خطبةٌ شاملةٌ لعيد الفطر المبارك 1445هـ

رمضان صالح العجرمي
1445/09/27 - 2024/04/06 12:35PM

خطبةٌ شاملةٌ لعيد الفطر المبارك 1445هـ

إنَّ الحَمْدَ لِلَّه، نحمدُهُ ونَستَعِينُهُ وَنَستَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، مَن يَهدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، ثم أما بعد:

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما صام صائمٌ وأفطر، الله أكبر عدد ما ذكر الله ذاكرٌ وكبَّر، الله أكبر عدد ما حمد الله حامدٌ وشكر، الله أكبر ما سطع فجرُ الإسلام وأسفر، الله أكبر ما أقبل شهرُ الصيام وأدبر، الله أكبر ما فرح الصائمُ بتمام صيامه واستبشر، الله أكبر عدد ما تاب تائبٌ واستغفر.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.
أيها المسلمون عباد الله، كنا بالأمس القريب نستقبل ضيفًا عزيزًا، وشهرًا مباركًا، وها نحن اليوم قد ودَّعناه، واستقبلنا العيد.
واعلموا أن أعيادنا -أمة الإسلام- من شعائرنا الظاهرة؛ فعَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَدِمَ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ، وَلَهُم يَومَانِ يَلعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: ((مَا هَذَانِ اليَومَانِ؟))، قَالُوا: كُنَّا نَلعَبُ فِيهِمَا في الجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ قَدَ أَبدَلَكُم بِهِمَا خَيرًا مِنهُمَا: يَومَ الأَضحَى، وَيَومَ الفِطرِ))؛ [رواه أبو داود والنسائي].
واعلموا أن العيد فرحة لمن صام وقام، وقرأ القرآن، وتصدَّق، وعمل الصالحات، واغتنم شهر رمضان بالقربات.
واعلموا أن العيد هو يوم الجوائز، فهنيئًا للمقبولين، ويا لخسارة ‏المفرطين المردودين!

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون عباد الله، لقد اعتنى الإسلام بالتوحيد والإخلاص لله تعالى بالعبادة؛ ولذا بعث الله الأنبياء والرسل لتقرير عقيدة التوحيد، وإخلاصها لله ‏عز وجل، وحمايتها ‏من كل ما ينافيها أو يضادها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأهل مكة: ((يا قوم، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا))، ونهانا وحذرنا الله تعالى من الوقوع في الشرك؛ فإنه أعظم الذنوب وأخطرها، وهو أظلم الظلم، وأكبر الجرائم، وهو الذنب الذي لا يُغفَر؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾ [المائدة: 72].
والشرك له صور عديدة فمنها:
• دعاء غير الله تعالى.
• والذبح والنذر لغير الله تعالى.
• ومنها الحلف بغير الله تعالى؛ تعظيمًا لهذا المحلوف.
• ومنها تعليق التمائم والخيوط؛ لرفع البلاء، أو دفع الضر، أو جلب النفع.
• ومنها الطيرة والتشاؤم.
• ومنها الاستسقاء بالنجوم والكواكب.
• ومنها الذهاب إلى السحرة والعرَّافين والمنجِّمين، وسؤالهم وتصديقهم.
• ومنها الشرك الخفي الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أُمَّته؛ وهو الرياء.
• ومنها بعض الألفاظ التي تُنافي أو تقدح فى التوحيد؛ مثل قول: ما شاء الله وشاء فلان، ولولا الله وفلان، وتوكَّلت على الله وعليك، وغيرها من الألفاظ التي تُخالف العقيدة.
فصونوا توحيدكم، واحفظوه من كل ما يخدشه، واحذروا من الشرك كبيره وصغيره؛ فإنه يحبط الأعمال، ويوجب الخسران؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون عباد الله، ولقد نهانا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الابتداع في الدين، وأمرنا بالاستقامة على صراط الله المستقيم، ودينه القويم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ))، وفي رواية لمسلم: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنِّي تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكْتُم به لن تَضِلُّوا: كتابَ الله، وسنَّتي))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((فإنَّه من يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاء الراشدين المهديين من بَعْدي، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذِ، وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور، فإنَّ كل محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ)).

