خطبة صلاة الفجر

د. ماجد بلال
1443/11/10 - 2022/06/09 16:21PM

خطبة صلاة الفجر

ماجد بلال شربه – جامع الرحمن بتبوك 11-11-1443هـ

 

وقفة محاسبة:

يطول نهار الصيف في هذه الأيام ويقصر الليل، ويسهر كثير من الناس سهراً يؤدي بهم إلى ضياع صلاة الفجر، وإن الناظر لعدد صفوف المصلين في صلاة الفجر، الذي لا يكمل صفين أحياناً في كثير من المساجد مقارنة بهذه الجموع الغفيرة في صلاة الجمعة، إنه لأمر محزن.

مقارنة بزحمة الشوارع بالطلاب الذاهبين إلى المدارس، والموظفين إلى أعمالهم، وتقول: أين هذه الجموع في صلاة الفجر؟!

 

صلاة الفجر –عباد الله- تشكو مِن قلَّة المُصَلِّين، مع أنها صلاة مبارَكة، وعظيمة القدر؛ أقسم الله بوقتها في كتابه الكريم، فقال: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2].

صلاةٌ الفجر مشهودة منَ الملأ الأعلى؛ قال - تعالى -: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].

أخي المسلم: كم مِن أجور عاليات ضَيَّعتَها يوم نِمتَ عن صلاة الفجر؟! كم من كنوز منَ الحسنات فقدتَها يوم تكاسَلْتَ عن صلاة الفجر؟! كم من تجارة رابحة قد تَسَبَّبَ الكُسالى في كسادها، ويوم القيامة يرجون الرحمة وتمام النور؟! بركات صلاة الفجر، امتَنَّ الله - تعالى - على أهلها بهذه الهدايا، والمنَح الإلهيَّة.

عن أبي ذر - رضيَ الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صلَّى العشاء في جماعة، فَكَأَنَّما قام نصف الليل، ومَن صلَّى الفجر في جماعة، فكأنما قام الليل كله))؛ رواه مسلم.

إنَّ مِن فضْل الله - تعالى - على أهل صلاة الفجر: أنهم مَحْفُوفُون بحفظ الله وعنايته، وهل هناك فوق ذلك مِن مزيد؟

يقول النبي - صلى الله عليه وسلّم -: ((مَن صلَّى الصُّبح في جماعة، فهو في ذمَّة الله))؛ رواه مسلم، فهو بِحَوْل الله في حِفْظ ورعاية من ملك الملوك، ورب العالمين - سبحانه وتعالى - ذلك المعنى الذي يفيض على النفس ثقةً وطمأنينةً؛ ليقين العبد أنه في كَنَفِ الله، وأنَّ عينَ الله تَرْعاه.

ومِن بركات صلاة الفجر: أنها تفيض منَ النور على وُجُوه أهلها، وعند لقاء الله تعالى يَفُوزون بِمطلبهم، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بشِّر المشَّائينَ في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التَّامِّ يوم القيامة))؛ رواه التِّرمذي، وابن ماجه.

قال الله - تعالى -: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12].

إنَّ مَن يحافظ على صلاة الفجر يتشرَّف برفع اسمه في تقرير ملائكيٍّ إلى الله - تعالى - قال - صلى الله عليه وسلَّم -: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح والعصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم الله - وهو أعلم - كيف وجدتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون، وأتيناهم وهم يصلّون))؛ رواه البخاري بسندٍ صحيح عن أبي هريرة.

وما أدراك ما قيمة النافلة في الصُّبح، فضلاً عنِ الفريضة؟

يقول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((ركعتا الفجْر خيرٌ منَ الدُّنيا وما فيها))؛ رواه مسلم عن عائشة بسندٍ صحيح.
تأمَّل - أخي المسلم - وأعد التفكير في هذا البيان النبوي الكريم، الذي يُبَيِّن أنَّ ركعتي السُّنَّة خير منَ الدنيا وما فيها، فكيف بأجر الفريضة نفسها؟

 

ومن بركات صلاة الفجر: أنها تنزل العبد في مقام الطاعة وقت البكور، الذي هو ذاته وقت البركة في الرِّزق؛ فإنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لأمته بقوله: ((اللهُمَّ بارك لأمتي في بكورها))؛ رواه التِّرمذي بسندٍ صحيح، عن صخر الغامدي.

قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صلَّى البردَينِ دخل الجنة))؛ رواه البخاري، عن أبي موسى الأشعري، بسند صحيح؛ والبردان هما: الفجر والعصر.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لن يلجَ أحد النار صَلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها))؛ رواه مسلم، عن عمارة بن رؤيبة بسند صحيح.

 

 

آثار وعقوبات ترْك الفجر:

وكما أنَّ للمُحافِظ على صلاة الفجر كُنُوزًا منَ الحَسَنات، فإنَّ هناكَ آثارًا؛ بل عقوبات مخيفة لِمَن ضَيَّعَ هذه الصلاة:


عن سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ النبي e قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ: «إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى» قَالَ: " قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ ....." قَالَ: " قَالاَ لِي: ....، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ،} صحيح البخاري (9/ 44)


قال الله - تعالى - عنِ المنافقينَ: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء: 142].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس صلاة أثقل على المنافقينَ من صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبْوًا))؛ متفق عليه.
ومِن كلام ابن مسعود - رضيَ الله عنه - الذي يثير الإشفاق والخوف: "لقد رأيتنا وما يتخلف عن صلاة الفجر إلاَّ منافق معلوم النِّفاق".
ويُؤَكِّد ذلك ابن عمر - رضي الله عنه - حيث يقول: "كنَّا إذا فقدنا الرجل في الفجر، أسأنا به الظن".

قال الله - تعالى -: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].

وكما قال ابن عبَّاس - رضيَ الله عنهما -: "أما إنهم لم يتركوها بالكليَّة؛ ولكن أخَّروها عن وقتها كَسَلاً، وسهْوًا، ونومًا".

والغيُّ: وادٍ في جهنَّم

وقال الله - تعالى -: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5].

ومِن مساوئ ترْك الفجْر أن تارِكه يبُول الشيطانُ في أُذنَيْه؛ كما ورد عنِ ابن مسعود، قال: ذُكر رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلَّم - نام ليله حتى أصبح، قال: ((ذاك رجلٌ بال الشيطان في أُذُنَيْه))؛ رواه البخاري، عن عبدالله بن مسعود.

 

ومن آثار ترْك صلاة الفجر أن يصبحَ الشَّخص كَسُولاً؛ كما ورد في الحديث: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام - ثلاث عقد، يضرب على كلِّ عقدة: عليك ليل طويل، فإنِ استيقظ فذَكَر الله انحلَّتْ عقدة، فإن توضَّأ انحلَّت عقدة، فإن صلَّى انحلَّتْ عقده كلَّها، فأصبح نشيطًا، طيب النفس، وإلاَّ – أي إن نام عن صلاة الفجر ولم يقم- أصبح خبيث النفس كسلان))؛ رواه مسلم.

- قال الإمام ابن القيِّم: "ونومة الصبح تمنع الرِّزق؛ لأنَّه وقت تقسَّم فيه الأرزاق"، وقد رأى ابن عبّاس - رضي الله عنه - ابنًا له نائمًا نوم الصبح، فقال له: قم، أتنام في الساعة التي تُقسَّم فيها الأرزاق؟!

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:
أيها المؤمن: إذا علمت فضل صلاة الفجر وعلمت عواقب ترك هذه الصلاة العظيمة، فعليك أن تعزم التوبة إلى الله وتعزم على بذل الوسائل المعينة على القيام وأداء صلاة الفجر جماعة مع المسلمين في المسجد:

- من هذه الوسائل ترك السهر على المباحات فضلاً عن المحرمات والحرص على النوم مبكرًا؛ لأنَّ الجسمَ له راحة، وإن طول السَّهَر يحرم الإنسان منَ الاستيقاظ المبكِّر، وقد ورد النَّهى عنِ السَّمر بعد العشاء إلاَّ للضرورة؛

- وكان e بالنسبة لصلاة العشاء يكره النوم قبلها والحديث بعدها، والليل الأصل فيه الراحة والنوم وشيء من قيام الليل والعبادة، استعداداً لصلاة الفجر والعمل في النهار.

·         - الحِرْص على آداب النَّوم؛ من الوضوء، والوتر، وأذكار النَّوم، وقراءة المعوذتينِ في الكفين ومسح ما استطاع منَ الجسد، والنَّوم على الشقِّ الأيمن، ووضع الكفِّ اليمنى تحت الخد الأيمن، والدعاء بالتوفيق للقيام.

- عدم الإكثار منَ الطَّعام والشَّراب؛ لأنَّ كثْرة الأكل تورِّثُ ثقلاً في الجسم، والنوم، وتُقَلِّل الخشوع.

- البُعد عنِ المعاصي، فعلى الحريص على أداء الفجر في جماعة أن يبتعدَ عنِ المعاصي في النهار، وذلك بِحفْظِ الجوارح بالبُعد عنِ النَّظَر الحرام، وآفات اللسان والسمع، وسائر الأعضاء، فمَن نام على معصيةٍ عُوقِبَ بالحِرْمان مِن شُهُود الفجر؛ لأنَّ مَن أساء في ليلِه عُوقِبَ في نهاره، ومَن أساء في نهارِه، عُوقِبَ في ليله.

- لا تنسَ عاقبة الصبر؛ فمَن عرف حلاوة العاقبة هانَتْ مَرارة الصبر، ومَن لذَّ له الرقاد فاتَهُ المراد، وتذكر قوله تعالى: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ   ﴿16﴾  فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  ﴿17﴾  السجدة


- الأمر يستحق مجاهَدة وصبر ومصابرة، واستعِن بالله، وتوكَّل على الله، فإنه مَن توكَّل على الله كفاه، ومَن آوى إلى الله آواه.

وانظر إلى نفسك إذا أهمك موعد في الصباح الباكر، رحلة سفر دولية أو محلية، مقابلة وظيفية، تقديم على متاع الدنيا، كيف تحرص على على هذا الموعد، ولا تكاد تنام من شدة اهتمامك، وقد توصي والديك وزملائك على ايقاضك لهذا الموعد المهم، هل موعد لقاء الله في صلاة الفجر مهم بالنسبة لديك، هل ينتابك الحزن للنوم عن هذه الصلاة العظيمة التي كان بعض السلف يعزي اخوانه الذين تفوتهم هذه الصلاة لفوات الأجر عليهم.

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،  [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ]"(3)
.اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
صلوا وسلموا ....

المرفقات

1654791694_خطبة أهمية صلاة الفجر.docx

1654791699_خطبة أهمية صلاة الفجر.pdf

المشاهدات 608 | التعليقات 0