خطبة صلاح القلب وفساده للشيخ صالح الفوزان باختصار وتصرف

عبدالله بن رجا الروقي
1437/07/28 - 2016/05/05 07:50AM
خطبة صلاح القلب وفساده
ش صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء.
باختصار وتصرف.

الخطبة الأولى
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله سبحانه لا ينظر إلى صوركم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، فالقلب هو محل نظر الله من العبد.
وهو الذي إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، كما أخبر بذلك النبي ﷺ ، وهو محل معرفة الله ومحبته وخشيته وخوفه ورجائه، ومحل النية التي بها تصلح الأعمال وتقبل أو ترد وتبطل، قال ﷺ:إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. رواه البخاري ومسلم.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: فأشرف ما في الإنسان قلبه، فهو العالم بالله الساعي إليه والمحب له، وهو محل الإيمان والعرفان، وهو المخاطب المبعوث إليه الرسل، المخصوص بأشرف العطايا من الإيمان والعقل، وإنما الجوارح أتباع للقلب، يستخدمها استخدام الملوك للعبيد، والراعي للرعية، فسبحان مقلب القلوب، ومودعها ما يشاء من أسرار الغيوب، الذي يحول بين المرء وقلبه، ويعلم ما ينطوي عليه من طاعته ودينه، مصرف القلوب كيف يشاء، أوحى إلى قلوب الأولياء أن أقبلي إلي، فبادرت وقامت بين يدي رب العالمين، وكره عز وجل انبعاث آخرين فثبطهم، وقيل: اقعدوا مع القاعدين.
كانت أكثر يمين رسول الله : ((لا ومقلب القلوب))، وكان من دعائه: ((اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك))، إلى أن قال ابن القيم رحمه الله: وإذا تأملت حال القلب مع الملك والشيطان، رأيت أعجب العجائب، فهذا يلمّ به مرة، وهذا يلم به مرة، فإذا ألَمّ به الملك حدث من لمته الانفساح والانشراح والنور والرحمة والإخلاص والإنابة ومحبة الله وإيثاره على ما سواه، وقصر الأمل والتجافي عن دار الغرور، فلو دامت له تلك الحال لكان في أهنأ عيش وألذه وأطيبه. لكن تأتيه لمة الشيطان فتحدث له من الضيق والظلمة والهم والغم والخوف والسخط على المقدور، والشك في الحق والحرص على الدنيا وعاجلها والغفلة عن الله ما هو من أعظم عذاب القلب.انتهى كلامه رحمه الله.
عباد الله، إن القلوب تقسو، فتكون كالحجارة أو أشد قسوة، فتبعد عن الله وعن رحمته وعن طاعته.

وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، الذي لا ينتفع بتذكير، ولا يلين لموعظة، ولا يفقه مقالة، فيصبح صاحبه يحمل في صدره حجرًا صلدًا لا فائدة منه، ولا يصدر منه إلا الشر. ومن القلوب ما يلين ويخشع ويخضع لخالقه ويفقه ويقرب من الله ومن رحمته وطاعته، فيحمل صاحبه قلبًا طيبًا رحيمًا يصدر منه الخير دائمًا.
وإن لقسوة القلوب ولينها أسبابا، فمن أعظم أسباب تليين القلوب قراءة القرآن واستماعه، قال تعالى: ﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ﴾ وقال تعالى: ﴿ فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ﴾، وقال الله تعالى:﴿ الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ﴾ ، وقال تعالى:﴿ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ﴾
ففي هذه الآيات الكريمة بيان أن القرآن العظيم أعظم ما يلين القلوب لمن أقبل على تلاوته واستماعه بتدبر، كما قال تعالى:﴿ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله ﴾
وأنه يجب على المسلمين الإقبال على كتاب ربهم تلاوة وتدبرًا وعملاً، حتى تحصل لهم الهداية وحياة القلوب، وألا يتشبهوا بأهل الكتاب الذين حملوا التوراة والإنجيل فأعرضوا عنهما، فقست قلوبهم بسبب ذلك، فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم لوعد ولا لوعيد.

ومن أعظم ما يلين القلوب تذكر الموت وزوال الدنيا والانتقال إلى الدار الآخرة، ومن أعظم ما يقسي القلوب الغفلة عن الآخرة ونسيان الموت والانشغال بالدنيا.
قال تعالى: ﴿ كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ﴾
وقال تعالى: ﴿ إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ﴾.
وقال النبي ﷺ :زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة.
وقال ﷺ :أكثروا من ذكر هادم اللذات: الموت.

ومن أعظم ما يلين القلوب الاعتبار بما جرى ويجري للأمم الكافرة من الهلاك والدمار، ومن أعظم ما يقسيها الغفلة عن ذلك، قال تعالى: فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾
ومما يلين القلوب الإكثار من ذكر الله عز وجل ومن أعظم ما يقسيها الغفلة عن ذكر الله.
قال تعالى: ﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ﴾ ، وقال تعالى: ﴿ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ﴾، وقال تعالى: ﴿ ولا تطع من أغلفنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا ﴾ ، وقال تعالى: ﴿ واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ﴾
ومن أعظم ما يلين القلوب قبول أوامر الله والعمل بها، واجتناب نواهيه، ومن أعظم ما يقسيها الإعراض عن أوامر الله ونواهيه قال تعالى:
﴿ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانًا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسًا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ﴾
وقال تعالى:
﴿ وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ﴾
فقبول الحق والعمل به سبب لهداية القلب وإيمانه، ورد الحق وترك العمل به سبب لزيغ القلب وطغيانه.
قال الله تعالى:﴿ ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ﴾ ، وقال الله تعالى:﴿ فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ﴾
ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

الخطبة الثانية
....أما بعد فمن أسباب لين القلوب واتعاظها التفكر والنظر في أحوال المرضى والفقراء والمبتلين، ومن أسباب قسوتها الاغترار بالصحة والقوة والغنى والثروة، قال النبي ﷺ :انظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم ، وقال تعالى عن عاد الذين غرتهم قوة أجسامهم وكثرة أموالهم:﴿ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ﴾.
فلو زار الإنسان المستشفى، ورأى أحوال المرضى وما يقاسونه من الآلام، ولو نظر إلى الفقراء والأيتام، وما هم فيه من الحاجة والمجاعة، لعرف قدر نعمة الله عليه ولان قلبه، لكن حينما يصرف النظر عن ذلك، وينظر إلى أهل الترف والغنى، وما بأيديهم من زهرة الحياة الدنيا، فإنه يقسو قلبه ويتعاظم في نفسه، وقد أمر الله نبيه أن يجالس فقراء المسلمين والمستضعفين من المؤمنين، وأن لا يتجاوزهم إلى أصحاب الثراء والغفلة، قال تعالى: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا.
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وخذوا بالأسباب التي تحيا بها القلوب قبل أن تقسو وتموت، فإن ذلك هو مناط سعادتكم أو شقائكم.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها
أنت وليها ومولاها..

أصل الخطبة كاملة
http://alminbar.net/alkhutab/khutbaa.asp?mediaURL=2391
المشاهدات 4256 | التعليقات 0