سماعون للكذب أكالون للسحت 23 / 12 / 1435
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ
"
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، يَقتُلُ القَاتِلُ فَيُقطَعُ رَأسُهُ ، وَيَسرِقُ السَّارِقُ فَتُقطَعُ يَدُهُ ، وَيَزني الزَّاني فَيُجلَدُ أَو يُرجَمُ ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ لَهُم وَطَهَارَةٌ ، وفي المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " بَايِعُوني عَلَى أَلاَّ تُشرِكُوا بِاللهِ شَيئًا ، وَلا تَسرِقُوا وَلا تَزنُوا ، وَلا تَقتُلُوا أَولادَكُم ، وَلا تَأتُوا بِبُهتَانٍ تَفتَرُونَهُ بَينَ أَيدِيكُم وَأَرجُلِكُم ، وَلا تَعصُوا في مَعرُوفٍ ، فَمَن وَفَى مِنكُم فَأَجرُهُ عَلَى اللهِ ، وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا فَعُوقِبَ بِهِ في الدُّنيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَن أَصَابَ مِن ذَلِكَ شَيئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا فَهُوَ إِلى اللهِ : إِن شَاءَ عَفَا عَنهُ وَإِن شَاءَ عَاقَبَهُ " فَبَايَعنَاهُ عَلَى ذَلِك .
أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ العُقُوبَاتِ الدُّنيَوِيَّةَ فِيمَا فِيهِ حَدٌّ شَرعِيٌّ ، تُطَهِّرُ أَصحَابَهَا مِمَّا فَعَلُوا ، وَتَمحُو عَنهُم ما قَدِ اقتَرَفُوا ، وَتُنجِيهِم بِإِذنِ اللهِ مِن عُقُوبَةِ الآخِرَةِ ، لَكِنَّ ثَمَّةَ جَرِيمَةً عَظِيمَةً ، وَمُوبِقَةً كَبِيرَةً ، لِصَاحِبِهَا مَعَ العُقُوبَةِ شَأنٌ آخَرُ ، حَيثُ لم يَجعَلِ اللهُ لَهُ حَدًّا مُطَهِّرًا في الدُّنيَا ، وَلا عُقُوبَةً عَاجِلَةً مُنقِيَةً ، وَإِنَّمَا أَخبَرَ عَن سُوءِ حَالِهِ ، وَشِدَّةِ مُنقَلَبِهِ وَمَآلِهِ ، وَتَوَعَّدَهُ وَمَقَتَهُ ، وَأَعلَنَ حَربَهُ وَحَربَ رَسُولِهِ عَلَيهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَالُوا إِنَّمَا البَيعُ مِثلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ البَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوعِظَةٌ مِن رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمرُهُ إِلَى اللهِ وَمَن عَادَ فَأُولَئِكَ أَصحَابُ النَّارِ هُم فِيهَا خَالِدُونَ . يَمحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُربِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ . فَإِن لَم تَفعَلُوا فَأذَنُوا بِحَربٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُم فَلَكُم رُءُوسُ أَموَالِكُم لا تَظلِمُونَ وَلا تُظلَمُونَ . وَإِن كَانَ ذُو عُسرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم تَعلَمُونَ . وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ "
فَأَيُّ تَقبِيحٍ أَكبَرُ مِن هَذَا ؟!
وَأَيُّ تَحذِيرٍ أَشَدُّ مِنهُ ؟!
وَمَاذَا يُرِيدُ مُؤمِنٌ بِاللهِ مُتَّقٍ لِغَضَبِهِ وَعِقَابِهِ بَعدَ قَولِهِ ـ تَعَالى ـ وَحُكمِهِ وَوَعِيدِهِ ؟!
