خطبة : ( شهر حرام ويوم عظيم )

عبدالله البصري
1436/01/07 - 2014/10/31 05:57AM
شهر حرام ويوم عظيم 7 / 1 / 1436
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ؛ فَإِنَّ مَن لَزِمَهَا سَلِمَ وَنَجَا ، وَجَعَلَ اللهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخرَجًا " فَأَنذَرتُكُم نَارًا تَلَظَّى . لا يَصلاهَا إِلاَّ الأَشقَى . الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلىَّ . وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتقَى "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ ، شَهرٌ عَظِيمٌ مِنَ الأَشهُرِ الحُرُمِ ، وَفِيهِ يَومٌ عَظِيمٌ مِن أَيَّامِ اللهِ " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثنَا عَشَرَ شَهرًا في كِتَابِ اللهِ يَومَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرضَ مِنهَا أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم " وَفي الصَّحِيحَينِ ، قَالَ ـ عَلَيه الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ استَدَارَ كَهَيئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ ، السَّنَةُ اثَنَا عَشَرَ شَهرًا ، مِنهَا أَربَعَةٌ حُرُمٌ ، ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ، ذُو القَعدَةِ وَذُو الحَجَّةِ وَالمُحَرَّمُ ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَينَ جُمَادَى وَشَعبَانَ " وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " أَفضَلُ الصِّيَامِ بَعدَ رَمَضَانَ شَهرُ اللهِ المُحَرَّمُ ، وَأَفضَلُ الصَّلاةِ بَعدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيلِ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
في شَهرِ المُحَرَّمِ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ نَتَذَكَّرُ أَنَّ الحَقَّ مَنصُورٌ وَإِن ضَعُفَ أَتبَاعَهُ ، وَأَنَّ البَاطِلَ مَهزُومٌ وَإِن قَوِيَت شَوكَتُهُ ، وَأَنَّ العَاقِبَةَ لِلمُتَّقِينَ ، وَأَنَّ اللهَ مُخزِي الكَافِرِينَ ، في الصَّحِيحَينِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَدِمَ المَدِينَةَ ، فَوَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَومَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " مَا هَذَا اليَومُ الَّذِي تَصُومُونَهُ ؟ " فَقَالُوا : هَذَا يَومٌ عَظِيمٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَومَهُ ، وَغَرَّقَ فِرعَونَ وَقَومَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكرًا فَنَحنُ نَصُومُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " فَنَحنُ أَحَقُّ وَأَولى بِمُوسَى مِنكُم " فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .
أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ البَاطِلَ زَاهِقٌ مَهمَا ظَهَرَ وَعَلا ، وَالحَقَّ عَالٍ مَهمَا تَرَاجَعَ أَوِ اختَفَى ، فَذَلِكُم فِرعَونُ ذُو الأَوتَادِ ، قَد طَغَى في البِلادِ فَأَكثَرَ فِيهَا الفَسَادَ ، وَبَالَغَ في الكُفرِ وَالعِنَادِ ، وَعَلا في أَرضِ مِصرَ وَجَعَلَ أَهلَهَا شِيَعًا وَفَرَّقَهُم ، إِذْ رَأَى في المَنَامِ أَن مُلكَهُ يَزُولُ عَلَى يَدِ غُلامٍ مِن بَني إِسرَائِيلَ ، فَأَسرَفَ في تَقتَيلِ الذُّكُورِ ، وَاستَبقَى النِّسَاءَ لِخَدمَتِهِ ، وَلَكِنَّ اللهَ بِقُوَّتِهِ وَقُدرَتِهِ وَحِكمَتِهِ ، أَبى إِلاَّ أَن يَعِيشَ مُوسَى وَيَبقَى ، بَل وَيَتَرَبَّى في قَصرِ فِرعَونَ وَبِنَفَقَتِهِ . وَيُكرِمُ اللهُ مُوسَى بِالنُّبُوَّةِ ، فَيُقَابِلُهُ فِرعُونُ بِالعِنَادِ وَالتَّكذِيبِ ، وَيُبَالِغُ في تَعذِيبِ قَومِهِ وَالتَّنكِيلِ بِهِم ، حَتى يَأذَنَ اللهُ لَهُم بِالفَرَجِ وَالمَخرَجِ " وَأَوحَينَا إِلى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُتَّبَعُونَ . فَأَرسَلَ فِرعَونُ في المَدَائِنِ حَاشِرِينَ . إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرذِمَةٌ قَلِيلُونَ . وَإِنَّهُم لَنَا لَغَائِظُونَ . وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ . فَأَخرَجنَاهُم مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ . كَذَلِكَ وَأَورَثنَاهَا بَني إِسرَائِيلَ . فَأَتبَعُوهُم مُشرِقِينَ . فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمعَانِ قَالَ أَصحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدرَكُونَ . قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهدِينِ . فَأَوحَينَا إِلى مُوسَى أَنِ اضرِبْ بِعَصَاكَ البَحرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرقٍ كَالطَّودِ العَظِيمِ . وَأَزلَفنَا ثَمَّ الآخَرِينَ . وَأَنجَينَا مُوسَى وَمَن مَعَهُ أَجمَعِينَ . ثُمَّ أَغرَقنَا الآخَرِينَ . إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكثَرُهُم مُؤمِنِينَ . وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ "
هَذا هُوَ مَشهَدُ الحَيَاةِ في كُلِّ حِينٍ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ قَومٌ مُتَكَبِّرُونَ مُتَجَبِّرُونَ مُتَغَطرِسُونَ ، قَد غَرَّتهُمُ القُوَّةُ وَالمُلكُ وَالسُّلطَانُ ، وَآخَرُونَ مُؤمِنُونَ مُستَضعَفُونَ ، قَد حَرَّقَ قُلُوبُهُم انتِظَارُ النَّصرِ ، وَهُم مَعَ ذَلِكَ صَابِرُونَ مُحتَسِبُونَ ، فَيَأتي يَومٌ عَظِيمٌ مِن أَيَّامِ اللهِ كَيَومِ عَاشُورَاءَ ، وَتَتَكَرَّرُ قِصَّةٌ كَقِصَّةِ مُوسَى وَفِرعَونَ ، يُرِيدُ البَاطِلُ أَن يَعلُوَ ، وَاللهُ يُرِيدُ الحَقَّ وَهُوَ يَهدِي السَّبِيلَ ، وَلا يَكُونُ في النِّهَايَةِ وَالخِتَامِ ، إِلاَّ مَا يُرِيدُهُ المَلِكُ العَلاَّمُ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ في أَوَّلِ سُورَةِ القَصَصِ مُختَصِرًا هَذَا المَشهَدَ الطَّوِيلَ : " نَتلُو عَلَيكَ مِن نَبَإِ مُوسَى وَفِرعَونَ بِالحَقِّ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ . إِنَّ فِرعَونَ عَلا في الأَرضِ وَجَعَلَ أَهلَهَا شِيَعًا يَستَضعِفُ طَائِفَةً مِنهُم يُذَبِّحُ أَبنَاءَهُم وَيَستَحيِي نِسَاءَهُم إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفسِدِينَ . وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا في الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُم في الأَرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنهُم مَا كَانُوا يَحذَرُونَ "
وَمِنَ العَجِيبِ أَنَّ سُورَةَ القَصَصِ نَزَلَت وَالمُسلِمُونَ في مَكَّةَ ، قِلَّةٌ مُستَضعَفُونَ ، وَالمُشرِكُونَ هُم أَصحَابُ الحَولِ وَالطَّولِ ، وَأَهلُ الجَاهِ وَالسُّلطَانِ وَالمَكَانَةِ ، وَلَكِنَّ اللهَ أَرَادَ أَن يُبَشِّرَ المُستَضعَفِينَ بِأَنَّهُم سَوفَ يَنتَصِرُونَ ، مُبَيِّنًا لَهُمُ المَوَازِينَ الحَقِيقِيَّةَ لِلقُوَى وَالقِيَمِ ، مُقَرِّرًا أَنَّ هُنَاكَ قُوَّةً وَاحِدَةً في هَذَا الوُجُودِ هِيَ قُوَّةُ اللهِ ، وَأَنَّ هُنَاكَ قِيمَةً وَاحِدَةً في هَذَا الكَونِ هِيَ قِيمَةُ الإِيمَانِ ، فَمَن كَانَ مَعَ اللهِ بِالإِيمَانِ فَلا خَوفٌ عَلَيهِ وَلَو كَانَ مُجَرَّدًا مِن كُلِّ مَظَاهِرِ القُوَّةِ الدُّنيَوِيَّةِ البَشَرِيَّةِ ، وَمَن كَفَرَ وَطَغَى وَبَغَى ، فَلا أَمنَ لَهُ وَلا طُمَأنِينَةَ وَلَو سَانَدَتهُ جَمِيعُ قُوَى الأَرضِ . فَمَا أَحوَجَ الأُمَّةَ اليَومَ وَهِيَ في اختِلافٍ وَفُرقَةٍ ، وَلا تَدرِي مِن أَينَ تَتَلَقَّى الطَّعنَ أَمِنَ الشَّرقِ أَم مِنَ الغَربِ ، أَو بِيَدِ الكُفَّارِ أَوِ المُنَافِقِينَ ، مَا أَحرَاهَا أَن تَتَذَكَّرَ أَنَّ هَذِهِ مَرحَلَةٌ سَتُقطَعُ وَلَيلٌ سَيبزُغُ بَعدَهُ الفَجرُ ، تُحتَلُّ الأَرضُ المُبَارَكَةُ أَو يُغلَقُ المَسجِدُ الأَقصَى ، أَو تُستَبَاحُ الحُرُمَاتُ أَو يُقتَلُ الرِّجَالُ ، أَو تُرَمَّلُ النِّسَاءُ وَتُهَانُ الصَّبَايَا وَيُقهَرُ الأَيتَامُ ، أَو تُقصَدُ طَائِفَةُ الحَقِّ أَو يُحَارَبُ أَهلُ السُّنَّةِ ، أَو يُطَوِّقُهُمُ البَاطِنِيُّونَ في الشَّامِ وَالعَرَاقِ وَاليَمَنِ ، فَسَيَأتي يَومُ كَيَومِ عَاشُورَاءَ ، وَسَتَتَكَرَّرُ قِصَّةٌ كَقِصَّةِ مُوسَى وَفِرعَونَ ، وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ ، وَلا عُدوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ " وَلَقَد سَبَقَت كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرسَلِينَ . إِنَّهُم لَهُمُ المَنصُورُونَ . وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ " " أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ . الَّتي لم يُخلَقْ مِثلُهَا في البِلَادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخرَ بِالوَادِ . وَفِرعَونَ ذِي الأَوتَادِ . الَّذِينَ طَغَوا في البِلَادِ . فَأَكثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيهِم رَبُّكَ سَوطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرصَادِ "
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ للهِ أَيَّامًا يَنصُرُ فِيهَا عِبَادَهُ وَأَولِيَاءَهُ المُؤمِنِينَ وَإِن كَانُوا قِلَّةً مُستَضعَفِينَ ، وَيَخذُلُ أَعدَاءَهُ مِنَ الطُّغَاةَ وَالمُنَافِقِينَ وَالمُلحِدِينَ وَالمُتَكَبِّرِينَ وَإِن كَانُوا في الظَّاهِرِ هُمُ الغَالِبِينَ ، غَيرَ أَنَّ لِهَذَا النَّصرِ ثَمَنَهُ الَّذِي يَجِبُ أَن يُعَضَّ عَلَيهِ بِالنَّوَاجِذِ وَيُتَمَسَّكَ بِهِ " وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَانصُرُوهُ يَنصُرْكُم ، اُنصُرُوهُ بِالقِيَامِ بِدِينِهِ ، اُنصُرُوهُ بِالدَّعوَةِ إِلى سَبِيلِهِ ، اُنصُرُوا أَولِيَاءَهُ وَجَاهِدُوا أَعدَاءَهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُم وَيُثَبِّتْ أَقدَامَكُم . وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعسًا لَهُم وَأَضَلَّ أَعمَالَهُم . ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم . أَفَلَم يَسِيرُوا في الأَرضِ فَيَنظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم دَمَّرَ اللهُ عَلَيهِم وَلِلكَافِرِينَ أَمثَالُهَا . ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَولى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الكَافِرِينَ لا مَولى لَهُم "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَكُونُوا مَعَهُ يَكُنْ مَعَكُم ، وَانصُرُوهُ يَنصُرْكُم .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَومُ عَاشُورَاءَ يَومٌ عَظِيمٌ مِن أَيَّامِ الطَّاعَةِ ، وَمَعَ هَذَا فَقَد ضَلَّ فِيهِ قَومٌ فَاتَّخَذُوهُ يَومَ عِيدٍ وَمَوسِمَ سُرُورٍ ؛ زَاعِمِينَ أَنَّهُم يَفرَحُونَ لِنَصرِ اللهِ لِمُوسَى وَقَومَهُ ، وَآخَرُونَ جَعَلُوهُ يَومَ حُزنٍ وَنِيَاحَةٍ وَلَطمٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ ، مُدَّعِينَ أَنَّهُم يَنتَصِرُونَ لِسِبطِ رَسُولِ اللهِ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ وَكِلا الطَّائِفَتَينِ عَلَى ضَلالَةٍ ، وَأَمَّا الأُمَّةُ الوَسَطُ وَالطَّائِفَةُ المَنصُورَةُ مِن أَهلِ الحَقِّ وَالسُّنَّةِ ، فَهُم يَحمَدُونَ اللهَ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِن نَصرِ الحَقِّ وَإِزهَاقِ البَاطِلِ في هَذَا اليَومِ ، وَيَدِينُونَ اللهَ بِحُبِّ الصَّحَابَةِ جَمِيعًا بِلا استِثنَاءٍ ، وَيَتَقَرَّبُونَ إِلى اللهِ بِاتِّبَاعِ هَديِ نَبِيِّهِم وَأَصحَابِهِ ، وَيَفعَلُونَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الصَّومِ ، وَيَأتُونُ مَا رُغِّبُوا فِيهِ مِن عَظِيمِ الأَجرِ ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ مِن حَدِيثِ أَبي قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ أنه ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ سُئِلَ عَن صَومِ يَومِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ : " أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبلَهُ " وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : " مَا رَأَيتُ النَّبيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَومٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيرِهِ إِلاَّ هَذَا اليَومَ ، يَومَ عَاشُورَاءَ ... " رَوَاهُ الشَّيخَانِ .