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
ثم اعلموا يا عباد الله، أن الصلاة هي عماد الدين، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، فمن حافظ عليها ‏حفظ دينه، ومن ضَيَّعها فهو لما سواها أضيع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ؛ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ))؛ [رواه الترمذي والنسائي].
وأثنى الله تعالى على المحافظين عليها في أوقاتها؛ فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [المعارج: 34، 35]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 9 - 11].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم: أن الصلوات الخمس مُكفِّرات لما بينهن، إذا اجتُنِبت الكبائر، ومن حافظ عليها؛ كانت له نورًا وبرهانًا، ونجاة يوم القيامة، ومَن لم يحافظ عليها؛ لم تكن نورًا ولا برهانًا، ولا نجاة يوم القيامة، فحافظوا عليها، وأدُّوها جماعةً في المساجد، وحافظوا على أدائها في أوقاتها، ومُرُوا أولادكم ومن تحت أيديكم بها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، واضْرِبُوهُمْ عليها وهم أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في المَضَاجِعِ))؛ [رواه الترمذي، وأبو داود].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون عباد الله، أدُّوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، واعلموا أنها عبادة وقربة، فرضها الله تعالى ‏على الأغنياء، وتُعطى للفقراء، وهي واجبة في الأموال من بهيمة الأنعام والزروع والثمار، وعروض التجارة، والركاز، والذهب والفضة، فاحذروا من عدم إخراجها، أو تأخيرها عن وقتها من غير سبب؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون عباد الله، لقد فرض الله الحج إلى بيته الحرام في العمر مرة واحدة؛ رحمةً بنا، فمن كان قادرًا ولم يحج؛ فعليه أن يبادر بأداء فرضه؛ فإن تأخير الحج من غير عذر ‏سبب في الإثم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97].

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
‏أيها المسلمون عباد الله، لقد أمرنا الله تعالى، وأمرنا رسوله صلى الله عليه وسلم بآدابٍ بها صلاح النفوس، وصيانة المجتمع؛ فمن ذلك:
حفظ اللسان عن قول الحرام: فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أهم الأمور، فقال لما سأله معاذ بن جبل رضي الله عنه، فقال: يَا رَسُولَ الله، أَخبِرنِي بِعَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ، وَيُبَاعدني من النار، قَالَ: ((لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيْمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيْرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تعبدُ الله، لا تشركُ به شيئًا، وتُقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتَصومُ رمضانَ، وتَحجُّ البيتَ))، ثم قال: ((ألا أدلُّك على أبواب الخير؟ الصومُ جُنَّة، والصَّدَقةُ تُطفئ الخطيئةَ كما يطفئ الماءُ النارَ، وصلاة الرجل في جَوف الليل، ثم تلا: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ [السجدة: 16]... حتى إذا بلغ: ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]، ثُمَّ قَالَ: ((أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ))، ثُمَّ قَالَ: ((أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟))، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ النبي صلى الله عليه وسلم بِلِسَانِهِ وَقَالَ: ((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا))، فقال معاذ: يا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ))، أَو قَالَ: ((عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)).
ومن آفات اللسان: الكذب، والغيبة، والنميمة، والسخرية، والكلام الفاحش البذيء، وشهادة الزور، وكثرة اللعن، والشتائم، والسباب، فليحذر المسلم من هذه الآفات.
ومنها حفظ البصر عن المحرَّمات: قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... ﴾ [النور: 30، 31].

نسأل الله العظيم أن يتقبَّل منا ومنكم صالح الأعمال، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

(الخطبة الثانية)

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، أما بعد:
أيها المسلمون عباد الله، اعلموا أن الأعمال الصالحة لا تتوقَّف إلا بتوقف الأعمار، فإن انتهى شهر الصيام فما زال الصيام مشروعًا مدى العام، ومن ذلك صيام ستٍّ من شوال، التي قال النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها: ((مَنْ صامَ رمضانَ، ثم أتبعه سِتًّا من شوال كان كصيامِ الدَّهْرِ))، وكذلك صيام يومي الاثنين والخميس، والأيام البيض من كل شهر، وغيرها من أنواع صيام التطوُّع.
وإن انتهت التراويح، فما ‏زال قيام الليل مشروعًا، وهو دأبُ الصالحين، وإن انتهى شهر القرآن، فما زالت قراءة القرآن مشروعةً في كل وقت؛ فاغتنموا يا عباد الله الأعمار والأزمان، وتقرَّبوا إلى الله بالحسنات والطاعات، فإن من علامات قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها.
أيها المسلمون، يوم العيد يوم سعة فيما أباح الله، فوسِّعوا على أنفسكم وأولادكم، وأظهروا الفرحة والسرور، واحذروا من الوقوع في الذنوب والمعاصي والآثام‏؛ من الاستماع أو النظر إلى ما حرَّم الله تعالى، واختلاط الرجال بالنساء، ومصافحة غير ذوات المحارم، أو الإسراف والتبذير في المأكل والمشرب.
وتذكَّروا عباد الله قوله تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، فقد أكملنا العِدَّة، وكبَّرنا الله، وبقي الشكر، فاشكروا الله على نعمه بقلوبكم وألسنتكم وأعمالكم، واشكروا الله على أن هداكم للإيمان، واشكروا الله أن وفَّقكم لصيام رمضان وقيامه، واشكروا الله على نِعْمَة الأمْن والأمان.

