( خطبة ) سبب تأخر الغيث من السماء

خالد الشايع
1442/04/11 - 2020/11/26 19:30PM

الخطبة الأولى ( لم تأخر الغيث  عن الأرض )   12/4/1442

أما بعد فيا أيها الناس : اتقوا الله ، فتقواه أيها الناس  هي رأس مال كل مخلوق في الأرض ، وبها نجاته وفلاحه ، ولهذا علق سبحانه النجاح والفلاح بها ، وجعل أكرم الخلق عند الله هم المتقون  قال سبحانه ( إن أكرمكم عن الله أتقاكم )

وصرح بها النبي صلى الله عليه وسلم على رؤوس الملأ قائلا ( والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له )

عباد الله : إن رزق الله جل وعلا لا يجره حرص حريص ولا يدفعه كراهية كاره ، بل الأرزاق تستدر بتقوى الله ، فمن اتقى الله رزقه الله قال سبحانه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )

وما حُرم العبد من الرزق بمثل المعاصي والذنوب ، قال سبحانه ( ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) وكما قيل الذنوب تذر الديار بلاقع .

وقال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم/41 .

وقال تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) الجن/16 .

وقال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) الأعراف/ 96 .

قال ابن كثير رحمه الله :

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا) أي : آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل ، وصدَّقت به ، واتبعته ، واتقوا بفعل الطاعات ، وترك المحرمات :

(لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) أي : قطر السماء ، ونبات الأرض .

قال تعالى : (وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) أي : ولكن كذبوا رسلهم ، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم ، والمحارم .

أيها الناس : الكل يعلم أن المطر قد تأخر عن وقت نزوله ، فهذا وقت الوسم قد قارب على النهاية ولم ينزل المطر على نجد وضواحيها ، والله إنه لنذير شر ، وما حبس المطر عنا إلا بذنب أحدثناه ، واحتباس المطر من الله إنذار للناس ليراجعوا أنفسهم ، ويعودوا للطريق المستقيم .

إن العبد ليذنب ثم يتوب ، وهذا شأنه بل عليه فطر ، ولكن المصيبة تقع ، عندما يستشري الفساد ، ويضعف أهل الحق عن إنكار المنكر ، عندها يصدق على هذه القرية قوله سبحانه (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا )

أيها المؤمنون : إذا انقطع المطر عن الأرض ، أجدبت الأرض ، وهلك الزرع والضرع ، وعطش الناس ، وتوقفت الحياة كما قال سبحانه ( وجعلنا من الماء كل شيء حي) ألا فلنفق من غفلتنا قبل فوات الآوان ، ولنراجع حسابتنا مع الله ، فلقد ترادفت علينا الشدائد والناس لا يزالون غافلين عن الصراط المستقيم ، فها هي الأسعار تزداد في السلع ،  والضرائب تضرب على الناس ، وارتفاع في فواتير الكهرباء والماء ، وغلاء في الوقود ، وركود في الأسواق والعقار ، حتى ظهر أثر ذلك جليا على العباد والبلاد في فترة وجيزة ، أفلا نفيق من الغفلة ، ونرجع لأمر الله ، الخالق الرازق ، الذي بيده كل شيء ، فهو الخافض الرافع ، القابض الباسط سبحانه .

قال أبو هريرة رضي الله عنه : 

إن الحبارى – نوع من الطيور - لتموت في وكرها من ظلم الظالم .

وقال مجاهد رحمه الله :  إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السَنَة – أي : القحط - وأمسك المطر , وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم .

وقال عكرمة رحمه الله :

دواب الأرض وهوامها ، حتي الخنافس ، والعقارب يقولون : مُنعنا القطر بذنوب بني آدم .

اللهم اغفر لنا ذنوبنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، أقول قولي .....

                                الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس : مما اتفق عليه العقلاء من جميع الأمم : أن المعاصي لها تأثير على واقع حياتهم ، وسبُل رزقهم , ومما يدل على ذلك : أن هؤلاء العقلاء يوصون باجتناب الظلم ؛ لما يعلمون من سرعة تعجيل عقابه , بل حتى العرب قبل الإسلام كانوا يحذرون عاقبة بعض المعاصي ، كالبغي ، والغدر ، والظلم .

 والعقل يدل على مجازاة المحسن بالإحسان , وعلى مجازاة المسيء بالعقاب ، والحرمان ، ومثال ذلك : أنك تجد المعلِّم في المدرسة يثيب الطلبة المجتهدين بالجائزة ، والثناء , ويكون عكس ذلك للمقصرين , وهكذا صاحب العمل في عمله يشجع العامل المجتهد ، ويزيد له في أجره , وعلى عكس ذلك يكون الحال مع العامل المقصر .

ولله المثل الأعلى ، فهو سبحانه وتعالى ينبِّه عباده إلى الرجوع إليه ، والتوبة ، بمثل هذه السنن ، كالجفاف ، وتأخر المطر ، وضيق الرزق ؛ ليرجعوا إليه ، ويتركوا ما هم عليه من معاصٍ وآثام ، ولو حصل شيء من الرزق من السماء : فلأجل البهائم !  .

قال القرطبي رحمه الله :

وقد استسقى نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فخرج إلى المصلَّى متواضعاً ، متذللاً ، متخشعاً ، مترسِّلاً ، متضرعاً ، وحسبك به ، فكيف بنا ، ولا توبة معنا ، إلا العناد ، ومخالفة رب العباد ، فأنَّى نُسقى ؟! لكن قد قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر : ( وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِم إِلاَّ مُنِعُوا القَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ البَهَائِم لَمْ يُمْطًروا ) الحديث .أهـ 

وإن رغد العيش ، ووفرة الماء ، قد يكون لبعض الناس والأمم بلاء واستدراجاً ، كما هو مشاهد في بلاد الغرب , وهذا مبلغهم من النعيم ، وقد عجلت لهم طيباتهم في الدنيا , وسيكون عليهم بسبب ذلك زيادة في العذاب في الآخرة .قال تعالى : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) آل عمران/ 180 .

كما جاء ذلك مبيَّناً في حديث أخرجه الطبراني في معجمه من حديث عُقْبَةَ بن عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لَهُ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ ، ثُمَّ نَزَعَ هَذِهِ الآيَةَ : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) 

فتحصَّل مما سبق :

أنَّ حبس المطر عن قوم ، أو بلد : إنما هو بأمر الله تعالى ، ومهما كان له من الأسباب المادية : فإن الله تعالى هو من قدَّرها .

وإذا قدَّر الله تعالى المطر والرزق لبلد ، أو قوم عصاة غير تائبين ، أو كفار غير مسلمين : فلحكَم جليلة ، وأسباب عديدة ، منها : استدرجهم بالخيرات لزيادة العذاب عليهم يوم القيامة ، ومنها : أنه من أجل البهائم ، لا من أجلهم هم ، وإذا حصل ذلك : صارت البهائم حينئذٍ خيراً منهم .

عباد الله : الواجب علينا جميعا التوبة من الذنوب والمعاصي ، والأخذ على يد السفيه العاصي ، والتزام الصراط المستقيم ، كما أمر الله تعالى

اللهم من علينا بالتوبة قبل الممات ....

المشاهدات 1188 | التعليقات 0