خطبة: صَلَاةُ الفَجْرِ تَشْتَكِي!
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: صَلَاةُ الفَجْرِ تَشْتَكِي!
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعمالِنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلمَ تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ عبادَ الله
عندما يَتنفّسُ الصّباحُ مُؤْذِنًا بوِلادةِ يومٍ جديد، وفي هَدْأةِ الليلِ وسُكونِ الكون، يَرتفعُ صوتُ الأذانِ لصلاةِ الفجرِ حيَّ على الصّلاةِ حيَّ على الفلاحِ، الصّلاةُ خيرٌ مِن النّوم، هنا تَستيقظُ القلوبُ المؤمنة، وتَتَحرّكُ الأجسادُ الطّاهرة، مُستجيبةً لنداءِ خالقِها، مُستفتحةً يومَها بصلاةِ الفجر، التي هي أثقلُ صلاةٍ على المنافقين، مَن حافظَ عليها فهو لمَا سواها أحفظ، جَمَعَ اللهُ بها الفضائل، ولا يَحضرُها إلا الرّجالُ القلائل، إنّهم رجالُ الفجر، الذين مَلأَ الإيمانُ قلوبَهم، وتَركوا لَذّةَ فراشِهم، وسَعَوْا للصّلاةِ بنفوسٍ نشيطةٍ طيّبةٍ، يَعلوهم البِشْرُ والسّرور، وتُشرقُ خطواتُهم بالنّور، فهنيئًا لهم حضورُ صلاةِ الفجرِ مع الجماعة، فإنّها صلاةٌ مَشهودة، يَقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: يَتَعاقبونَ فيكم ملائكةٌ بالليلِ وملائكةٌ بالنَّهارِ، ويَجتمِعونَ في صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجرِ، ثمّ يَعرجُ الذينَ باتوا فيكم، فيَسألُهم ربُّهم وهو أَعلمُ بهم: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلُّونَ، وأتيناهم وهم يُصلُّونَ. وبينما هؤلاءِ الموفّقونَ يَتَقلّبونَ بينَ تلك البركاتِ والإكرامِ والإفضال، هناك فئةٌ مِن المحرومينَ يَتَقلّبونَ على فُرُشِهم بينَ النّساءِ والأطفال، قد استحوذَ عليهم الشّيطان، فَبَالَ في آذانِهم، وضَرَبَ عليها عليك ليلٌ طويلٌ فارْقدْ، فإذا جاءَ وقتُ الدّوامِ قامَ أحدُهم خبيثَ النّفسِ كسلان، يُسرعُ لطلبِ الرّزقِ ويَنسى الرّازق، ويَخافُ مِن المخلوقِ ولم يَخَفْ مِن الخالق، ولو عَلموا في وقتِها عَرَضًا مِن الدّنيا لقاموا إليها مسرعين، نَسألُ اللهَ العافية، إنّ القيامَ لصلاةِ الفجرِ شَرَفٌ عظيم، وأهلُ صلاةِ الفجرِ هم الشّرفاء، وذلك فضلُ اللهِ يُؤتيهِ مَن يَشاء، فقد فازوا بأكرمِ الفضائل، وتَبوّؤُوا عندَ ربِّهم أعلى المنازل، فجعلَهم في حِفظِه وأمانِه، ومَن اعتدى على أحدٍ منهم أَخذَ اللهُ له بحقِّه فهم في كَنَفِه وضَمانِه، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: مَن صلّى صلاةَ الصّبحِ فهو في ذِمَّةِ الله، فلا يَطلبنَّكم اللهُ مِن ذِمّته بشيء، فإنّه مَن يَطلبُه مِن ذِمّتِه بشيءٍ يُدْركُهُ ثمّ يَكُبُّه في نارِ جهنّم. وفي فضلِ صلاةِ الفجرِ يَقولُ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وسلّم: مَن صلَّى العشاءَ في جماعةٍ فكأنَّما قامَ نصفَ الليل، ومَن صلَّى الصّبحَ في جماعةٍ فكأنَّما صلَّى الليلَ كلَّه. ومِن فضلِها أنّها سِترٌ مِن النّار، قالَ عليه الصّلاةُ والسّلام: لنْ يَلِجَ النّارَ أحدٌ صلَّى قبلَ طلوعِ الشّمسِ وقبلَ غروبِها؛ يَعني: الفجرَ والعصر؛ وهي سَببٌ لدخولِ الجنّة، قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن صلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجنّة؛ والبَرْدَانِ: هما الصّبحُ والعصر. وهي سَببٌ لرؤيةِ وجهِ اللهِ الكريمِ في جنّاتِ النّعيم، نَسألُ اللهَ مِن فضلِه، قالَ عليه الصّلاةُ السّلام: أمَا إنَّكم سَتَرَوْن ربَّكم كما تَرونَ القمرَ لا تُضَامُّونَ في رؤيته؛ فإنِ استطعتُم ألاَّ تُغلبوا على صلاةٍ قبلَ طلوعِ الشّمسِ وقبلَ غروبِها، فافعلوا؛ يَعني: صلاةَ العصرِ والفجر، ثمّ قرأ: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا).
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأُصلي وأُسلمُ على خاتمِ النّبيّين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمّا بعدُ عبادَ الله
إنّ صلاةَ الفجرِ تَشتكي مِن قِلّةِ المصلين، وإنّ في ذلك فسادًا للدّنيا والدّين، فالتّخلّفُ عن صلاةِ الفجرِ بلاءٌ عظيمٌ ومُنكرٌ جَسيم، والمتخلّفُ عن صلاةِ الفجرِ وَقَعَ في مُحَرَّمٍ كبيرٍ وعملٍ أثيم، وعَرّضَ نفسَه للعقوبةِ والخُسران، ولعذابِ القبرِ وغضبِ الرّحمن، فليُبادرْ للتّوبةِ وللمحافظةِ على صلاةِ الفجرِ في المساجد، وسيجدُ الرّاحةَ والنّعيم، وعلى جميعِ المسلمين، أنْ يَتَواصوا على ذلك حتّى تَمتلئَ المساجدُ في صلاةِ الفجرِ بالمصلّين، فإنّ في ذلك صلاحَ الدّنيا والدّين، فصلاةُ الفجرِ طريقُ العزّةِ والكرامةِ والنّصر، وسببُ الرّزقِ والبركةِ والسّعادةِ واليُسْر، إنّها نورُ وجهٍ وطمأنينةُ نفسٍ وسكينةُ روحٍ وانشراحُ صدر، إنّها تزكيةُ قلبٍ وتهذيبُ طبعٍ وتربيةُ خُلُقٍ وعُلُوُّ همّةٍ وثباتٌ وصبر، إنّها رفعةٌ وغنيمةٌ وثوابٌ وأجر، فهنيئًا لأهلِ الفجر، إنّهم فئةٌ موفّقةٌ، وجوهُهم مُسفرة، وجباهُهم مشرقة، وأوقاتُهم مباركة، فإنْ كنتَ منهم فاحمدِ الله، وإنْ لم تكنْ منهم فادعُ اللهَ أنْ يجعلَك منهم، فما أجملَ الفجر، فريضتُه تَجعلُك في ذمّةِ الله، وسنّتُه خيرٌ مِن الدّنيا وما فيها، وصلاتُه مَشهودةٌ وقرآنُه مشهود (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وحاسبوا أنفسَكم على ما فات، وحافظوا على صلاةِ الفجرِ واجعلوها فاتحةَ يومِكم، لتنالوا خيرَه وفتحَه ونصرَه ونورَه وبركتَه وهداه، وافعلوا الأسبابَ التي تُعينُكم على الاستيقاظِ لها، فإنّها اختبارٌ وامتحان، وأداؤُها توفيقٌ من الرّحمن، ودليلٌ على صدقِ الإيمان، فاستيقظوا لها بقوّةٍ ونشاطٍ وفَرحٍ وانشراح، فبذلك تُدركونَ الفَوزَ والفلاحَ، والرّزقَ والبركةَ والتّوفيقَ والنّجاح (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ومَن أَيقنَ بالثّوابِ بَذَلَ المستطاب، يَقولُ عليه الصّلاةُ والسّلام: ولو يَعلمونَ ما فيهما أي مِن الفضلِ والأجرِ لأتوهما ولو حبوًا. فاستعينوا باللهِ واستبدلوا لَذَّةَ الفِرَاشِ والمنام، بلَذَّةِ الصّلاةِ والقيام، والوقوفِ بينَ يَدَيِ الكريمِ العلّام، وشَتَّانَ شَتَّان، واللهُ المستعان، وعليه التّكلان، ولا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ العليِّ العظيم، اللهمّ اجعلِ الصّلاةَ قُرَّةَ أعينِنا، وأَعنّا على أدائِها في وقتِها على الوجهِ الذي يُرضيك عنّا، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين. سبحانَ ربِّك ربِّ العزّةِ عمّا يَصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض الجمعة 20/ 11/ 1444هـ