أَلا فَصُومُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ يَومَ عَاشُورَاءَ ، وَمَن أَرَادَ زِيَادَةَ الأَجرِ وَحُسنَ الاقتِدَاءِ بِسَيِّدِ البَشَرِ ، فَلْيَصُمِ اليَومَ التَّاسِعَ ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّهُ يَومٌ يُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لَئِن بَقِيتُ إِلى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ .
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ صُومُوا وَحُثُّوا أَهلِيكُم وَأَبنَاءَكُم عَلَى الصِّيَامِ ؛ فَإِنَّ الأَنصَارَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُم ـ لَمَّا أُمِرُوا بِصَومِهِ امتَثَلُوا جَمِيعًا ، قَالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنتُ مُعَوِّذٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ : فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعدَ ذَلِكَ وَنُصَوِّمُ صِبيَانَنَا الصِّغَارَ ، وَنَجعَلُ لَهُمُ اللُّعبَةُ مِنَ العِهنِ ، وَنَذهَبُ بِهِم إِلى المَسجِدِ ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُم عَلَى الطَّعَامِ أَعطَينَاهُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ عِندَ الإِفطَارِ . أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمُ .
هَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ ، وَهَكَذَا ظَلَّ المُسلِمُونَ مِن بَعدِهِم ، يَصُومُونَ هَذَا اليَومَ عَمَلاً بِالأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَالتي بَلَغَت حَدَّ التَّوَاتُرِ وَعَادَت لا تَقبَلُ الشَّكَّ ، وَاليَومَ يَأتي مِنَ المُغَرَّرِ بِهِم مَن يُشَكِّكُونَ فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ ، فَاحذَرُوهُم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَلا تُصغُوا إِلَيهِم ، فَإِنَّما هُم جُزءٌ مِن مَنظُومَةٍ خَبِيثَةٍ صَنَعَهَا أَعدَاءُ الإِسلَامِ ، هَدَفُهَا تَشكِيكُ المُسلِمِينَ في دِينِهِم ، وَتَهوِينُ شَعَائِرِهِ في قُلُوبِهِم ، ، وَلا يَخفَى عَلَيكُم مَا سَبَقَ لَهُم مِن ضَلالاتٍ ، كَتَهوِينِ شَأنِ الزِّنَا والرِّبَا ، بِإِبَاحَةِ المُسَاهَمَةِ في المَصَارِفِ الرِّبَوِيَّةِ ، وَتَسوِيغِ اختِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ، وَسَفَرِ المَرأَةِ بِلا مَحرَمٍ ، وَسُفُورِهَا وَتَبَرُّجِهَا ، وَآخِرُ ذَلِكَ التَّشكِيكُ في صِيَامِ الأَيَّامِ الفَاضِلَةِ وَالمَسنُونَةِ ، كَيَومِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ ، وَسِتِّ شَوَّالٍ وَعَشرِ ذِي الحَجَّةِ ، وَوَاللهِ لَئِن تَابَعَ المُسلِمُونَ هَؤُلاءِ المَخذُولِينَ المَطبُوعَ عَلَى قُلُوبِهِم ، لَتُنقَضَنَّ عُرَى الإِسلامِ عُروَةً عُروَةً ، حَتَّى لا يَبقَى لَهُم مِنهُ شَيئًا ، فَاتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُ ـ " وَلَا تُطِعْ مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا "
المرفقات

شهر حرام ويوم عظيم.doc

شهر حرام ويوم عظيم.doc

شهر حرام ويوم عظيم.pdf

شهر حرام ويوم عظيم.pdf

المشاهدات 2353 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا