خطبة: على أعتابِ عامٍ مضى

وليد بن محمد العباد
1443/12/29 - 2022/07/28 01:13AM

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم

خطبة: على أعتابِ عامٍ مضى

الخطبة الأولى

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله

على أعتابِ عامٍ مضى، يقِفُ أولو الألبابِ وقفةَ اعتبارٍ وادِّكار، يتفكّرونَ في سرعةِ انقضائِه وكأنّه ساعةٌ من نهار، ويعتبرونَ بما جرى فيه من مِحنٍ ومِنَحٍ وأقدار، لقد رحلَ من أعمارِنا، وذَهبَ مِن سِنِيِّ آجالِنا، فانقضتْ لذّاتُه، وبقيتْ تبعاتُه، ودَنَتْ من المرءِ نهايتُه ووفاتُه، فليست الغبطةُ بتوالي السّنينَ وزيادةِ الأعمار، إنّما الغبطةُ بما كسبْنا فيها من الحسناتِ وما تركْنا فيها من الآثار، إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالأعوامِ نَقْطَعُهَا * وَكُلُّ عامٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ. فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ مُجْتَهِدًا * فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالْخُسْرانُ فِي العَمَلِ. فقصّروا الأمَل، وأصلحوا العمل، واحذروا مَغَبَّةَ الأجل، وليكنْ عامُنا الجديد، مُشرقًا بصدقِ التّوبةِ وحُسنِ الإنابة، يقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ. عبادَ الله، إنَّكم في آجالٍ منقوصة، وأعمالٍ محفوظة، والموتُ يأتي بغتةً (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) كم ودّعْنا في العامِ الماضي من عزيزٍ وقريبٍ وحبيب، سبقونا إلى القبور، وتركوا الدُّورَ والقصور، فاللهمّ لا تَحرمْنا أجرَهم ولا تفتنّا بعدَهم واغفرْ لنا ولهم، فخذوا من سرعةِ تعاقُبِ الليالي والأيّام، وتَصرُّمِ الشّهورِ والأعوام، واعظًا لحقيقةِ دنياكم وأنّها إلى زوال، ولن يبقى لكم منها إلا ما أودعتموه فيها من صالحِ الأعمال. فالسّعيدُ من طالَ عمُرُه وحَسُنَ عملُه، ومَنْ كانَ يومُه خيرًا من أمسِه، وغدُه خيرًا من يومِه، ولا يكونُ ذلك إلا بمحاسبةِ العبدِ نفسَه محاسبةَ الشّريكِ الشّحيحِ لشريكِه، قالَ الحسنُ البصريُّ رحمَه الله: المؤمنُ قوّامٌ على نفسِه، يُحاسبُ نفسَه للهِ عزَّ وجلّ، وإنّما خَفَّ الحسابُ يومَ القيامةِ على قومٍ حاسبوا أنفسَهم في الدّنيا، وإنّما شَقَّ الحسابُ يومَ القيامةِ على قومٍ أخذوا هذا الأمرَ من غيرِ محاسبة، فلا تلقى المؤمنَ إلا يُعاتبُ نفسَه: ماذا أردتُ بكلمتي؟ ماذا أردتُ بأكلتي؟ ماذا أردتُ بشَرْبَتي؟ والفاجرُ يَمضي قُدُمًا لا يعاتبُ نفسَه. فاتقوا اللهَ رحمَكم الله، واشكروا ربَّكم حيثُ أفسحَ في آجالِكم، وأمدَّ في أعمارِكم، وحاسِبُوا أنفسَكم فإنّكم عن دنياكم قريبًا راحلون، وبينَ يدي اللهِ موقوفون، وعن أعمالِكم محاسبون، قَالَ عمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ اللهُ عنه: حَاسِبُوا أَنفُسَكُم قَبلَ أَن تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَعمالَكم قَبلَ أَنْ تُوزَنَ عليكم، فَإِنَّهُ أَهوَنُ عَلَيكُم فِي الحِسَابِ غَدًا أَن تُحَاسِبُوا أَنفُسَكُمُ اليَومَ، وَتَزَيَّنُوا لِلعَرْضِ الأَكبَرِ، يَومَئِذٍ تُعرَضُونَ لَا تَخفَى مِنكُم خَافِيَةٌ.

باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأُصلي وأُسلّمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله

اتّقوا اللهَ حقَّ التّقوى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍۢ ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا تَعْمَلُونَ)

اللهمّ وفقْنا للتّوبةِ والإنابة، وافتحْ لأدعيتِنا أبوابَ الإجابة، اللهمّ إنّا نسألُك الإيمان، والعفوَ عمّا سلفَ وكان، من الذّنوبِ والعصيان، اللهمّ اجعلْ عامَنا الجديدَ عامَ خيرٍ وبركةٍ وهدايةٍ وهَنَاء، وألفةٍ ومحبّةٍ وعافيةٍ وشفاء، ونصرٍ للإسلامِ والمسلمينَ وعزٍّ وأمنٍ وصلاحٍ ورخاء، اللهمّ إنّا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بعبادِك فتنةً فاقبضْنا إليك غيرَ مفتونين، اللهم ثبتْنا على ما يرضيك، وجنبْنا أسبابَ سخطِك ومعاصيك، اللهمّ اهْدِ قلوبَنا، واشرحْ صدورَنا ويَسِّرْ أمورَنا وأصلحْ نيّاتِنا وأهلينا وذرّيّاتِنا وأحسنْ خاتمتَنا واجعلْنا ممن طالَ عمرُهم وحَسُنَ عملُهم، اللهمّ أحينا مسلمينَ وتوفَّنا مسلمين وألحقْنا بالصّالحين غيرَ خزايا ولا فاتنينَ ولا مفتونين اللهمّ أصلحْ لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، ودنيانا التي فيها معاشُنا، وآخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كلِّ خير، والموتَ راحةً لنا من كلِّ شرّ، اللهمّ اجعلْ خيرَ أعمالِنا أواخرَها وخيرَ أعمارِنا خواتمَها وخيرَ أيّامِنا يومَ نلقاك، اللهمّ إنّا نسألُك العافيةَ والمعافاةَ الدّائمةَ في الدّينِ والدّنيا والآخرة اللهّم اغفرْ لنا ولوالدينا وأزواجِنا وذرّيّاتِنا ولجميعِ المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين

عبادَ الله إنّ اللهَ وملائكتَه يصلونَ على النبيّ، يا أيّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا ويقولُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ: من صلى عليّ صلاةً واحدةً صلى اللهُ عليه بها عشرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين، وأقم الصّلاةَ إنّ الصّلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين

جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 30/ 12/ 1443هـ

المشاهدات 1354 | التعليقات 0