في الاقْتصادِ , لماذَا ؟ لأَنَهمْ قالوا. التعليم. والتعليم أولاً.
عباد الله:
من النعم التي غفل عنه البعض. نعمة العلم. انظر إلى بعض الدول التي حصل فيها بعض الاضطرابات الأمنية. كيف تعطلت الدراسة لبضعة أشهر.
انظر إلى بعض الدول التي استمرت فيها الحروب سنوات كيف هم الآن, لقد شاهدنا بعض المتطوعين وهم يدرسون الطلاب تحت الجسور المدمَرة والبيوت المتهالكة وتحت الأشجار البالية.
لقد رأينا بعض البلاد الفقيرة. وهم يدرسون تحت الأشجار. وفي ظلال الكهوف وفي بيوت من القَش ويتتبعون الظل خلف الجدر في ظروف غاية في القسوة.
هل تعلم أخي الكريم أن أكثر من مئة وثلاثين مليون طفل محرومون من الذهاب إلى المدرسة مع إشراقة شمس كل يوم .وما ذاك إلا الفقر!
وكم خسر العالم أفذاذاً من العلماء والمفكرين والمخترعين ممن لم تتح لهم فرصة التعليم فانشغلوا بحرث الأرض أو طرق الحديد أو رعي الغنم في ظل ظروف صعبة ليساعدوا آبائهم في كسب الرزق.
أما نحن في هذه البلاد فيعود الطلاب إلى مدارسهم. وهم في كامل عافيتهم وقوتهم. وفي ظل أمن وارف. واستعدادات جيدة من قبل مسؤولي التعليم.
في تعليم بلدنا نعم متوافرة فالأمن. نعم الأمن في المناهج التي تُدرس. والسياسات التي تتبع. والقيادات التي تدير ذلك. والمعلمون والإداريون الأفذاذ الذين يقومون على لطلاب. كل هذا محل اطمئنان تام من قبل الأباء فالحمد الله على ذلك.بالإضافة إلى مجانية التعليم والفصل بين الجنسين والتجهيزات الضخمة وغيرها.
لا بد أن نستشعر هذه النعم ونشكر الكريم عليها سبحانه.
هناك عتب على بعضنا أيها الأخوة وهو يوم أن يُمرر بجواله بعض المقاطع والطُرف الساخرة وربما الساذجة والتي توصل رسائل إلى أبنائنا بقرب الدراسة وكأن الدراسة شبحاً مخيفاً وهما عظيماً.
كان الأولى العكس تماماً .كان الأولى أن يتباشر الناس بمقدم الدراسة. لأن الطالب سيتغير إلى الأحسن. ويتطور إلى الأفضل. ويكفي أن تعقد مقارنة بين طالب متعلم في المرحلة الثانوية مثلاً. وآخر أمي ممن لم تتح له فرصة التعلم ليظهر الفرق بعد ذلك.
كان بودنا أن تقوم بعض الجهات الحكومية أو القطاع الخاص بتبني إعداد مقاطع توعوية بأسلوب احترافي تشوق الطالب وترغبه بالمدرسة. يسر الله ذلك في المستقبل.
نسأل اهي تعالى أن يجعل هذا العام الدراسي من أبرك الأعوام وأن يعين ويسدد الخطى إنه خير مسئول.
بارك اهي لي ولكم بالقرآن العظيم.....

الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ , وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
عباد اهعَ:
إن ذكرى توحيد هذه البلاد تدعونا -والله- لتذكر نعمه سبحانه علينا ، والتي من أجلَّها وأعظمها أننا نعيش في وطنٍ واحدٍ آمن. في ظل شريعة سمحة وتحت قيادة حكيمة.. وهي تدعونا لتعزيز الحب والانتماء لهذه البلاد. وترجمة هذا الحب إلى أقوال صادقة، وأفعال نافعة.. وهي تدعونا للحفاظ على الأمن والاستقرار داخل الوطن، وعدم السماح لأي عابثٍ أو دخيلٍ بالإخلال بأمنه أو المزايدة عليه.
كل العقلاء والنبلاء يُجمعون على أنه من الخطأ، بل من الرعونة وقلة الوعي، أن نختزل الحب للوطن بشعارات وتهنئات، وألوان، ثم لا نخرج منها إلا بصخب وصياح، وزحام ومعاكسات، وإيذاء للناس في الطرقات، ما أرخص الحب إن كان هكذا!
إن المواطنة الصادقة. حب وتلاحم. وتكاتف بين الراعي والرعية، والمواطنة الصادقة إقامة للإيمان والعدل والإحسان واحترام الإنسان، وأداء للأمانة بكل اقتدار. إن المواطنة الصادقة مشاركة في خدمة المجتمع وتفاعل وبناء وإنجاز، والمواطنة الصادقة محافظة على مكتسباته وثرواته، والمواطنة الصادقة دفاع عن الوطن والمواطن وحقوقه، ووقوفٌ كَيَدٍ واحدةٍ في وجه المخربين والمفسدين.
فأين حب الوطن إذاً من موظف مداهن يرتشي ويعطل معاملات الناس؟ وأين حب الوطن من مدرس أو مهندس أو طبيب أو رجل أمن لا يراعي الأمانة؟ ولا يؤدي الحقوق .أين حب الوطن ممن يرمون المخلفات بكل مكان حتى اتسخت المنافع والحدائق والطرقات؟ أين حب الوطن ممن يسرفون بالكهرباء والماء رغم الشح فيهما كمشكلة تهدد العالم أجمع؟
إخوة الإيمان:إننا اليوم نؤكد ما يكرره وينادي به ولاة أمرنا -وفقهم الله- في كل مناسبة: إن الحبَ الحقيقي للوطن قدوةٌ ومسؤوليّةٌ، وتفاعلٌ وجديةٌ، وليس مجردَ مناسبةٍ شكليةٍ، فلنكن عوناً لهم لبناء وطن شرفه الله بالحرمين الشريفين، وبمنبع رسالة التوحيد، ليكون وطناً إسلامياً حضارياً نظيفاً يسوده العدل والحرية وإنصاف المظلوم، فنصوص وقواعد الشريعة جاءت بالعدل والتيسير على الناس.
نسأل الله أن يهدي شبابنا، ويسلك بهم سبيل الرشاد، وأن يجعلهم مواطنين صالحين، مصلحين في أسرهم ومجتمعهم، إنه جواد كريم
اللهم آمنا في أوطانِنا، وأدمْ نعمةَ الأمنِ والاستقرارِ في بلادِنا،
اللهم اجعل هذا البلد عزيزاً شامخاً رخاء يارب العالمين
اللهم اكفنا بمنك وكرمك كل من يريد سوءا لهذه البلاد ولجميع بلاد المسلمين اللهم رد كيده في نحره واجعلْ تدبيرَه تدميرَه وافضحه للعالمين يا عظيم يا ذا البأس الشديد
.. اللهم وفق إمامَنا لما تحبُ وترضى وخذْ بناصيته للبرِ والتقوى، اللهم وفقه لهداك، واجعل عملَه في رضاك، وهيئ له البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ التي تدلُه على الخيرِ وتعينُه عليه، واصرفْ عنه بطانةَ السوءِ يا ذا الجلالِ والإكرامِ
اللهم تقبل منا صالح العمل واغفر لنا الذنب والزلل نحن ووالدين وجميع المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
المشاهدات 1168 | التعليقات 0