ثُمَّ تَعَالَوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ لِنَذكُرَ مَعَ كَلامِ اللهِ شَيئًا مِن كَلامِ رَسُولِهِ ؛ لِتَتَّضِحَ مَسِيرَةُ آكِلِ الرِّبَا ، فَعِندَ البُخَارِيِّ عَن سَمُرَةَ بنِ جُندُبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ في حَدِيثِ رُؤيَا النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ ، حَيثُ أَتَاهُ آتِيَانِ ، وَابتَعَثَاهُ وَانطَلَقَا بِهِ ، وَأَرَيَاهُ أُمُورًا مِمَّا يَحدُثُ لِلنَّاسِ في قُبُورِهِم ، وَمِن ذَلِكَ قَولُهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " فَانطَلَقنَا فَأَتَينَا عَلَى نَهَرٍ أَحمَرَ مِثلِ الدَّمِ ، وَإِذَا في النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسبَحُ ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَد جَمَعَ عِندَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً ، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسبَحُ مَا يَسبَحُ ، ثُمَّ يَأتي ذَلِكَ الَّذِي قَد جَمَعَ عِندَهُ الحِجَارَةَ ، فَيَفغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلقِمُهُ حَجَرًا فَيَنطَلِقُ يَسبَحُ ، ثُمَّ يَرجِعُ إِلَيْهِ ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلقَمَهُ حَجَرًا ـ قَالَ ـ قُلتُ لَهُمَا : مَا هَذَانِ ؟ قَالا : وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيتَ عَلَيهِ يَسبَحُ في النَّهَرِ وَيُلقَمُ الحَجَرَ ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا ... " الحَدِيثَ .
وَعَن جَابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُوكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيهِ ، وَقَالَ : " هُم سَوَاءٌ " أَخرَجَهُ مُسلِمٌ .
هَذِهِ حَالُ آكِلِ الرِّبَا ـ أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ـ مَلعُونٌ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللهِ ، مَطرُودٌ مِن رَحمَةِ اللهِ ، مَمحُوقَةٌ بَرَكَةُ مَالِهِ ، ثم هُوَ بَعدُ في عَذَابٍ في القَبرِ ، وَقِيَامٍ كَالمَجنُونِ في الحَشرِ ، وَنَارٍ تَلَظَّى ، إِنَّهَا الحَربُ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ، فَأَيُّ نَفسٍ تَتَحَمَّلُ كُلَّ هَذَا مِن أَجلِ حَفنَةٍ مِنَ الدُّنيَا قَلِيلَةٍ ؟!
وَأَيُّ جَسَدٍ يَقدِرُ عَلَى كُلِّ هَذَا العَذَابِ ؟!
وَمَن هَذَا الجَاهِلُ الأَحمَقُ ، الَّذِي يَبلُغُ بِهِ الجُنُونُ أَن يُعَرِّضَ نَفسَهُ لِحَربٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ؟!
وَهَل يَظُنُّ مُعَانِدٌ جَاهِلٌ أَن يُحَارِبَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ فَيَسلَمَ أَو يَنجُوَ أَو يَنتَصِرَ ، أَو تَقُومَ لَهُ قَائِمَةٌ أَو يَرتَفِعَ شَأنُهُ ؟!
لَقَد كَانَ اليَهُودُ أَخبَثَ النَّاسِ مَطعمًا ، وَشَرَّ الأُمَمِ مَكسَبًا ، أَخَذُوا الرِّبَا وَأَكَلُوا السُّحتَ ، فَاستَوجَبُوا العَذَابَ وَالغَضَبَ وَالمَقتَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " فَبِظُلمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمنَا عَلَيهِم طَيِّبَاتٍ أُحِلَّت لَهُم وَبِصَدِّهِم عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا . وَأَخذِهِمُ الرِّبَا وَقَد نُهُوا عَنهُ وَأَكلِهِم أَموَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ وَأَعتَدنَا لِلكَافِرِينَ مِنهُم عَذَابًا أَلِيمًا "
