خطبة : ( رمضان يسارع فسارعوا )
عبدالله البصري
رمضان يسارع فسارعوا 12/ 9/ 1445
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، لَقَد جَعَلَ اللهُ تَعَالى لِرَمَضَانَ نُقطَةَ انطِلاقٍ وَبِدَايَةٍ ، مِنهَا يَشرَعُ المُسلِمُ الَّذِي يُرِيدُ أَن يَصِلَ إِلى النِّهَايَةِ السَّعِيدَةِ وَيَبلُغَ الغَايَةَ الحَمِيدَةَ ، أَمَّا نُقطَةُ الانطِلاقِ وَالبِدَايَةِ فَهِيَ الإِيمَانُ ، وَأَمَّا النِّهَايَةُ وَالغَايَةُ فَهِيَ التَّقوَى ، وَأَمَّا مَا بَينَ ذَلِكَ فَهُوَ المُنَافَسَةُ وَالمُسَابَقَةُ وَالمُسَارَعَةُ ، وَلِهَذَا نَادَى الكَرِيمُ الرَّحِيمُ سُبحَانَهُ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ لا سَائِرَ النَّاسِ فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ " ثم قَالَ سُبحَانَهُ : " كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكُم " لِيَستَشعِرَ المُؤمِنُونَ المُنَافَسَةَ فِيمَا بَينَهُم ، وَالمُنَافَسَةَ فِيمَا بَينَهُم وَبَاقي الأُمَمِ ، فَالمُنَافَسَةُ مَطلُوبَةٌ ، وَالمُسَابَقَةُ مَحمُودَةٌ ، وَالمُسَارَعَةُ مَمدُوحَةٌ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُسَجَّلٌ عِندَ اللهِ وَمُدَوَّنٌ في سِجِلِّ الحَسَنَاتِ " فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ " وَعَلَى هَذَا أَيُّهَا المُؤمِنُونَ ، فَإِذَا أَرَدنَا - وَلا شَكَّ أَنَّنَا نُرِيدُ - أَن نَقطِفَ الثَّمَرَةَ الحُلوَةَ وَنَصِلَ إِلى الغَايَةِ وَنَسعَدَ في النِّهَايَةِ ، فَلْنَبحَثْ عَن مَدَى إِيمَانِنَا وَتَصدِيقِنَا بِمَا جَاءَ في كِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا ، وَلْنَسأَلْ أَنفُسَنَا مَا حَظُّنَا مِن جَعلِ ذَلِكَ الإِيمَانِ وَالتَّصدِيقِ العِلمِيِّ عَمَلاً مُشَاهَدًا ، وَتَحوِيلِهِ إِلى وَاقِعٍ مَلمُوسٍ ؟! لَقَد أَعَدَّ اللهُ تَعَالى الجَنَّةَ لِلمُتَّقِينَ ، وَبَيَّنَ أَنَّ مِن صِفَاتِهِمُ المُسَابَقَةَ وَالمُسَارَعَةَ وَالمُنَافَسَةَ ، قَالَ تَعَالى : " إِنَّ الأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ . تَعرِفُ في وُجُوهِهِم نَضرَةَ النَّعِيمِ . يُسقَونَ مِن رَحِيقٍ مَختُومٍ . خِتَامُهُ مِسكٌ وَفي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ " وَقَالَ تَعَالى : " سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ . في جَنَّاتِ النَّعِيمِ . ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ . وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ . عَلَى سُرُرٍ مَوضُونَةٍ . مُتَّكِئِينَ عَلَيهَا مُتَقَابِلِينَ . يَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانٌ مُخَلَّدُونَ . بِأَكوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأسٍ مِن مَعِينٍ . لا يُصَدَّعُونَ عَنهَا وَلا يُنزِفُونَ . وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ . وَلَحمِ طَيرٍ مِمَّا يَشتَهُونَ . وَحُورٌ عِينٌ . كَأَمثَالِ اللُّؤلُؤِ المَكنُونِ . جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُونَ . لا يَسمَعُونَ فِيهَا لَغوًا وَلَا تَأثِيمًا . إِلاَّ قِيلًا سَلامًا سَلامًا " وَقَالَ جَلَّ وَعَلا : " وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم وَجَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعمَ أَجرُ العَامِلِينَ " أَجَل أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ العَاقِلَ الفَطِنَ يُسَارِعُ إِلى المَغفِرَةِ بِالأَخذِ بِأَسبَابِهَا ، وَذَلِكَ بِالمُسَارَعَةِ في تَركِ ما نُهِيَ عَنهُ وَحُرِّمَ عَلَيهِ ، وَفِعلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَوَجَبَ عَلَيهِ ، وَبِالتَّوبَةِ مِن جَمِيعِ المَحظُورَاتِ وَالذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ ، وَمَن كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنَ المُسَارِعِينَ إِلى الجَنَّةِ ، لأَنَّ مَن غَفَرَ اللهُ لَهُ فَقَد رَضِيَ عَنهُ ، وَمَن رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَمِنَ العِقَابَ ، وَنَالَ بِرَحمَةِ اللهِ الأَجرَ وَالثَّوَابَ ، فَاللهَ اللهَ بِالمُسَارَعَةِ ، مَن كَانَ عَابِدًا فَلْيَزدَدْ وَلْيَستَكثِرْ ، وَمَن كَانَ مُقَصِّرًا فَلْيَتُبْ وَلْيَستَغفِرْ ، فَإِنَّ كُلاًّ عَلَى خَيرٍ إِذَا صَلَحَت نِيَّتُهُ وَارتَقَت هِمَّتُهُ وَصَدَقَت عَزِيمَتُهُ ، أَنفِقُوا في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَاكظُمُوا الغَيظَ وَاعفُوا عَنِ النَّاسِ ، وَأَحسِنُوا فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ، وَأَكثِرُوا مِنَ التَّوبَةِ وَالاستِغفَارِ ، وَاحذَرُوا العُكُوفَ عَلَى الخَطأِ وَالإِصرَارِ ، آمِنُوا بِاللهِ إِيمَانًا صَادِقًا يُورِثُ عَمَلاً صَالِحًا ، وَحَاسِبُوا أَنفُسَكُم قَبلَ أَن تُحَاسَبُوا ، وَتَزَيَّنُوا لِلعَرضِ الأَكبَرِ عَلَى اللهِ ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ الكَيِّسَ مَن دَانَ نَفسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعدَ المَوتِ ، وَالعَاجِزَ مَن أَتبَعَ نَفسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللهِ الأَمَانيِّ ، وَإِنَّهُ إِذَا المَرءُ في لَيلِهِ لم يُزَاحِمِ القَائِمِينَ ، وَلم يُسمَعْ لَهُ دَوِيٌّ بِالقُرآنِ مَعَ التَّالِينَ ، وَلم يُفَطِّرْ صَائِمًا ، وَلم يَكُنْ لَهُ سَهمٌ في عَمَلِ بِرٍّ ، وَلم يَرفَعْ إِلى اللهِ كَفًّا بِدُعَاءٍ ؛ بَل قَضَى شَهرَهُ نَومًا وَكَسَلاً ، وَتَركًا لِلفَرَائِضِ وَوُقُوعًا في المُحَرَّمَاتِ ، وَمُتَابَعَةً لِسَاقِطِ القَولِ وَفَاضِحِ الصُّوَرِ ، فَإِنَّهُ لا قِيمَةٍ لِحَيَاتِهِ حِينَئِذٍ ، أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلْنُسَارِعْ وَلْنُسَابِقْ ، وَلْنَصبِرْ وَلْنُصَابِرْ وَلْنُرَابِطْ ؛ امتِثَالاً لأَمرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ قَالَ : " وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " سَابِقُوا إِلَى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ " وَقَالَ تَعَالى : " وَاصبِرْ نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ وَلَا تَعدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَلَا تُطِع مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا " وَقَالَ جَلَّ وَعَلا : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ " وَقَالَ تَعَالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيكُم وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَولَاكُم فَنِعمَ المَولَى وَنِعمَ النَّصِيرُ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَلا يَظُنَّنَّ ظَانٌّ أَنَّ المُوَفَّقِينَ مِمَّنِ استَغَلُّوا هَذَا الشَّهرَ الكَرِيمَ وَاستَثمَرُوا فُرَصَ هَذَا المَوسِمِ العَظِيمِ ، أَنَّهُم قَد وَصَلُوا إِلى ذَلِكَ بِرَاحَةِ أَجسَادِهِم أَو اتِّبَاعِ أَهوَائِهِم ، أَو إِيثَارِ شَهَوَاتِهِم وَطَردِ مَلَذَّاتِهِم ، أَوِ البُخلِ بِأَموَالِهِم وَالضَّنِّ بِهَا عَلَى رَبِّهِم ، لا وَاللهِ وَكَلاَّ ، بَل لَقَد طَلَبُوا الخَيرَ مَظَانَّهُ ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّهِم وَتَعَرَّضُوا لِلنَّفَحَاتِ ، وَاستَعَانُوا بِاللهِ وَاعتَصَمُوا بِهِ وَتَزَوَّدُوا بِالطَّاعَاتِ ، وَجَاهَدُوا أَنفُسَهُم وَنَوَّعُوا القُرُبَاتِ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد هُدُوا وَوُفِّقُوا وَازدَادُوا إِيمَانًا ، قَالَ تَعَالى : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ " وَقَالَ سُبحَانَهُ : " وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقوَاهُم " أَلا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ . إِن يَشَأ يُذهِبكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ . وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وَإِن تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلَى حِملِهَا لا يُحمَل مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفسِهِ وَإِلى اللهِ المَصِيرُ . وَمَا يَستَوِي الأَعمَى وَالبَصِيرُ . وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ . وَلا الظِّلُّ وَلا الحَرُورُ . وَمَا يَستَوِي الأَحيَاءُ وَلا الأَموَاتُ إِنَّ اللهَ يُسمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسمِعٍ مَن في القُبُورِ "
المرفقات
1711023850_رمضان يسارع فسارعوا.docx
1711023851_رمضان يسارع فسارعوا.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق