(خطبة) طلب العلم وفضله

خالد الشايع
1446/02/11 - 2024/08/15 16:44PM

الخطبة الأولى (191) طلب العلم وفضله 12/2/1446

( خطبة الحاجة)

أما بعد أيها المؤمنون : أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهييه ، فما خلقنا إلا لذلك ، فلنغتنم أوقاتنا قبل هجوم هاذم اللذات .

عباد الله : إن الناظر في أحوال الناس يجد أنهم جميعا بلا استثناء يبحثون عن السعادة والشرف كل بمفهومه لذلك ، ولهذا اختلفت مشاربهم ، فتجد كل إنسان قد ضرب له طريقا أو أكثر يبحث من خلاله عن السعادة فمستقل ومستكثر .

ألا وإن لدى كل مسلم ومسلمة طريقا ، قل سالكوه وهو أسرع الطرق إلى السعادة والشرف الحقيقيين .

فما هو هذا الطريق ؟ إنه طريق ليس حكرا على أحد من الخلق بل هو لكل الخلق من الجن والإنس صغر أو كبر ، كبر أمره أو احتقر .

هذا الطريق هو ميراث النبوة الذي من أخذ به اخذ بحظ وافر ، ألا وهو العلم الشرعي الذي يُنال بطلبه والحرص عليه ، وكفى بفضله فضلا أن الله خص أهله بالخشية دون من سواهم وحصره فيهم ( إنما يخشى الله من عباده العلماء)

أيها المؤمنون : إن الزمان إذا كثرت فتنه ، ومرجت عهود أهله ، وأنكب الناس فيه على

الدنيا وشهواتها ، لم تكن النجاة فيه إلا بطلب العلم الشرعي إذ هو المبين للمسلم ما اختلفت فيه الآراء ، والمضيء له الدرب في غياهب الشبهات ، ولذا قيل إذا أقبلت الفتنة عرفها العالم وجهلها الجاهل ، وإذا أدبرت عرفها الجاهل .

ومن هذا المنطلق نمر في هذه الخطبة على شيء من فضائل العلم التي تدعو المسلم إلى السعي في طلبه والبحث عن أهله ، ولعل السامع أن تشحذ همته ، ويذهب عنه كسله ، ويفيق من غفلته ، هذا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

قال الله جل وعلا ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )والمعنى أن الله يرفع الذين آمنوا بإيمانهم درجات والذين أوتوا العلم منهم يرفعون فوقهم بعلمهم .

قال ابن عباس : كذا العلم يزيد الشريف شرفا ويجلس المملوك على الأسرة .

وأخرج مسلم في مقدمة صحيحه أن نافع بن عبد الحارث الخزاعي أتى عمر بن الخطاب بعسفان وقد كان ولاه على أهل مكة فقال له عمر من تركت على أهل الوادي ؟ قال استخلفت عليهم ابن أبزى مولى لنا فقال عمر : استخلفت عليهم مولى ؟ فقال : يا أمير

المؤمنين إنه قاريء لكتاب الله عالم بالفرائض فقال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين )

عباد الله : لقد رفع الله من شأن أهل العلم في كتابه عندما استشهدهم أهل الفقال ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألوا العلم ....) فاشهدهم المولى جل وعلا على ربوبيته وألوهيته دون غيرهم من البشر فهذا تعديل لهم لأن الله لا يستشهد إلا العدول ، ولهذا لما أراد الله رفع ذكرهم قرن شهادتهم بشهادته .

وقال سبحانه ( وقل ربي زدني علما ) قال ابن حجر : ( لم يأمرالله نبيه بالدعاء بالاستزاده من شيء سوى العلم الشرعي وما ذاك إلا لفضل العلم وشرفه )

ومن شرف العلم وفضله أن الله أباح لنا أكل ما صيد بالكلب المعلم دون غيره فقال ( يسألونك ماذا أحل لهم قل إحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح ...)

فانظر كيف شرف الله البهائم بالعلم فما بالك بالمسلم .

ولقد بين لنا المصطفى منزلة العالم بين الناس فقال فيما أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم ( فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم وإن الملائكة وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير )

سبحان الله ، يا حسرة على من توانى عن طلب العلم ففاته هذا الأجر العظيم .

ومن فضائل العلم وطلبه التي حرمها البطالون ما أخرجه أصحاب السنن من حديث معاذ بن جبل قال صلى الله عليه وسلم ( من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضعوا أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب )

ولما علم السلف قيمة العلم وفضله كثرت كلماتهم في الحث عليه ومدحه .

قال الشافعي : من تعلم القرآن عظمت قيمته . وقال سفيان من أراد الدنيا والآخرة فعليه بطلب العلم .

وقال سفيان بن عيينه : أرفع الناس منزلة عند الله من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء .

وقال ابن القيم : فأفضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة هو العلم والإيمان ولهذا قرن اله سبحانه بينهما في قوله ( وقال الذين أوتوا العلم والإيمان ) وهؤلاء هم خلاصة الوجود ولبه والمؤهلون للمراتب العالية .

معاشر المسلمين :

من أراد أن يعرف منزلته ومكانته عند الله فليعرف منزلة العلم عنده .

أخرج البخاري ومسلم من حديث معاوية مرفوعا ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ) فمن لم يفقه في دين الله فهذه علامة على أن الله لم يرد به خيرا ) فكفى بذلك ندامة وخذلانا .