لَقَد حَرَّمَ العَزِيزُ الجَبَّارُ عَلَيهِم كَثِيرًا مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتي كَانَت حَلالاً لهم ، عُقُوبَةً لَهُم بِسَبَبِ ظُلمِهِم وَاعتِدَائِهِم ، وَصَدِّهِمُ النَّاسَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَمَنعِهِم مِنَ الهُدَى ، وَأَخذِهِمُ الرِّبَا وَقَد نُهُوا عَنهُ ، فَمُنِعُوا مِن كَثِيرٍ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَحُرِّمَت عَلَيهِم ، لاختِيَارِهِمُ الخَبِيثَ عَلَى الطَّيِّبِ ، فَعُوقِبُوا مِن جِنسِ فِعلِهِم ، وَمِن رَحمَةِ اللهِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ ، أَن حَرَّمَ عَلَيهِمُ الرِّبَا ابتِدَاءً ؛ تَنزِيهًا لَهُم عَمَّا يَضُرُّهُم في دِينِهِم وَدُنيَاهُم ، بَل وَبَيَّنَ لَهُم وَهُوَ أَصدَقُ القَائِلِينَ أَثَرَ أَكلِ الرِّبَا فِيمَن قَبلَهُم ، وَأَنَّهُ لا خَيرَ فِيهِ وَلا بَرَكَةَ وَلا نَمَاءَ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ وَمَقتٌ وَدَمَارٌ وَسُحتٌ . وَمَا زَالَت آثَارُ الرِّبَا السَّيِّئَةُ ظَاهِرَةً في المُجتَمَعَاتِ الَّتي تَتَعَامَلُ بِهِ في عَصرِنَا ، فِيمَا يُشَاهَدُ مِن حُرُوبٍ عَلَى المَوَارِدِ ، وَغَلاءٍ في الأَسعَارِ ، وَأَغنِيَاءَ مُترَفِينَ مُسرِفِينَ مُتخَمَةٍ بُطُونُهُم ، وَفُقَرَاءَ مُدقِعِينَ مُشَرَّدِينَ يَتَضَوَّرُونَ جُوعًا ، وَمَعَ تَحرِيمِ اللهِ وَرَسُولِهِ لِلرِّبَا ، وَظُهُورِ آثَارِهِ المُدَمِّرَةِ ، فَمَا زَالَ المُسلِمُونَ وَفي دِيَارِ الإِسلامِ ، يُبتَلَونَ بِمَصَارِفَ رِبَوِيَّةٍ في أُصُولِهَا ، رِبَوِيَّةٍ في مُعَامَلاتِهَا ، رِبَوِيَّةٍ في أَخذِهَا وَعَطَائِهَا ، تَفتَحُ لَهُم أَبوَابَ الشَّرِّ في مُسَاهَمَاتِهَا ، ثم يَنبَرِي مَن يَدَّعُونَ حُبَّ الوَطَنِ ، فَيَزعُمُونَ أَنَّ في ذَلِكَ تَقَدُّمًا لِلبِلادِ ، أَو نُهُوضًا بِالاقتِصَادِ ، أَو دَعمًا لِلتَنمِيَةِ أَو دَفعًا لِلمَسِيرَةِ ، أَو إِغنَاءً لِلفُقَرَاءِ وَمُضَاعَفَةً لأَربَاحِ الأَغنِيَاءِ ، مُتَجَاهِلِينَ قَولَ الصَّادِقِ المَصدُوقِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا أَحَدٌ أَكثَرَ مِنَ الرِّبَا إِلاَّ كَانَ عَاقِبَةُ أَمرِهِ إِلى قِلَّةٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ . وَقَولَهُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا في قَريَةٍ فَقَد أَحَلُّوا بِأَنفُسِهِم عَذَابَ اللهِ " رَوَاهُ الحَاكِمُ وَغَيرُهُ وَقَالَ الأَلبَانيُّ : حَسَنٌ لِغَيرِهِ .
فَيَا لَهَا مِن تَعَاسَةٍ مَا أَشَدَّهَا !
وَيَا لَهَا مِن خَسَارَةٍ مَا أَقوَاهَا !
وَلا وَاللهِ وَكَلاَّ ، لا يُحَرِّمُ رَبُّنَا الرِّبَا ، وَيُخبِرُنَا بِأَنَّهُ مَمحُوقٌ لا بَرَكَةَ فِيهِ ، بَل وَيُنذِرُنَا سُوءَ عَاقِبَتِهِ وَمَغَبَّةَ أَكلِهِ ، وَيُقَرِّرُ نَبِيُّنَا وَحَبِيبُنَا أَنَّ نِهَايَةَ الرِّبَا إِلى قِلَّةٍ ، ثم نُصَدِّقَ صَحَفِيًّا قَلِيلَ العِلمِ سَيِّئَ الفَهمِ ، أَو نَتَّبِعَ رِبَوِيًّا طَمَّاعًا جَمَّاعًا مَنَّاعًا ، إِنَّا إِذً لَعَبِيدُ سُوءٍ وَمَا نَحنُ بِمُؤمِنِينَ ، وَصَدَقَ الحَبِيبُ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ إِذْ قَالَ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ : " تَعِسَ عَبدُ الدِّينَارِ وَعَبدُ الدِّرهَمِ وَعَبدُ الخَمِيصَةِ ، إِن أُعطِيَ رَضِيَ وَإِن لم يُعطَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انتَقَشَ "
تَعِيسٌ وَرَبِّي مَن جَعَلَ هَمَّهُ الجَمعَ وَالمَنعَ ، فَكَيفَ بِمَن لا يُبَالِي مَا أَخَذَ أَمِنَ الحَلالِ أَم مِنَ الحَرَامِ ؟!
