خطبة: عشرٌ كرامٌ في شهرٍ حرام
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: عشرٌ كرامٌ في شهرٍ حرام
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ عبادَ الله
لقدْ أهلّتْ علينا أيّامُ عشرِ ذي الحِجّة، عشرٌ كرامٌ في شهرٍ حرام، والعملُ الصالحُ فيها أفضلُ وأحبُّ إلى اللهِ تعالى من العملِ في سائرِ الأيّامِ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قالَ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ، إلَّا رجلًا خرجَ بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ. فاستقبلوها بالفرحِ والتّوبةِ والاستغفار، والعزيمةِ على المسارعةِ للخيرات، فإنّها عشرٌ مباركات، فيها تُغفرُ الذّنوبُ وتُعتَقُ الرّقابُ وتُرفعُ الدّرجات، وقتُها شريفٌ وساعاتُها ثمينةٌ ودقائقُها غاليةٌ وليلُها فاضلٌ ونهارُها أفضل، لوقوعِ يومِ عرفةَ ويومِ النّحرِ فيه، فاجتهدوا في عمارتِها بالقُرُبات، وعلى رأسِها المحافظةُ على الفرائض، كالصّلواتِ الخمسِ وحَجِّ بيتِ اللهِ الحرام، كما يُشرعُ للمسلمِ الإكثارُ فيها من النّوافلِ والطّاعات، فيُستحبُّ له صيامُها عدا يومَ العيدِ، وآكدُه صيامُ يومِ عرفةَ، والذي يوافقُ يومَ الجمعةِ القادم، ولا حرجَ في صيامِه مفردًا، ومَنْ صامَ معه الخميسَ فهو أحوطُ وأفضل، فصوموه وحثّوا أهليكم على صيامِه، فإنّ صيامَه يُكفِّرُ ذنوبَ سنتين، وتُستحبُّ فيها الأضحيةُ وهي سنّةٌ مؤكّدةٌ، وما تَقرَّبَ المسلمُ في يومِ العيدِ بأفضلَ منها، وعلى مَن يُريدُ الأضحيةَ أنْ يُمسكَ عن أخْذِ شيءٍ من شَعرِه وأظفارِه حتى يَذبحَ أضحيتَه يومَ العيد، ويُستحبُّ الإكثارُ في هذه العشرِ من الدّعاءِ، فكم أُجيبتْ فيها من دعواتٍ، وفُرِجَتْ من كُرُباتٍ، وتَحَقّقتْ من أمنيات، ويُستحبُّ الجهرُ فيها بالتّكبيرِ، لقولِه عليه الصّلاةُ والسّلام: فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ. ويُستحبُّ الإكثارُ من تلاوةِ القرآنِ وأنْ يَختمَه فيها مرّةً أو أكثر، وأن لا يزالَ لسانُه رَطْبًا من ذكرِ اللهِ، وفي الجملةِ مَنْ استطاعَ أن لا يسبقَه إلى اللهِ فيها أحدٌ فليفعلْ، فاتّقوا اللهَ رحمكم الله، واشكروه على أنْ بلّغَكم هذه العشرَ المباركةَ، فإنّها نعمةٌ عظيمةٌ، فجاهدوا أنفسَكم فيها على العملِ الصّالحِ، وسابقوا وشمّروا، واجتهدوا أن لا تَخرجَ هذه العشرُ إلا وقد خرجتم من ذنوبِكم كيومِ ولدتْكم أمهاتُكم، وأبشروا وأمّلوا ما يَسرُّكم، وأحسنوا الظّنَّ بربِّكم، فإنّه غنيٌّ كريمٌ حليمٌ، غفورٌ شكورٌ رحيم (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله
اتقوا اللهَ ما استطعتُم، وأطيعوه فما أسعدَكم إنْ أطعتُم (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) اللهمّ إنّا نسألُك فعلَ الخيراتِ وتَركَ المنكراتِ وحُبَّ المساكين، وأنْ تغفرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بعبادِك فتنةً فاقبضْنا إليك غيرَ مفتونين، اللهمّ إنّا نسألُك رضاك والجنّةَ ونعوذُ بك من سخطِك ومن النّار، اللهمّ أعنّا على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كربَ المكروبينَ واقضِ الدَّينَ عن المَدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهمّ تقبَّلْ منّا ومن الحجّاجِ ومن سائرِ المسلمينَ، اللهمّ اجعلْ أعمالَنا خالصةً لوجهِك الكريمِ، وعلى سنّةِ نبيِّك صلى اللهُ عليه وسلمَ، اللهمّ احفظْنا وإيّاهم بحفظِك وأنت خيرُ الحافظينَ، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدينا وأزواجِنا وذرّيّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يُصلّونَ على النّبيّ يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما، ويقولُ عليه الصّلاةُ والسّلامُ: من صلى عليَّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّينِ، فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكرْكم، واشكروه على نعمِه يزدْكم، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 2/ 12/ 1443هـ