أيها المسلمون عباد الله، في العيد تتصافى القلوب، وتتصافَح الأيدي، ويتبادَل الجميعُ التهانيَ، وإذا كان في القلوب رواسبُ خِصامٍ أو أحقاد، فإنها في العيد تُسلُّ فتزول.
وإن كان في الوجوه العبوسُ، فإنَّ العيدَ يدخل البهجةَ إلى الأرواح، والبسمةَ إلى الوجوه، فإذَا التقى المسلمانِ في يوم العيد، وقد باعدت بينهما الخلافاتُ، فأعظمُهما أجرًا البادئ أخاه بالسلام.
أيها الأحباب الكِرام، العيد مناسبة طيبة لتصفية القلوب من البغضاء أو الشحناء، فلنغتنم هذه الفرصة، ولتُجدد المحبة، وتحل المسامحة والعفو محل العتب، والهجران مع جميع الناس، من الأقارب والأصدقاء والجيران.
فصِلُوا أَرْحَامَكُمْ يا عباد الله؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ))؛ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]، وَاحْذَرُوا قَطِيعَةَ الرَّحِمِ؛ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [محمد: 22]،
وتذكَّروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا))؛ [رواه مسلم]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام))؛ [رواه البخاري ومسلم]، وفي رواية عند أبي داود: ((فمَنْ هَجَرَ فوقَ ثلاث فماتَ؛ دخل النار))؛ [صححه الألباني].
واستمع إلى هذا الحديث الذي تقشعِرُّ منه الجلود، والذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ هَجَر أخاه سنةً، فهو كسَفْكِ دمه))؛ [رواه أبو داود وصححه الألباني].
ألا فاتقوا الله معاشر المتباغضين، وسارعوا إلى إصلاح ذات بينكم، وكونوا عونًا لأنفسكم وإخوانكم على الشيطان، ولا تكونوا عونًا للشيطان على أنفسكم وإخوانكم.

الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون عباد الله: في هذا العيد يمُرُّ إخوانُنا في فلسطين (في غَزَّة الصمود) بحربٍ إباديةٍ وهمجيةٍ لم يشهد مثلها التاريخ من أحفاد القِرَدةِ والخنازير من اليهودِ الغاصبين بمرأى ومسمع من العالم كُلِّه؛ لكننا نُوقِنُ أنَّ العَاقِبَةَ للمؤمِنِين، وَأنَّ النَّصرَ مِن عِندِ الله تعالى مَهمَا تَأخَّرَ.
• فلا ينبغي أن ننظر لهذه الأحداث نظرة تشاؤمية؛ فقد قصَّ الله تعالى علينا في كتابه قصصًا مشابهةً لِما يحدث في غزة، بل أفظع منها:
• فقد قال الله تعالى عن فرعون: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4].
• ثم بيَّن لنا أنه نصر هؤلاء المستضعفين بعد زمن؛ فقال تعالى: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ [الأعراف: 137].
• وبيَّن أنه نصرهم بسبب صبرهم؛ فقال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137].
• وبيَّن الله سبحانه وتعالى لنا أن من سنته: إمهال الظالمين مدة ثم يأخذهم:
قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178] وفي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لَيُملي للظالم فإذا أخذه لم يُفْلِتْهُ؛ ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102])).
• ‏وبيَّن سبحانه وتعالى أن العاقبة في الدنيا والآخرة للمتقين إذا قاموا بدينه ونصروه:
قال تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 40، 41] وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7] وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 120] وقال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49].
• ‏وأن النصر والتمكين للمؤمنين:
قال تعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55] وقال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51] وقال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 10] وقال تعالى: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47].
• والمؤمنُ الحقُّ يوقنُ أن عاقبةَ الصراعِ بيننا وبين اليَهُود نصرٌ حاسمٌ بإذن الله تعالى ؛ ففي الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ، فيقتلُهم المسلمون، حتى يختبيءَ اليهوديُّ من وراءِ الحجرِ والشجرِ، فيقولُ الحجرُ أو الشجرُ: يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ هذا يهوديٌّ خلفي، فتعالَ فاقْتلْه.))

فاللهم مُنْزِلَ الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمِ اليهود الغاصبين، وزلزلِ الأرض من تحتهم، ودمرهم تدميرًا.
•اللهم وانصر إخواننا المستضعفين في فلسطين، وثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الكافرين.
•اللهم اشفِ مرضاهم، وعافِ مبتلاهم، وأطْعِمْ جائعهم، وداوِ جرحاهم، وتقبل موتاهم في الشهداء.
•‏اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة.
•‏اللهم كما سلمتنا إلى رمضان وسلمت رمضان لنا فتسلمه منا خالصا متقبلاً.
•‏اللهم تقبل صيامنا وقيامنا واجعلنا من عتقائك من النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار برحمتك يا عزيز يا غفار.

((تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وكل عام وأنتم بخير))

المشاهدات 1203 | التعليقات 0