خطبة: صَدَقَةُ الشِّتَاء.
وليد بن محمد العباد
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم
خطبة: صَدَقَةُ الشِّتَاء.
الخطبة الأولى
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا أمّا بعدُ عبادَ الله
في فصلِ الشّتاءِ، تَشتدُّ الحاجةُ بالفقراء، أجسادٌ عاريةٌ، وبطونٌ جائعةٌ، ما أسعدَ مَنْ أطعمَها وكساها، يَقولُ الشّيخُ ابنُ عُثيمينَ رحمَه الله: واعلموا أنّ للصّدقةِ في أيّامِ الحاجةِ وأيّامِ الشّتاءِ شأنًا كبيرًا، فإنّ الصّدقةَ كلما كانت أنفعَ للخلقِ وأخلصَ للرّبِّ، كانت أفضلَ وأعظمَ أجرًا، فتفقّدوا إخوانَكم الفقراء، وجودوا عليهم ممّا جادَ اللهُ به عليكم (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) وقد كانَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ يُنفقُ ويَتصدّقُ ويقول: أَنْفِقْ بلالُ ولا تَخْشَ مِن ذِي العرشِ إِقْلالًا (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وقد ضَرَبَ الصّحابةُ والسّلفُ أروعَ الأمثلةِ في الصّدقةِ والبذلِ والسّخاء، وخصوصًا عندَ الحاجةِ وفي بَردِ الشّتاء، فأبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنه يَتصدّقُ بكلِّ مالِه، وعمرُ رضيَ اللهُ عنه يَتصدّقُ بشطرِ مالِه، ويَبكي في عامِ المَجاعةِ ويَقول: واللهِ لا أَشبعُ حتى يَشبعَ أطفالُ المسلمين، وعثمانُ رضيَ اللهُ عنه يُجهِّزُ جيشَ العُسرةِ، وعليُّ بنُ الحسينِ رحمَه اللهُ يَحملُ أكياسَ الدّقيقِ على ظهرِه، ويَطوفُ بها في الليلِ سرًّا على مِائةٍ مِن بيوتِ فقراءِ المدينةِ، وأُوَيْسُ بنُ عَامِرٍ رحمَه اللهُ كانَ إِذَا أَمْسَى تَصدَّقَ بِمَا فِي بَيْتِهِ مِنَ الفَضْلِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ مَنْ مَاتَ جُوعًا فَلا تُؤَاخِذْنِي بِهِ، وَمَنْ مَاتَ عُرْيًا فَلا تُؤَاخِذْنِي بِهِ. وفي ليلةٍ شاتيةٍ تَصدّقَ محمدٌ المالكيُّ بقيمةِ غَلّةِ بستانِهِ كلِّها، وكانت مئةَ دينارٍ مِن الذّهبِ وقال: ما نِمْتُ الليلةَ غمًّا لفقراءِ أمّةِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وجاءَ رجلٌ مِن أهلِ الشّامِ إلى المدينةِ فقالَ دُلّونِي على صفوانَ بنِ سُلَيْم، فإنّي رأيتُه دخلَ الجنّةَ في قَميصٍ كساه مِسكينًا. فدَلُّوه عليه فقال: أخبرْني عن قصّةِ القميص، فما زالَ به حتى أخبرَه وقال: خَرجتُ ذاتَ ليلةٍ باردةٍ إلى المسجدِ في السَّحَر، فإذا مسكينٌ يَرتعدُ من البردِ ولم يَكنْ لي قميصٌ غيرَ الذي كانَ عليّ، فنَزَعْتُ قميصي فكسوتُه إيّاه، فأدخلَه اللهُ الجنّةَ بذلك القميص. عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضيَ اللهُ عنه قال: أيُّما مُسلِمٍ كسا مُسلِمًا ثَوبًا على عُرْيٍ كساه اللهُ مِن خُضْرِ الجَنّةِ، وأيُّما مُسلمٍ أطعَمَ مُسلِمًا على جوعٍ أطعَمَه اللهُ مِن ثِمارِ الجَنّةِ، وأيُّما مُسلمٍ سَقى مُسلمًا على ظَمإٍ سقاه اللهُ عَزَّ وجَلَّ مِن الرّحيقِ المختومِ. فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، وتَفقّدوا المحتاجينَ، وتَصدَّقوا على الفقراءِ والمساكين، وأبشروا بالخيرِ والرّزقِ والبركةِ وإجابةِ الدّعاء، والتّوفيقِ والعافيةِ والصّحّةِ والشّفاءِ، وحُسنِ العاقبةِ في الدّنيا والآخرة (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)
باركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ مِن كلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه، أبدًا إلى يومِ الدّين. أمّا بعد: عبادَ الله: اتّقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوُثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النّارِ لا تقوى، واعلموا أنّ ملَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ. إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ إنّا نَسألك فعلَ الخيراتِ وتَركَ المنكراتِ وحُبَّ المساكين، وأنْ تَغفرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بعبادِك فتنةً فاقبضْنا إليك غيرَ مفتونين، اللهمّ رُحماك بإخوانِنا المستضعفين، والفقراءِ والمساكين، اللهمّ الطفْ بهم وأصلحْ حالَهم وتَولَّ أمرَهم، وأَغْنِ فقيرَهم وأطعمْ جائعَهم واكسُ عاريَهم، وأنزلْ الدِّفءَ والسّكينةَ عليهم، اللهمّ اجعلْ لهم مِن كلِّ همٍّ فرجًا ومِن كلِّ ضيقٍ مَخرجًا ومِن كلِّ بلاءٍ عافية، واجعل لهم مِن لدنك وليًّا واجعل لهم مِن لدنك نصيرًا، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونَفّسْ كرْبَ المكروبينَ واقضِ الدّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين وارحمْ موتانا وموتى المسلمين، اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمينَ برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين
عبادَ الله، إنّ اللهَ وملائكتَه يصلّونَ على النبيّ، يا أيّها الذينَ آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليمًا، ويقولُ عليه الصلاةُ والسلام: من صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشْرًا. اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يومِ الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكر، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
إعداد/ وليد بن محمد العباد غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته والمسلمين
جامع السعيد بحي المصيف شمال الرياض 30/ 6/ 1445هـ