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَحَذَارِ حَذَارِ مِنَ الاغتِرَارِ بِالدِّعَايَاتِ ، أَوِ الانسِيَاقِ وَرَاءَ السَّفَاهَاتِ ، أَوِ الاندِفَاعِ خَلفَ الأَطمَاعِ ، وَالفِرَارَ الفِرَارَ بِدِينِكُم ، قَبلَ أَن تَقُولَ نَفسٌ يَا حَسرَتى عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ اللهِ " وَاتَّقُوا يَومًا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلى اللهِ " وَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الغَرُورُ ، فَإِنَّمَا هِيَ دُنيَا فَانِيَةٌ ، وَأَموَالٌ زَائِلَةٌ ، وَمَتَاعُ غُرُورٍ عَاجِلٌ " اِعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ في الأَموَالِ وَالأَولَادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ "
" إِنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَاللهُ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ "
وَوَاللهِ لَو كَانَتِ الدُّنيَا مَغنَمًا لَكَانَت لِخَير ِخَلقِ اللهِ ، فَعَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ مِن خُبزِ الشَّعِيرِ يَومَينِ مُتَتَابِعَينِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وَعَن عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : دَخَلتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِذَا هُوَ مُضطَجِعٌ عَلَى رُمَالِ حَصِيرٍ لَيسَ بَينَهُ وَبَينَهُ فِرَاشٌ ، قَد أَثَّرَ الرُّمَالُ بِجَنبِهِ ، مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِن أَدَمٍ حَشوُهَا لِيفٌ . قُلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اُدعُ اللهَ فَليُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ ؛ فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَد وُسِّعَ عَلَيهِم وَهُم لا يَعبُدُونَ اللهَ . فَقَالَ : " أَوَفي هَذَا أَنتَ يَا بنَ الخَطَّابِ ؟ أُولَئِكَ قَومٌ عُجِّلَت لَهُم طَيِّبَاتُهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا " وَفي رِوَايَةٍ : " أَمَا تَرضَى أَن تَكُونَ لَهُمُ الدُّنيَا وَلَنَا الآخِرَةُ ؟ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وعَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " قُمتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ ، فَكَانَ عَامَّةُ مَن دَخَلَهَا المَسَاكِينَ ، وَأَصحَابُ الجَدِّ مَحبُوسُونَ ... " الحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ عَنِ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " لَو كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِن مَالٍ لابتَغَى ثَالِثًا ، وَلا يَملا جَوفَ ابنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن تَابَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . اللَّهُمَّ اكفِنَا بِحَلالِكَ عَن حَرَامِكَ ، وَاغنِنَا بِفَضلِكَ عَمَّن سِوَاكَ .
الخطبة الثانية :
أمَاَّ بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنظُرْ نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ
"
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، سَتَجِدُونَ في الصَّحَافَةِ وَالإِعلامِ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ ، مَن يَزعُمُونَ أَنَّ الاكتِتَابَ في المَصرِفِ الفُلانيِّ هُوَ دَلِيلُ ثِقَةِ النَّاسِ بِمَسؤُولِيهِم وَحُبِّهِم لِوَطنِهِم ، وَمُشَارَكَتِهِم في تَنمِيَتِهِ وَدَعمِ مَسِيرَتِهِ ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا لم نَكُنْ نَحسَبُ أَنْ سَيَأتي مِن أَبنَائِنَا مَن يَكتُبُهُ يَومًا مَا ، أَو يَقُولُ لِلنَّاسِ : إِمَّا أَن تُرَابُوا وَتَتَعَرَّضُوا لِحَربِ اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَإِمَّا أَن تَكُونُوا مُحَارِبِينَ لِلوَطَنِ ، حَائِلِينَ دُونَ تَقَدُّمِهِ وَازدِهَارِهِ ، أَيُّ سُخفٍ هَذَا ؟! وَأَيُّ عُقُولٍ تُقِرُّ بِهِ ؟! وَأَيُّ إِيمَانٍ لمن يُبَارِزُونَ اللهَ بِالمَعصِيَةِ ، وَيَصطَفُّونَ أَمَامَ مَصرِفٍ لِيُسَاهِمُوا فِيهِ ، وَهُوَ يُعلِنُ الرِّبَا وَيَدعَمُهُ ، وَمُعظَمُ أُصُولِهِ مِنَ الرِّبَا ، وَقَد أَفتَى بِحُرمَةِ الاكتِتَابِ فِيهِ العُلَمَاءُ ، حَتى أَجمَعُوا عَلَى ذَلِكَ أَو كَادُوا ؟!
إِنَّهُ لَيَكفِي العُقَلاءَ فَضلاً عَنِ المُسلِمِينَ ، مَا مُنِيَ بِهِ المُسَاهِمُونَ فِيمَا مَضَى مِن ضَرَبَاتٍ مُوجِعَةٍ ، يَومَ فَتَحَتِ المَصَارِفُ لهم أَبوَابَهَا ، وَنَمَّقَت دِعَايَاتِهَا ، وَجَذَبَتهُم بِمَعسُولِ الوُعُودِ وَحُلوِ الكَلامِ ، حَتى دَفَعُوا إِلَيهَا دِمَاءَ قُلُوبِهِم وَمَاءَ أَعيُنِهِم ، وَبَذَلُوا في المُسَاهَمَاتِ عُصَارَةَ كَسبِهِم ، وَبَقُوا في أَحلامِهِم يَنتَظِرُونَ الثَّرَاءَ وَمُضَاعَفَ الأَربَاحِ ، فَلَم يُفِيقُوا إِلاَّ وَقَدِ التُهِمَت أَموَالُهُم ، وَامتُصَّ عَرَقُ جِبَاهِهِم ، وَاقتُطِفَت ثِمَارُ كَدِّهِم ، وَخَرَجَ كَثِيرٌ مِنهُم مَدِينِينَ مَهمُومِينَ ، يَتَكَفَّفُونَ وَيَسأَلُونَ وَيَستَجدُونَ ، بَعدَمَا ذَاقُوا الذُّلَّ وَحَمَلُوا الثِّقَلَ ، وَأَعطُوني بِرَبِّكُم فَردًا مِن أَفرَادِ هَذَا المُجتَمَعِ استَفَادَ مِن تِلكَ المُسَاهَمَاتِ ، أَو بَنَى بها اقتِصَادًا شَخصِيًّا ، فَضلاً عَن أَن يُبنَى بها وَطَنٌ كَبِيرٌ ، أَو يَقُومَ عَلَيهَا اقتِصَادٌ شَامِخٌ ، وَإِنَّهُ لَمِنَ الغَبَاءِ البَيِّنِ وَالحَمَاقَةِ الوَاضِحَةِ أَن يَسِيرَ امرُؤٌ في طَرِيقٍ فَيَجِدَهُ مَسدُودًا ، ثم يَسِيرَ فِيهِ مَرَّةً أُخرَى فَلا يَجِدَ فِيهِ إِلاَّ السِّبَاعَ وَاللُّصُوصَ ، ثم يُصِرَّ عَلَى سُلُوكِهِ مِرَارًا وَتَكرَارًا ، فَيَا أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، أَفِيقُوا وَاستَفِيقُوا ، وَانتَبِهُوا وَلا تَغفَلُوا ، وَلا تَغتَرُّوا بِالدِّعَايَاتِ فَتَجعَلُوا مِن أَنفُسِكُم لُقَمًا سَائِغَةً لِمَن طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِم ، فَجَانَبُوا دُرُوبَ الهُدَى وَالرَّشَادِ ، وَأَبَوا إِلاَّ أَن يَسِيرُوا بِبُلدَانِهِم وَمُجتَمَعَاتِهِم خَلفَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى ، مِمَّن هُم " سَمَّاعُونَ لِلكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحتِ " قَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " لا يُلدَغُ المُؤمِنُ مِن جُحرٍ مَرَّتَينِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
عبدالله البصري
[align=justify]
وهنا خطبة :
تأملات في آيات الربا
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/176065
وهنا خطبة :
السندات الربوية وحرب جديدة
https://khutabaa.com/khutabaa-section/corncr-speeches/172432
وهنا خطبة :
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله
http://www.alukah.net/sharia/1128/3780/
[/align]
تعديل التعليق