وقال معاذ بن جبل : تعلموا العلم فإن تعلمه حسنة وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح .

وقال الشافعي : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة .
وقال الثوري : ما من عمل أفضل من طلب العلم إذا صحت فيه النية .

وقال ابن المبارك وأحمد : لا نعلم شيئا من الأعمال أفضل من طلب الحديث لمن حسنت فيه نيته .

أيها المؤمنون / لقد كان سلف الأمة يفضلون تذاكر الحديث ومدارسته على جميع أنواع العبادات النافلة حتى على قيام الليل .

قال ابن عباس : تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها .

وقال أبو هريرة : لأن أجلس ساعة فأتفقه في ديني أحب إلي من إحياء ليلة إلى الصباح .

وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة مرفوعا : فضل العلم ( يعني النافلة منه ) أحب إلى من فضل العبادة وخير دينكم الورع)

وقال الحسن البصري : يوزن مداد العلماء بدم الشهداء يوم القيامة فيرجح مداد العلماء بدم الشهداء .

وقال رحمه الله : لولا العلماء لصار الناس كالبهائم .

عباد الله : إذا تبين هذا فالواجب على كل مكلف من الجن والإنس أن يسعى جاهدا في طلب العلم وأن يوجه أبناءه  إلى ذلك ما استطاع إلى ذلك سبيلا والعلم إنما هو العلم الشرعي الذي يعرف العبد به ربه .

اللهم فقهنا في ديننا ، واجعلنا من المباركين .

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ميز أهل العلم عن غيرهم بقوله ( قل هل يستوي الذين يعلمون .......) وأشهد أن

محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله أعلم الخلق بربه وأعلمهم وأتقاهم وأخشاهم .

اللهم صل عليه .........

أما بعد أيها المؤمنون :

إن من أدرك أهمية شيء طلبه مهما بلغ ثمنه والعلم أهم لنا في حياتنا من كل غال ونفيس.

قال الإمام أحمد : الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب ، وذلك أن الرجل قد يحتاج إلى الطعام والشراب مرة أو مرتين , وأما حاجته إلى العلم فهي بعدد أنفاسه أهـ

وقال ابن القيم : ولا شيء أطيب للعبد ولا ألذ ولا أهنأ ولا أنعم لقلبه وعيشه من محبة

فاطره وباريه , ودوام ذكره والسعي في مرضاته وهذا هو الكمال الذي لا كمال للعبد بدونه وله خلق الخلق ...ولا سبيل إلى الدخول إلى ذلك إلا من باب العلم فالعلم يفتح هذا الباب العظيم الذي هو سر الخلق والأمر أهـ

أيها المؤمنون : إن العلم الشرعي هو زاد المسلم الداعية إلى الله تعالى فمن دعا إلى الله بغير علم فقد ضل وأضل قال الله تعالى ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) قال ابن القيم تعقيبا على هذه الآية : وإذا كانت الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه , بل لابد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حد يصل إليه السعي أهـ

معاشر المؤمنين : إن من أعظم الخصال التي شرف بها العلم وطالبه ، هي انتفاء الجهل عن أهله .

ولما سئل الإمام أحمد لمَ يطلب المرء العلم قال : ليرفع عن نفسه الجهل .

عباد الله : إن العابد إذا كان ذا عبادة ولم يكن له علم فلربما هدم عبادته وهو لا يشعر ، بل ربما أثم وهو يظن أنه من المأجورين .

قال ابن القيم : العامل بلا علم كالسائر بلا دليل ، ومعلوم أن عطب مثل هذا أقرب من

سلامته ، وكان شيخ الإسلام يقول من فارق الدليل ضل السبيل أهـ

وقال الحسن البصري : العامل على غير علم كالسالك على غير طريق والعامل على غير علم يفسد أكثر مما يصلح ، فاطلبوا العلم طلبا لا تضروا به العبادة واطلبوا العبادة طلبا لا تضروا بها العلم أهـ

أيها الناس : إن الجهل قد يفسد عقيدة المسلم بل ربما أخرجه من الدين ، وبالعلم يتحصن المرء من ذلك .

عباد الله : إن العلم حياة القلوب ونور الصدور وزكاة النفوس فلنحرص جميعا على طلبه ولو كبرت أسناننا ولا يصدنا عنه صاد فإن العبد يطلب العلم حتى الموت ، لقد رؤى الإمام أحمد وهويحمل المحبرة بعد كبرت سنه فقيل له : حتى متى يا إمام ؟ قال من المحبرة إلى المقبرة .

ولذا على العبد أن يقصر نفسه على أخذ العلم قصرا ، وألا ينشغل بصوارف الدهر وملهيات الدنيا.

قال ابن فارس رحمه الله :

إذا كان يؤذيك حر المصيف

           ويبس الخريف وبرد الشتا

ويلهيك حسن زمان الربيع

           فأخذك للعلم قل لي متى

اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات ، والمسابقة في الخيرات يارب العالمين .

اللهم علمنا ما ينفعنا ..........

اللهم اجعلنا من أهل العلم الذين يعملون به وينشرونه بين الناس .

اللهم فرج عن المستضعفين ...

سبحان ربك رب العزة عما .......

المرفقات

1723729476_طلب العلم وفضله.doc

المشاهدات 972 | التعليقات 0